الفيصل الرئيسى فى قضية الكارت الذهبى والخبز، ان يصل الرغيف لمن يستحقه وبالطريقة الصحيحة التى توفر فلوس الدعم للدولة بدلا من ذهابها لجيوب اصحاب المخابز. هذا هو المبدأ والباقى تفاصيل. وللمرة الألف تقع الحكومة فى نفس الخطأ، وهو سوء الإخراج منقطع النظير لمعظم القضايا، العادلة منها و«المضروبة». هل تذكرون الأخطاء القاتلة التى أخرجت بها الحكومة قضايا مثل ألبان الأطفال وزيادتها فجأة من دون إعلان او تمهيد؟ وبعدها وقف استيراد القمح المصاب بالأرجوت، ثم السماح باستيراده بعد ان هاج علينا كل العالم؟!، ثم قرار إلغاء الجمارك على واردات الفراخ المجمدة ثم إلغاء الالغاء بعد أيام؟!. كنت اعتقد ان الحكومة فهمت الدرس واستوعبته ولن تكرره، لكننى خسرت الرهان هذه المرة ايضا؟! الطريقة التى تعاملت بها الحكومة ووزارة التموين مع قضية الكارت الذهبى للخبز كارثية. مرة أخرى أنا لا أناقش هنا هل القرار صح أم خطأ، بل الطريقة والآلية التى تم بها اتخاذه. مبدئيا اقتنعت إلى حد كبير بما قاله وزير التموين د. على مصيلحى، وشكوكه بأن غالبية كمية الخبز التى يتم صرفها بالكارت الذهبى تذهب لجيوب أصحاب المخابز. ولمن لا يعرف أصل الحكاية فالكارت الذهبى موجود مع صاحب أى مخبز ويصرف به يوميا ما يتراوح بين ألف و أربعة آلاف رغيف للذين لا يملكون كروتا إلكترونية. والتقديرات ايضا ان هناك عشرين الف مخبز، تصرف 6 ملايين رغيف يوميا بالكارت الذهبى بتكلفة 3.6 مليون جنيه أى نحو 1.3 مليار جنيه سنويا، وتصل كمية الخبز المصروف بالكارت الذهبى إلى 20% من الكمية الكلية فى بعض المحافظات. فى حين يقدر مصيلحى القيمة بنحو 2 مليار جنيه، نصفها يذهب إلى غير المستحقين. الكلام أقرب إلى المنطق لانه يتسق مع وقائع موجودة على الأرض، بدأت تظهر كثقوب سوداء كثيرة فى منظومة الخبز، ويستفيد منها أصحاب المخابز وبعض مفتشى التموين والمحليات، فى إطار منظومة فساد خربة، تحتاج قوى خارقة لتفكيكها. يقول الوزير إن حجم الدعم الموجه لرغيف الخبز تضاعف وارتفع إلى 60 مليار جنيه بسبب ارتفاع الدولار، وصارت تكلفة الرغيف تصل إلى 55 قرشا. يقول الوزير ايضا إنه سيتم استبدال كل البطاقات الورقية بأخرى إلكترونية بحد أقصى نهاية مارس الحالى وهنا السؤال الجوهرى: لماذا لم تبدأ الحكومة معالجة هذه القضية بهذه الخطوة؟!. كان يمكن للوزير عقد مؤتمر صحفى كبير يقول فيه رسالة قصيرة خلاصتها إن الوزارة ستعطى كل من لا يملك بطاقة إلكترونية مهلة شهر مثلا للحصول عليها، وبعدها لن يكون بمقدور أى شخص الحصول على أى رغيف إلا عندما يكون مالكا لهذه البطاقة. لو أن الحكومة فعلت ذلك، ما جرى الذى جرى، من إشاعات تحولت إلى مظاهرات واشتباكات انذرت بشرر متطاير فى اكثر من اتجاه. الفيصل الرئيسى هو أن يحصل كل مواطن مستحق على الخبز المدعم بطريقة سليمة، بحيث لا تذهب إلى صاحب المخبز أو أى حلقات وسيطة. من الواضح أن أصحاب المخابز وجدوا فى «الكارت الذهبى» ما يعوضهم عن المكاسب الكثيرة التى كانوا يحققونها من بيع الدقيق المدعم لمحلات الحلويات بسعر كبير قبل تطبيق منظومة الخبز. إذا تمكنت الحكومة من توفير الخبز المدعم لكل من يستحقه، فلن يحاسبها أحد إذا أوقفت حيتان المخابز، والمعتقد أنهم لعبوا دورا مهما فى زيادة حدة الأزمة الأخيرة، ليس حبا فى الفقراء ومحدودى الدخل، ولكن لأن أموالا ضخمة تدخل إلى جيوبهم بسبب فساد فى بعض أوجه المنظومة. للأسف الشديد الحكومة دخلت القضية من مرحلتها الأخيرة، ونجحت بمهارة منقطعة النظير فى تأليب المزيد من القطاعات الشعبية ضدها بسبب فشلها الإعلامى والتسويقى المستمر. وبعيدا عن المشكلة فإن الحكومة تريد التخلص من أكبر قدر ممكن من الأموال التى تنفقها على كل أوجه الدعم، لكنها للأسف تفشل فى كل مرة فى آلية الإخراج، وبدلا من أن يكون ذلك فى مصلحة الاقتصاد القومى والإنتاج، فإنه يتحول بقدرة قادر إلى أزمة شعبية كبيرة، كما حدث أمام بعض المخابز يوم الاثنين الماضى.