توجه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالشكر إلى مشيخة الأزهر الشريف على دعوته له لحضور مؤتمر التعايش المشترك «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل»، مشيدًا بمجهودات الأزهر في محاولات كسر هوة التواصل الضخمة التي صارت تتميز بها مجتمعاتنا العربية، على حد قوله. وأضاف «أبو الغيط»، خلال كلمته بالمؤتمر، اليوم الثلاثاء، أن أرض الوطن العربي شهدت بزوغ الوحي الرباني منذ آلاف السنين، وحمل أناسها الرسالة الربانية إلى العالم شرقًا وغربًا، وكانوا سراجًا منيرًا للعالمين وعاشوا تحت لواء المحبة والإخاء، متابعًا: «الأمور لم تكن دومًا وردية، فالبشر بطبيعتهم مزيج من الحكمة وللأسف الحماقة، فكما شهدت أرضنا عهود التعايش والوئام لم تخلو من رياح التعصب والكراهية، ونحن الآن نعيش في حقبة من حقب التعصب». وأوضح أن العالم العربي يشهد ظاهرة مثيرة للحزن الشديد وباعثة للأسى، وهي تمدد التيارات المتطرفة في المجال العام وهذا سبب العديد من الظواهر السلبية، ومنها تعرض مفهوم المواطنة والعيش المشترك، للتآكل والتراجع، متابعًا: «الدولة المعاصرة هي دولة لكل مواطنيها يعيشوا سويًا في ظل سيادة القانون دون جور لجماعة على أخرى، ولا تميز بين دين ودين، ويكون القانون دستور هذه الدولة والتسامح عمادها». وأكد أنه لابد أن يكون التسامح الديني، أحد المبادئ الأساسية في الدولة، ليس كصفة محمودة، لكن منظومة كاملة فكريًا وسياسيًا وقانونيًا، وتترسخ في ضمير المجتمع، حتى يتشربها أبناء المجتمع، وتصبح جزء من وعيهم العام، وتدخل في مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، حتى تصير نهجًا متبعًا من قبل كل أفراد المجتمع. وأشار إلى تأسس المواطنة على التسامح وقبول الآخر المختلف، مع احترام حقه في الاختلاف، وحقه في المشاركة الكاملة في الوطن، مشددًا على ضرورة القضاء على الجهل بالآخر، واكتساب المعارف عنه، باعتبار الجهل بالآخر، أحد المداخل الرئيسية التي يدخل منها المتطرفين بأفكارهم. وتابع: «الأغلبية في بلادنا تفترض أن لا حاجة لها أن تعرف عن الآخر الشريك لها في الوطن، فينشأ الأبناء متجاورين في السكن، ومقاعد المؤسسات التعليمية، لكن متباعدين كل البعد فيما يخص الروحانيات، لا يعرف أصحاب دين عن الآخر إلا القليل، وهذا أول طريق التطرف، فالسلاح الأول للمتطرفين هو بث روح البغضاء بين أتباع الديانات المختلفة، ومهمتهم تكون أسهل إذا كان أصحاب الديانات متباعدين ولا يعرفون عن الأديان الأخرى سوى القشور». وطالب المؤسسات الدينية، بضرورة ممارسة دور تربوي كي لا ينشأ الأبناء في عوالم متباعدة، تجعلهم أكثر عرضة للجراثيم الفكرية التي تهاجم المجتمعات، وأن تربي النشء على أن يعرف الآخر ويقبل اختلافه ويقبل حقه في التعايش. وأردف: «جماعات اليأس والظلام وأئمة فكر الكره والعنف، تمكنوا من تخويف الناس وبث الفتنة بينهم، فمسيحي الشرق يتعرضوا لخطة تهدف لإخلاء بلادهم منهم، بالرغم من أن إسهامات المسيحيين في الشرق لا ينكرها إلا جاحد، ومنهم من دعا إلى الفكرة العربية وروج لها في النصف الأول من القرن العشرين». وأكد أن أهم ما يميز الشرق الأوسط هو التنوع، وإذا فقد التعددية فإنه يموت، خاصة وأن العصر الحالي هو عصر التعددية بعد أن ولى عصر الفكرة الواحدة، لافتًا إلى تميز كل المجتمعات الناجحة بالتعدد والتنوع، ما يكسبها وفرة في الأفكار المتباينة ما ينعكس على المجتمع بشكل إيجابي.