جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    علاء عبدالنبي بعد تعيينه بالشيوخ: ملف الصناعة على رأس أولوياتي    وعظ كفرالشيخ يشارك في ندوة توعوية بكلية التربية النوعية    رئيس الوزراء: الأمن المائي ليس مجالًا للمساومة.. والنيل بالنسبة لمصر قضية وجود لا تقبل المغامرة    رئيس اقتصادية قناة السويس يبحث فرص التعاون مع وفدًا اقتصاديًا سويسريًا رفيع المستوى    إزالة 6 تعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية خلال حملات في كفرالشيخ    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    محافظ الجيزة يوجه بسرعة تجهيز مبنى سكن أطباء مستشفى الواحات البحرية    وفد اممي في زيارة لمعبر رفح البري    الهيئة الإنجيلية تشارك في دعم المتضررين في غزة    طالبان الأفغانية تلقي باللوم على باكستان في هجومين بطائرات مسيرة على كابول    الكرملين: روسيا مستعدة لتقديم كل المساعدة اللازمة للشعب الفلسطينى    روما يقترب من استعارة زيركيزي لاعب مانشستر يونايتد في يناير    فيريرا يستعين بجوارديولا وإنريكي.. الأهلي في بوروندي.. دعم بيراميدز.. ولاعبو الزمالك رجالة| نشرة الرياضة ½ اليوم    وفد بيراميدز يجري جولة تفقدية لملاعب التدريب في قطر قبل مباريات الإنتركونتيننتال    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل انطلاق الجولة ال 11    محامي زيزو ل"اليوم السابع": أدلة مستحقات اللاعب في اتحاد الكرة    ضبط 150 عبوة أدوية بيطرية مجهولة المصدر بالحامول في كفر الشيخ    ضبط معمل تحاليل غير مرخص بإحدى قرى سوهاج    غسيل أموال وفيديوهات خادشة.. قرار جديد بشأن البلوجر أوتاكا طليق هدير عبدالرازق    حملات مكثفة لفرض الانضباط وإزالة الإشغالات بشوارع بورسعيد التجارية    مايا دياب ل يسرا: محظوظين بأسطورة مثلك    آمال ماهر نجمة افتتاح مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية    محمد رجب ينضم لنجوم دراما رمضان 2026 ب«قطر صغنطوط»    تطورات جديدة في الحالة الصحية للإعلامية آيات أباظة.. اعرف التفاصيل    يروى تاريخ الإمارات.. متحف زايد الوطنى يفتح أبوابه فى 3 ديسمبر    سحر نصر: نبدأ مسيرة عطاء جديدة في صرح تشريعي يعكس طموحات أبناء الوطن    وزير الصحة والسكان يستقبل وزير الصحة العامة بدولة قطر    جامعة أسيوط تجري أول جراحة باستخدام مضخة «الباكلوفين» لعلاج التيبس الحاد    في يوم الأغذية العالمي| أطعمة تعيد لشعركِ الحياة والطول والقوة    كلمة مؤثرة في ختام مهمته.. "رئيس النواب": خدمة الوطن شرف لا يدركه إلا من خدمه بقلب نقي ونية خالصة    فرقة دمنهور المسرحية تعرض ها أم مللت في ملتقى شباب المخرجين على مسرح السامر    الأمين المساعد لشؤون الواعظات بالأزهر تزور معاهد سيوة    ريم مصطفى بطلة مسلسل «فن الحرب» ل يوسف الشريف في رمضان 2026    «حظهم وحش».. 3 أبراج تفشل في العلاقات والحب    رجال يد الأهلي يواجه البوليس الرواندي في بطولة إفريقيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    بطلها حسام عبد المجيد.. صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز    انطلاق منافسات ثمن نهائي بطولة مصر الدولية للريشة الطائرة بنسختها العاشرة    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    بيان عملى وتوعية ميدانية.. الحماية المدنية تستقبل طلاب مدرسة بالمنوفية    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    الأمن السوري يلقي القبض على ابن عم بشار الأسد    373 مستوطنا يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص بالبحيرة رفع الأجرة وحمّل ركابًا أكثر من المقرر    «النواب» يبدأ مناقشة «الإجراءات الجنائية».. و«سعد الدين»: تم التوافق على المواد محل الاعتراض    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    حلقات ذكر ومديح وانشاد في الليلة الختامية لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    مشكلة الميراث    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على الحافة: عشرون عامًا ويزيد
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 02 - 2017

تتخلَّص المصحَّات النفسية من نزلائها، تتخفَّف مِن حمولها بين الحين والحين، فتفتح لهم الأبواب ليصيروا فى الشوارع. إثارةٌ ما بعدها إثارة، تحبها وسائل الإعلام وتسعى وراءها، كونها فى غالبية الأحيان مادة مُشوِّقة تجتذب الجميع؛ صحفيين وقراء.
تحبها أيضا الأنظمةُ المُتسلِّطة، فكلما وقعت جريمةٌ لا يمكن تبريرها قيل إن فاعلَها مجنونٌ، بَحَثَ المسئولون فى تاريخه الطبيّ عن علامات اضطراب أو وصفات دوائية لعلّة فى النفس، وعزوا فعله إليها، وإن لم يجدوا صاغوا وابتكروا، وكلما كانت الجريمة مُحرِجَة للسُلطة، كان الجنونُ أسلمَ الحلول.
***
قرأت منذ أسبوعين تقريبا رواية جديدة، تلجُ عالمَ المرضَ النفسىّ بتفاصيله الدقيقة، المُبهرِة فى العادة لمَن لم يتماس بصورة أو أخرى مع حالِ المرضى والمصحات العامة والخاصة وأصناف الدواء. ما لفت نظرى بحُكم المِهنة والتخصصِ والدراسة كان عددُ المشاهد والإشارات والتساؤلات التى يطرحها البطل صاحب نوبات الاكتئاب المتكررة فيما يتعلق بعالمِه الموازى، عَالَم المَصحَّة شديد الخصوصية، ولعديد الناس شديد الغموض.
ثمّةَ حديثٌ عن لافتات تذخرُ بها العنابر، نُقشِت عليها حقوقُ المرضى؛ يذكر بطلُ الرواية منها حقَّ المريض فى عدم تقييد حريته بحيث يمكنه الخروج متى شاء. فى هذا السياق يظهر سؤال منطقىٌّ ومُخجِلٌ فى آن: «لماذا إذن هنا ناس من عشرين سنة وأكثر؟». توقفت طويلا عند علامة الاستفهام، فالقانون موجودٌ والحقُّ حاضرٌ، لكن كليهما أسيرُ الأوراق، إذ تحت ضغوط المجتمع وادعاءات المؤسسات الأمنية وتحت تأثير السطوة والنفوذ، قد يصعب الالتزامُ بأداءِ هذا الحقِّ.

***
لا شكّ أن حقَّ النزيل فى الخروج مِن المَصحَّة أمرٌ مفروغ منه؛ شرط استقرار حاله وعدم الخِشية مِنه على مَن حوله أو على نفسه، لكن ثمّة أسبابا قد تعوق الخروج، لا علاقة لها بالمرض وطبيعته ولا تقتصر على ظهور علامات اضطراب. يمسك البطل بالمفتاح قائلا: «فى الشهور الأولى تنتظم زيارات الأهل، ثم تتباعد، إلى أن تتلاشى فى كثير من الحالات»، كثيرا ما يعتاد الناس على غياب المريض عنهم ويستريحون للوضع الجديد حيث يتخلصون مِن مسئوليته، وكثيرا ما يرغبون فى إنكار وجود ابن أو أخ فى مَصَحَّة، ويفضلون تناسيه، وكأن إقامته فيها صارت أبديةً. بعض النزلاء دخلوا المصحّات فى عُمرِ الشباب، طال بهم المقامُ عشرات السنين ولم يغادروها إلا إلى القبور.
***
فى الرواية إشارة لمحاولات هدم مَصَحَّة «الكوثر» ومِن ثمّ تشريد أهلها، مَسَّت الإشارة عندى همّا قديما، فالمَصَحَّة النفسية الكُبرى الكائنة بطريق صلاح سالم، تتعرض للمحاولات ذاتها منذ سنوات، تحاول الحكومات المُتعاقِبة الاستيلاء على أرضِها ذات المساحة الشاسعة، إذ تضمن مِن بيعها ملايين الجنيهات بل مليارات، ولا يهتم أصحاب هذه المحاولات بالتاريخ والجغرافيا والقيمة العِلمية، فالمشاريع الاستثمارية الاستهلاكية تجُبُّ ما سواها. كلما خبا المشروع الاقتصادىُّ وانكسر أمام هبَّة المُعترضين، وجد لاحقا مَن يُحييه ويروِّج له.
ثمّةَ توازٍ مطروحٌ منذ البداية بين ما جرى لبطل الرواية وما جرى لحِراك يناير الثورىِّ، وكأن معاناته هى معاناتها، وكأن أحدهما ترك بصمته المُكئِبة على الآخر. بعض الاضطرابات النفسية تُعرَف بكونها تفاعلية، تتأثر فى نشأتها ومسارها بعوامل وظروف وضغوط تُطَوِّق الإنسانَ، ويكون فى تذليلها ومعرفة طرق التعامل معها جزءا لا غنى عنه فى عملية المعالجة. ما يسبب الإحباط والانتكاس هو غياب الأدوات اللازمة واستقرار العجز عن الفعل فى الروح.
كثيرا ما تجاورت تُهَمُ السياسة وتُهَمُ الجنون؛ حيث الوصف الدارج غير العلمىِّ، وكثيرا ما اقترنت مسألة مُعارضة النظام بفكرة غياب الاتزان النفسىِّ. فى المَصَحَّة كلامٌ عن السياسة لا صدى له خارجها، وكأن مُعارضة مشروع النظام لا تتأتى إلا«لمجنون»، وكأن الجَهرَ بكون مشروع قناة السويس الجديدة «فاشل» لا يصرح به إلا فاقدٌ للعقل. مَن المجنون ومَن العاقل؟ سؤال لابد مِن طرحه بعد القراءة، أما استنباط الإجابة فليس بعسير، العسير هو الإفصاح بها إذ هى تتوارى خوفا أو خجلا وربما امتعاضا.

***
جرأة على عطا لافتة للانتباه فوصفه للبطل أشبه ما يكون بوصفِه لذاته، تفاصيله، تواريخ حياته وميلاده، يتركنا نتساءل إن كان يقدم اعترافا ذاتيا أو غير ذلك، عن نفسى أحببت فكرة الاعتراف؛ صَحَّت أو خابت، فالعِلّة النفسية تدفع الناسَ للهرب مِنها وادعاء البراءة مِن وصمتها، يشعر كثيرون أنها نقيصةٌ تنالُ مِن كمالِهم، على الرغم من أن الاعتراف بها وقبولها قد يقطع مسافة كبيرة نحو التعايش والاستشفاء واستعادة الحياة.
فى «حافة الكوثر» ما أتصوره يهم الأطباء النفسيين وما قد ينغص عليهم حالهم ويدفعهم إلى إعادة التفكير فى بعض الممارسات المهنية، ثمة صورة تبدو شديدة الصدق، يرسمها المريض لما يتعرض له داخل المَصَحَّة؛ لا مُبالغة فيها ولا تهويل، لا إهمال أو إيذاء مباشر، بل تفاصيل يومية يعرفها فقط مَن اختبرها؛ بعضها يتعلق بالدواء وآثاره الجانبية الموجعة، وبعضها يتطرَّقُ إلى البرنامج اليومىِّ الذى يجعل سكان المَصَحَّة يشعرون بأنهم سجناءٌ، مرتبطون بصفارة الصحيان والأكل والنوم: «الكوثر أشبه بالسجن يا طاهر. العامل/الحارس لابد أن يتمم على المرضى بمجرد غروب الشمس ليتأكد من أن القسم الذى يحرسه ليس فيه فرد ناقص أو فرد زائد»، يبدو الطبيب أيضا كما الإله، دخول المرضى وخروجهم ونمط إقامتهم وتصرفاتهم وتواصلهم مع العالم الخارجىِّ، مَعقُود عليه وحده.
***
لاتزال علّة النفسِ فى نظرى أقسى العلل وأشدّها إيلاما وتأثيرا، ولا يزال المجتمع بمنأى عن استيعابها والتعامل معها، فى الرواية مُحاولة شجاعة لكسرِ بعض الحواجز وتبقى أخرى فى حاجة للكشف والتحليل ولذلك حديث آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.