- أمريكا عارضت لسنوات طويلة محاولات إسرائيل ضم القدس والجولان المحتلتين إليها - تل أبيب تتخذ قراراتها دون أي اعتبار لمواقف الدول العربية التي تتفاوض معها أو التي تربطها بها علاقات رسمية - الدولة المصرية بذلت جهودا مضنية من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل لكنها فشلت أمام الرفض الشعبي الصارم "ولقد اجتاحت الشعب في مصر موجة غضب شديد إزاء ما حدث في صبرا وشاتيلا، وتعالت النداءات من الفئات المثقفة والشعبية تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل ٫ وذهب بعضها الي حد المطالبة بالغاء معاهدة السلام وطالب البعض بإبعاد السفير الاسرائيلي من مصر وإغلاق سفارة إسرائيل في القاهرة. وفي صباح الحادي والعشرين من سبتمر 1982 اتصل بي الدكتور اسامة الباز مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية، وفهمت علي الفور ان قرار استدعائي قد اتخذ، قبل ان يبلغني به لأن تطور الأحداث كان يستلزم ذلك التصرف... ان الرئيس مبارك رفض ان يستسلم للانفعالات الشعبية والمطالبة بقطع العلاقات مع اسرائيل او إبعاد سفيرها، واتخذ قرارا مدروسا بسحب سفيره من اسرائيل، وأعلنت وزارة الخاجية قرار استدعاء السفير من تل ابيل للتشاور وكان ذلك المفعوم تعبيرا عن الاستياء البالغ للحكومة المصرية". هكدا وصف سعد مرتضي الدبلوماسي المصري بداية النهاية لمهمته أول سفير لمصر لدي اسرائيل في اعقاب مذبحة صبرا وشاتيلا وهي المهمة التي أوكلت إليه في 1980 في أعقاب اتفاقية السلام المصرية الاسرائيليه، كما انها المهمة التي وصفها له في حينه الرئيس انور السادات بانها "فريدة" بان يكون اول سفيرا لمصر في اسرائيل وذلك في ختام سنوات طويلة من العمل الدبلوماسي. كلمات سعد مرتضي جاءت في الفصل الاخير من كتابه الصادر عن دار الشروق عام 2008 "مهتي في اسرائيل – سعد مرتضي٫ مذكرات أول سفير مصري في تل ابيب". حيث يأتي الوصف الذي قدمه مرتضي لتفاصيل إبلاغه باستدعائه من اسرائيل التي كان قد وصلها في الاسبوع الاول من نوفمبر عام 1980 في أعقاب الاعلان عن تكليفه بالمهمة في نهايات عام 1979 – بعد ايام قليلة من اخبار الدكتور بطرس غالي له بهذا التكليف – ياتي مشابها لحد كبير في الوصف الذي يقدمه السفير المصري في الفصل الاول من الكتاب لتفاصيل استعداده الاول للذهاب الي اسرائيل بدءا بالمشاركة في قمة اسوان التي ضمت السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجين في يناير 1980 مرورا بلقاء العشرين دقيقة الذي جمعه مع السادات في منزل الرئيس بالجيزة حيث ابلغه الرئيس "انك ستمثلني انا شخصيا" ثم استعدادات المهمة من لقاءات هامة وتفاصيل تأمينه وصولا الي ركوبه طائرة صغيرة برفقة مجموعة محدودة من وفد أول سفارة مصرية في اسرائيل وما دار بذهنه اثناء الرحلة التي استمرت أكثر قليلا من ساعة وصولا الي مطار تل ابيب حيث قابل الياهو بن اليسار المتجه للقاهرة بدوره ليكون اول سفير لاسرائيل لدي مصر ثم لقائه مع الرئيس الاسرائيل اسحاق نافون بعد تقديم اوراق اعتماده في السادس والعشرين من فبراير عام 1980. في وصفه لساعات المغادرة لاسرائيل بعد مهمة 31 شهرا يتحدث مرتضي عن اجراءات امنية استثنائية ورحلة عودة برية عبر سيناء وانسحاب رجال الامن الاسرائيليين عند وصول موكب السفير الي رفح. وفيما بين مشاهد الاستعداد للمهمة ومشاهد الانتهاء منها يقدم كتاب سعد مرتضي الواقع في اكثر من 300 صفحة من القطع الكبير والذي يقول السفير المصري عنه انه ليس تجميعا مرتبا لما حدث وانما هو سرد مبسط جاولت ان يكون خفيفا " وجاء خاليا من الوثائق ومن تفاصيل استدعت المحاذير عدم ذكرها٫ شهادة بالغة الاهمية عن فصل كثيف التفاصيل والتعقيدات من العلاقات المصرية الاسرائيلية وايضا مسار التفاوض من أجل التسوية بين اسرائيل والعرب. شهادة مرتضي ليست بالاساس عن تلك المهمة الدبلوماسية التي وقعت في نهاية حكم السادات قبل اغتياله في اكتوبر 1980 وانتهت في السنوات الاولي لحكم حسني مبارك. شهادة مرتضي تحمل٫ ربما عن دون قصد٫ قراءة موثقة لمنهج اسرائيلي واضح لا يبدو في ظل احداث اليوم قد وقع عليه اي تغيير٫ الا من ازدياد في التشدد٫ لصياغة العلاقات العربية الاسرائيلية واختيار الحلفاء٫ كما وانها ايضا تشي ٫ ايضا ربما عن غير قصد٫ بظلال لمواقف عربية من اقامة علاقات مع اسرائيل لانهاء الصراع في جمل عابرة مثل اشارته الي ان "السعودية والاردن"” اكتفت بابداء الدهشة ازاء قرار الرئيس السادات السفر للقدس سعيا للسلام. ويحمل الفصل الثامن لكتاب مرتضي مقطعا من اهم المقاطع الكاشفة في هذه الشهادة حول السياسات الاسرائيلية ٫ بل ربما الثوابت الاسرائيلية٫ للتفاوض٫ ففي الفصل المعنون " مصر في جانب الشرعية الدولية" يتحدث مرتضي عن عدد من القرارات التي اصدرتها حكومة بيجين في الشهور الاولي للسلام المصري الاسرائيلي والي تسببت في توتر العلاقات ٫ لافتا الي "سياسة اقامة المستوطنات اليهودية في الاراضي العربية المحتلة" كانت علي رأس هذه القرارات٫ مشيرا في الوقت نفسه – بلغة لا تخلو من استياء غير معلن – الي ان "اتفاقية كامب ديفيد لم تنص علي عدم شرعية او وجوب وقف بناء المستوطنات" رغم ادعاء اسرائيل ان الهدف من هذه المستوطنات تأمين اراضيها ورغم ما صرح به المسؤولون الاسرائيليون انهم يستخدمون الموارد لمائية لكل المستوطنات وكل الاراضي المحتلة منذ عام 1967 وان اسرائيل ليست بصدد التفاوض علي المياه حتي "عند انضمام" باقي الدول العربي للتفاوض. مرتضي يتحدث في الفصل ذاته عن قانون ضم القدسالشرقية في يوليو 1980 بناء علي مشروع قانون مقدم من عضو الكنيست السيدة جيئولا كوهين عضو حزب "هتيما " المتطرف واتساقا مع ما اعلنه المفاوضون الاسرائيليون لنظرائهم من المصريين من ان اسرائيل تصر علي ان القدس موحدة "منذ عهد الملك داوود" وليس عليها سيادتان وذلك في سياق الرفض الاسرائيلي للمقترح المصري بان تبقي القدس موحدة علي ان تكون القدسالشرقية واقعة تحت السيادة العربية تحت اشرف مجلس الامن الدولي. ويقدم هذا الفصل نفسه قراءة في تاريخ حدود المواقف الامريكية تقليديا ازاء ما تقوم به اسرائيل في ملف الصراع العربي الاسرائيلي – والتي تمثل تذكيرا لافتا باختلاف المواقف الامريكية القادمة ربما تحت عهدة الرئيس الجديد دونالد ترامب – حيث يشير مرتضي الي انه بعد ضم القدسالشرقية كان بيجين يعتزم نقل مكتبه الي القدسالشرقية وان ما اوقفه عن فعل ذلك هي الانتقادات الامريكية الشديدة التي وصلت لوصف مثل هذاالقرار بانه يعرقل مسيرة السلام٫ كما يشير ايضا الي امتناع الولاياتالمتحدة عن التصويت ضد اول قرار يصدر عن مجلس الأمن لادانه اسرائيل اتصالا بضم القدسالشرقية حيث طالب القرار البلاد التي لها سفارات في المدينة بنقلها إلى مدن أخرى داخل إسرائيل. وتشمل "مذكرات" مرتضي عن مهمته سفيرا لمصر في اسرائيل ايضا اشارات الي مواقف امريكية رافضة لتبني اسرائيل قانون ضم الجولان في ديسمبر 181 ومن ذلك قرار واشنطن وقف محادثات التعاون الاستراتيجي مع اسرائيل وهو ما اثار حفيظة بيجين الذي اعلنه رفضه ان تتعامل الولاياتالمتحدةالامريكية مع اسرائيل كما لو كانت "من جمهوريات الموز"٫ واستمرار الولاياتالمتحدة رغم ذلك في دعم قرار صادر عن مجلس الامن باجماع الاراء وصف فيه قانون ضم الجولان بانه غير مشروع وأدانه. سياقات المواقف الامريكية التقليدية ازاء السياسات الاسرائيلية يعرج عليها ايضا مرتضي في وصفه للتدخل الامريكي الذي قام به الرئيس رونالد ريجان في عام 1982 "بصورة حاسمة" مع اسرائيل اثناء اجتياح بيروت كما يلفت مرتضي في كتابه :”مهمتي في اسرائيل" للمدي الذي يمكن ان تذهب اليه اسرائيل في اتخاذ افرارات دون ان تعبأ كثيرا بما قد يعنيه ذلك لحال التفاوض العربي الاسرائيلي ليس فقط من خلال قرارات مثل ضم القدسالشرقية والجولان التي مثلت مفاجاءة للقاهرة حسبما يروي ولكن ايضا في قرار تدمير المفاعل النووني العراقي في السابع من يونيو بعد ثلاثة ايام علي لقاء الرابع من يونيو الذي جمع الرئيس المصري مع رئيس الوزراء الاسرائيلي في شرم الشيخ. ويعد الفصلان السادس "مسيرة التطبيع" والعاشر "”السلام والسلام البارد" من اهم فصول كتاب مرتضي حيث انهما يوجزان حديثا مازال دائرا اليوم بعد قرابة 40 عاما عن وصول اول سفير مصري لاسرائيل حول المدي الذي يمكن ان تذهب له الدولة المصرية علي صعيد والشعب المصري والمثقفين المصريين علي صعيد اخر في قبول علاقات "عادية " مع اسرائيل. في حديث التطبيع يذكر مرتضي ان جولدا مائير ٫ رئيسة وزراء اسرائيل اثناء حرب اكتوبر٫ كانت تعتبر ان التطبيع يعني ببساطة ان يتمكن الاسرائيليون من الذهاب للقاهرة للقيام بالتسوق الاعتيادي٫ كما يلفت الي ان الرئيس الاسرائيلي اسحاق نافون كان يري كما اخبر يوما مجموعة من الشباب المصري الذي نظمت الدولة زيارة له لاسرائيل٫ ان زيارة المواطنين اهم بكثير من زيارة المسؤولين. كما يشير مرتضي في حديثه عن التطبيع الي ان القاهرة وافقت علي التمثيل الدبلوماسي وارساء الموصلات البحرية ،الجوية واشكال الاتصالات المختلفة ووافقت ايضا علي اشتراك اسرائيل في معرض الكتاب الدولي بل واقامت معرضا لاعمال محمود سعيد في تل ابيب ولكن الوافع ان الشعب المصري لم يقدم علي زيارةالجناح الاسرائيلي في معرض الكتاب كما لم يقدم علي السفر لاسرائيل رغم تاسيس شركة طيران – لتفادي وقوع مصر للطيران تحت قرار المقاطعة العربية في حال تشغيل رحلات القاهرة تل ابيب. ورغم ان شهادة مرتضي تشير الي استمرار التعاون المصري الاسرائيلي بعد اغتيال السادات، الذي اثار حزنا كبيرا في اسرائيل٫ في بدايات عهد مبارك علي مسارات بيع البترول لإسرائيل والتعاون الزراعي لاستصلاح نصف مليون فدان في شرق الدلتا واستقدام وسائل الزراعة الحديثة من اسرائيل والنظر في امكانات التعاون الصناعي٫ الا انه يصف مشاركة بيجين في جنازة السادات بانها كانت بداية لما داب الاسرائيليون علي وصفه بالسلام البارد ويعرض ايضا لرواية لم تتردد كثيرا عن ترتيبات جرت في اول حكم مبارك لزياره له لاسرائيل تم الغاؤها علي خلفية اصرار مبارك عدم زيارة القدس واعلان بيجين انه لن يلتقي بالرئيس المصريي في تل ابيب. كتاب مرتضي يضم ايضا فصلا -الرابع - عن أهم الساسة الاسرائيليين الذين كان لهم دورا في صياغة بدايات العلاقات المصرية الإسرائيلية مثل بيجين وشيمون بيريز واسحاق رابين واسحاق شارون – الذي اصر عند اول زيارة قام بها للرئيس مبارك في بدايات حكمه ان ياتي بالطريق البري عبر سيناء وليس عبر الممر الشمالي الذي كان مقررا للرحلات البرية الاسرائيلية - وفي خلال استعراضه لقرائته لهذه الشخصيات وغيرها التي تنتمي لحزبي العمل والليكود وغيرهما من الاحزاب السياسية الاسرائيلية يأتي حديث سعد مرتضي عن مواقف ثابتة لهم جميعا فيما يتعلق بالقدس الموحدة والمستوطنات كتأمين لاسرائيل والحرص عن البحث عن رفات الجنود الاسرائيلين في سنياء ورفض مناقشة الحقوق المصرية في تعويضات والسعي الحيثث لتوسيع مجالات التعاون المصري الاسرائيلي. كتاب سعد مرتضي قراءة سهلة كما اراد لها الدبلوماسي المصري وهي أيضا قراءة كاشفة لبدايات مسيرة العلاقات المصرية الاسرائيلية التي أسست لعلاقات عربية اسرائيلية يجري الحديث الرسمي اليوم في العلن قليلا وخلف الكواليس كثيرا عن "توسيع كامب ديفيد".