على هامش رحلة علمية إلى مدينة لندن لحضور المؤتمر الدولى السادس للصحفيين العلميين الذى حضره 900 صحفى وإعلامى علمى من مختلف دول العالم كانت «الشروق» على موعد مع بعض المتعة والثقافة والترفيه وإعادة اكتشاف الطبيعة داخل بعض متاحف لندن التاريخية والعلمية. كان الفارق ضخما بين أن تكون مستمعا إلى كلمات أو حتى تعبر عن رأيك كمحاضر فى جلسات مؤتمر تقارن بين واقع الإعلام العلمى ومستقبله وبين أن تستمتع بملمس الطبيعة داخل متحف التاريخ الطبيعى أو أن ترى المستقبل أمام عينيك متحدثا عن نفسه داخل متحف العلوم أو أن تشاهد تاريخ الثقافات والشعوب فى المتحف البريطانى أو تقارن الوجوه داخل متحف الشمع الرائع أو حتى تتسلى برؤية الألعاب فى متحف الطفولة. ورغم أن تنظيم المؤتمر الذى اهتم المجلس الثقافى البريطانى فى مصر بإعطاء منحة لكاتبة السطور لحضوره ضمن مسابقة علمية كان جيدا ومؤثرا بدرجة كبيرة إلا أن الإنسان فى العادة لا يتذكر الكلمات، ولهذا قال البعض: رب صورة أفضل من ألف كلمة فمن المعروف أن الصورة تأثيرها أكبر وأوقع على النفس البشرية، وهذا ما حدث لكل من زار تلك المتاحف، حيث تظل قاعات المعروضات حبيسة عقله يسترجعها باستمرار حتى مع مغادرته للمكان ومهما تعاقبت الأيام على تلك الزيارة. ومثلما نعتز كمصريين بالفراعنة وحضارتهم ونحتفظ بآثارهم فى متاحفنا ومعارضنا المختلفة كان «دارون» العالم الإنجليزى صاحب نظرية التطور عامل فخر لهم يمكنك أن تجده فى معظم المتاحف وحتى إن لم تجد له تمثالا هنا فستسمع له حثيثا بين زوار المتحف، فمن الغريب أن يمنع المسئولون كما علمت تدريس نظريات دارون فى المدارس البريطانية، بينما تجد صوته وتماثيله فى كل مكان يتردد إليه التلاميذ الصغار والكبار والشباب والشيوخ فى إقبال غير عادى على زيارة المتاحف. ولم يكن هذا الإقبال من فراغ بعدما اهتم مديرو المتاحف على تحويل متحفهم إلى مكان ترفيهى تقام فيها أعياد الميلاد للأطفال ويسمح فيها بالمبيت عبر مخيمات ليلية للشباب، وتنظم فيها الأحداث الكبرى كبعض المؤتمرات الدولية المهمة من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور ولخلق علاقة وثيقة بين المتاحف ومعروضاتها وبين الشعب الإنجليزى المثقف، الذى لا يضيع وقته مع الفراغ حتى أثناء ركوبه وسائل المواصلات فتجد كل فرد منغمسا حتى النخاع فى قراءة كتاب أو جرنال علمى أو ترفيهى. ربما حظى المتحف البريطانى باهتمام عدد من الصحف المصرية لأنه يضم العديد من الآثار المصرية القديمة، ونفس الحال بالنسبة لمتحف مدام توسود أو متحف الشمع نظرا لشهرته الواسعة، لهذا سنركز على متحفى العلوم والتاريخ الطبيعى وما بهما من معروضات باهرة. من المعروف أن منطقة ساوث كينزنجتون غرب العاصمة البريطانية لندن تضم ثلاثة متاحف، هى متحف التاريخ الطبيعى ومتحف العلوم ومتحف فيكتوريا أند ألبرت، حيث تشتهر محطة مترو الأنفاق ساوث كينزنجتون بأنها محطة المتاحف. ويعد متحف التاريخ الطبيعى من أعرق وأكبر ثلاثة متاحف فى لندن أحد أكبر متاحف التاريخ الطبيعى فى العالم، وتعرض فى أروقتها الأنواع المختلفة للكائنات الحية ويعرف أيضا بمتحف الديناصورات، حيث يعرض مجموعة من هياكل الديناصورات الضخمة، كما يحتوى المتحف على 70 مليون مادة معروضة من خلال خمس مجموعات مقسمة إلى علم النبات، علم الحشرات، علم المعادن،علم الأحياء القديمة وعلم الحيوان، وإلى جانب قاعات العرض الرئيسية، التى يقصدها الجمهور الزائر، هناك قاعات متخصصة مثل قاعات داروين، التى تحوى عروضا بالصوت والصورة، ومن أغرب ما رأيناه هناك ما يسمونه «مبنى الشرنقة» أهم توسع فى المتحف منذ انتقاله إلى جنوب كنسينجتون فى لندن عام 1881 وهو عبارة عن مبنى بيضاوى شديد الارتفاع يضم ملايين العينات النباتية والحيوانية فى مختبرات التكنولوجيا الفائقة، وهى فرصة رائعة لجميع الزائرين لإعادة استكشاف الطبيعية بطريقة مثيرة ومبتكرة، لم يتسن لنا مشاهدته من الداخل نظرا لأنه لم يتم افتتاحه بعد للجمهور، وقال لنا المسئولون قبل أن نغادر إن هذه الفرصة ستتاح للجمهور فى 16 سبتمبر الحالى. أما متحف العلوم الذى يجاور متحف التاريخ الطبيعى، ففيه أحدث المبتكرات التكنولوجية وتاريخ تطور العلوم وشعار المتحف «دمج العلوم فى الحياة ودمج الحياة فى العلوم «ويحتفل الآن بمرور مائة عام على إنشائه، كان أهم ما يميز المتحف الذى يدخله الجمهور بصورة عامة مجانا بعض القاعات ذات المعروضات العلمية المدهشة، والتى تحتاج لدخولها بالطبع إلى رسوم نظرا لارتفاع تكلفتها مثل قاعات السينما المجسمة بالصوت والصورة، وتشرح عدد كبير من العوالم وانت داخله مثل عالم البحار والفضاء الخارجى وحتى عالم الإنسان ويغلب على هذا المتحف الاهتمام بالمستقبل عبر ذكر قصص عن المستقبل تحكى بصوت إلكترونى بشكل مبسط يستطيع فهمها كل الأعمار، ولهذا تنظم المدارس البريطانية رحلات منتظمة للمتاحف ويعتبر جزءا أساسيا ومكملا لبرامجها التعليمية خاصة فى المدارس الابتدائية، وقد لاحظت «الشروق» أنه معظم المتاحف به قاعات عديدة للأطفال تحتوى على معروضات مجسمة تتيح التجريب واللمس والتفاعل الحقيقى كأنها نوع من الألعاب المتطورة، وذلك بهدف أن يعتاد الصغار على تقدير أهمية المتاحف وزيارتها عندما يكبرون. ما يميز المتاحف هناك أنها تتواكب مع التطور الحديث للعلوم دون إغفال القيمة التاريخية للمعروضات القديمة، وتحرص تلك المتاحف على احترام الطبيعة، فعلى سبيل المثال فقد تعهد متحف العلوم بخفض 10٪ من انبعاثات الكربون خلال عام 2010، ويفتخر بالإعلان عن ذلك داخل المتحف وعلى موقعه الإلكترونى. الإثارة هى أكثر ما يجذب الجمهور إلى متاحف لندن يكفى أن ترى انطباعات الجمهور من مختلف الجنسيات المرسومة على وجوههم من خوف وترقب من قاعة «الزلزال»، التى كانت ضمن معروضات متحف التاريخ الطبيعى فقد صممت أرضيتها بشكل تفاعلى فكانت تهتز كأنها زلزال حقيقى يتدرج من الضعف إلى الشدة، ومع هذه الإثارة يحصل الزائر على معلومات عن تاريخ الزلازل، وما هو أقوى زلزال مثلا واجهته الكرة الأرضية وما خلفه من دمار. كل ما شاهدناه جعلنا نقف بشدة مع الأصوات العالية المطالبة باستمرار بإقامة مثل تلك المتاحف فى مصر خاصة متاحف العلوم، وذلك لعظم وظائفها العلمية والشعبية، فهل يستمع أحد من المسئولين إلى تلك الأصوات؟