ارتفاع كبير للأسهم الأمريكية في تعاملات اليوم    ترامب: إيلون ماسك فقد عقله ولست مستعدا للحديث معه    الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    مبادرة العيد أحلى في مراكز الشباب.. أنشطة ترفيهية وثقافية بشمال سيناء في أول أيام الأضحى    رسميا.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    كيفية اختيار أضحية العيد وشروطها؟.. استشاري توضح    وزير التموين: غرفة عمليات لمتابعة الأنشطة التموينية خلال إجازة عيد الأضحى    في أول أيام العيد.. مصرع طالب غرقا ببني مزار بالمنيا    الملايين يصلون «الأضحى» بالساحات والمساجد فى القاهرة والمحافظات    مباراة المغرب ضد تونس مباشر اليوم.. الموعد والمعلق والقنوات الناقلة    وزير التموين: استمرار عمل المجمعات الاستهلاكية خلال أيام العيد    كل أهداف الترجى التونسى فى كأس العالم للأندية (فيديو)    حاملًا سلاحًا في بوستر «7DOGS».. ويُعلق: «زيزو مش في الفيلم.. أنا في الأهلي»    النجم العالمي جيمي فوكس يشارك في إنتاج الفيلم المصري "هابي بيرث داي"    أرقام موسم عيد الأضحى في 10 سنوات: تامر حسني الأكثر استمرارية وكريم وعز يتصدران الإيرادات    جولات العيد في المنيا.. وكيل وزارة الصحة تتفقد عددا من المستشفيات وتطمئن على جاهزيتها    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    محافظ الإسماعيلية يتفقد المجمع الطبى بحى ثالث فى أول أيام عيد الأضحى    ياسر جلال يحتفل بالعيد مع الفنان مصطفى أبو سريع بفيديو كوميدي    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    المجمعات الاستهلاكية تواصل عملها في أول أيام عيد الأضحى    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    جاسمين طه زكي: نشأت في بيت سياسي ودخولي الإعلام قوبل باستهجان    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    حمزة العيلي يكشف تأثير فيلم «إكس لارج» على الجمهور وأجره المتواضع في العمل    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يلتقي نظيره البرازيلي في جنيف    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى من حديقة الميريلاند    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    الطرق الصحيحة لتجميد وطهي اللحوم    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    «وداعًا للحموضة بعد الفتة».. 6 مكونات في الصلصة تضمن هضمًا مريحًا    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    المثلوثي: جمهور الزمالك نمبر 1.. وناصر منسي: سنبني على تلك البطولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسيح بن مريم.. لمن لا يعرفه!!
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 01 - 2017

كان «عمران» جد المسيح يعيش مع زوجته «حنة» فى الناصرة بفلسطين، وكان يشعر بالفخر لأنه من نسل سيدنا داود عليه السلام وكذلك زوجته وكانا من أهل الدين والصلاح، وكان جل حديثهما يدور حول الدين والأنبياء وسيرهم وقصص التوراة.
وكانت بعض أسر الناصرة تنحدر من أصلاب الأنبياء، وكان عامة أهل الناصرة فقراء، وكان عمران جد المسيح نجارا كآل داود جميعا، كان سيدنا زكريا وزوجته «اليصابات» من خدمة المعبد فى أورشليم القدس.
وكانت حنة هى شقيقة اليصابات، وكان عمران يزور المعبد فى بعض الأحيان وكلما زاره وجلس مع سيدنا زكريا راودته فكرة خدمة المعبد مثله والتفرغ لذلك، حتى عزم على ذلك وفعله فتفرغ مع زوجته حنة للعبادة، فاجتمع الصديقان «زكريا وعمران» واجتمعت الشقيقتان «حنة والبصايات».
وحملت حنة ففرحوا جميعا ولكن عمران مرض مرضا شديدا توفى على إثره فعادت حنة إلى الناصرة وحزنت لفراق المعبد والتبتل وأيام الصفاء الجميلة فنذرت ما فى بطنها للعبادة وخدمة المعبد ليكون مثل أبيه عمران وقالت مناجية ربها «رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ولكنها فوجئت بأن المولودة أنثى «فلما وضعتها قالت وكأنها تعتذر عن ذلك: «رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَىٰ وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
وقد اختارت لها هذا الاسم تيمنا بمريم شقيقة النبيين الكريمين موسى وهارون عليهم السلام، فجاء الرد السماوى بالقبول الحسن وأنبتها نباتا حسنا، وعاشت فى الناصرة حتى كبرت وحان وقت الوفاء بالنذر فانطلقت بها الأم إلى المعبد لتسلمها للعباد وعلى رأسهم سيدنا زكريا.
فرح الجميع بها لأنهم يعرفون أباها، واختلف العباد فيمن يكفلها فقال زكريا: أنا أحق بذلك فوالدها صديق عمرى وزوجتى خالتها فاختلفوا فاقترعوا مرتين إحداهما عن طريق أقلام مكتوب على كل منها اسم الكفيل ويأتى طفل صغير ليختار أحدها فخرج قلم زكريا، فرفض القوم ذلك، فاقترعوا بطريقة أخرى فألقوا أقلامهم فى البحر، والذى يسير قلمه عكس التيار يكفلها، فكانت لزكريا أيضا.
وكانت أمها تزورها فى المعبد كل حين، وكانت التوراة تبشر بالمسيح وأنه سيأتى من نسل داود وستضعه عذراء، فكانت كل فتاة تحلم بولادة النبى المنتظر، وكانت مريم تحلم بذلك وتواصل الليل بالنهار عبادة وتبتلا وخشوعا وذكرا لله سبحانه وقراءة فى سير الأنبياء والمرسلين.
وفى ليلة من ليالى العبادة سمعت صوتا غريبا ففزعت فإذا بجبريل يبشرها «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ» وساد المحراب صمت مخيف وظلت مريم ذاهلة لا تصدق ما حدث حتى تمالكت نفسها وغمرتها السعادة، وخرت ساجدة شكرا لله سبحانه.
كانت بركات السماء تتنزل على مريم فى صور كثيرة، كانت فاكهة الصيف تأتيها فى الشتاء والعكس إذا رغبت فى شىء منها.
كانت تقرأ عن الملائكة التى تنزلت على موسى وهارون وداود والآن هى تتحدث إليهم ويتحدثون إليها، ولما رأى زكريا تلك الكرامات تنهال على مريم تجدد لديه الأمل القديم فى ولد صالح يرث النبوة والرسالة، فالذى رزق مريم الفاكهة فى غير أوانها قادر على أن يهبه الولد على الرغم من فوات أوانه، فدخل محرابه وظل يناجى ربه ويدعوه ويتبتل إليه حتى شعر وكأنه هائم فى نور ربه وشعر بالقرب منه وعبر القرآن عن ذلك بقوله: «وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».
وعند ذلك دعا زكريا ربه قال: « قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا، وَإِنِّى خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيّا، يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا» فجاءت الإجابة من السماء: «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّا»، فقال: «اجْعَل لِّى آيَة» قال: «آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا»، وتحقق وعد الله لزكريا فأنجب يحيى الذى يطلق عليه فى الإنجيل «يوحنا المعمدان».
كان يحيى والمسيح عليهما السلام أولاد خالة ومن أقرب الرسل بعضهما لبعض، وهما أشبه بهارون مع موسى.
واستمرت مريم فى عبادتها وأيامها السعيدة تتوالى، وفى ليلة من ليالى العبادة والتبتل الرائعة إذا بالملائكة أمامها تناديها: «إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيها فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى المَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ» لقد لخص لها الملائكة كل صفات المسيح تقريبا، ولكن البشرى أذهلتها عن معلوماتها السابقة فسألت: «رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ».
خضعت لأمر الله وسعدت به واستمرت فى عبادتها وشعرت أن الكون كله يصلى ويتعبد ويذكر معها، وفى يوم من الأيام رأت فى المعبد شابا وسيما أمامها ففزعت قائلة: «إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّا» فطمأنها بقوله: «إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاما زَكِيّا» فسألت مثلما سأل زكريا متعجبة: «أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّا» قال: «كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَة لِّلنَّاسِ وَرَحْمَة مِّنَّا وَكَانَ أَمْرا مَّقْضِيّا».
ونفخ الله فيها من روحه، وحملت المسيح وبدأ القلق يساورها ويشتد يوما بعد يوم، فلما كبر بطنها عزم رهبان المعبد على محاكمتها ورجمها فى الغد على الرغم من دفاع زكريا عنها وأنها قد تحمل المسيح المنتظر.
أمر الله يوسف النجار خطيبها السابق أن يذهب بها بعيدا وكان قد رأى فى منامه رؤيا براءتها من الفاحشة، وأنه سيكفل نبى الله الوليد، فذهب بها إلى بيت لحم حيث فاجأها المخاض عند جذع نخلة وقد قص القرآن قصة ولادتها بأروع بيان.
ثم عادت بعد ذلك إلى الناصرة بلدتها وتركت معبد أورشليم «فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ» قالوا: «يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئا فَرِيّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّا» وكأنهم يذكرونها بطيب معدنها ويعجبون لغفلتها، فلم تجد لكلامهم جوابا فإذا بالوليد يخطب أول خطبة مدافعا عن أمه فهى أحق الناس برحمته ودفاعه فأِشارت إليه قالوا: «كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى المَهْدِ صَبِيّا» قال: «قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّا، وَجَعَلَنِى مُبَارَكا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا، وَبَرّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارا شَقِيّا»، وبعد هذه الخطبة رفعت مريم رأسها فى الناصرة وصار المولود بركة للجميع.
سمع الملك هيرودوس بذلك فخاف على ملكه وسلطانه فأرسل حراسه للقبض عليهم، فأوحى الله إليهم بالهجرة، فذهبوا إلى مصر، مكررين سنة الأنبياء الذين هاجروا لمصر مثل إبراهيم ويوسف ويعقوب وأسرته أجمعين، وموسى الذى هاجر منها ثم إليها.
انطلق الركب المبارك من الناصرة إلى مصر فدخلوها عن طريق العريش ثم الشرقية ثم عين شمس والمطرية ثم المعادى ثم بنى سويف والمنيا ثم ديروط الشريف ثم القوصية حتى موقع الدير المحرق الآن، وكانوا يمكثون فى كل بلد فترة ثم يرحلون.
وقد جاء المسيح إلى مصر وعمره عامان وعاد إلى الناصرة وعمره 12عاما، أى أنه مكث فيها عشر سنوات تقريبا، ولم يعد إلى وطنه حتى علم بموت هيرودوس.
عاد عيسى إلى الناصرة وعمل بالنجارة مع يوسف، أحب العبادة وجالس الفقراء يستمع إلى شكواهم، يرحم الضعفاء واليتامى، يذكر الخطائين بالتوبة والإنابة فى تواضع فقد كان صاحب قلب كبير يسع الناس جميعا.
استمع إلى الكتبة والفريسيين ولكنه لم يتأثر بمواعظهم لأنها كانت ميتة بلا روح لأنها لا تخرج من قلوبهم ولا تصدقها أعمالهم، كانوا يهتمون بطهارة الظاهر دون أن يكلفوا أنفسهم بتطهير قلوبهم ولو لمرة واحدة فى اليوم كله.
أصغى إلى كبار الحاخامات فوجدهم يعقدون شريعة موسى السهلة، فهذا يحل ما يحرم ذاك، ويهتمون بالجدل والسفسطة وأكل أموال الناس بالباطل.
مات يوسف النجار كفيل المسيح وقال قبل أن يموت: «إلهى أعيد إليك وديعتك فقد انتهى عملى»، وبعد سنوات تنزل الوحى على عيسى بن مريم ليأمره بالرسالة «وَرَسُولا إِلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ» فجمعهم فى أحد الأسواق وأخبرهم بالرسالة فسألوه الدليل والمعجزة فقال لهم: «أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ» (وهو الذى ولد أعمى) «وَالْأبْرَصَ وَأُحْيِى المَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ» ولكنهم أعرضوا عنه وكذبوه وقالوا: ساحر.
ذهب إلى أمه ليخبرها بأن مرحلة الرسالة والتعب والمسئولية الجسيمة قد بدأت وأنه مضطر لمفارقتها، فدعت له رب إبراهيم واسحق ويعقوب أن يباركه، تقابل مع ابن الخالة السيد الحصور والنبى الكريم يحيى «يوحنا المعمدان» الذى تنبأ قبله، ومرت الأيام وذبح يحيى بيد الحاكم من أجل عيون غانية راقصة.
ظل عيسى يذكر بنى إسرائيل بعبادة ربهم «يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ».
تجمع الأنصار والحواريون حول عيسى ينصرونه ويؤازرونه، ظل يعالج المرضى ويبرئ الأعمى والأبرص ويرعى الفقراء والمساكين دون أن يطلب منهم جزاء ولا شكورا فقد فعله ابتغاء وجه الله، فزاد أتباع عيسى كثيرا فى كل البلاد.
قال له بعض الحواريين: أطعم الله آباءنا المن والسلوى مع موسى ثم أردفوا: «هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَة مِّنَ السَّمَاءِ» فقال لهم: «اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» قَالُوا: «نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ» فأطرق برأسه خجلا من ربه ثم دعاه متضرعا: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَة مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»، فأجابه الله على الفور إكراما له: «إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّى أُعَذِّبُهُ عَذَابا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدا مِّنَ الْعَالَمِينَ».
قلق الحاكم هيرودوس الحفيد من أن كل البلاد قد دانت للمسيح وقد ذبح يحيى من قبل على ما هو أهون من ذلك، وأعانه الفريسيون والكتبة وجمعتهم البغضاء للمسيح فأخذوا يطاردونه فى كل مكان.
أحس عيسى بذلك فأراد أن يودع أحبته وأتباعه والحواريين فوعظهم أعظم موعظة وهى «موعظة الجبل» التى لخص فيها مكنون رسالته وهى أشبه بخطبة حجة الوداع التى ودع بها رسول الله(ص) صحابته والدنيا كلها، وقد تحدثت عن الخطبتين فى مقال سابق.
وهكذا أراد الحاكم هيرودوس الحفيد قتله وجمع أتباعه على ذلك لتصدق مقولة كل عصر: «أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ» ثم كانت النهاية حيث أنجاه الله ورفعه إليه وهى التى اختلف فى مكنونها المسلمون مع المسيحيين فكلاهما كان له رأى فى نهاية المسيح، وكل متمسك برأيه ويرى أنه الصواب، لكنهم لم يختلفوا أبدا فى رسالة المسيح وأنه عبدالله ورسوله وأحد أولى العزم من الرسل، وواحد من أعظم الرسل وصاحب أعظم الرسالات.
سلام على المسيح فى الدنيا والآخرة وفى كل حين، أسأل الله أن يحشرنا معه فى الجنان ومع سائر الأنبياء .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.