على عهدة الصديق والناقد الفنى الكبير طارق الشناوى، فإن ميزانية مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الأخير اقل من نصف مليون دولار بالقيمة الحالية بعد تعويم الجنيه قبل حوالى ثلاثة أسابيع. وهو الرقم الذى أكدته لاحقا الناقدة الكبيرة ماجدة واصف رئيس المهرجان خلال حوار مع «الشروق» منتصف هذا الأسبوع. والسؤال: هل يكفى هذا المبلغ ليجعل هذا المهرجان مؤثرا وفعالا، وهل الأموال شرط مهم لنجاح هذا المهرجان؟!. سبب طرح هذا السؤال الانتقادات التى تحدث عنها البعض عقب افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى مساء الثلاثاء قبل الماضى بدار الأوبرا، ومنها غياب كبار النجوم. وهو نفس المعنى الذى ردده البعض، قبل اسبوعين فيما يتعلق بمهرجان الموسيقى العربية. سأل زملاء هذا المطرب أو المطربة الكبيرة، ولماذا تم الاعتماد على عدد من نجوم الصف الثانى والشباب؟ سمعت إجابة من أكثر من مسئول يقول إن المطرب العربى فلان طلب الحصول على ربع مليون دولار «اضرب الرقم فى 15 جنيها أو 18 جنيها» وآخر طلب الحصول على مبلغ أقل قليلا ومطربة عربية طلبت أكثر قليلا. واقع الحال يقول إن المال صار جزءا مهما من استقطاب العديد من النجوم الكبار فى كل المهن وليس فقط فى السينما، وصارت هناك تسعيرة ثابتة للنجوم، سواء تحدثوا لفضائية أو حضروا مؤتمرا أو ندوة أو حتى «طهور طفل» أو عيد ميلاد رجل أعمال يحلم هو وأسرته بصورة مع هذا النجم أو تلك النجمة يتباهى بها و«يتفشخر» على صفحته بوسائل التواصل الاجتماعى. الظاهرة ليست جديدة، بل هى موجودة فى غالبية مدن الخليج العربى منذ سنوات. أى محل جديد سواء كان يبيع عطورا وادوات تجميل او ملابس أو حتى «شكمانات سيارات» كان يتفق مع هذه النجمة أو تلك العارضة أو حتى لاعب كرة عالمى شهير للحضور، والتسعيرة موجودة ومن يقدر يدفع!!. كنا نظن أن هذه الظاهرة لن تنتقل إلى عالم المهرجانات الكبرى فى السينما او الكتب، لكنها حدثت، وبالتالى علينا أن نتعامل معها بصورة عملية. لكن هل المال هو كل شىء فى إنجاح مهرجان أو إفشال آخر؟! أغلب الظن أن الإجابة هى لا. هناك وسائل كثيرة يمكنها أن تغطى على غياب بعض نجوم الصف الأول. فمثلا يمكن اقناع كبار نجومنا بأن من واجب البلد الذى علمهم وشجعهم وجعلهم مشهورين، أن يردوا له بعض الجميل، بل ان من مصلحتهم البرجماتية أن يدعموه، لأنهم فى واقع الحال يدعمون أنفسهم وصناعتهم التى تفتح بيوتهم. هناك أيضا التنظيم الجيد، وإقامة ندوات ولقاءات وحوارات حقيقية، وكذلك الاهتمام بسينما الشباب والسينما المستقلة، وفى هذا الصدد كنت أتمنى أن يسمح المهرجان بعرض فيلم «آخر أيام المدينة» للمخرج تامر السعيد، وألا يدخل فى معارك جانبية كثيرة مع صناع الفيلم، لأن واقع الحال ان هذا القاعدة طبقت عليه ولم تطبق على أفلام أخرى مثل «ميموزا». كان مثالا جيدا ان يعرض فيلم «اشتباك» تجاريا قبل اسابيع، وكسبت الدولة والحكومة وحرية الإبداع. قد لا نكون نملك أموالا كثيرة فى صناعة السينما المصرية، لكن المؤكد أن لدينا أحد أهم عناصر نجاح هذه الصناعة وهو العقول والنجوم والخبرة الطويلة العريضة والتاريخ الحافل فى صناعة السينما العربية. لو كنت مكان الحكومة لقدمت كل أنواع الدعم لهذه الصناعة الاستراتيجية. للأسف البعض لايزال يعتبر السينما مجرد تسلية، هى كذلك فى أحد تعريفاتها لكنها أيضا أحد أهم عناصر القوة الناعمة عربيا. رغم كل سلبيات التنظيم وقلة الإمكانيات، علينا أن ندعم مهرجان القاهرة السينمائى بكل الطرق الممكنة، وأن نفكر فى وسائل مبتكرة لنحافظ عليه ونطوره. وأعتقد أن أحد الوسائل لذلك هو دعم الشباب والسينما المستقلة. حضرت حفل الافتتاح، وكان من حظى أيضا أننى حضرت فيلم «فى طريق التبانة» للمخرج والممثل والمنتج العالمى أمير كوستاريكا، مع الممثلة الكبيرة التى لاتزال تحتفظ بجمالها القديم مونيكا بيلوتشى. قضينا أكثر من ساعتين مع فانتازيا هذا المخرج الصربى الكبير، وخرجنا مقتنعين أن السينما يمكنها أن تجعل الناس تكره الحرب ودمويتها أكثر مليون مرة من أى مقالة صحفية أو خطبة لزعيم دولى أو خطبة لرجل دين فى مسجد أو كنيسة.