المنطقى أن السلع يمكن أن ترتفع كل سنتين وليس كل ساعتين كما يحدث الآن فى مصر. مثال عملى على ذلك فإن الذرة والفول الصويا مثلا يرتفعان كل ساعة أو ساعتين، وليس كل اسبوعين أو شهرين أو سنتين. منذ 18 شهرا كان سعر طن الذرة الرفيعة المخصصة أساسا للعلف، وكان يستخدمها أجدادنا لصنع «البتاو» 1700 جنيه، الآن ارتفع سعرها إلى 4200 جنيه، كما أخبرنى أحد كبار رجال الأعمال الذين يتابعون أحوال السوق بدقة. هل نلوم البائع أم المشترى أم السمسار والمضارب أم الحكومة؟. كل هؤلاء يتحملون نسبة صغيرة من مشكلة ارتفاعات الأسعار، ليس بالنسبة للذرة فقط ولكن لكل السلع. السبب الأساسى هو الحكومة، التى عجزت عن إيجاد سياسة اقتصادية ونقدية مبدعة. جوهو المشكلة الذى لا يريد كثيرون أن يتوقفوا عنده هو نقص المعروض من الدولار وليس أى سبب آخر. اختفى الدولار لأن مصادره اختفت أو تقلصت خصوصا السياحة والتصدير وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات المباشرة والأهم الثقة فى الحكومة والمستقبل. حل مشكلة الدولار ليس بحبس أصحاب الصرافات أو مطاردة قهوجى يحمل عشرة كيلو سكر، أو حتى صاحب مصنع يخزن 2000 طن لزوم صناعته. الحل البحث عن سياسة تعيد ضخ الدولار للسوق. البعض يتحدث عن حلول خيالية مثل ربط الجنيه باليوان الصينى أو أى عملة أخرى غير الدولار، هؤلاء وبتعبير مهذب جدا غارقون فى الأوهام. فالأصل أن يكون لديك إنتاج واستثمارات وتصدير أولا، وبعدها فإن بقية العوامل ثانوية. كثيرون لا يدركون أنه حتى تعويم الجنيه بمفرده لن يحل جوهر المشكلة. لان صندوق النقد الدولى يشترط على الحكومة الا تقترب من الاحتياطى النقدى، لتصرف مرتبات الموظفين مثلا، بل هو يظل ضمانا لاستقرار الاقتصاد وبمثابة معادل لحجم استيراد السلع الأساسية لمدة معينة. المتوقع أن الحكومة وبعد أن تخفض قيمة الجنيه وتخفف دعم الطاقة، وتوقع الاتفاق مع الصندوق ستقوم برفع سعر الفائدة على الجنيه المصرى، وتخفضها لأقل قدر ممكن على الدولار، وبالتالى فالمنطقى أن يقوم كل من يحوز الدولار كسلعة أن يضعه فى البنك ويغيره إلى الجنيه، ليضمن الحصول على سعر الفائدة المرتفع. ويكون هذا الأمر بالطبع فى إطار سياسة متكاملة جوهرها ثقة الناس ورضاهم عن الحكومة وبرنامحها الإصلاحى. إذا هناك سؤال جوهرى: ماذا سيحدث إذا اتبعت الحكومة كل ما هو موجود فى كتاب صندوق النقد وشروطه لكن الناس لم تتجاوب وتتفاعل وظلت محتفظة بالدولار تحت البلاطة أو تاجرت به فى السوق السوداء فقط؟ للأسف الشديد سيكون ذلك خبرا وخيارا سيئا، لأن ترجمة ذلك على الأرض هو استمرار ارتفاع الأسعار بسبب استمرار المضاربة على سعر الدولار. ما هو المطلوب إذا من الحكومة؟ طبقا لخبراء اقتصاد ورجال أعمال تحدثت معهم، فإن المطلوب هو تحسين مناخ الاستثمار بسرعة، وأن تصل إلى الناس قناعة بأن الحكومة جادة فى الإصلاح، وأنها سوف تتقشف هى قبل أن تطالب الناس بالتقشف. وما لم يتوفر الدولار، وظل سعره «فى العلالى» كل ساعة فإن السكر سيظل مختفيا وكذلك غالبية السلع، حتى يتم حل المشكلة الجوهرية. وبالتالى فلا ينفع الإكثار من الحديث عن المؤامرة والطابور الخامس. مطلوب من الحكومة أن تكون رؤيتها واضحة وتوقيتات اتخاذ القرار أكثر وضوحا وأكثر تحديدا. وإذا اكتشفت أنها اخطأت سواء فى سياسة معينة أو شخص محدد، فعليها أن تسارع فى تصحيح الخطأ، حتى لا يكون الثمن المدفوع فادحا. مرة أخرى يفترض أن الحكومة تدرك تماما أن استمرار التشوه الكبير فى سعر الصرف يعنى بوضوح انفلات الأسعار.. بالأمس كانت الأزمة فى أسعار السيارات واليوم نشهدها فى السكر، وغدا ربما فى الدقيق.. كل الأسعار ارتفعت تقريبا سواء كانت سلعا رئيسية أو ترفيهية أو «بين بين»، والأخطر أن التخفيض الرسمى لقيمة الجنيه وتخفيف دعم الطاقة، سوف يقود ربما لارتفاعات أخرى.. فماذا سنفعل وقتها؟. المطلوب اعادة النظر فى سياسات كثيرة وأشخاص اكثر.