بدأ عرض «في قلب المتصوف» للفنانة التونسية «عبير النصراوي»، مساء السبت، بكنيسة «سان بيفينياتي Saint Bevignate» ببروجيا، التي تعود إلى 1119 سنة، في إطار الدورة 71 لمهرجان الموسيقى الكلاسيكية ببروجيا «Perugia Musica Classica». وكان الحضور الجماهيري كبيرا، والحفل منتظرا في ظل الأحداث الراهنة، إذ انطلق الحفل بالبسملة قبل ترانيم كنسية في ضوء خافت، ثم تصاعدت الأضواء مع حضور «عبير» إلى خشبة المسرح مارّة بين صفوف الجمهور، بادئة الغناء من بعيد حتى وصولها إلى الخشبة. بعد هذا اجتمع الكل حول كلمة «لا اله إلا الله» في خشوع مذهل، عاشه على حد السواء الحضور والفنانون. وكان الكون الموسيقي كنائسيا بتقنية الغناء البوليفوني، وأنشدت عبير من التواشيح والأذكار والسماع الإسلامي في تنويع نغمي ورحلة في موسيقات العالم الإسلامي، انسجمت كثيرا في قطع كثيرة مع الكورال، لكن قدمت أيضا بعض المقطوعات الثنائية والثلاثية التي تقاسمت فيها الأداء مع الموسيقيين الذين تميزوا بحسهم المرهف وتقنيتهم العالية. طاقة هائلة تلك التي قادت بها الفرنسية «أغات بيولاس» الكورال الايطالي «كورو سان سبيريتو فولومنيا Coro Santo Spirito Volumnia»، وعزف «مفضل عظوم» بإحساس عميق، وتميز في تصوره الموسيقي لبعض المقطوعات التقليدية، كما برع في تصورات أخرى حديثة تتماشى مع فكرة المشروع. نذكر أيضا عازف الإيقاع التونسي «محمد عبد القادر حاج قاسم»، الذي كان له حضور مُلفت للانتباه في ثنائي ارتجالي إيقاعي قام به مع «عبير»، في اقتراح ليس متداولا في الحفلات الموسيقية العربية. قدمت «عبير النصراوي» - أيضا - توشيحا دينيا يمنيا مع عازف البيانو البلجيكي «سيباستيان ويلمانس Sebastien Willemyns» واعتبر الكثير هذه الدقائق الأجمل والأعمق في الحفل. وغنت «عبير» في نهاية الحفل للسيد المسيح وللنبي محمد عليهما السلام، وأوصلت بذلك رسالة المحبة والتسامح التي أرادت إيصالها من خلال هذا العرض. بكى البعض من أعضاء الكورال ومن الجمهور أمام صفاء الأداء وعمق الإحساس والخشوع، وعبر الجمهور عن فرحه بالتصفيق طويلا، كما عبر منظمو الحفل على فرحهم بربح الرهان. يذكر أن «النصراوي» اختتمت الحفل بزغرودة تونسية وبرقصة الدراويش الدوارين «Derouiches tourneurs» على إيقاع سريع وترديد من الكورال لكلمة «الله». وأكدت «عبير» أنها تحاول من خلال هذا العرض مصالحة العالم مع الإسلام وتقديم فلسفة الصوفية بما فيها من محبة، واختصرت جملتها - في لقاء صحفي مع إيطاليين بعد الحفل - بقول «أنا مسلمة وها أنا قادمة إليكم بالمحبة».