- نقص الإمكانيات الفنية وغياب الأدوية وقوائم الانتظار.. ثلاثية مأساة البحث عن علاج - مواطنة فى معهد القلب: الحمد لله أمى عملت عملية القلب بعد انتظار 6 شهور - تقرير رسمى للنيابة الإدارية يعترف بتدنى منظومة العلاج بشكل كامل على مستوى الجمهورية - رئيس أقسام النساء بطب عين شمس: التبرعات أصبحت جزءا أساسيا لتمويل الخدمة الصحية فى المستشفيات العامة والجامعية - النائب هيثم أبو العز الحريرى: الحكومة ليست جادة فى توفير الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين ما بين الواقع بالغ السوء للرعاية الصحية فى مصر والذى لا ينكره أحد، والتفاف البرلمان على نصوص الدستور التى تلزم الحكومة بزيادة مخصصات قطاعى الصحة والتعليم يعيش ملايين المرضى المصريين فى انتظار «الموت الرحيم» الذى ينهى معاناتهم مع المرض ومعاناة أهاليهم مع البحث عن سرير فى مستشفى أو دور قريب فى قوائم الانتظار لإجراء عملية جراحية كبيرة لا يمكنهم تحمل تكاليف إجرائها فى مستشفى خاص. «الشروق» تفتح ملف «الحق فى الصحة» باعتباره الفريضة الغائبة عن أجندة الحكومة والبرلمان، كما يقول الواقع لا كما يردد المسئولون والنواب على حد سواء. ويكشف هذا التحقيق فى حلقاته الأربع حجم معاناة المصريين سواء الفقراء أو الأغنياء من أجل الحصول على الرعاية الصحية المناسبة وفى الوقت المناسب. أمام مدخل معهد القلب فى امبابة ووسط حشد متدافع بين الدخول والخروج لقلعة علاج امراض القلب لغير القادرين فى مصر، تقف حنان تلتقط انفاسها بعد «ودوخة ما لهاش اول من آخر» بين مكاتب واطباء «من هنا ومن هنا» فى سعيها للحصول على قرار علاج على نفقة الدولة لوالدتها التى تعيش فى منتصف العقد التاسع من عمرها والتى تعانى من مشاكل قلبية معقدة لم يعد يجدى معها العلاج بالعقاقير والمحاليل وغيرها حيث اصبحت بتقدير اطباء «كبار بكشف كبير فى عيادات فى مصر الجديدة» واخرين يعملون فى «مستوصفات فى جوامع وكنايس» وأيضا اطباء معهد القلب أنفسهم الذين قاموا بفحص السيدة المريضة فى حاجة «على الاقل لدعامات والافضل عملية قلب مفتوح». «إحنا لفينا لفة كبيرة قوى، وصرفنا مصاريف كبيرة وفوق قدرتنا واستلفنا وجبناها مصر من المنيا مخصوص وشافت دكاترة كتير وعملنا اشاعات وتحاليل وكل حاجة عايزة فلوس كتير، واحنا على قد حالنا، بس لما خلصنا وجينا على هنا قلنا خلاص الحالة كل الدكاترة متفقين عليها ولازم هيعملوا لها القرار، بس الحكاية مطولة ودى تالت مرة آجى فيها، بقى لى قرب 4 شهور»، بحسب ما تقول حنان. بعد تمام الشهور الاربعة حصلت حنان على قرار اجراء جراحة القلب المفتوح على نفقة الدولة ولكن القرار جاء بدون تاريخ واضح لموعد اجراء العملية بينما السيدة المريضة، نجيبة، تتدهور حالتها بسرعة، وتقول فكرية، «القرار ده اعمل به ايه، دلوقت انا امى تعبانة قوى وحالتها من سيئ لاسوأ وأوقات كتيرة باشوفها قدامى كانها بتروح منى خالص». بعد اسابيع اخرى، اقل من شهر، ذهبت حنان لمعهد القلب ليخبروها ان عليها تحضير عدد من اكياس الدم من الفصيلة التى قد تحتاج لها والدتها ثم احضارها لتضعها، حسب روايتها فى حيازة المعهد حتى يتم تحديد موعد لإجراء الجراحة، لكن فكرية التى اخبرت القائمين على اجراءات الاعداد لاستصدار تاريخ لموعد العملية الجراحية انها لا تستطيع القيام بهده المهمة كون اخوتها خارج مصر عدا اخت واخ احدهما مصاب بالسكرى والاخر مصاب بالتهاب كبدى «سى» وكون فصيلة دم والدتها لا تتوافق مع فصيلة دم والدتها وكذا الحال بالنسبة لزوجها وابنائها الثلاثة فكانت الاجابة التى تلقتها بان عليها تدبير نحو 3 الاف جنيه واخطار المعهد بذلك حتى يتم السعى لتوفير الدم، وهو الامر الذى سيستغرق وقت، وبالفعل لم يتم تحديد موعد للعملية الجراحية، التى اجريت بنجاح حسب رواية حنان الا بعد اكثر من 6 شهور من بداية السعى للحصول على قرار العلاج». ولا يمكن بأى حال وصف معاناة حنان وأمها نجيبة بأنها حالة نادرة أو الحالة الاصعب، بل هى بالتأكيد من الحالات التى حالفها الحظ رغم كل شىء مقارنة بحالات اخرى لنساء ورجال يسعون للخدمات الصحية ويعانون فى سعيهم هذا، بما فى ذلك هؤلاء الذين يلجأون للقطاع الخاص، وكما الحال مع فكرية فإن الشكوى تتعلق بالأضلع الاربع للخدمة الصحية: الاطباء والتمريض واماكن تقديم الخدمة الصحية والدواء وهى شكوى لا تقف عند حدود التقصير وعدم الكفاية وانما تمتد لتشمل الاهمال وعدم الكفاءة. فى وقت سابق من العام الحالى طالب سامح كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق بإخطار رئيس الوزراء بأن التحقيقات الخاصة بشكوى مواطنة من الاهمال الذى تعرضت له بعد اصابتها بحادث فى نهاية عام 2015 كشف عن «تدنى منظومة العلاج بشكل كامل ونقص الادوية والمستلزمات الطبية وضعف الامكانات وقلة اسرة العناية المركزة على مستوى الجمهورية، الامر الذى يتطلب تدخلا سريعا لرفع كفاءة العمل بالمستشفيات الحكومية والجامعية». وجاء هذا الموقف من قبل هيئة النيابة الادارية بعد أسابيع قليلة من حملة قام بها اطباء عاملين بمستشفيات حكومية وجامعية تحت عنوان «علشان لو جه ما يتفاجأش» مثلت سخرية مبطنة من الغضب الذى كان رئيس الوزراء فى حينه، إبراهيم محلب، قد ابداه لدى زيارة مفاجئة لمعهد القلب ادهشه فيها، حسبما صرح فى حينه، تداعى الحال والامكانات وطالب بسرعة ادخال تحسينات مباشرة. ويقول محمد محمود، طبيب يعمل فى مستشفى ام المصريين ان الحديث عن تداعى مستويات الخدمة الصحية فى مصر وتدنى مستويات مرفق الصحة بشكل عام هو «حديث ذو شجون، نشهد نحن الاطباء عليه كل يوم، فهؤلاء المرضى يأتون لمستشفيات ليس فى الكثير منها المعدات الطبية ولا المستلزمات اللازمة لتقديم الخدمة المطلوبة، بما فى ذلك حالات الطوارئ والتى كثيرا ما يتسبب العجز عن تقديم الخدمة المطلوبة لفقدان ارواح أو التسبب فى تعقيد حالات طبية كان يمكن التعامل معها فى حال وجود إمكانات». ويضيف محمود، «اننى هنا لا اتحدث عن الاجهزة المتطورة التى لا يفترض أن توجد فى جميع المستشفيات بالتأكيد، ولكننى اتحدث عن أجهزة تقليدية وأدوية وحقن أساسية لا ينبغى ان يخلو منها أى قسم طوارئ فى أى مستشفى، ولكن للاسف ففى احيانا كثيرا نضطر لان نطالب اهل المريض بشراء بعض المستلزمات الاساسية واحيانا نفعل ذلك ونحن لا نعلم، أو هكذا نقول لأنفسنا، اذا ما كانت لديهم الامكانات المالية اللازمة لذلك أم لا». وبحسب محمود فإن الحال بالنسبة لمستشفى ام المصريين«بالتأكيد ليس الاسوأ لأن هذا مستشفى كبيرة وتقدم الخدمة لأعداد غفيرة من البشر وبالطبع لأنها فى النهاية تعد فى العاصمة الكبرى، لكن الوضع اسوأ بكثير بالنسبة لمستشفيات ووحدات صحية فى محافظات بعيدة». ويقر مجموعة من الاطباء والطبيبات تحدثوا ل«الشروق» خلال مدة تقارب العامين ان هناك نقصا بالغا فى المستلزمات الطبية، يصل احيانا، إلى نقص فى الحقن اللازمة لإسعاف مرضى السكرى الذين يصل بعضهم إلى المستشفيات فى حالة اعياء شديدة جراء عدم الانتظام فى الدواء، أو مصابى جلطات المخ والقلب ونزيف المخ والكسور واصابات العيون جراء الحوادث بل واحيانا بعض العقاقير والحقن التى تحتاجها سيدات حوامل يواجهن الفقدان الحتمى للأجنة رغم امكانية الانقاذ فى حال توفر الادوية. ويقول اطباء معنيون بمتابعة اجراءات مكافحة العدوى فى المستشفيات والوحدات الصحية ان ملف العدوى ليس من الملفات التى تحظى باهتمام واسع من قبل الرأى العام وبالتالى من قبل المسئولين ليس مثل نقص المحاليل ولكنه لا يقل فى الخطورة ان لم يكن يزيد. وتقول الدكتورة غادة مصطفى، اننا نتحدث عن نقص كبير فى كفاءة مكافحة العدوى فى المستشفيات – يبدأ من نقص القفازات الطبية والمواد المطهرة الفعالة وصولا إلى نقص أجهزة ومواد التعقيم وأيضا إلى نقص فى الأجهزة نفسها التى تحتاج لتعقيم جيد مثل حضانات الاطفال المولودين واجهزة التنفس الصناعى. وبحسب غادة مصطفى، ان هناك فرقا بين التعقيم الخاص بمكافحة العدوى وبين النظافة الفندقية، وان كانت الثانية جزءا من الاولى بالتأكيد. وتضيف ان اغلب المستشفيات العامة تعانى من نقص كبير فى النظافة وهذا معتاد ولكن أخيرا ظهرت اسباب للقلق ايضا حول دقة وكفاءة اجراءات مكافحة العدوى «التى تنال من الطبيب والمريض وكل العاملين فى المستشفى بما فى ذلك عمال التنظيف»، لافتة إلى أن هذا يشمل ايضا المستشفيات الخاصة ولكنه مشكلة كبيرة بالنسبة للمستشفيات والوحدات الصحية النائية فى وقت ترتفع فيه حدة التحسب عالميا من تراجع كفاءة المضادات الحيوية فى مواجهة العدوى المنقولة فيروسيا بسبب الافراط فى استخدام هذه العقاقير، فى احيان بدون الرجوع للطبيب، وتسجيل حالات فشلت فيها المضادات الحيوية عن دحر تقدم العدوى مما أودى بحياة مصابين بعدوى تنفس. وتشير غادة مصطفى إلى اهمية دعم الدولة للأطباء من خلال حسم ملف بدل العدوى «المتدنى بصورة بالغة» حتى بعد ان تم رفعه من قبل الحكومة بضغوط متتالية من قبل نقابة الاطباء ولكنها تلفت ان «المريض واسرته لا يحصلون على بدل للعدوى وفى كثير من الأحيان لا يتم اكتشاف العدوى الا بعد مغادرة المستشفى، وهذا بالتحديد الحال بالنسبة للمرضى الذين يرتادون المستشفيات الحكومية فى الاماكن البعيدة غير الخاضعة لرقابة سليمة». ويقول اطباء يعملون فى مستشفيات حكومية فى القاهرة والجيزة وطنطا والاسكندرية وبنى سويف والفيوم ان بعض المستشفيات بحسب احدهم «المستشفيات اللى عليها العين لانها كبيرة وممكن لو حصل فيها مشكلة تعمل دوشة» تحظى ببعض التطوير من وقت لآخر ولكن سرعة ومساحة التطوير لا تتواكب مع احتياجات المرضى وارتفاع اعداد المرضى الذين يضطرهم تدهور الاوضاع الاقتصادية السريع إلى اللجوء إلى الخدمة الصحية المدعومة من الدولة عوضا عن الخدمة الصحية الخاصة. «نحن لا نعيش فى بلد يمكن للمريض فيه ان يلقى العلاج بشكل ميسر على الاطلاق، فلقد امضيت ليلة ليلاء وانا اسعى لان اجد سريرا فى العناية المركزة لزوجى بعد اصابته بنوبة قلبية حادة مفاجئة، ولم أكن أبحث فى المستشفيات الحكومية لأننا نلجأ للمستشفيات الخاصة ولدينا ما يكفى من الاموال اضافة إلى التأمين الطبى الذى يوفره مكان عملنا، لقد كتب الله لنا النجاة من عنده، لكن هذا الوضع غير معقول»، بحسب ما روت رانيا السيدة الاربعينية بعيد قيامها بشراء الادوية اللازمة لزوجها «التى جمعتها بصعوبة من عدة صيدليات كبيرة فى مصر الجديدة»، وتضيف «أنا لا أعرف كيف يدبر الفقراء امرهم اذا كان هذا هو حالنا نحن الميسورين، انا لا اعرف ما هو مفهوم الرعاية أو حتى الخدمة الصحية فى بلدنا» ويقر الدكتور علاء الغنام رئيس اقسام النساء والتوليد والعقم بطب عين شمس ومدير قسم النساء بمستشفى عين شمس الجامعى «انه لا بد من القول بان تقديم الخدمة الصحية على اعلى مستوى هو امر مكلف للغاية، خاصة مع تطور التكنولوجيا الكبير فى مجال الطب»، وهو ما يتطلب الحصول على العديد من الاجهزة الحديثة التى تساعد فى دقة تشخيص وكفاءة علاج المرضى إلى جانب تدريب الاطباء بصفة مستمرة لتنمية مهاراتهم على استخدام هذه التكنولوجيا ومواكبة التقدمات العلمية مما يجعلهم اكثر استعدادا لتقديم خدمة طبية كفؤة للمرضى. وبحسب علاء الغنام، المشارك ايضا فى المناقشات حول مشروع التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الحالى، فإن احدا ايضا لا يستطيع ان يغفل امرين رئيسيين، الاول هو ان المستشفيات العامة والجامعية هى المقصد الرئيسى للغالبية العظمى من المصريين والثانى هو ان القدرات المالية لهده المستشفيات، «رغم سعى الحكومة لتقديم التمويل اللازم يبقى دوما دون المبتغى»، وهو ما يعنى ان التبرعات، سواء من الافراد أو فى احيان كثيرة، بحسب ما يضيف، من الاطباء انفسهم، تعد جزءا مهما من توفير الميزانية اللازمة لتطوير المستشفيات وفى احيان لضمان تقديم الخدمة لأكبر عدد من المترددين. ويعد مستشفى النساء والتوليد التابعة لكلية طب عين شمس (الدمرداش)، مقصدا مهما لمئات من النساء يتوافدون عليها كل يوم، وهو الامر، بحسب علاء الغنام، الذى اقتضى ان تقوم ادارة المستشفى بخطة عاجلة قبل اشهر قليلة لإعادة توزيع اقسام العلاج والعمليات بعد ان قررت هيئة هندسية مشرفة على متابعة مبانى المستشفى ان البناء فى حاجة لعملية ترميم سريعة. ويقول علاء الغنام، «لا يمكن لى ان اصف المعاناة التى عاشتها بعض النساء المترددات بصورة دورية على المستشفى سواء لخدمات العيادات أو للخدمات العلاجية والجراحية فى الاسابيع القليلة التى اضطررنا فيها لإيقاف العمل ريثما يتم اعادة توزيع الاقسام وفقا لما تقره الهيئة الهندسية المعنية، ولا يمكن ان اصف ايضا السعادة التى شعرت بها النساء مع اعادة تشغيل المستشفى ولو بشكل جزئى فى البداية، لان ببساطة يعنى لهم خدمة صحية جيدة تتناسب فى اغلب الاحوال مع امكانات مالية محدودة للغاية». وبحسب علاء الغنام فإنه عندما يتعلق الامر بالمستشفيات الحكومية والجامعية فإن الفندقة لا تكون بالضرورة الاهتمام الاول للقائمين عليها، ولكن، بحسب ما يضيف «التجهيزات الطبية سواء للكشف أو لتقديم الخدمات الطبية المختلفة أو فى غرف العمليات»، لافتا إلى انه رغم غياب الوفرة المالية فان المستشفى يقوم بدوره فى تقديم الخدمة الطبية «وفق معايير الجودة حيث حصلت المستشفى على شهادة الجودة العام الماضى» وهو ما يعنى ان هناك مستوى جيدا من الخدمة الطبية رغم تحديات الميزانية. ولكن علاء الغنام يقر ان هناك حاجة للمزيد «وبالتأكيد اذا كانت لدينا القدرة على تقديم الخدمة لعدد اكبر من المترددات فان ذلك سيكون امرا جيدا لان هناك احتياجا لا يمكن اغفاله لتوسيع مساحة الخدمات فى المستشفيات الحكومية والجامعية، التى هى عماد الخدمة الصحية فى مصر دوما، وهو ما يعنى الحاجة لميزانية اكبر». ويقول النائب هيثم ابو العز الحريرى عضو لجنة الصحة ان تقاعس الدولة عن توفير الاعتمادات اللازمة لتنفيذ ما اقره الدستور من تخصيص 3% من ميزانية الدولة للخدمة الصحية يعد تعبيرا عن غياب الارادة لدى الدولة للاضطلاع بأعباء الصحة وهو بالتأكيد «سقطة كبرى» لأنه كان «ينبغى ان تكون للصحة اولوية على الكثير من الامور الاخرى». وبحسب الحريرى فإن المطلوب من الحكومة كان توفير الاعتمادات اللازمة بصورة تصاعدية «لان الدستور يحدد 3 فى المائة كحد ادنى» لتطوير الخدمة الصحية عوضا عن تقليل الاعتمادات وهو ما يعنى ان تطوير الخدمة سيبقى معلقا. ويصر الدكتور أحمد راشد الرئيس الاسبق لاقسام النساء والتوليد بطب عين شمس على ان «هناك الكثير من التشوهات التى يجب الالتفات لها فى منظومة العلاج، ويضع فى اول هذه التشوهات ضعف حملات التوعية، رغم الجهد المبذول فى بعض المجالات مثل التطعيمات الخاصة بالأطفال، لكنه يلفت إلى ان هناك «على سبيل المثال وليس الحصر عدم ادراك كافٍ أو توعية كافية بأعراض الاصابة بداء السكرى وهو من الامراض المزمنة التى تتسبب فى مضاعفات صحية كثيرة». وتقول جيهان محمد مديرة الادارة الطبية بواحدة من كبريات المؤسسات الاستثمارية الخاصة فى مصر ان غياب الادراك بأهمية الوقاية، بما يشمله ذلك من توعية من ناحية ومن اجراء الفحوصات والتحاليل الاستباقية، يتسبب فى انفاق اكبر على العلاج. وتضيف ان القواعد المحددة للإدارة الطبية فى المؤسسة التى تعمل بها لا تسمح بتغطية الكشوفات الوقائية والدورية، «وهذا امر خاطئ فى رأيى لأنه على سبيل المثال وليس الحصر فان الافضل لنا ان ندفع لموظفة تكاليف الفحص الدورى بالأشعة للتحسب من الاصابة بسرطان الثدى من ان نكون امام فاتورة علاج كيميائى بأضعاف اضعاف تكاليف الكشف الوقائى. ويشير محمد مؤمن القائم على الترويج لباقة التأمين الصحى لواحدة من أكبر شركات التأمين الصحى العالمية إلى أن هذا الامر يشمل ايضا شركات التأمين، «وفى رأى من الافضل ان نضمن الكشوفات والفحوصات الدورية خاصة لفئة عمرية معينة – مثلا المتجاوزين 45 خاصة من النساء أو ما نحو ذلك وبالتأكيد لمن هم فوق الستين – لأن ذلك بحسب الخبرة سيكون اكثر كفاءة». إلى جانب ذلك، يقول أحمد راشد إن التدريب والتعليم المستمر للأطباء وضمان التزام الجهات الطبية «الخاصة والحكومية على حد سواء» بتطبيق بروتوكولات العلاج السليمة وتقويم الاداء الطبى بصورة مستمرة سواء للأطباء أو للمرافق العلاجية هى كلها امور تحتاج لوقفة جادة. وبحسب أحمد راشد فإن المعنى بالمتابعة لا يمكن فقط ان يكون وزارة الصحة ، لان المسئولية الرئيسية للوزارة على الاقل فى ظل التحديات الاقتصادية الحالة ينبغى ان يكون الاهتمام بتطوير مرافق العلاج، اما التقييم، والذى يحب ان يشمل المستشفيات الحكومية، ليكون ذلك من خلال هيئة محايدة لا تخضع لأى مؤثرات لضمان نزاهة التقديرات. ويقول هيثم ابو العز الحريرى البرلمانى وعضو لجنة الصحة بمجلس النواب ان احد اهم اسباب اعتراضه، ضمن مجموعة من اعضاء البرلمان المنضوين تحت مظلة ما يسمى ب 25/30 فى اشارة إلى ثورة يناير و30 يونيو، كان متعلقا بتقاعس الدولة عن ضمان تخصيص النسبة المقررة من الموازنة العامة للصحة. وتقول هدى الصدى عضو لجنة الخمسين مقرر باب الحريات والحقوق فى الدستور اخفاق الحكومة للالتزام بنسبة الصحة فى الموازنة العامة مثل ضربة كبيرة لمبدأ الحقوق الاجتماعية والتى كانت شغلا شاغلا للجنة الخمسين باعتبار ما مثلته هذه الحقوق من عنصر اساسى من المطالبات الاجتماعية المتكررة، سابقا على ثورة يناير، وتاليا عليها وبحسب هدى الصدى فان الحديث عن الكرامة الانسانية، وهى إحدى اهم دعوات ثورة يناير، لا يمكن ان يكون متحققا فى ظل صعوبات لا يمكن اغفالها فى الحصول على الرعايا الصحية المفترض تعهد الدولة بتوفيرها بناء على الدستور وتقول هدى الصدى ان هذا الامر يعد من المسائل التى تعنى بها لجنة الدفاع عن الدستور والتى تأسست، فعليا من عدد ممن شاركوا فى صياغة الدستور واخرين داعمين له، فى ضوء ما تم رصده بوضوح من تقاعس عن تنفيذ ما اقره الدستور وبحسب منى مينا، وكيل نقابة الاطباء، والمدافعة المتحمسة عن تحسين الخدمة الصحية، «بالمعنى الواسع الذى يضمن وضع الاطباء والطواقم الطبية فى مكان افضل لتقديم الخدمة السليمة بسرعة وكفاءة وامان، لمن يقدم الخدمة من يتلقاها» ان الحكومة تبدو فى احيان عديدة غير معنية بالالتزام بما يقتضيه الدستور من تطوير الخدمة الصحية، رافضة حصر هذا التقصير الحكومى على عدم الالتزام بتخصيص ما تصر على وصفه ب«نسبة الحد الادنى للرعاية الصحية» المقررة فى الدستور إلى ما تصر على انه اتجاه «متزايد وحتى ان كان غير معلن للتوسع فى مساحات خصخصة الخدمة الصحية» وهو ما سيكون بحسب ما ترى كارثة كاملة على القطاع الاكبر من المرضى المصريين الدين يعانون كثيرا بالفعل.