هناك شروط يجب توافرها لتجديد الخطاب الدينى لم تتم بعد.. منها الإصلاح الاجتماعى والوعى الأخلاقى قال الدكتور عمار على حسن، أستاذ العلوم السياسية والباحث فى علم الاجتماع السياسى، إن هناك تراجعا فى الحديث عن تجديد الخطاب الدينى بعد أن انفض الرئيس عبدالفتاح السيسى عنه، وأن الحديث عنه يكاد يكون منعدما إلا لدى قلة واعية. وأوضح حسن فى حوار ل«الشروق»، أن هناك شروطا يجب توافرها لتجديد الخطاب الدينى لم تتم بعد، منها الإصلاح الاجتماعى، والوعى الأخلاقى، لافتا إلى أن المتداول عن تجديد الخطاب ينتهى للا شىء، وأن التجديد ليس موضة موسمية، أو حملة علاقات عامة، لكنه ضرورة وطنية ودينية، كما أكد وجود فتور بوزارة الثقافة فى الحديث عن تجديد الخطاب، بعدما أبرمته مصر من اتفاقيات فى مجال الثقافة والإعلام مع السعودية، وإلى نص الحوار.. • هل تعثرت عملية تجديد الخطاب الدينى فى مصر؟ ما أراه أن لا شىء تغير، ولى دراسة بعنوان «سرابهم وماؤنا.. كيف نصنع تنويرا يحاصر الإرهاب؟»، وهى تتحدث عما ينبغى أن يحدث للبدء فى عملية التجديد أو الإصلاح الدينى، وهو لم يحدث حتى الآن، ومنها شروط لابد من توافرها، وأن الإصلاح الاجتماعى ضرورة، والوعى الأخلاقى ضرورة، كل هذا لم يتغير لأن التجديد عملية تحتاج لوقت طويل وجهد كبير حتى يمكن أن تؤتى ثمارها. • إذن لماذا حدث هذا التعثر؟ هناك تراجع فى الحديث عن تجديد الخطاب الدينى شأن كل مناحى حياتنا، نتبنى قضية ونهتم بها فى الإعلام كمقالات وتحليلات ودراسات وتعليقات وتصريحات، ثم بعده لا يتحول ذلك لإجراءات أو تشريعات، ويترتب عليه أننا نشهد ونرى ضجيجا بلا طحن، وينتهى هذا الضجيج وتلك المعركة الموسمية إلى لا شىء. الآن الحديث عن الخطاب الدينى يكاد يكون منعدما إلا لدى قلة واعية ترى أن المسألة أخطر من تركها للظروف التى أعقبت إسقاط التيار الدينى عن السلطة، وتصاعد موجة الإرهاب وأن المسألة تحتاج لمواصلة، كى لا تكون موضة أو حملة علاقات عامة، وليست حملة دعائية، فهى ضرورة وطنية ودينية وعلمية وإنسانية أن يحدث إصلاح دينى، وخطاب دينى جديد، وللأسف لم يعد رئيس الجمهورية يتحدث فى الأمر، ولا الأزهر وعلمائه، ولا حتى المؤسسات الدينية الرسمية، وكثير من الصحفيين والكتاب الذين اهتموا بالموضوع انفضوا عنه عقب فتور همة الرئيس والأزهر حياله، وبقيت أقلام قليلة هى التى تتحدث فى التجديد والإصلاح فقط. • وزير الثقافة له كتابات عن تجديد الخطاب الدينى.. هل ترى أن الوزارة لا تقم بدورها؟ حلمى النمنم، تحدث كثيرا عن تجديد الخطاب الدينى وقت أن كانت السلطة الرسمية تتحدث والرئيس عبدالفتاح السيسى منشغل به بقضية التجديد لكن مع انفضاض الرئيس عنه، والاتفاقات التى أبرمت بين مصر والسعودية فى مجال الثقافة والإعلام، تراجعت وزارة الثقافة عن الانشغال بالموضوع وانتهى الأمر. • تصاعد موجات الإلحاد كيف تراها؟ جزء من الإلحاد فى العالم العربى هو إلحاد نفسى من الشباب نتيجة احتجاجهم على أداء المؤسسات الدينية، وعلى التصورات المنافية للعقل والمنطق التى ما زالوا يتبنونها ويسوقونها للناس، وجزء من الإلحاد احتجاجى وليس فلسفى بالمعنى المتعارف عليه عند الأجانب. ومع صعود التيار الدينى للواجهة بعد ثورة 25 يناير وحيازته للسلطة، اتسعت موجة الإلحاد ووصلت للظاهرة، لدرجة أن مجلس الشورى المنحل الذى كان الإخوان والسلفيون يتمتعون بأغلبية كبيرة فيه، وضع هذه القضية على أجندته ذات يوم، وكان أغلب الملحدين محتجين على أداء هذا التيار وعلى الصورة المذرية التى ظهر بها، وتركوا الدين كنوع من الاحتجاج فقط. • فكرة تنقية كتب الصحاح ماذا يمنع الأزهر من أن يقوم بذلك؟ الأزهر عليه دور كبير فى عمل ذلك، والإمام البخارى مثلا أجرى غربلة وفلترة للأحاديث وفق مقاييس ومعايير وجهد وأجرى غربلة أولى ثم ثانية، لكن كل ذلك بحاجة لمراجعة تالية فى ضوء عطاء العلوم الحديثة مثل علم الاجتماع الدينى، والأنثربولوجيا، والتاريخ والآثار، والأزهر لا يريد أن يقوم بهذه المهمة لأن غالبية من هم بالأزهر يتعاملون مع الوارد قديما باعتباره ثابتا ومقدسا وهو ليس كذلك. • وما الحل؟ فى دراستى، أكدت أن عملية التنوير الدينى، تنطلق من معرفة المسالك التى سارت فيها التنظيمات الدينية السياسية، ثم ينطلق التنوير لبناء مشروعه الذى يعيد الدين إلى وظيفته الأساسية فى الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى والخيرية، ويطلق العنان للعقل ليفكر ويبدع وهو مطمئن. والتنوير مهم وهو المطلوب، وليس ما يُثار عن تجديد الخطاب الدينى، إذ إن ذلك يشكل الحد الأدنى الذى لا يمكنه أن يخرج المسلمين من المأزق الذى يعيشونه الآن، بعد أن حول بعض المتطرفين منهم الدين من مصدر للسعادة إلى سبب للشقاء. والاكتفاء بالتجديد لن ينتهى إلى شىء نلمس فيه تقدما إلى الأمام، لأن الذى سيتصدى للتجديد هى المؤسسات الدينية ذاتها التى تنتج الخطاب الحالى بما فيه من عوار شديد، والمطلوب هو التنوير لإنقاذ صورة الإسلام، التى تضررت كثيرا جراء أقوال المتطرفين الذين يستعملونه لتبرير القتل والتدمير، مع ضرورة التمييز بين الدين والسلطة السياسية، فالربط بينهما حول الدين إلى أيديولوجيا أو إطار يبشر بالسلطة باعتبارها غاية وخبرة التاريخ تبين لنا أن السعى إلى السلطة السياسية كان الخنجر المسموم الذى طعن كل الأديان.