لا توجد حركة نقدية.. والشللية مأساة مصر الحقيقية الاحتلال المستمر لمصر سبب انقطاعنا المعرفى عن حضارة الفراعنة نواجه تزوير الأفلام السينمائية للتاريخ المصرى لصالح إسرائيل بمقال الحوار مع أحمد مراد يحمل عدة تناقضات. يشكل «ظاهرة» فى الحركة الأدبية إلا أن حركة النقد لم تكتب عنه. ثم تصطدم بسؤال متكرر أين هو النقد من الأساس بالنسبة لأدب مراد أو غيره؟. ينجح تجاريا، ويظل على قائمة الأكثر مبيعا إلا أن هناك تيارا يكرهه أو يتجاهله أو يهاجمه.. يصبح مراد «نجما» إلا أن هناك عزوفا من الصحافة الثقافية للاقتراب منه، يأتى هذا العزوف نتيجة إرهاب خفى لصحفيى الثقافة من إجراء حوار مع أحمد مراد، بدعوى أنك تشجع وتوافق على ما يكتبه. إذن أنت خارج الشلة. تذهب إليه بعدة اتهامات أو انتقادات سلبية إلا أنك تكتشف أن لديه من الوعى الشديد أن يرد عليك بأنه غير مهتم، بل لا يود الرد على الاتهامات، قائلا «فمن كتبوها ردوا على أنفسهم، وفى تسجيل للكاتب الذى قيل إنه يتهمنى بالسرقة، وهو يرد على نفسه وينفى ذلك الكلام». تكتشف أنه ليس عليه شىء، وأنه يشكل المتن الثقافى، ومن يهاجمونه على الهامش. ثم تلتقى بمن لا يشغل باله بكل الجدل المجانى هذا، بدعوى أن ذائقتهم فى القراءة لا تميل لأدب أحمد مراد. تركنا جانبا كل الأسئلة والتعليقات على منْ يهاجمه، وتعمقنا من حوار فى الأدب إلى الدين إلى الفكر. والمناسبة كانت روايته الأحدث «أرض الإله» الصادرة حديثا عن دار الشروق. لكن قبل الحوار لفت نظرى جدا احترام وتبجيل أحمد مراد الشديد للأديب العالمى نجيب محفوظ، وتأكيده أن تركيزه فقط على القارئ.. ● لماذا الدفاع عن الحضارة المصرية القديمة؟ لا يوجد اتهام حتى أدافع عنه.. «أرض الإله» لا تدافع أو تهاجم، هى رواية، وليس بحثا فى التاريخ. فقط أحاول فيها الكشف عن نقاط غامضة فى تاريخنا، فضلا عن أن التاريخ المصرى القديم منطقة جديدة بالنسبة لى، لم يتطرق لها الأدب كثيرا، وفيها تحد وشغف فى المعرفة والبحث، وما وجدته بجانب هذا من ازدراء لتاريخنا، عبر مناهج تعليمية ومنظومة تعليمية تجعلنا جهلاء بالتاريخ المصرى العظيم. لكنى بصراحة شعرت فى حفل إطلاق الرواية بدار الأوبرا، بالالتباس وبعض الخلط بين الكتابة الروائية والكتابة التاريخية.. الخيال مطلق.. لكنك دافعت عن وجود شخصيات حقيقية.. هناك أشياء حقيقية مستقاة من تاريخنا. والرواية التاريخية عبارة عن تجميع «بازل» كتلة موجودة وكتلة أخرى غير موجودة، عبارة عن لغز. وشغل الرواية محاولة للربط «اللضم» بين الكتل الأساسية، عبر تحليل ورؤية لما حدث. وهذا ما حاولت كتابته عبر مشاهد خيالية، فزمن الرواية قديم جدا، وبها تكوينات خيالية إلا أن هناك أعمدة ثابتة، سواء من التاريخ أو من القرآن. لكنى فى الأساس أعمل على تاريخ مغاير غير التاريخ السائد الذى يعرفه أغلب الناس. ● لكن الخيال حر لا يحده التاريخ أو الكتب المقدسة؟ طالما كتبت على الغلاف كلمة «رواية»، فهى خيال. ولم أقل فى أى تصريح من التصريحات أن «أرض الإله» يجب اعتبارها كتفسير ابن كثير أو كموسوعة سليم حسن التاريخية. لم أدع هذا أو ذاك، ولم أضع مراجع تاريخية فى نهاية الرواية، رغم أن كثيرين طالبوا ذلك. وبدورى أسأل أين مراجع الأستاذ الكبير نجيب محفوظ فى رواياته التاريخية مثل «كفاح طيبة»، أو «عبث الأقدار»؟. «أرض الإله» رواية لكنها تتضمن حقائق تاريخية مثلما فعل الأستاذ نجيب محفوظ فى «كفاح طيبة» مثلا. وهذه الحقائق لا يمكن تجاهلها. طبعا من حق الروائى ترك الحقائق التاريخية كما هى أو تكسيرها. وأنا حاولت تكسير بعضها. لكن ليس كلها. ● ما الذى شدك إلى هذه المنطقة؟ أحد الأسباب هو عدم وجود روايات تتناول هذه الفترة بالذات منذ روايات الأستاذ نجيب محفوظ، رغم أهمية هذه الفترة وثرائها الشديد. ودائما أحب أن أكتب عن الأشياء التى أبحث عنها، التى لا أجدها فأكتب عنها، بالإضافة إلى وجود شغف معين جعلنى أتجه إلى هذه الحقبة، فقررت أن أرمى حجرا فى تلك المنطقة. الأمر الثانى أن الوحيد الذى اقترب من تلك المنطقة هو الأستاذ نجيب محفوظ (وطبعا هى ليست مناظرة، أو حتى محاولة للاقتراب من هذه القيمة الكبرى). أما الأمر الثالث، والذى شكّل تحديا ليّ هو تناول الغرب لتاريخ مصر القديم، عبر أفلام وروايات، تشعرك بأنك أمام مشروع ضدك، خاصة تناولهم لقصة النبى موسى؛ حيث يتم تصوير اليهود باعتبارهم بناة الأهرام، وسكان سيناء الأصليين. ونحن هنا نرد بمقال فقط، دون أن نرد سينمائيا عليهم أو حتى برواية، فقررت أن أرد عليهم برواية. ● هذا يجعلنى أسألك: هل تكتب رواياتك بغرض تحويلها للسينما؟ وكيف ترى تقديم«أرض الإله» للسينما وأنت تعلم أنه مستحيل بسبب وجود النبى موسى بها؟ بكل حسم رد مراد: لم أفكر أو أخطط مطلقا لتحويل «أرض الإله» لفيلم سينمائى. وإذا نويت تحويلها لفيلم من البداية لم أكن بالسذاجة أن أضع بها شخصية النبى موسى. لديّ إمكانية الكتابة للسينما مباشرة، فلماذا هذا التحايل؟! بالعكس رونق الرواية على رفوف المكتبات يكفى. ● هل فعلا تريد أسلمة مصر القديمة عبر رواية «أرض الإله»؟ مش فاهم يعنى إيه بأسلم مصر القديمة.. هو التدين يعنى الإسلام. مصر القديمة من المؤكد أنها شهدت ظهور أنبياء. الكتابات التى على الجدران التى تتحدث عن أمور ربانية، تحدث عنها فيما بعد القرآن.. ألا يعنى ذلك أنهم كانوا على اتصال بالله؟!. لدينا النبى إدريس الذى علم الناس الفلك والكتابة، وكان يملك الحكمة والحكم والنبوة. وللأسف نحن لا نفتخر به، والقارئ لا يعلم شيئا عنه، وأنه هنا على هذه الأرض كانت توجد حضارة علمت الناس الثواب والعقاب والخير والشر، ومنها الوصايا العشر والعناية بالحيوانات والنيل. ثم يأتى من يسأل هل تريد أن تظهر مصر القديمة كبلاد مؤمنة؟ ومن يقرأ التاريخ يعرف جيدا أن الضمير، وحقوق الإنسان، انطلقا من هنا، من هذه الأرض، ومن هنا حاولت أن أكتب رواية تكون بمثابة نافذة للدخول إلى تاريخنا. طبعا الناس أحرار. لكنى أردت فقط أن أقدم وجهة نظرى أن الحضارة المصرية القديمة كان بها دين ونبى. وكما أشرت من قبل حينما سألت أحد المرشدين فى المتحف المصرى عن تمثال «أوزوريس»، فقال ليّ المرشد: إله كانوا يعبدونه.. كنا كفرة. ما أريد قوله إن الرواية تطرح بعض الأسئلة حول شخصية موسى النبى، وتسير فى طريق متوازٍ مع القرآن الكريم، ولا تختلف معه، فيما يخص سيدنا موسى ونهاية فرعون، وأنا بحثت فى كتب كثيرة، وبحثت عن المراجع والكتب التاريخية التى تقدم تاريخا مغايرا لما قدمه الأجانب، فضلا عن دراسة التابوهات الدينية. ● ماذا تقصد بالتابوهات الدينية وأنت تؤكد أنك معتمد على القرآن الكريم؟ علينا أن ندرك جيدا أن الأنبياء بشر، فمثلا سيدنا «موسى» كان سريع الغضب، وتعرض للانقلاب هو وأخوه هارون ومحاولة للاغتيال، كما أن ذكره مقطوع فى القرآن الكريم والتوراة، ومن هنا تخيلت بعد تحليل للأحداث وربط فيما بينها أنه قُتل. واعتمدت على النص القرآنى فيما يتعلق بقصة سيدنا موسى، وتحليله من خلال تحليل اللفظ، ولم أعتمد على كتب التأويل والتفسير أو الفقه أو السنة؛ لأن القرآن هو الشيء الوحيد الذى أثق فيه؛ ولأن أى شيء آخر يجب الشك أو حتى التفكير فيه على الأقل؛ لأنه من وضعه بشر لهم أهواء. وبالمناسبة ما ذكرته فى الرواية ورد فى أكثر من مرجع بالفعل، لكن ليس من المفترض كتابة أسماء المراجع فى نهاية الرواية، فهى ليست دراسة، لكنى أتيحها لمن يطلبها. الغريب هنا أنه لم يطلب أحد من الأستاذ نجيب محفوظ مراجع لرواياته التاريخية، أو حتى اتهامه بالسرقة، عندما استعان ببعض الموسوعات التاريخية. أظن أن النقاد أيامه كانوا على قدر كبير من الوعى والثقافة. ● بمناسبة النقد.. كيف تقيِّم الحركة النقدية فى مصر فى الوقت الحالى؟ وهل يغضبك أنه لا يوجد نقد لأعمال أحمد مراد؟ ليس هناك حركة نقدية حقيقية فى مصر، ترسم للقارئ شكل واتجاهات حركة الأدب، وترصد كل المدارس الجديدة التى تظهر، ليس سبها أو تشويهها، وإنما رصدها وتقييمها. وخلينا نتكلم بصراحة الشللية هى مأساة مصر بجد. الشللية إذا وجدت منْ يقرأ لأحمد مراد يتم اتهامه بأنه «تافه»، أو تتجاهل أحمد مراد تماما، أو تكتب عنه هجوما فقط، وإذا كُتبت مقالة جيدة ترى أنها مكتوبة تملقا لأحمد مراد ليس أكثر. هناك نقاد يكتبون بشكل ممتاز مثل محمود عبدالشكور؛ فهو صادق ويكتب عما يعجبه بدون تملق أو سب وهجوم على الفاضى. ● لكن هناك من يؤكد أن مراد لا يكتب عن القضايا الكبرى التى تشغل الأدباء.. فما قضية «أرض الإله»؟ «أرض الإله» رواية مسلية فقط. عدم الاحساس بالقضية الكبرى ليس معناه أن الرواية لا تضم تلك القضايا. «ديه مشكلتهم هم وليس أنا». ● بعيدا عن النقد وعن الرواية وأحداثها من أين جاء هذا الانقطاع المعرفى بين حضارتنا القديمة وحالنا الآن؟ الانقطاع المعرفى جاء نتيجة تنافس من احتلوا مصر مع الحضارة المصرية القديمة، فضلا عن اعتمادنا للأسف على الإنجليز فى معرفة حضارتنا، وهم من صدروا لنا أننا نعبد عدة آلهة، بطريقة غير منطقية، بجانب طمس للحضارة المصرية القديمة بعد توالى الاحتلالات على مصر. ● هل يزعجك لقب أحمد مراد ناجح تجاريا وأنه كاتب «البيست سيللر»؟ إطلاقا، فلا يزعجنى أن يكون لىّ الكثير من القراء والمتابعين. ودائما عينى وتركيزى على القارئ فقط. وأرى أن معيار نجاحى فى يد القارئ وحده. ● لكن هذا النجاح التجارى مهدد نتيجة التزوير والقرصنة.. كيف ترى التزوير الهائل لرواية «أرض الإله»؟ للأسف يساعد بعض القراء على زيادة معدل التزوير؛ نتيجة نقص المعلومات لديهم حول طبيعة صناعة النشر. هناك العديد من القراء يسألوننى لماذا الرواية تباع بسعر مرتفع جدا. لذلك أرى أن دور النشر لابد لها من التوضيح لجميع القراء أن ثمن الرواية يتم توزيعه على دوائر عديدة، فهناك دائرة دار النشر وتوفير مكان ودفع مرتبات لموظفيها فضلا عن دفع ضرائب، كهرباء ومياه وخلافه، ودائرة أخرى تخص طباعة الرواية نفسها. أما الشخص المزور فلا يقع على عاتقه كل هذه الالتزامات المادية. والنقطة التى أود توضيحها هنا أن التزوير يضر بمصلحة المؤلف أيضا، وليس دار النشر فقط، فعندما يزور شخص روايتى، هذا معناه أنه ربما لا تصدر روايات أخرى ليّ؛ لأن صناعة النشر ستتوقف!. أخيرا يجب أن ينتبه القارئ أنه بشراء نسخة مزورة يساعد على السرقة والتزوير، فضلا أنه يحصل على نسخة غير جيدة من الرواية، إذ دائما تسقط صفحات من الكتب المزورة. ● عودة إلى النجاح.. هل مراد يشعر بالرضا؟ نظرا لكل الأمور الواقعة راض جدا. لكن سأشعر بالرضا التام أن تتحول القراءة من مجرد هواية إلى عادة، أن تتحول القراءة من مجرد «كتر خيرى أنى بأقرا» إلى مطلب حقيقى للأسرة المصرية مثلما تهتم بالدراسة والتعليم. سأشعر بالرضا الكامل بوجود سينما أكثر، بسينما مأخوذة عن أعمال روائية. اقرا ايضا :