شهد رسول الله فى مقتبل شبابه مؤتمرا لحقوق الانسان قبل البعثة النبوية، حيث شهد فى مكة حلفا نبيلا لقبائل من قريش اجتمعوا وتعاهدوا على نصرة المظلوم وصلة الأرحام؛ فعن عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: شهدت حلف المطيبين (خمس قبائل من قريش، سموا المطيبين؛ لأنهم غمسوا أيديهم فى الطيب، وتعاهدوا على نصرة المظلوم وصلة الأرحام)، مع عمومتى وأنا غلام، فما أحب أن لى حمر النعم، وأنى أنكثه (أى أنهم تعاهدوا على نصرة المظلوم وصلة الأرحام، وقد أخبر الرسول أنه ما يحب أن ينقضه ولو أعطى أحسن أموال العرب، وهى الإبل الحمر). [أحمد: 1655]. • قريش تجدد بناء الكعبة: قامت قريش بتجديد بناء الكعبة، قبل مبعث النبى، وشارك الرسول فى حمل الحجارة وبناء الكعبة المشرفة مع أعمامه وبنى قومه. عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما، قال: «لما بنيت الكعبة ذهب النبى وعباس ينقلان الحجارة» [البخارى: 1582، ومسلم: 340]. وقد أكرم الله عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم بأن وضع الحجر الأسود فى مكانه بعد خلاف شديد بين القوم، حيث قال بطن (جماعة من الناس أقل من القبيلة) من قريش: «نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكما، قالوا: أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبى فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه فى ثوب، ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو صلى الله عليه وسلم [أحمد: 15504]. • قريش والحج: منذ أن أمر الله عز وجل رسوله إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن فى الناس بالحج، والناس يحجون إلى هذا البيت الحرام، إلا أنه مع تقادم العصور طرأ التحريف والتبديل على بعض مناسك الحج وشعائره، حتى تحول بعضها من التوحيد لله إلى الشرك، مثل قولهم فى التلبية: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك [مسلم: 1185]، وكانت هناك بقايا من الملة الحنيفية وملامح من دين إبراهيم عليه السلام، وكان أهل مكة يحجون، وكان فيهم من يقوم بخدمة الحجيج وإكرامهم وسقايتهم، مثل بنى هاشم، ومنهم من يقوم على خدمة البيت الحرام والعناية به وسدانته، مثل بنى عثمان بن أبى طلحة، وقد كان بعض المشركين يرون ما هم عليه من سقاية الحجيج وخدمة البيت الحرام أفضل من الإسلام لله رعز وتوحيده والجهاد فى سبيله. قال تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِين» [التوبة: 19]. وكان النبى لا يوافق المشركين فيما خالفوا فيه ملة إبراهيم عليه السلام الحنيفية، كالتلبية والإفاضة من عرفات وغيرها، حيث كانت قريش تفيض من مزدلفة ولا تفيض من عرفات مع بقية الناس، ويقولون: نحن أهل الحرم، فلا يخرجون إلى خارج الحرم. [البخارى: 1665، 4520، ومسلم: 1218، 1219]. أما النبى فكان يفيض من عرفة؛ فعن جبير بن مطعم رضى الله عنه، قال: أضللت بعيرا لى، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا مع الناس بعرفة، فقلت: والله، إن هذا لمن الحمس، فما شأنه هاهنا؟ [البخارى: 1664، مسلم: 1220]. وفى رواية: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة، ويقولون: نحن الحمس، فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف على عرفة، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم يدفع إذا دفعوا. [ابن خزيمة: 2823]. استنكر جبير رضى الله عنه وقوف النبى صلى الله عليه وسلم بعرفة؛ لأن النبى من قريش، وقريش تقف بمزدلفة، لتشددها فيما كانت عليه من تقاليد دينية فى الجاهلية، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يقف بعرفات؛ لأن تلك سنة إبراهيم عليه السلام. وكان من عاداتهم فى الجاهلية أيضا أنهم لا يعتمرون فى أشهر الحج، ويرون ذلك من أفجر الفجور. [البخارى: 1564، ومسلم: 1240]، فلما جاء الإسلام أبطل تلك المخالفات وغيرها مما لم يأمر به الله عز وجل.