رئيس هيئة المحطات النووية يناقش مع الجانب الروسي تقدم مشروع محطة الضبعة النووية    برلمانى: الحزمة الاستثمارية الجديدة تؤكد جدية الدولة فى تحسين مناخ الاستثمار    الإسكان: إعفاء 70% من غرامات التأخير وفرصة ذهبية للسداد خلال ديسمبر    رئيس الوزراء: الحكومة هدفها خفض الدين العام والخارجى وتقليل أعباء خدمته    قافله مساعدات إنسانية وغذائية تضم 190 شاحنة تمر من معبر رفح باتجاه غزة    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل لم تلتزم بوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    هجوم سيبرانى مريب يضرب مجلس النواب الألمانى خلال زيارة زيلينسكى    مسار يكتسح بيراميدز 9 - 0 فى دورى الكرة النسائية ويواصل العلامة الكاملة    شاهد الان.. تشيلسي في اختبار الحسم أمام كارديف سيتي.. تشكيل متوقع وصراع التأهل لنصف نهائي كأس الرابطة    حريق فى مكتبة حديقة الطفل بمدينة الزقازيق فى الشرقية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو اقتحام مسكن بدمياط وتضبط تاجر مخدرات    انعقاد الاجتماع السابع للمجلس التنفيذي للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء    وزير الثقافة يعتمد أجندة فعاليات الاحتفاء باليوم العالمى للغة العربية    التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة    بعد قليل.. مؤتمر الهيئة الوطنية لكشف مستجدات الاقتراع بانتخابات النواب    افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم بالعاصمة الجديدة: هنو يشيد بتقدير الدولة للقراء.. والأزهري: خطوة للحفاظ على الهوية الدينية    سكاي: يونايتد وسيتي يتنافسان على سيمينيو.. وشرط جزائي لرحيل اللاعب في يناير    مصرع شاب تحت عجلات قطار المنوفية    "أم كلثوم.. الست والوطن" فيلم جديد عن كوكب الشرق بالوثائقية    حلمي عبد الباقي يرد على توجيه اتهامات له في التحقيق: غير صحيح    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    عاهل الأردن يدعو واشنطن إلى ضم المملكة لبرنامج الدخول العالمي    وزير الصحة يبحث الموقف التنفيذي لمشروع ميكنة "التأمين الشامل"    نداهة فرسان الشرق بالرقص الحديث في مسرح الجمهورية    محافظ أسيوط ورئيسة القومي للطفولة والأمومة يفتتحان مقرًا جديدًا لدعم حقوق الطفل|فيديو    "إعداد المفردة الاختبارية" ندوة بكلية الفنون التطبيقية بجامعة بني سويف    قضايا الدولة تشارك النيابة الإدارية في فعاليات ندوة مناهضة العنف ضد المرأة    نهاية قصة "توشيبا العربي" بعد سنوات من التعاقد بمصر    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    وزير التعليم ومحافظ أسوان يواصلان جولتهما التفقدية بزيارة المدرسة المصرية اليابانية    غدا أولى جلسات محاكمة «ولي أمر » في قضية التعدي على مدرس بالمقص في الإسماعيلية    قرطاج تستقبل أول عروض "ضايل عِنا عر" اليوم بمدينة الثقافة التونسية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجى البحيرة إلى يوم 12 يناير    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    إغلاق ملف فيتوريا رسميًا.. تسوية نهائية بين المدرب واتحاد الكرة في «CAS»    ذا بيست.. دوناروما أفضل حارس مرمى في العالم 2025    الكشف علي 177 حالة بمبادرة "من أجل قلوب أطفالنا" بمدارس القليوبية    الصحة تُحذر من تخزين المضاد الحيوي واستعماله مرة أخرى    حماس: 95% من الشهداء بعد وقف إطلاق النار مدنيون.. ولا يحق لإسرائيل استهداف رجال المقاومة    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    غزل المحلة: لدينا أكثر من 90 ألف دولار عند الأهلي.. وشكونا بلوزداد ل فيفا    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    ب 90 مليون جنيه، محافظ بني سويف يتفقد مشروع أول مدرسة دولية حكومية    قرار جديد من النيابة فى واقعة تعرض 12 طفلا للاعتداء داخل مدرسة بالتجمع    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    الزمالك يجدد ثقته في نزاهة جهات التحقيق في أرض أكتوبر ويؤكد التزامه الكامل بالقانون في قضية أرض أكتوبر (بيان رسمي)    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجه القبلي بسبب الإصلاحات    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    اليابان ترفع تحذيرها من الزلزال وتدعو لتوخي الحذر بعد أسبوع من هزة بقوة 7.5 درجة    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    فتش عن الإمارات .. حملة لليمينيين تهاجم رئيس وزراء كندا لرفضه تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى أسباب الاحتقان الطائفى ومقترحات للتعامل معه
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 05 - 2016

لا أملك حيال جريمة «أبو قرقاص» إلا أن أضم صوتى إلى الأصوات التى تطالب بتطبيق القانون بعدل وحسم، وتقديم الجناة إلى العدالة، ومحاسبة المسئولين عن هذا التقاعس المشين، والابتعاد عن أسلوب الصلح العرفى الذى يأتى على حساب الضحية.
ولكن إن كانت هذه الجريمة قد أثارت لدى الرأى العام مشاعر استنكار وغضب شديدين بسبب شدة قبحها وشذوذها، فإنها للأسف الشديد ليست منبتة الصلة بالواقع الاجتماعى، بل تعبير عن تصاعد التعصب والطائفية والاحتقان فى المجتمع، على نحو يلزم معه فهم الأصول والأسباب، لكى يمكن التعامل مع هذا الوضع الخطير بشكل سليم.
وتقديرى أن فهم الإطار الأشمل لهذا التعصب والاحتقان يكون بالنظر إلى أن الدولة قد وجهت طاقاتها ومواردها لمحاربة الإرهاب والعنف باستخدام الأدوات الأمنية فقط، فإنها فى ذات الوقت قد كبلت الآليات الفكرية والثقافية والأهلية التى تحارب الفكر المتعصب وثقافة الطائفية والعنف والكراهية، وحرمت المجتمع من التفاعل السياسى الذى يقوم بدور شديد الأهمية فى تأصيل وترسيخ التعدد والحوار ومحاربة التطرف بكل أشكاله. لذلك فإن كان فرض الأمن وتطبيق القانون وملاحقة المجرمين مطالب ضرورية وليست محلا للمساومة، فإنها ليست نهاية المطاف، بل يجب أن يصاحبها اعتراف بحقيقة التعصب والاحتقان السائدين فى المجتمع، واستعداد للتعامل مع الأسباب التى تؤجج هذا التوتر وتهيئ له المناخ الخصب للنمو.
فى هذا الإطار يجب العمل فورا على إصدار قانون لمنع التمييز بكل أشكاله، وبما يحقق المواطنة الكاملة لكل أفراد الشعب المصرى، رجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين، فقراء وأثرياء، شبابا وكهولا. والمساواة لا تكون كاملة إلا إن كانت فى كل الحقوق والواجبات، فى فرص وظروف العمل، وفى تقلد المناصب العامة، وفى الخدمات التى تقدمها الدولة، وفى حرية العقيدة والعبادة. كما يلزم أن يتضمن هذا القانون عقوبات رادعة لكل من يمارس التمييز، ومن يسكت عنه، أو يحرض على التفرقة بين المواطنين.
ومن جهة أخرى فإن علينا إدراك أن الرادع الحقيقى للتعصب والعنف ليس الأمن وقانون العقوبات وحدهما، بل مناخ الحرية والتعدد. مهما حاولت الدولة أن تعتمد على الأمن لمجابهة الطائفية والعنف، فلن يمكنها أن تحرس كل شارع وكل كنيسة وكل مسجد، وأن تحيط بقواتها كل جامعة ومصنع وميدان. ولذلك فإن تقييد حرية التعبير، ورفض التعدد فى المجتمع، وحبس أصحاب الأصوات المعارضة، وقبول استمرار العمل بقوانين تدفع بالشباب والأطفال إلى السجون لمجرد التعبير عن الرأى، وتسكت المفكرين والكتاب، إلى كل هذا يصب فى مصلحة التعصب والانغلاق، ويحرم المجتمع من التفاعل الصحى بين التيارات المختلفة، ويشجع على نمو الأفكار المريضة والمتطرفة التى لا تجد الفكر المستنير والمتحرر الذى يقابلها ويتصدى لها.
ويلزم كذلك إعادة الاعتبار للدستور والقانون والعدالة بشكل عملى وحقيقى وليس بمجرد ترديد عبارات الاحترام والتبجيل. فلا شك أن وراء الانفلات الذى عبرت عنه جريمة «أبو قرقاص» الشعور السائد فى المجتمع بعدم أهمية الدستور، وإمكان التغاضى عن إحكامه، واستمرار العمل بقوانين مخالفة له، وبوجه عام هناك تعارض بين التطبيق الكامل للقانون والعدالة وبين متطلبات حماية الامن القومى وتحقيق الاستقرار. هذا التراخى فى تطبيق القانون واحترام الحقوق الدستورية، يفتح الباب للتجاوزات والتنازلات ثم اللجوء إلى المصالحات العرفية الجائرة بوصفها أداة لتحقيق الهدوء والاستقرار.
بالإضافة إلى ما سبق فلابد من إطلاق المجال لنشاط المجتمع المدنى القادر على تفعيل الحوار بين الشباب، والتعاون فى مواجهة متطلبات الحياة اليومية، والتقارب بين الناس من مختلف الظروف والثقافات، وعلى وضع آليات للإنذار المبكر والتدخل قبل انفجار العنف والتعصب. هذا الدور الوقائى للجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى عموما لم يعد متاحا حينما اختارت الدولة أن تضيق الخناق على النشاط الأهلى بكل أشكاله توجسا من أن وراء كل مبادرة وعمل تطوعى مؤامرة خارجية وتدخل أجنبى. الدولة مهمتها أن تستخدم أدوات الأمن والقانون لمجابهة الجريمة والعنف، ولكنها لا تقدر بمفردها أن تصحح فكرا منحرفا أو تقاوم تعصبا له جذور اجتماعية وثقافية عميقة. هذه مهمة المجتمع ومؤسسات الدولة المدنية. ولكن هذه المؤسسات لا يمكن أن تقوم بدورها التنموى والوقائى إذا استمرت الدولة تحاصرها وتضيق عليها مساحات العمل والتأثير.
وأخيرا فمن الضرورى مراجعة السياسة الاقتصادية للدولة وأولويات الإنفاق العام وإعادة توجيه الاهتمام والموارد، بما يحسن من الخدمات العامة فى القرى النائية والمناطق العشوائية بدلا من استنزاف كل الطاقات والموارد المتاحة فى مشروعات قومية كبرى، قد تكون ذات عوائد عظيمة فى المستقبل البعيد، ولكنها لا ترفع عن كاهل المواطنين أعباء الحياة اليومية ولا توفر للشباب فرصا للعمل ولا مجالا لتنمية المواهب والكفاءات ولا تسلحه بأدوات تعينه على مقاومة الفكر الظلامى الذى يحيط به من كل جانب.
***
أتمنى تطبيق القانون بكل حزم وعدل على مرتكبى جريمة «أبو قرقاص»، ولكن أتمنى أيضا أن تكون بشاعة هذه الجريمة ناقوس خطر ينبهنا إلى خطورة ترك المناخ الفكرى والثقافى الراهن والاحتقان الاجتماعى على حاله، وإلا فإن الجرائم سوف تتكرر والتعصب يستمر فى هدم النسيج الوطنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.