يتبين يوما بعد يوم أن الحكومة المصرية وربما غالبية الأجهزة والهيئات والمؤسسات تحتاج إلى «مخرج»، يضبط الإيقاع ويجعل الأمور منطقية أو على الأقل يجعلها تبدو كذلك أمام الرأى العام وعموم المواطنين، وكذلك العالم الخارجى. فى قضية ترسيم أو تعيين الحدود البحرية مع السعودية والتى أعلنت الحكومة المصرية أن جزيرتى تيران وصنافير فى مدخل خليج العقبة تابعتان للسعودية سوف نتحدث عن بعض الملاحظات الشكلية قبل الحديث لاحقا عن المضمون. أولا: صحيح أن القضية قديمة وصحيح أن البلدين أعلنا فى يوليو الماضى عن البدء فى تعيين الحدود البحرية، لكن الأكثر صحة أنه لم يتم وضع الرأى العام فى الصورة وتمهيد الأمر له حتى لا يصاب بالصدمة التى رأيناها بدءا من مساء الجمعة الماضية، حينما صدر بيان من مجلس الوزراء الذى حسم القضية. فى هذه النقطة كان مطلوبا أن يتم إشراك الرأى العام فى الموضوع بما لا يؤثر على سير المفاوضات، وأن تصدر بيانات مختصرة تضع المصريين فى صورة تطورات القضية. لو حدث ذلك ما فوجئنا بهذا الاندهاش واسع النطاق. بعد ظهر يوم الجمعة الماضية كنت فى قصر الاتحادية برفقة الزملاء رؤساء تحربر الصحف وكبار الاعلاميين، ومحررى الرئاسة لتغطية التوقيع على 17 اتفاقية بين مصر والسعودية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك سلمان بن عبدالعزيز. أذكر أن زملاء وأصدقاء كثيرين من الإعلاميين الكبار فوجئوا بالأمر، بل حدث رهان بين اثنين منهم بشأن هل ستكون الاتفاقية موجودة أم لا. عندما تم الإعلان عن الاتفاق وحتى قبل أن نعرف المضمون رأيت دموع زميل لا يشك أحد فى وطنيته وإخلاصه لبلده ومناصرته للرئيس، تكاد تسيل لأنه توقع ما هو آت. فإذا كان ذلك هو حال الصحفيين المطلعين، فكيف يمكن تصور حال البسطاء الذين يتعرضون لقصف مستمر من التسريبات والإشاعات والمعلومات المغلوطة والأكاذيب من قوى متعددة داخلية وخارجية، إضافة إلى عدم قيام الحكومة بأى جهد لمد المواطنين بالمعلومات الصحيحة أو الحد الأدنى منها؟!!. مرة اخرى نحن لا نناقش الآن مضمون الاتفاق، ولكن شكله وطريقة إخراجه. والملاحظة الثانية هى التوقيت. والسؤال: ألم يكن هناك توقيت أفضل من هذا للاعلان عن الاتفاقية ؟!. بغض النظر عن النوايا والحقيقة والوثائق، فإن ما وصل إلى غالبية المصريين هو أن الحكومة المصرية تنازلت عن الجزيرتين أو باعتهما للسعودية بثمن بخس وفرطت فى السيادة وخالفت الدستور. خلال زيارة عاهل السعودية والتى انتهت أمس تم التوقيع على عشرات الاتفاقيات بأكثر من 25 مليار دولار- علي عهدة وزيرة التعاون الدولي الدكتورة سحر نصر - بعضها سيكون ثوريا ويغير من اقتصادات المنطقة، وهو الجسر البرى الذى سيمثل نقلة غير مسبوقة فى علاقة البلدين، إضافة إلى تعمير سيناء وإنشاء جامعة ومشروعات خدمية كثيرة. وفجأة وعندما تم الإعلان عن مضمون اتفاقية الحدود البحرية نسى غالبية المصريين كل إنجازات زيارة الملك سلمان وبعضها ذو آثار استراتيجية، وتحدثوا فقط عن تنازل مصر عن الجزيرتين للسعودية. والسؤال: هل كان من المناسب تأجيل الإعلان عن هذه الاتفاقية بضعة شهور مع تهيئة الرأى العام لذلك، أم أنه كان مقصودا أن يتم «حشر وإخفاء» اتفاقية الحدود وسط عشرات الاتفاقيات الأخرى حتى تتوه فى التفاصيل؟!!!. فى الشكل أيضا كان هناك بعض الارتباك فى الحديث عن الاتفاقية. بعد ظهر الجمعة لم يكن الإعلاميون يعرفون ما هى نتيجة الاتفاقية، بل إن هناك من أكد أن الجزر ستكون من حق مصر، وشعر كثيرون بالتوهان والتشتت، وفى المساء صدر بيان مجلس الوزراء الذى أحبط الكثيرين، رغم أنه من جهة اخرى حسم القضية مرة واحدة وبالضربة القاضية، وبطريقة الصدمة. وأخيرا وبعد ما حدث فى قضية ريجينى، ثم الجدل بشأن الاتفاق الحدوى البحرى مع السعودية، وجب على الحكومة أن تتريث وتفكر مليون مرة قبل الإقدام على أى خطوات كبرى حتى لا نتفاجأ بالمزيد من الأزمات، نحتاج إلى استشاريين وخبراء ومحترفين فى معظم مؤسساتنا خصوصا فى إدارة الأزمات.