آثم شرعا!    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    البورصة المصرية: ارتفاع جماعي لكافة المؤشرات بمنتصف تعاملات الأربعاء    وزير الإسكان يوافق على منح تيسيرات جديدة للمستثمرين    نائب وزير الإسكان يشدد على الالتزام بمعايير وقوانين المياه المعالجة    إيران: مستعدون للتفاوض بما يضمن مصالحنا الوطنية إذا أبدت واشنطن نهجا مناسبا    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    نادي الزمالك يصعّد ضد زيزو رسميا    سكاي: إيفرتون يدخل سباق التعاقد مع زيركزي    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    أوباميكانو: أنا أحد أفضل المدافعين في العالم    وفرنا أموالا.. رئيس الهلال يكشف الاستفادة من رحيل نيمار    الداخلية تكشف تفاصيل ظهور شخص في حالة عدم اتزان ببورسعيد | فيديو    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    الكنز المفقود!    يعاني منه 80 مليون شخص، الصحة العالمية تكشف علاقة مصر بمرض خطير يصيب بالعمى    رئيس الوزراء يتفقد معرض سمارت ديجيتال هيلث جيت    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    نقيب العاملين بالسياحة: لمس الآثار إتلاف يعاقب عليه القانون بالحبس والغرامة    ذكرى رحيل محمود عبد العزيز.. محطات وأسرار في حياة ساحر السينما المصرية    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    ترامب يطلب العفو عن نتنياهو رسميًا.. وهرتسوغ يرد: "اتبعوا الإجراءات"    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 في بورصة الدواجن    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    مصرع عامل نظافة سقط من على مقطورة فى المنوفية    معلومات الوزراء: أفريقيا تمتلك 30% من احتياطيات المعادن فى العالم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    6 مرشحين يتأهلون لجولة الإعادة في دائرة بندر ومركز المنيا البرلمانية    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    جوتيريش يهنئ الشعب العراقى على إجراء الانتخابات البرلمانية    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    طريقة عمل كفتة الفراخ بخطوات بسيطة وطعم لا يقاوم (الخطوات والمقادير)    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    تعرف على أكبر نتائج مباريات كأس العالم للناشئين بعد ختام دور المجموعات    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 12 نوفمبر 2025    محافظ الغربية: رفع درجة الاستعداد القصوى لانتخابات مجلس النواب 2025    دعمًا لمرشحيه بمجلس النواب.. «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بدمياط    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجبار التكرار الإسرائيلي
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2009

إذا تركنا القيم الانسانية والاخلاقية جانبا – والدلائل كلها تشير الى ان اسرائيل تعادي هذه القيم ولا تاخذها في الاعتبار عندما تخطط لحملة رهيبة كتلك التي شنتها على غزة – فاننا لا نستطيع الا ان نسلّم بان اسرائيل تملك امكانيات "عالية " عقلية تمكنها من استيعاب احدث اسلحة التدمير واشدها فتكا وهي في الوقت نفسه اكثرها تعقيدات و"تقدما ".
اذا سلمنا بهذا، يصبح من الضروري البحث عن الثغرة الخطيرة في العقل الاسرائيلي التي جعلته قابلا لان يقع في الهزيمة مرتين متتاليتين ... بالاليات نفسها، فيخرج وهو المتفوق بكافة المقاييس مهزوما.
نعم ان التماثل بين هزيمة اسرائيل في غزة – وخروجها من حملتها الرهيبة هذه – خاوية الوفاض بلا نتيجة ايجابية عسكرية اوسياسية، وبالاخص سياسية، وهزيمة اسرائيل في لبنان في حرب صيف عام 2006 وخروجها من حملتها الضارية ضده ايضا خاوية الوفاض، امر يدعو للدهشة ..على الاقل.
كيف يمكن لهذا العقل ان يسقط في هذا الجحر مرتين متتاليتين بنفس الطريقة، ويتعرض لمهانة الهزيمة امام قوة اضعف واقل استيعابا بكل المقاييس؟ لماذا يجيد التخطيط والمناورة والتدمير ويستخدم سلاحه الجوي المتفوق بكل البراعة التي يظهرها ليل نهار على مدى 34 يوما في لبنان، ثم على مدى 23 يوما في غزة ... ويخرج في النهاية بخيبة المسعى؟
ان احدا لا يمكن ان يصدق القيادة الاسرائيلية فيما تقوله من انها حققت ما ارادت من حملتها في غزة. فقد سبق ان قالت الشيء نفسه في نهاية حملتها الشرسة على لبنان في صيف 2006 ولم تلبث ان اعترفت باخطائها امام لجنة فينوغراد التي حققت فيها والتي اوصت في النهاية بعدم تكرار هذه الاخطاء.
اذا اخذنا بعين الاعتبار ان اسرائيل – بسلوكها الحربي الجنوني – تعكس حالة مرضية، يكون من المبرر، بل من الضروري، البحث في اعماقها المريضة عن سبب لوقوعها مرتين في الهزيمة العسكرية – السياسية في حربين متتاليتين.
لم يكن فرويد – نعم سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي – غريبا باي حال عن الفكر السياسي وان لم يعد في اي وقت من جهابذة علم النفس السياسي... واذا ما تذكرنا نظرياته في الامراض النفسية والعصبية ضمن محاولة البحث عن تفسير لهذا السقوط الاسرائيلي في قاع الهزيمة مرتين متتاليتين، ترد الى الذهن مباشرة نظريته التي اطلق عليها تعبير"اجبار التكرار".
وابسط شرح ممكن لهذه النظرية يصف اجبار التكرار بانه " ميل لاشعوري الى تكرار التجارب المؤلمة ". ويقول فرويد اننا نقابل آلية اجبار التكرار غالبا لدى اشخاص عانوا صدمة انفعالية حادة، كما يحدث – مثلا – عقب حادث طريق او كارثة سكك حديدية او غير ذلك من الحوادث التي تعرض الحياة للخطر. وهو يؤكد ان الميل للتكرار واحد من مكونات الوجود الانساني.
وعلى الرغم من ان اسرائيل ليست شخصا مريضا ومن الصعب القول ان قياداتها العسكرية والسياسية صاحبة القرار تتالف من مجموعة من المرضى، الا ان ما يقوله فرويد في هذه النظرية يغري بتفسير ما اقدمت عليه اسرائيل في غزة – بعد هزيمتها في لبنان – بانه يدل على ان اجبار التكرار يمكن ان ينطبق على دولة اسرائيل او مجتمعها انطباقه على فرد.
ولعل المحرقة اليهودية (الهولوكوست ) في حياة المجتمع اليهودي هي هذه الصدمة الانفعالية الحادة التي وفرت آلية اجبار التكرار لدى اسرائيل وقيادتها. واذا ما تابعنا تفصيلات نظرية فرويد هذه نجد انه يؤكد ايضا ان اللجوء (اللاشعوري) الى تكرار التجارب المؤلمة يظهر ان الاشخاص يعملون على تدبير المواقف التي تبعث فيهم الشعور بالضعة والمذلّة. وهل هناك ما يبعث على المذلة كما تبعث عليها الهزيمة العسكرية من طرف ذي امكانيات ادنى بكثير.
ومعنى ما يذهب اليه فرويد ان المريض – وهو هنا اسرائيل – انما يقدم على تكرار التجربة الاليمة وهو يدرك لاشعوريا انها ستؤدي به الى الم الشعور بالضعة والمذلة، اي ان اسرائيل دخلت من البداية تجربة حملتها الشرسة في غزة عازمة من البداية على ان تخرج منها مهزومة، كما هزمت في لبنان، لكنها لم تكن تملك من ارادتها ما يمكّنها من تجنب ذلك.
هل نزعم بهذا ان اسرائيل انما هزمت نفسها ولم تهزمها المقاومة؟
ابدا. لاشيء من هذا. فان كل آليات الحرب وعواملها قد لعبت ادوارها في غزة وفي لبنان كما في كل حرب اخرى. والسبب المباشر لهزيمة اسرائيل في غزة هو قدرة المقاومة على الصمود ومواجهة آلة الحرب الاسرائيلية ... حتى ان قدرة المقاومة الصاروخية استمرت وبقيت الى ما بعد "وقف اطلاق النار من جانب واحد" وبدء الانسحاب الاسرائيلي.
واذا ما استخدمنا تعبير " لقد سارت اسرائيل الى هزيمتها بارادتها" لا يعني هذا ان العامل الاساسي المسبب لهذه الهزيمة هو ارادة اسرائيل وليس تصدي المقاومة وصمودها. واذا استخدمنا كبديل تعبير " لقد سارت اسرائيل الى هزيمتها لاشعوريا" فان هذا بدوره لا يعني ان هزيمتها في غزة كانت قدرا محتوما حتى وان لم تكن المقاومة هناك تقف لها بالمرصاد وتبرع في تحويل غزة الى متاهة لا تعثر فيها اسرائيل على مرابض الصواريخ او مستودعاتها تحت الارض.
وسياتي الوقت الذي تحاسب فيه القيادة الاسرائيلية على سلوكها العسكري الذي افضى الى هزيمة تكاد ان تكون نسخة مكررة من الهزيمة في حرب لبنان. وليس لنا ان نتوقع ان يلجأ اي من القادة العسكريين او السياسيين الى الدفع بان اسرائيل كانت محكومة بعقدة اجبار التكرار . . لا نتوقع ان يفتح احدهم كتب فرويد ليقرأ منها امام المحققين ان اللاشعور الاسرائيلي محمّل برغبات خفية لاذلال الذات .. وان هذا قد افضى – عن غير قصد – الى دخول هذه الحرب بنوايا لاشعورية للخروج منها بمذلة جديدة تعيد مذلة الهزيمة امام المقاومة اللبنانية.
لا شيء من هذا يمكن ان يحدث.
لكن لا شيء يضمن ان تجد اسرائيل نفسها مجبرة – ولو كان ذلك بذريعة رد الاعتبار – على ان تخطط لحملة عسكرية ضارية اخرى ضد قوة عربية – او ربما غير عربية – نظامية او غير نظامية تحت وطأة إجبار التكرار.
وعلى اي الاحوال فانه في غياب تفسير مقنع لتكرار اسرائيل اخطاءها – تبقى نظرية فرويد تفسيرا مشروعا ومقبولا لفهم الكيفية التي يتحول بها ذكاء اسرائيل الاستراتيجي الى غباء صارخ .. وتتحول قدرتها وامكاناتها العسكرية الى عبء غير مجد فتسير مرة اخرى الى هزيمة. يبقى ان نذكّر بان نظرية فرويد في اجبار التكرار تقع في اطار نظريته الاشمل عن سيطرة غريزة الموت على غريزة الحياة.
ترى .. هل تسعى اسرائيل – ولو لاشعوريا – الى الموت وليس فقط الى الهزيمة ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.