الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    انفجارات واشتباكات مسلحة مع الاحتلال بالضفة الغربية    الجيش الأمريكي يعلن تدمير محطة تحكم أرضية وزورقين مسيرين للحوثيين في اليمن    يورو 2024| صربيا مع سلوفينيا وصراع النقاط مازال قائمًا .. والثأر حاضرًا بين الإنجليز والدنمارك    وفاة عروسة ليلة زفافها بالمنيا بسبب هبوط حاد فى الدورة الدموية    «الصحة»: تقديم خدمات الكشف والعلاج ل18.7 ألف حاج مصري في مكة والمدينة    المصريون يتحدون «الطقس» ويستمتعون بالاجازة| خرجوا للحدائق والمتنزهات والسينمات والمسارح    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    أطول نهار وأقصر ليل، اليوم بداية فصل الصيف رسميا    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    رئيس قبرص ردا على تحذيرات نصر الله: نيقوسيا ليست متورطة في حروب    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بكفر الشيخ    بعنوان «قلبي يحبك يا دنيا».. إلهام شاهين تُعلن عن فيلم جديد مع ليلي علوي وهالة صدقي    بعد قرار فيفا بإيقاف القيد| مودرن فيوتشر يتفاوض مع مروان صحراوي لحل الأزمة    بعد نجاح زراعته في مصر.. هل الكاسافا هو البطاطا؟ الزراعة تجيب    كندا تصنف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية    استطلاع رأي: 15% من الإسرائيليين يفكرون بمغادرة إسرائيل    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق اليوم الخميس 20 يونيو 2024    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    اتحاد الكرة يتحدى الزمالك| الغندور والبنا يديران مباراتي اليوم    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    تامر حسني يشعل حفله بكفر الشيخ رابع أيام عيد الأضحى (صور)    قمة أوروبية.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الحلم الأوروبي يهدد الصفقة.. يلا كورة يكشف موقف الأهلي من ضم بلعيد في الصيف    تفاصيل جريمة قتل اب لأبنته فى المنيا    مصادر: معظم الحجاج المتوفين من غير النظاميين ولم يحصلوا على تراخيص    المركزي الكندي يدرس الانتظار حتى يوليو لخفض معدل الفائدة    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    الخارجية الروسية تنفى وجود اتصالات منتظمة حول قمة السلام    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    أرقام قياسية من توقيع نوير وشاكيري ضمن أبرز لقطات سادس أيام يورو 2024    هاني أبو ريدة ينعي مشجعتي الأهلي    ارتفاع رصيد الذهب فى الاحتياطى الأجنبى لمصر إلى 456 مليار جنيه    إقامة نهائى كأس الجزائر بين المولودية وشباب بلوزداد فى عيد الاستقلال    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 20 يونيو.. «ثق بقدراتك»    حظك اليوم| برج الدلو 20 يونيو.. « الابتكار يزدهر بالأصالة»    توني كروس بعد التأهل: من النادر أن نفوز بأول مباراتين في بطولة كبرى    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق لعدم مطابقتها للمواصفات (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية: تلقينا 1500 شكوى واستفسار منذ مطلع الأسبوع الجاري    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    النائب العام يلتقي نظيره الصيني على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجبار التكرار الإسرائيلي
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2009

إذا تركنا القيم الانسانية والاخلاقية جانبا – والدلائل كلها تشير الى ان اسرائيل تعادي هذه القيم ولا تاخذها في الاعتبار عندما تخطط لحملة رهيبة كتلك التي شنتها على غزة – فاننا لا نستطيع الا ان نسلّم بان اسرائيل تملك امكانيات "عالية " عقلية تمكنها من استيعاب احدث اسلحة التدمير واشدها فتكا وهي في الوقت نفسه اكثرها تعقيدات و"تقدما ".
اذا سلمنا بهذا، يصبح من الضروري البحث عن الثغرة الخطيرة في العقل الاسرائيلي التي جعلته قابلا لان يقع في الهزيمة مرتين متتاليتين ... بالاليات نفسها، فيخرج وهو المتفوق بكافة المقاييس مهزوما.
نعم ان التماثل بين هزيمة اسرائيل في غزة – وخروجها من حملتها الرهيبة هذه – خاوية الوفاض بلا نتيجة ايجابية عسكرية اوسياسية، وبالاخص سياسية، وهزيمة اسرائيل في لبنان في حرب صيف عام 2006 وخروجها من حملتها الضارية ضده ايضا خاوية الوفاض، امر يدعو للدهشة ..على الاقل.
كيف يمكن لهذا العقل ان يسقط في هذا الجحر مرتين متتاليتين بنفس الطريقة، ويتعرض لمهانة الهزيمة امام قوة اضعف واقل استيعابا بكل المقاييس؟ لماذا يجيد التخطيط والمناورة والتدمير ويستخدم سلاحه الجوي المتفوق بكل البراعة التي يظهرها ليل نهار على مدى 34 يوما في لبنان، ثم على مدى 23 يوما في غزة ... ويخرج في النهاية بخيبة المسعى؟
ان احدا لا يمكن ان يصدق القيادة الاسرائيلية فيما تقوله من انها حققت ما ارادت من حملتها في غزة. فقد سبق ان قالت الشيء نفسه في نهاية حملتها الشرسة على لبنان في صيف 2006 ولم تلبث ان اعترفت باخطائها امام لجنة فينوغراد التي حققت فيها والتي اوصت في النهاية بعدم تكرار هذه الاخطاء.
اذا اخذنا بعين الاعتبار ان اسرائيل – بسلوكها الحربي الجنوني – تعكس حالة مرضية، يكون من المبرر، بل من الضروري، البحث في اعماقها المريضة عن سبب لوقوعها مرتين في الهزيمة العسكرية – السياسية في حربين متتاليتين.
لم يكن فرويد – نعم سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي – غريبا باي حال عن الفكر السياسي وان لم يعد في اي وقت من جهابذة علم النفس السياسي... واذا ما تذكرنا نظرياته في الامراض النفسية والعصبية ضمن محاولة البحث عن تفسير لهذا السقوط الاسرائيلي في قاع الهزيمة مرتين متتاليتين، ترد الى الذهن مباشرة نظريته التي اطلق عليها تعبير"اجبار التكرار".
وابسط شرح ممكن لهذه النظرية يصف اجبار التكرار بانه " ميل لاشعوري الى تكرار التجارب المؤلمة ". ويقول فرويد اننا نقابل آلية اجبار التكرار غالبا لدى اشخاص عانوا صدمة انفعالية حادة، كما يحدث – مثلا – عقب حادث طريق او كارثة سكك حديدية او غير ذلك من الحوادث التي تعرض الحياة للخطر. وهو يؤكد ان الميل للتكرار واحد من مكونات الوجود الانساني.
وعلى الرغم من ان اسرائيل ليست شخصا مريضا ومن الصعب القول ان قياداتها العسكرية والسياسية صاحبة القرار تتالف من مجموعة من المرضى، الا ان ما يقوله فرويد في هذه النظرية يغري بتفسير ما اقدمت عليه اسرائيل في غزة – بعد هزيمتها في لبنان – بانه يدل على ان اجبار التكرار يمكن ان ينطبق على دولة اسرائيل او مجتمعها انطباقه على فرد.
ولعل المحرقة اليهودية (الهولوكوست ) في حياة المجتمع اليهودي هي هذه الصدمة الانفعالية الحادة التي وفرت آلية اجبار التكرار لدى اسرائيل وقيادتها. واذا ما تابعنا تفصيلات نظرية فرويد هذه نجد انه يؤكد ايضا ان اللجوء (اللاشعوري) الى تكرار التجارب المؤلمة يظهر ان الاشخاص يعملون على تدبير المواقف التي تبعث فيهم الشعور بالضعة والمذلّة. وهل هناك ما يبعث على المذلة كما تبعث عليها الهزيمة العسكرية من طرف ذي امكانيات ادنى بكثير.
ومعنى ما يذهب اليه فرويد ان المريض – وهو هنا اسرائيل – انما يقدم على تكرار التجربة الاليمة وهو يدرك لاشعوريا انها ستؤدي به الى الم الشعور بالضعة والمذلة، اي ان اسرائيل دخلت من البداية تجربة حملتها الشرسة في غزة عازمة من البداية على ان تخرج منها مهزومة، كما هزمت في لبنان، لكنها لم تكن تملك من ارادتها ما يمكّنها من تجنب ذلك.
هل نزعم بهذا ان اسرائيل انما هزمت نفسها ولم تهزمها المقاومة؟
ابدا. لاشيء من هذا. فان كل آليات الحرب وعواملها قد لعبت ادوارها في غزة وفي لبنان كما في كل حرب اخرى. والسبب المباشر لهزيمة اسرائيل في غزة هو قدرة المقاومة على الصمود ومواجهة آلة الحرب الاسرائيلية ... حتى ان قدرة المقاومة الصاروخية استمرت وبقيت الى ما بعد "وقف اطلاق النار من جانب واحد" وبدء الانسحاب الاسرائيلي.
واذا ما استخدمنا تعبير " لقد سارت اسرائيل الى هزيمتها بارادتها" لا يعني هذا ان العامل الاساسي المسبب لهذه الهزيمة هو ارادة اسرائيل وليس تصدي المقاومة وصمودها. واذا استخدمنا كبديل تعبير " لقد سارت اسرائيل الى هزيمتها لاشعوريا" فان هذا بدوره لا يعني ان هزيمتها في غزة كانت قدرا محتوما حتى وان لم تكن المقاومة هناك تقف لها بالمرصاد وتبرع في تحويل غزة الى متاهة لا تعثر فيها اسرائيل على مرابض الصواريخ او مستودعاتها تحت الارض.
وسياتي الوقت الذي تحاسب فيه القيادة الاسرائيلية على سلوكها العسكري الذي افضى الى هزيمة تكاد ان تكون نسخة مكررة من الهزيمة في حرب لبنان. وليس لنا ان نتوقع ان يلجأ اي من القادة العسكريين او السياسيين الى الدفع بان اسرائيل كانت محكومة بعقدة اجبار التكرار . . لا نتوقع ان يفتح احدهم كتب فرويد ليقرأ منها امام المحققين ان اللاشعور الاسرائيلي محمّل برغبات خفية لاذلال الذات .. وان هذا قد افضى – عن غير قصد – الى دخول هذه الحرب بنوايا لاشعورية للخروج منها بمذلة جديدة تعيد مذلة الهزيمة امام المقاومة اللبنانية.
لا شيء من هذا يمكن ان يحدث.
لكن لا شيء يضمن ان تجد اسرائيل نفسها مجبرة – ولو كان ذلك بذريعة رد الاعتبار – على ان تخطط لحملة عسكرية ضارية اخرى ضد قوة عربية – او ربما غير عربية – نظامية او غير نظامية تحت وطأة إجبار التكرار.
وعلى اي الاحوال فانه في غياب تفسير مقنع لتكرار اسرائيل اخطاءها – تبقى نظرية فرويد تفسيرا مشروعا ومقبولا لفهم الكيفية التي يتحول بها ذكاء اسرائيل الاستراتيجي الى غباء صارخ .. وتتحول قدرتها وامكاناتها العسكرية الى عبء غير مجد فتسير مرة اخرى الى هزيمة. يبقى ان نذكّر بان نظرية فرويد في اجبار التكرار تقع في اطار نظريته الاشمل عن سيطرة غريزة الموت على غريزة الحياة.
ترى .. هل تسعى اسرائيل – ولو لاشعوريا – الى الموت وليس فقط الى الهزيمة ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.