سألني: "هانعمل إيه يوم السبت"؟ قلت وبراءة الأطفال في عيني: "هانعمل إيه في إيه"؟ تعجب الرجل، وظن أني أمزح، فذكرني على استحياء بأن المنتخب سوف يلتقي فريق جنوب إفريقيا يوم السبت، وأن ذلك ما يسألني عنه.. ياه.. أخيرا بدأ جمهور كرة القدم يسأل عن مباراة، ويبحث عن توقعات النقاد، فالأمر الصحي والطبيعي أن تتحدث الشعوب في السياسة والرياضة والاقتصاد وفي قضايا الرأي العام، ولم يكن طبيعيا أن نختصر حياتنا في لعبة. على أي حال قلنا كثيرا إننا لو كنا نعلم بالنتائج مسبقا لما حظيت كرة القدم بتلك الشعبية، فالشك في نتائج مبارياتها هو ما أبقاها حية ومثيرة.. ولذلك عدت وأكدت للقارئ أني لا أعرف. لكنها مباراة صعبة، خاصة أن المنتخب لم يلعب مباراة منذ فوزه ببطولة دول حوض النيل، التي نظمناها ظنا بأن ذلك سوف يجعل بوروندي لا توقع على الاتفاقية الإطارية، فإذا بها توقع عليها فور انتهاء الدورة.. وكان ذلك حين كان كثير مما هو جاد في حياتنا لهوا، مخلوطا بالفهلوة، والاستذكاء؟! الإجابة بأنها مباراة صعبة، لم تعجب صاحب السؤال، لأنها ليست إجابة، فكل مصر تعرف أن كل مباراة صعبة، وأن كثيرا من مباريات فرقنا توصف بأنها مصيرية، ولو لم تكن كذلك، وكثير أيضا من تلك المباريات يكون مرورا من عنق زجاجة، حتى بدت كل مبارياتنا شديدة التعقيد، على الرغم من سهولة بعضها.. لكنها سياسة تحلية البضاعة أحيانا، والإيحاء بأن السهل صعب، حتى يكون للفوز قيمة، وعندما يحدث هذا، نفاجأ بأن السهل كان صعبا فعلا. عندي إجابة واحدة أراها ضرورية: طوال 30 سنة مضت ظلت مشارعينا القومية بطولات ومباريات.. صحيح كانت هناك مشاريع لكنها لم تحظ باهتمام الشعب، ولم تكن أي منها معركته.. وكان المصريون يخرجون بالملايين إلى الشارع للاحتفال بفوز المنتخب أو بانتصار لأي فريق، لأنهم كانوا يصدقون لعبة الكرة فقط ولا يرون غيرها، ولا يريدون غيرها، في ظل الاستبداد والتزوير والاستكراد. الآن إن شاء الله لو فاز المنتخب الوطني على جنوب إفريقيا، فإني أتوسل إلى المسئولين عن الإذاعة والتليفزيون، والقنوات الفضائية، والبرامج الرياضية والإخبارية، لا تعزفوا لنا الأغاني الوطنية، فلا علاقة لمصر بنتيجة مباراة، فإذا كنا نغني "المصريين أهمه" و"ماشربتش من نيلها"، يوم نفوز، فإن ذلك يعني أن مصر هي المهزومة، يوم يخسر الفريق. ممكن نفرح، ونخرج للشارع احتفالا بالفوز، لكن ادخروا الأغاني الوطنية للحرية والديمقراطية وللحروب التي نتتصر فيها، وللتحديات الخطيرة التي نواجهها.. مصر ليست فريقا.. مصر أكبر من ذلك ألف مرة. أخشى من باب التغيير نكسب جنوب إفريقيا.. وتذاع فور انتهاء المباراة أغنية "طلعت يا محلى نورها".. *