الظروف المناخية لها تاثير مباشر علي نمط الحياة في اي مجتمع ويبدو ذلك واضحا في الأزياء المتنوعة واختلافها من مكان الي اخر فمثلا البنطلونات اوروبية لأنها مناسبة لطبيعة الطقس البارد الذي يسود الغرب. اما في النوبة الغريقة حيث المناخ القاري يعني شديد الحرارة صيفا شديد البرودة شتاء (ليلا وفي الفجر فقط) استلزم ان تكون الملابس فضفاضة واسعة وبيضاء تعكس اشعة الشمس . وكذلك الزي النوبي للرجال بالاضافة الي الجلباية كان الرجال يضعون علي رؤسهم ما يعرف بالعمة والتي تسمي بالنوبية (كاسر) . واذكر ان جدتي رحمها الله قامت بتوبيخ خالي لانه خرج من البيت دون ان يضع العمة علي رأسه لان العمة كانت عنوان الرجل في النوبة الغريقة وحتي الان يتمسك بها كبار السن والعمة كانت مطلوبة لحماية الراس من حرارة الشمس وكان طول العمة تصل الي ستة امتار او اكثر وكان الشباب يتفننون في طريقة لفها وبنائها فوق الرأس وكلما ارتفعت كلما اعطت للرجال هيبة وحمت الرأس من وهج الشمس. والذين يعملون في الزراعة (توربار) كان ملابسهم من قماش اسمه (سافي) قطني لونه كحلي غامق مع الاستخدام كان يتحول تدريجيا الي اللون الازرق الفاتح !!..اما الصبية فكانوا يرتدون ملابس مفصلة من اقمشة رخيصة رغم انها من القطن الخالص القصير التيلة مثل الزفير مقلمه بألوان مختلفة عملا بالقول المأثور (لبس الصغار خسارة) اما زي النساء الرئيسي فكان الجرجار وفي الماضي كان يصنع من قماش الفوال الاسود وكانت السيدات يتجمعن في مكان واحد للمساعدة في التفصيل والخياطة حيث الخياطة كانت تتم يدويا… وكان يسمي بالجرجار لانه كان يلحق به من الاسفل الخلفي قطعة تقريبا تساوي متر تجر في الارض بحيث لا يستطيع احد رؤية كعب من ترتديه اما الان في النوبة المستنسخة اختلف الوضع حيث لم يعد هناك القطعة التي كانت تجر وارتفعت تلك القطعة وارتفع معها جزء من الامام ايضا واصبح لونه شفافا بحيث يظهر لون الفساتين التي ترتديها السيدة تحتها واذكر في النوبة الغريقة وفي السنوات ماقبل الهجرة ان ظهرت اقمشة حملت اسماء بعض الفنانين من فناني السودان مثل الفنان احمد المصطفي وكانت اقمشة رقيقة كانت تسمي قلم الحرير او الرومبا وذكر ذلك الفنان وردي في اغنية من اغنياته (باغتني رومباغ اودريجا ) اي بعضهن ترتدين الجرجار المصنوع من الرومبا واذكر ان الجرجار في النوبة الغريقة لم يكن يكلف اكثر من جنيها واحدا حيث ان جدي رحمه الله كان يبيع متر الفوال بستة عشرة قرشا وكان يكفي للجرجار ستة امتار وكان من انتاج المصانع المصرية مثل البيضا وكفر الدوار اما الان فلتنوع الاقمشة التي تصنع منها ولتدهور المنتج الوطني حيث باتت تستورد من الخارج فقد وصل ثمن الجرجار الي اكثر من خمسمائة جنيه وأترك للاقتصاديين تقدير التدهور الخطير لقيمة الجنيه المصري ذلك التدهور الذي كان له للاسف الاثر السئ ايضا في قيمة الانسان المصري …..يحيي صابر