من كتابي (العربية لغة العقل والفطرة والعبقرية) يرى بعضُ العُلماءِ أنَّ أبانا آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كان يتَكَلَّم باللغة الْعَرَبيَّة؛ فَلَمَّا نزل إِلَى الأَرْض حُوِّلت لغتُهُ إِلَى السُّريانيَّةِ، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لما تَابَ الله عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة، وَعَن سُفْيَان: أَنه مَا نزل وَحي من السَّمَاء إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ؛ فَكَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام تترجمه لقومها. وَعَن كَعْب: أول مَنْ نطق بِالْعَرَبِيَّةِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام؛ وَهُوَ الَّذِي أَلْقَاهَا على لِسَان نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فألقاها نوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على لِسَان ابْنه سَام؛ وَهُوَ أَبُو الْعَرَب(1). وعن عمر بن الخطاب ، أنَّهُ قال: يا رسول الله؛ مالك أَفْصَحُنَا، ولمْ تخرج من بين أظهرنا؟ قال صلى الله عليه وسلم : كانتْ لُغةُ إسماعيل قد دُرِستْ، فجاء بها جبريلُ؛ فحفَّظنيها فحفظتها"(2). وهذا يعني أنَّ العربية أمُّ اللغات وأقدمها إلا أنها دُرست ثم عادت مرة أخرى قبل الإسلام بما يزيد عن مئتين عام، وفق أقدم أثر تاريخي لغوي تم الكشف عنه. ومن ناحية أخرى فإنَّ عُلماءَ اللُّغَةِ حديثًا يُصنِّفون كُلَّ السُّلالات اللغوية والعودة بها إلى لغة (أم) أطلقوا عليها (اللغة السَّامية). وأول مَنْ أطلق هذه التَّسمية هو العالم النمساوي شولتزر عام 1781م , والسَّامية أيضًا هي مصطلح يُطلق على كُلِّ الشُّعوب والأمم والقبائل قديمًا وحديثًا مرورا بالعصور الوسطى التي تنتسب إلى سام بن نوح, ومن المعروف أنَّ التَّوراة أول مَنْ أشار بالنَّص إلى ذلك التَّقسيم. وبعضُ العلماء نسب اللغة العربية إلى مدينة (عربة) في بلاد تهامة, وقيل: إنَّها نسبة إلى يعرب بن يشجب بن قحطان وهو أبو العرب العاربة، أول مَنْ تَكَلَّم العربية على صورتها المعروفة(3)، وقيل أيضًا أنَّهم سُمُّوا كذلك نسبةً إلى فصاحة لسانهم في الإعراب, وقد وردت تسمية " العربية منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد, إذ وردت في نصوص شلمناصر الثالث الآشوري"(4). والأقوام الذين تكلَّموا العربية لا يُحصي عددهم إلا الله : منهم العرب البائدة: وهم قبائل طسم، وجديس، والعماليق، وأهل الحِجْر، وقوم هود وصالح عليهما السلام وغيرهم. وهؤلاء لم يصل لنا شيءٌ من أخبارهم لا من قريب ولا من بعيد … وهناك العرب العاربة: وهم القحطانيون ومَنْ ينحدر منهم… وأخيرًا العرب المُستعربة؛ وهم أبناء إسماعيل العدنانيون(5). وعليه فإنَّ العربية إحدى اللغات السَّامية(6)، وهي تنتمي إلى الفرع الجنوبي من اللغات السًامية الغَرْبية، ويشمل هذا الفرع شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها والحبشة. وقد نشأت العربية الفصيحة في شمالي الجزيرة، ويرجع أصلُها إلى العربية الشمالية القديمة التي كان يتكلَّم بها العدنانيُّون. وهي مختلفة عن العربية الجنوبية القديمة التي نشأت في جنوبي الجزيرة وعُرفَتْ قديمًا باللغة الحِمْيَريَّة وكان يتكلَّم بها القحطانيون(7). وهناك دراساتٌ علميَّةٌ حديثةٌ تُثبتُ أنَّ «العربية» هي (أم اللغات) التي تعرف باللغات الأعرابية؛ أيْ التي نشأت في شبه جزيرة العرب: حميْرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية، اختارها الله لتكون لسان دينه ورسالاته، وقد تميزت بنموها السريع وتطورها العجيب، وحملت معها بركة النبع الأول للإنسان، برعاية ربانية حتى بلغت ذروة كمالها بنزول الوحي بها على النبيّ العربي الخاتم، وكأنَّ الوحي الكريم يشير إلى بركة التاريخ وبركة المصدر، وبركة النبع الأول، ليرتبط ذلك كله ارتباطاً يقف دليلاً وشاهدًا على عظمة هذه اللغة وقداستها. – الحواشي: (1) ينظر: عمدة القاري، بدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1/53، والدر المنثور، السيوطي 1/141، والمزهر، السيوطي، 1/28، وروح المعاني، الألوسي 12/172، وعمدة الكتاب، أبو جعفر النحاس، 1/81، وتاج العروس، الزبيدي،1/13. (2) ينظر: روح المعاني، الألوسي 12/174، وتاج العروس، الزبيدي،1/15. (3) ينظر: المزهر، للسيوطي (1/30 : 32)، وروح المعاني 7/281 . (4) مهد الإنسان العربي نظرية تحتاج إلى تأصيل، محمود عبد الحميد أحمد, مجلة العربي (ع/472)، مارس 1998م، (ص115). (5) ينظر: العربية خصائصها وسماتها، عبد الغفار هلال، مكتبة وهبة، القاهرة،ط5، 2014م، (ص105122) . (6) ينظر: حضارة العرب، جوستاف لوبان، ترجمة: عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1956م،(ص439). (7) ينظر: تاريخ العرب قبل الإسلام، محمد سهيل طقوش، دار النفائس، بيروت، 2009م، ط1، (ص108).