مجاهدة النفس – إذا عاديتَ نفسك في حبِّ الله كان جوابُك منه أن يصلحها لك ، ويلهمها الطمأنينة ، فتكون طوعُك وخادمةٌ لك. – نفسك داهيتك ،ظلمَتُكَ ، حجابُك ، بُعدك ، قيدك ، طردك ، شؤمك ، تحيّل في الخلاص منها وقد تخلّصتَ من كل شرٍ وبدعة . – أنت كدرٌ وهو صفا ، أنت قساوةٌ وهو رحمة ، ما دمت مع الخلق فأنت مع النفس ، وما دمت مع النفس فبينك وبين ربك حجبٌ وستورٌ ومسافات . – أقِم القيامةَ على نفسك في كل يومٍ . – هذه النفسُ لا تنتفع بها حتى تميتَها بالمجاهدات والمكابدات والرضا بمر القضاء والقناعة بالعطاء فإذا اطمأنَّتْ جاءتها الحياة . – هذه الدنيا كلما طلبتها تباعدت عنك وولت ، هكذا جُبلت ، على هذا طُبعت ، وإذا أعرضت عنها وطلبتَ غيرَها أقبلتْ إليك تغار عليك فتعدو خلفك . – إن أردت أن يرضى الله عنك فعليك بإسخاط نفسك ومنعها عن شهواتها ولذاتها وفضولها ، قال الله عز وجل : إن النفس لأمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفورٌ رحيم (1) . – حاسب نفسك قبل كلامك . الأدب والتأدب – كُنْ عاقلا وتأدّب مع الله عزَّ وجل . – لا تتبع عورة أخيك ، لا تكشفْ ما غطاه ، لا تهتكْ ما يُحب ستره ، لا تؤاخذه بزلتهِ ، وهفوتهِ ، وخطأه ، أقمْ لكل شيء من ذلك عُذرا . حكي أنه مات لرجلٍ من بني إسرائيلَ ابنة ، فرآها بعد مدة في المنام فقال لها : يا بنية ما فعل الله بك ؟ قالت : غفر لي وأدخلني الجنة ، بل يا أبت قد مات في المحلة عندكم رَجُلَ سوء ، وهو من أهل النار ، وعزم أهله على أن يحفروا قبره إلى جانبي ، فامنعهم من ذلك بألطف وجهٍ ، ولا تعرفهم السبب . فلما كان من الغد سمع بموت رجل من المحلة ، فخرج إلى المقبرة ، وإذا جماعة ومعهم حفّار وقد شرعوا في حفر قبر إلى جانب ابنته ، فقال لهم : لا تحفروا هاهنا فقالوا له : تمنعنا من الحفر في المقابر ؟ فاستعجل وحكى لهم المنام ، فذهبوا عنه وحفروا ناحية ، فلما جاء الليل ، رأى ابنته في المنام ، فقالت : يا أبت هكذا أوصيتك ؟ هتكت رجلا من الناس ، قد غفر الله له وجعله من أهل الجنة لأجل هتكك له ، فلما أصبح مضى إلى أهله واعتذر إليهم وحدثهم بما رأى ، ففرحوا بذلك وشاع خبره وصار قبره يزار. – قد جعلت همّك عيوب غيرك ، وأعرضت عن عيوبك، تحصي مساويء الناس وتطلب عثراتهم ،وتطم على محاسنهم ، كل ذلك ، هذا لا يعنيك ولا يطالبك الله عز وجل به يوم القيامة . الذكر – احضر في حلقة ذكر المعرفة . – يا طالب الهوى : كرر درس الشوق في مدرسة : ( أنا جليس من ذكرني ) . – إذا غردت بلابل التوحيد على أغصان أشجار المعرفة ، صدحت حمامات القلوب ، بذكر المحبوب . – جاء رجل إلى الإمام الشافعي ( رحمة الله عليه ) فسلم وجلس ، فقال له ألك حاجة ؟ فقال : لا ، إنما رأيتك وحدك فأردت أن أؤنسك فقال له : قم فإن المؤمن لا يكون وحده ، كيف يكون المؤمن وحده وهو ذاكر لربه عز وجل ، مشاهد له بعيني قلبه . التوكل – لا تتّكلْ على أعمالك الصالحة ، فإن اتكالك عليها شِرك بربك عز وجل . – لا تسكنْ إلى شيء غيره فإنك إذا سكنت إلى غيره وكّلك إليه وتركك من يده . التوبة – أول الدرجات التوبة ، ثم امتثال الأوامر ، والانتهاء عن النواهي ، ثم التقرب بالنوافل ، ثم قضاء الدين ، ثم الهدية وهي درجات بعضها فوق بعض ، فإذا مت على هذا وألزمت نفسك التقوى والورع في جميع الأحوال ، وصلت إلى قرب الحق عز وجل دنيا وأخرى ، عاجلاً وآجلا . – عليك بالتوبة والتوحيد فانه أساس لكل خير . – أنوار الإنابة تشرق على وجوه التائبين . – إعرفْ قدرك ، تُب من ذنوبك ، إرضَ بقسمك . الإخلاص – التوبة بلا إخلاص كالضرب على الحديد البارد بلا كير ولا نار ، أترك نفسك في كير المجاهدات ، وأشعل عليها نار الصبر ، واضربها بمطارق الرضا ، فيذهب خُبثها وتطمئن ، ويبقى منها الصفا ، فحينئذ يصلح أن يصاغ منها إناءٌ يترك بين يدي الملِك ، فيملأه حِكَمَا وعلما . – إذا تبتَ وأخلصتَ في توبتك ، وثبتّ عليها ، وعملت بشرائطها نقلك من العوام إلى الخواص ، من أهل الدنيا إلى الآخرة ، يجعلك من أهل مناجاته ، من المستأنسين به ، المستوحشين من غيره . الصبر – الصبرُ مع الله عز وجل فرضٌ لا نافلةٍ ، الواجب على كل مكلف أن يصبر مع الله ويرضى بتقديره وتدبيره له ولغيره . – من صَبَر قدَر ، ومنْ لازم الباب فُتح له . – الصّبر مع الله عز وجل سبب لبلوغ الأغراض وزوال المكاره دنيا وأخرى . – أصبرْ مع الله ولا تستجهلْه فهو أعرف بكَ منك . – أصبرْ على مرارة الأقدار ، ولا تيأس من الرَوحِ والفرَج ، لأنك لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا . – فمن علم بطول البقاء صَبَر لنيل الملتقى . – يا أيوبَ المحبة : ما الذي ثبّتك على الصبر ؟ قال : سرٌّ شاهدته ، وحبيبٌ نادمته ، من رأى الحبيب طاب له البلاء ، ومنْ شاهده الابتلاء . – يا أيوب الصبر : إنما هي خطرةٌ وإذا أنتَ في الحضرة .إنما هي غفوةٌ وإذا أنتَ في الخلوة . – طرِّزْ على كُمِّ حُلة وجْدِك : ( إنا وجدناه صابراً ) . – اتلُ عليها معاني : ( وبشِّر الصابرين ) . الزهد – سئل بعض العارفين عن الزهد ، فقال : هو ترك كلما شغلك عن الله عز وجل ، ازهد في الدنيا وأهلها ، وأعرض عنهم واهرب إلى ربك عز وجل . أزهد في قَسمِك وقَسم غيرك ، فتُنظَر بعين المهابة والكرامة . – يا مدّعى الزهد ، يا من يؤاخى النساء ويخلو بِهنَّ ، ويقول : هذا لا يضرّني لقوة حالي مع الله وصدقي معه . كذبت . أما سَمعتَ قول أصدق الخلق : ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطانُ ثالثهما أما تراه كيف لم يعيّن ولم يقيّد بل أطلقَ في حقِّ الكل ؟ – اقنعْ باليسير وازهدْ في الكثير . الخوف – الخوفُ من الله تعالى أساسٌ لكل خيرٍ ولِمنْ خاف مقام ربه جنتان (2) : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، فجنة الدنيا الرضا بالقضاء ، وجنة الآخرة يوم القيامة بعد الحشر والنشر . – الناظر إلى غير الله ميِّتٌ ، لا حياة لك حتى تنظر إلى الله عز وجل بعين قلبك ، وسرِّك ، وتوافقه في أفعاله فيك وفي غيرك . فإذا صح لك هذا : صح لك الوقوف على بابه ، والإعراض عن باب غيره . – الخوف من الله يوجب الأمانة منه . – من داخَلَهُ الخوفُ منَّا لا يُحْجبُ عنَّا . الصدق – عليك بالصدق في الأقوال والأفعال ، خَلوْة وجَلوْة ، سراً وعلانية مع الله ومع خلقه ، فإنك إذا مُتَ على الصدق كتبك الله عنده صادقاً ، اترك الكذب مع الله ومع خلقه فإنك إذا دمت على الكذب ، كتبك الله عز وجل عنده كاذباً. – إذا تعود اللسانُ الصدق نطق بأسرار المعرفة . – الصدق نور يقع في القلب ، وغيب يودع في اللسان . – إشارة الصادق فصاحة لسان معرفته . – ما زال يصدق الله في وعْده ووعيده ، حتى رسخ ذلك في سويداء قلبه ، واختلط بلحمه ودمه . الشكر – لله عز وجل عليك نِعمٌ كالجبال الرواسي منها ما تراه والمُعْظم لا تراه ، منها ما تعلمه والمعْظم لا تعلمه . إشتغلْ بذكره وشكره، في ليلك ونهارك، بظاهرك وباطنك، بقلبك وقالبك، في قيامك وقعودك، وفي جميع تصرفاتك . إني أخاف عليك من زوال النِعم ومجيء النِقم عقوبة لك . كيف لا تشكر الله تعالى على ما عندك من نعمة وتصرفها في معاصيه ؟ . الرضا – قضى عليك فارضٌ بقضائه ، وابتلاكَ فاصبرْ على بلائه ، أنعم عليك فاشكره على نعمائه ، أمرك فامتثلْ أمرَه ، نهاك فانته عن نهيه ، قَسَم لك فاقنع بقسمه ، حرّم على لسان ظاهرك ولسان باطنك لِمَ وكيف ؟ – إقنعْ بعطاء ربك عزّ وجل وارضَ به ، لأنه قد دبّر أمرك قبل أن يخلقك ، فدع تدبيرك لنفسك . قَسَم لك ما يصل إليك من هذه الدنيا قبل أن يوجدك ، لا تنازعه ، وتناقضه ، وتجادله ، فتهلك ، إذا ناقض الصغير الكبير لا يفلح ، إذا نازع الجاهل العالم لا يٌرجا له خير . – من رضي عنه المحبوبُ ظَفر بالمطلوب . ( فائدة ) : « عن عمر بن ذر قال : لقيني ربيع بن أبي راشد في السدة في السوق فأخذ بيدي فصافحني فقال : يا أبا ذر من سأل الله رضاه فقد سأله أمراً عظيما »(3) . التقوى – عليك بالتقوى فإنها تمنعُ الجوارح من المعاصي ، وتجلب إليك النظر إلى الله عز وجل بعين القلب ، وتمنعُك من الالتفات إلى غيره ، وتُثبت في قلبك التوكل عليه ، والثقةَ به ، والسكون إلى وعْده في جميع أحوالك . الفهرس :- 1 – يوسف 53 . 2 – الرحمن : 46 . 3 – مصنف ابن أبي شية – (8 / 284) . المصدر : مخطوطة (الحكم القادرية) – تحقيق السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني رئيس الطريقة القادرية في العالم .