مدعو التصوف كثيرون.. أما المتصوفة بحق فهم عملة نادرة.. وخاصة في زماننا هذا.. ومن أعظم المتصوفة في عصرنا الحالي العلامة الكبير د. حسن عباس زكي وزير الاقتصاد الأسبق في عهد عبد الناصر والمستشار الاقتصادي الأسبق لأمير الكويت.. والذي جمع خصالا من الخير قد لا تجتمع إلا نادرا في عصرنا. وقد كتب د. حسن عباس كتابا رائعا سماه مذاقات في عالم التصوف ذكر فيه جملة رائعة من نصائح العلامة الكبير عبد القادر الجيلاني.. وها أنذا أسوق بعضها للقراء لعظم قيمتها وقائدتها وعمق معانيها: المؤمن غريب في الدنيا مسجون فيها.. وإن كان في سعة من الرزق.. فهو في سجن الباطن: بشره وسروره في وجهه.. وحزنه في قلبه.. عرف الدنيا فطلقها. أعمالكم عمالكم أي حكامكم.. والحق سبحانه ليس بظلام للعبيد.. اخدم الحق عز وجل ولا تشتغل عنه بخدمة السلاطين الذين لا يضرون ولا ينفعون.. ماذا يعطونك؟.. أيعطونك ما لم يقسم لك؟.. لا شيء يستأنف من عندهم.. لا تفسد آخرتك بدنيا غيرك. من استغني بالله عز وجل.. احتاج إليه كل شيء.. وهذا شيء لا يجئ بالتحلي ولا بالتمني.. ولكن بشيء وقر في الصدور وصدقه العمل. ليكن الخرس دأبك.. والخمول لباسك.. والتهرب من الخلق كل مقصودك.. وإن قدرت أن تنقب في الأرض سربا تختفي فيه فافعل.. يكون هذا دأبك.. إلي أن يترعرع إيمانك.. وتقوي قدم إيمانك.. وتنفتح عينا قلبك.. فحينئذ أطلق لسانك في الكلام.. واخلع لباس الخمول.. واترك الهرب من الخلق.. واخرج إليهم.. فإنك دواء لهم.. لا تبالي بإقبالهم وإدبارهم.. وحمدهم وذمهم.. فأنت مع ربك عز وجل. حصل الرفيق قبل الطريق.. والجار قبل الدار.. والأنيس قبل الوحشة.. والحمية قبل المرض.. والصبر قبل البلية.. والرضا قبل القضاء.. كن مع الله صامتا عند مجيء قدره وفعله.. حتي تري منه ألطافا كثيرة. إن لم تطعك نفسك فيما تريد من طاعة الله عز وجل.. فعاقبها بسياط الجوع والعطش والذل والعري والخلوة.. فنفسك إن لم تركبها ركبتك. لا فلاح لقلبك وفيه أحد غير الله عز وجل.. لا ينفعك إظهار الزهد في الأشياء.. مع إقبالك عليها بقلبك.. أما تستحي أن تقول بلسانك: توكلت علي الله.. وفي قلبك غيره؟! لا تغتر ببعض العلماء.. فإنهم علماء بحكم الله.. جهال بذاته. لا تيأس من رحمة الله عز وجل بمعصية ارتكبتها.. بل اغسل نجاسة ثوب دينك.. بماء التوبة والثبات عليها.. والإخلاص فيها. لا تكن كحاطب الليل.. يحطب ولا يدري ما يقع بيده.. هذا شيء لا تحصل عليه بالتمني والتحلي.. والتكلف والتصنع.. ولكن هو شيء وقر في الصدر.. وصدقه العمل. اعمل ثم انفرد في خلوتك عن الخلق.. واشتغل بمحبة الحق عز وجل.. فإذا صح لك الانفراد والمحبة.. قربك إليه.. وأدناك منه.. وأفناك فيه.. ثم إن شاء الله.. يظهرك للخلق.