في الأضرحة تراهم يتوسلون بالأولياء.. وفي الموالد تجد مظاهر تخالف الشرع كاختلاط الرجال بالنساء.. وفي حلقات الذكر تراهم يتمايلون. وحول المساجد تجدهم يتسولون, ويرتدون الملابس المهلهلة.. لدرجة أنك سوف تسأل: هل هذه هي الصوفية الحقة.. وهل هؤلاء ينتمون للصوفية؟ لعشرات السنين, كان الصوفيون محل انتقاد.. بسبب الأضرحة.. والتوسل بالموتي.. وإقامة الموالد, وغيرها من الممارسات التي يري العلماء أنها لا تتفق مع صحيح الدين.. لذلك حاورنا الدكتور عبد الهادي القصبي رئيس المجلس الأعلي للطرق الصوفية وشيخ مشايخهم.. فإلي التفاصيل: أثار هدم بعض الأضرحة أزمة بينكم وبين السلفيين, فماذا فعلتم لمواجهتها؟ في شأن مسألة تعديهم علي الأضرحة, فإن المجلس الأعلي للطرق الصوفية, شأنه شأن باقي المؤسسات الإسلامية الرافضة لهذا التعدي علي الأضرحة, وعلي دور العبادة بشكل عام,لأن ذلك يخالف الشرع, والدين, والمجلس بصفته التخصصية, ووفق مسئولياته يتابع الأحداث لحظة بلحظة, وقد كان للمجلس رأي, وأنا كان لي رأي آخر, يراعي مصلحة مصر, والظروف الصعبة التي تمر بها حاليا, ويجب ألا ننشغل في هذه الظروف بالفتن بين المسلمين والمسلمين, أو بين المسلمين والمسيحيين, ويجب أن نسمو فوق هذه الفتن والخلافات, وقد أعلنا موقفنا بوضوح من السلفيين, ونحن نمد أيدينا إلي الجميع, وندعو إلي وحدة الصف, للمسلمين, والأقباط في هذه اللحظات الحساسة والحاسمة, وأن نخمد نار الفتن, وندعو الجميع علي مائدة الحوار بكل حب, للتواصل, والوصول إلي نتائج بشأن القضايا الخلافية, يجهل كثير من الناس المعني العلمي للتصوف.. فكيف تراه؟ التصوف علم, وهناك أكثر من2000 تعريف له, منها أنه علم الأخلاق, ومن زاد عليك خلقا زاد عليك تصوفا, وقد عرفه البعض بأنه علم التحلي والتخلي أي التحلي بالفضائل, والتخلي عن الرذائل, وقال عنه البعض إنه الجد في السلوك إلي ملك الملوك, في الحقيقة هناك تعريفات جمة, لكننا نلخص كل ذلك في قول واحد هو أن التصوف هو تطبيق كامل لكتاب الله وسنة رسوله, وفي مصر نحو76 طريقة صوفية, أنشئت وفق القانون رقم118 لسنة1976, والذي ينظم إنشاء الطرق, والأنشطة التي تقوم بها, ووجوب التزامها بالمنهج الوسطي, وأيضا يتخلله بشكل واضح سماحة التصوف, والدين الإسلامي,وأئمة التصوف, وآل بيت المصطفي هم من ملأوا العالم دعوة لتوحيد المولي عز وجل, مقتدين في ذلك بقائد الأمة المصطفي صلي الله عليه وسلم, وهؤلاء كرسوا حياتهم بالكامل للدعوة لوحدانية الله, وكانوا يجاهدون في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله, وأن نبينا محمد رسول الله, وقد بعدنا كل البعد عن الوثنية, وأصبح التوحيد موجودا في قلوب جميع المسلمين, فلم نجد أحدا بيننا يصلي لولي, أو لضريح, وهذا مفهوم خاطئ بكل المقاييس, ولا يقبله أحد من المتصوفة. يعتبر العلماء أن احتفالات الموالد بدعة.. فكيف ينظر الصوفيون إليها من الناحية الدينية؟ القصبي: أهل التصوف, وعلماؤه يرفضون البدع السيئة, ويتمسكون بالبدع الحسنة, وهم ينتمون إلي آل بيت رسول الله, ويحبون أولياءه الصالحين, ويزورون مقاماتهم, لأنهم يعتقدون أن صفات آل بيت المصطفي, والأولياء من جمال صفاتهم الأخلاقية, والتي لم تكن جسدية, لكنهم اكتسبوا صفات الولاية ليس بأجسادهم, ولكن بأرواحهم, وبعد انتقال الولي إلي رحاب المولي لا تنتهي صفاته, التي منحها الله إليه, لأنها لم تكن تمنح للجسد, وإنما تمنح للروح, ويعتقد الصوفيون أن الأرواح تنتقل إلي عالم الملكوت, وأنه ستكون هناك حياة بعد الموت, فصفات الولي موجودة في روحه, التي أصبحت أكثر انطلاقا بعد تخلصها من الجسد, ويبذل أهل التصوف, قصاري جهدهم, للتخلص من العديد من السلبيات التي تسيء إلي أهل التصوف في بعض الاحتفالات من اختلاط, وعدم وعي كامل بالعلوم الدينية, ففي الاحتفالات بمولد المصطفي تكون هناك مظاهر سلبية كالملاهي, فالاحتفال يجري في أماكن عامة, وهي مناسبة عامة, لا علاقة لها بالتصوف, ولو أن أحدا استثمر هذه المناسبة وحصل علي تصريح من المحليات, وفعل أمرا مخالفا فهذا لا يقبله الصوفيون, ولاشك أن المجتمع بكامله مسئول عن التخلص من هذه السلبيات, يتولون المناصب ويركبون السيارات الفارهة, ويسكنون الفيلات والشقق الفاخرة؟ إن لم تكن تملك, ففي أي شيء تزهد, وإذا لم يكن لديك شيء, يكون الزهد إجباريا, وهنا لا يكون أمر الزهد إيمانيا, والقضية تكمن في أن تملك, ولكن هذه الأشياء التي تملكها لا تشغلك عن ذكر الله سبحانه وتعالي, وألا تتمكن هذه الأشياء من قلبك, بل تتمكن أنت منها, وتؤدي حق المولي عز وجل, وقد تكون مالكا لقصور الدنيا, وتجلس علي المصطبة ولا تفرق معك!! والدين الإسلامي, دين جمال, ودين كمال, ودين نظافة, أما من يرتدون الملابس المهلهلة, فهؤلاء نراهم حالات خاصة شأنهم مع المولي عز وجل, فالزهد مسألة خاصة, ونحن نفضل أن يكون المسلم نظيفا, ولكن لو كان المتصوف فقيرا, ولا يستطيع أن يشتري الثياب, فهذا أمر لا يعيبه, وقد تكون مكانته أفضل عند الله من رجل حسن المنظر, وسيئي المخبر, وفي حلقات الذكر, أنت تتوضأ, وترتدي الملابس النظيفة, وتجلس في مكان طاهر, وتستخدم السواك, وتجلس في حضرة القبلة, وتستحضر معني ما تقول, وإذا جاء الحمد حمدت, والعذاب تعوذت, والنعيم طلبت وتمنيت, وأنت في كل لحظة تستوعب معني الذكر, فلماذا يعيبون علي المتصوفين حلقات الذكر!! كيف يري الصوفيون قضية التوسل بالموتي ؟ قضية التوسل تناولها السلف والخلف بين الرفض والقبول, لكن الإسلام اتفق علي صحة مبدأ التوسل, ولكن الخلاف يكون علي اللفظ, والكيفية, والاتجاه, ولابد أن يوجه الطالب طلبه إلي الله وحده, وأن يكون ذكر المتوسل به لمن شاء التوسل نوعا من تأكيد الطلب, بالاعتراف بالتقصير, والتفريط, في جنب الله سبحانه وتعالي, مما يخجل معه المتوسل أن يكتفي بدعائه وهو ليس أهلا للاستجابة, فيستشرف إلي الله سبحانه وتعالي بمن يغلب علي ظنه أنه مقبول عنده, ومادام الطلب من الله وإلي الله ابتداء, وانتهاء فهو أمر جائز والقضية كلها تكمن في النية.