حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    استشهاد 5 فلسطينيين في غارات الاحتلال على خيام النازحين في خان يونس    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    الصحف المصرية.. حضور كثيف لناخبى الدوائر الملغاة من المرحلة الأولى فى 7 محافظات    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    بعد هجوم رفح، أول تعليق من ترامب بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة    اللقاء المرتقب يجمع مبعوث ترامب وكوشنر بوسيط أوكرانيا    "المجلس الأيرلندي للحريات المدنية" يتهم "مايكروسوفت" بمساعدة إسرائيل في إخفاء أدلة تتبع الفلسطينيين    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    ظهور تماسيح في رشاح قرية الزوامل بالشرقية.. وتحرك عاجل من الجهات المختصة    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    محافظة الجيزة يتفقد أعمال إصلاح الكسر المفاجئ لخط المياه الرئيسي بشارع ربيع الجيزي    حلمي عبد الباقي يكشف تدهور حالة ناصر صقر الصحية    مشاجرة بين طالبات وزميلتهم تتحول إلى اعتداء بالضرب عليها ووالدتها    «يوميات ممثل مهزوم» يمثل مصر في المهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء بالجزائر    محمد رجاء: أراجع كتاباتي مع خبراء نفسيين.. والورد والشيكولاتة ليست نقاط ضعف النساء فقط    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    رويترز: طائرة قادمة من الولايات المتحدة تقل مهاجرين فنزويليين تصل إلى فنزويلا    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    النيابة الإدارية يعلن فتح باب التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    وزير الأوقاف ناعيًا الحاجة سبيلة عجيزة: رمز للعطاء والوطنية الصادقة    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    فيديو اللحظات الأخيرة للسباح يوسف محمد يحقق تفاعلا واسعا على السوشيال ميديا    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    الطب البيطري: ماتشتريش لحمة غير من مصدر موثوق وتكون مختومة    ضياء رشوان: موقف مصر لم يتغير مللي متر واحد منذ بداية حرب الإبادة    محافظ سوهاج يشيد بما حققه الأشخاص ذوي الهمم في يومهم العالمي    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    أزمة مياه بالجيزة.. سيارات شرب لإنقاذ الأهالي    استشاري يحذر: الشيبسي والكولا يسببان الإدمان    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    ألمانيا والنقابات العمالية تبدأ مفاوضات شاقة حول أجور القطاع العام    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    هيئة قضايا الدولة تُنظم محاضرات للتوعية بمناهضة العنف ضد المرأة    أسامة كمال عن حريق سوق الخواجات في المنصورة: مانبتعلمش من الماضي.. ولا يوجد إجراءات سلامة أو أمن صناعي    قرارات جديدة تعزز جودة الرعاية الصحية.. اعتماد 19 منشأة صحية وفق معايير GAHAR المعتمدة دوليًا    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصائح حول الحج
نشر في شموس يوم 26 - 08 - 2017

المؤمن في أمس الحاجة إلى شحنة روحية يقوى بها إيمانه وتزداد بها علاقته بالله تعالى:
أيها الأخوة الكرام، المؤمن في أمس الحاجة إلى شحنة روحية يقوى بها إيمانه، وتزداد بها علاقته بالله عز وجل، الله عز وجل فرض علينا الصلوات الخمس كشحنات يومية، وفرض علينا صلاة الجمعة كشحنة أسبوعية، وفرض علينا رمضان كشحنة سنوية، وفرض علينا الحج كشحنة العمر.
لذلك:
(( أن الأقرع بن حابس سأل النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه: الحج في كل سنة أو مرَّة واحدة؟ قال: "بل مرةً واحدةً، فمن زاد فهو تطوع ))
[ رواه أبو داود عن ابن عباس]
أيها الأخوة، الحج رحلة إلى الله، فقد شاءت إرادة الله عز وجل لحكمة مطلقة مراعاة للنزعة المادية في كيان الإنسان أنْ يضع للناس في الأرض بيتاً له:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
أنْ يضع للناس في الأرض بيتاً له يُمكِّن المؤمنين مِن أنْ يعبِّروا من خلال إتيانه مِن كل فَجٍّ عميقٍ أن يُعبِّروا عن حبهم لله، وشوقهم إليه، وشاءت حكمة الله أن يكون بيته الحرام في المنطقة الحارة من الأرض، وفي واد غير ذي زرع، ليكون واضحاً لدى الحُجَّاج أنّ الاتصال الحقيقي بالله يحقِّق للمرء سعادةً، يستغني بها عن كل الشروط المادية، التي يتوهَّم أنها سبب سعادته، وأنّ سعادةَ الإنسان تنبع من داخله، لا مما يحيط به نفسَه من ألوان النعيم، ولو كان بيتُ الله الحرام في المنطقة المعتدلة من الأرض، حيث الجبالُ الخضراءُ، والمياهُ العذبةُ، والبحيراتُ الصافيةُ، والبساتينُ الغناءُ، والجوُّ اللطيفُ، والنسيمُ العليلُ، وكان الحجُّ على مدار العام دفعاً للازدحام، لأقبل كلُّ الخلق إلى أداء الفريضة الممتعة، طلباً للاستجمام، لا حُبَّاً بخالق الأكوان.
الحجَّ عبادةٌ كبرى قِوامُها الاتصالٌ بالله :
هناك حكمة بالغة من كون بيت الله الحرام في المنطقة الحارة في واد غير ذي زرع، وفضلاً عن موقع البيت الحرام، وعن طبيعة الجو فيه، فإن الحاجَّ المحرمَ يُحظَر عليه لُبسُ المخيط من الثياب، ويُحظر عليه التطيُّبُ بكل أنواع الطيب، ويُحظر عليه الحلقُ والتقصيرُ، ويُحظر عليه مقاربةُ المُتَعِ التي أُبيحت له خارجَ الحج، كلُّ ذلك ليُحْكِمَ اتصالَه بالله، وليسعد بقربه وحده، بعيداً عن كل مداخلة من مُتع الأرض، ليتحقَّق الحاجُّ أنه إذا وصل إلى الله وصل إلى كلِّ شيء، وأنّ الدنيا كلَّها لا يمكن أن تُمِدَّ الإنسانَ بسعادة مستمرة، بل متناقصة، ولينطلق لسانُه بشكل عفوي قائلاً: يا رب، ماذا فَقَدَ مَن وجدك ؟ وماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ ؟
مُجْمَلُ القول أنّ الحجَّ عبادةٌ كبرى، قِوامُها الاتصالٌ بالله، بل إن هذا الاتصال اتصال متميِّزٌ، أساسُها معرفةٌ وقُرْبٌ، وبَذْلٌ وحُبٌّ، وسببُها نزعُ أقنعةِ الدنيا المزيفةِ، وتجاوزُ الخلق إلى الخالق، وخرقُ النعم إلى المنعم.
حقوق العباد مبنيةٌ على المُشَاحَحَةِ بينما حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة :
لكي تؤدَّى هذه العبادة العظيمة على نحوٍ يقبلها الله، ويرضى عنها، ولئلا يُنفِق الإنسانُ المالَ الكثيرَ، والوقتَ الثمينَ، ويتجشَّم المشاقَّ، ثم لا تُقبل حجَّتُه، ويُقال له: لا لبيك ولا سعديك، وحجُّك مردود عليك، لئلا تضيعَ حجّتُه سُدى، عليه أنْ يتوب قبْلَ الذهاب إلى الحج مِن كل الذنوب والآثام، كبيرِها وصغيرِها، جليلِها وحقيرِها، فيجتنب كلَّ كسْبٍ حرام، وكلَّ علاقةٍ متلبِّسة بالآثام، وعليه أن يؤدِّيَ الحقوقَ التي عليه بالتمَّام والكمال، وبخاصة تلك الحقوق المتعلقة بالخلق، لأن حقوق العباد مبنيةٌ على المُشَاحَحَةِ، بينما حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة، فعليه أن يؤدِّيَ الحقوق، ويُقلعَ عن الذنوب، والأهمُّ مِن هذا أن يَعقِد العزمَ على ألاّ يعودَ إليها بعد الحجّ، وإلاّ أصبح الحجُّ مِن الطقوس لا من العبادات، فَمِنَ الخطأ الكبير، والوهم الخطير أنْ يظنّ الحاجُّ أنّ الحجَّ يهدمُ ما قبله من الذنوب كلِّها، وفيه تُغفر كل خطيئة، وقد أجمع العلماءُ على أنّ الأحاديثَ الشريفة التي تبيِّن أنّ الحاجّ يعود مِن الحجّ كيوم ولدته أمه، وقد غُفرت ذنوبُه كلُّها، هذه الذنوبُ التي أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هي الذنوبُ التي بين العبد وربِّه حصراً، أمّا الذنوبُ التي بينه وبين الخلق، والحقوقُ التي في ذمته، والواجباتُ التي قصَّر في أدائها هذه لا تَسقطُ ولا تُغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
فالذنوب ثلاثة ؛ ذنب لا يُغفر، وهو الشرك، وذنب لا يُترك، وهو ما كان بين العبد والخلق، وذنب يُغفر، وهو ما كان بين العبد وربه، أي أن جميع الأحاديث التي أشارت أن الحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، الذنوب حصراً فيما بينه وبين الله تعالى أما التي فيما بينه وبين الخلق هذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
الاستطاعة تعد أصلاً في فرضية الحج :
الاستطاعة التي وردت في الآية التي تعد أصلاً في فرضية الحج وهي قوله تعالى:
﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾
( سورة آل عمران )
هي استطاعة بدنية ومالية وأمنية وإدارية، فالمسلم الذي لا يقوى جسمه على تحمُّل أداء مناسك الحج بَغَلبة يقينية، أو بإخبار طبيب متخصص مسلم حاذق ورع، يُجزئه أن يُكلِّف من يحج عنه في حياته، أو يوصي بحجة بدل بعد مماته، وفق أحكام هذا النوع من الحج، والمسلم الذي لا يملك المال الكافي الذي يغطي نفقات الركوب بأنواعها، ونفقات السكن، السكن: أي ألا ينام في الطريق، نفقات السكن في مكة والمدينة، وثمن الطعام والشراب، فضلاً عن نفقات أهله وولده في غيبته لا يعد عند الله مستطيعاً، فلا ينبغي للمسلم غير المستطيع أن يبذل ماء وجهه من أجل جمع نفقة الحج، ولا أن يسلك المسالك الملتوية، من أجل أن يحصل على نفقة الحج، فإنه في الأصل ليس مستطيعاً، ولا حجَّ عليه، وينبغي أن تعبد الله وفق ما شرع الله، وحينما يقرر الآن شيء دقيق أولو الأمر في ديار المسلمين أن يعتمدوا نظاماً يُتيح لمَن لم يحجَّ أن يحجّ، ويَمنع من حجّ حجة الفريضة من أن يحج قبل خمس سنوات، حينها يكون الباعث على هذا التنظيم إفساحَ المجال للمسلمين الذين لم يحجّوا حجّة الفريضة أن يؤدُّوها بيسر وطمأنينة، فلا ينبغي للمرء أنْ يرتكب معصيةً ليحجّ حجّة نافلة، أي لا ينبغي للمسلم أن يشتري موافقة الذهاب إلى الحج، لا ينبغي أن تبدأ هذه العبادة الكبرى برشوة، لذلك الذي لم يُسمح له أن يحج لا يُعَدُّ مستطيعاً، هذه الاستطاعة الإدارية، هناك استطاعة بدنية، ومالية، وإدارية، وأمنية، أن يكون الطريق آمناً.
وما دام الحج مِنَ العبادات المالية التي تستوجب إنفاقَ المال، فلا بد في المال الذي سينفقه الحاجُّ في هذه الفريضة أنْ يكون مالاً طيباً وحلالاً، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))
[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
(( إِذَا خَرَجَ الْحَاجُّ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فَي الْغَرْزِ – ركاب الدابة – فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلاَلٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلاَلٌ، وَحَجُّكَ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فَي الْغَرْزِ فنادى: فَنَادَى: لَبَّيْك
َ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، ونَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ مَأْزُورٌ غَيْرُ مبرورٍ))
[أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ]
عبادةَ الحجّ فرَضَها الله على المستطيع فالإعدادُ الفقهيّ للحجّ مِنَ الحجّ أيضاً :
أيها الأخوة الأكارم، بما أنّ الحجّ فريضةٌ فرضها الله على المستطيع، والفقير ليس مستطيعاً، فلا ينبغي للفقير أن يقترض ليحجّ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنِ الرَّجُلِ لَمْ يَحُجَّ: أَوَ يَسْتَقْرِضَ ؟ قَالَ: "لاَ" ))
[البيهقي في السنن الكبرى فعن عبد الله بن أبي أوفى]
والمدين لا تُقبل حجته إلا بموافقة دائنه، إنّ من بدأ حجه بتصريح كاذب، أو انتحل صفة لا يتصف بها، أو يتصف بها ولا يريد أن يقوم بها، أو دفع مالاً غير مشروع لجهة غير شرعية، تحول أداؤه لهذه الفريضة إلى عمل محرم، استناداً إلى القاعدة الفقهية الأصولية وهي أنَّ كل ما استلزم محرماً يصبح هو الآخر محرماً، فالطريق إلى المحرم محرم، فالمؤمنون عاداتهم عبادات، والمنافقون عباداتهم سيئات
وبما أنّ عبادةَ الحجّ فرَضَها الله على المستطيع في العمر كله مرة واحدة، فإنْ أخلَّ الحاجُّ بمناسكها، فلم يؤدِ ركناً، أو نسي واجباً، أو ترَكَ سنَّةً، أو حرص على سنة أدَّت إلى انتهاك حرمة، أو اقترفَ معصية، أو فَعَلَ محظوراً، فَقَدْ أَبْطَلَ حجَّه، أو لَزِمه الدمُ، أو أساء، أو قصَّر، أو تركَ الأَوْلَى، إنْ فَعَلَ هذا فقد ضيّع فرصة فريدة لا تتكرّر، فرصة لمغفرة ذنبه، واستحقاقه جنّةَ ربه، كلُّ هذا بسببِ الجهل الذي هو أعدى أعداءِ الإنسان، فالجاهلُ يفعل في نفسه ما لا يستطيع أن يفعله عدوُّه به، لذلك نقول: أيها الحجّاجُ تفقَّهوا قبل أن تحجّوا، فعالمٌ واحد أشدُّ على الشيطان مِن أَلْفِ عابدٍ، وقليلٌ مِنَ الفقهِ خيرٌ مِنَ كثيرٍ مِنَ العبادة:
﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة النحل )
وكما أن انتظار الصلاة يُعَدّ من الصلاة، كذلك الإعدادُ الفقهيّ للحجّ فهو مِنَ الحجّ، فكم مِن حاجٍّ أهْملَ التفقُّهَ قَبْلَ الحج، وعاد مِنَ الحجّ، ولم يطف طواف الركن، فبطل حجُّه، وكم مِن حاجٍّ اجتاز الميقاتَ المكانيَّ غيرَ محرِم فلزمه الدم، وكم مِن حاجٍّ وقع في محظورات الإحرام، وهو يحسبُ أنه يُحسن صنعاً.
دَرْء المفاسدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المنافع :
مِن فقهِ الرجلِ أنْ يتحرّك في حياته وَفق سُلَّم للأوليات، فإذا أدّى حجّةَ الإسلام، وهي حجةُ الفريضة، وتاقت نفسُه إلى أن يحجّ مرةً ثانيةً وثالثةً، وكان مستطيعاً بماله وبدنه وموافقة أولي الأمر له، ولم يسهم مِن خلال تصريحٍ غيرِ مطابق للواقع من حرمان مسلم مِن حجّة الفريضة، وكان قد أدّى كلَّ ما عليه من واجبات تجاه والديه، وأولاده، وأخوته، وأخواته، وأصدقائه، وجيرانه، فلا عليه أنّ يحجّ ثانية وثالثة ورابعة، فالحج جهاد لا شوكة فيه، وهو جهادُ الكبيرِ، والمرأةِ، والضعيف، وقد ورد في الحديث القدسي
(( إِذَا أَصْحَحْتُ لِعَبْدِي جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، فَأَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَمْ يَفِدْ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ ))
[البيهقي في السنن الكبرى والترغيب والترهيب للمنذري]
لكن حينما يحجّ المسلمُ حجةَ الفريضةَ، وله ولد في سنّ الزواج، ويخشى عليه الانحرافَ، فالأَوْلى أن يزوِّجه بدلَ أنْ يحجّ حجة النفل، لأنّ دَرْءَ المفاسدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المنافع، وأنّ الله لا يقبل نافلةً أدَّتْ إلى تركِ واجبٍ:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة )
الحجَّ لا يكفِّر الذنوبَ التي لم يَتُبْ منها صاحبُها :
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم
(( اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ ))
[ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
ومعنى هذا أن من انحراف الحاج عن قصده، وعدم إخلاصه في عبادته أن يبتغي من حجه السمعة والرياء، ويجب أنْ يعلمَ المسلمُ أنّ الحجَّ لا يكفِّر الذنوبَ التي لم يَتُبْ منها صاحبُها، أي إذا كان مصراً على ذنب ويعلم أنه ذنب، الحج لا ينتفع به إطلاقاً، فالمقيم على ذنبٍ ما لم يَتُبْ منه، وهو مستمرٌّ فيه، فإنّ الحجَّ لا يكفِّر ذنبَه، وإنما الحجُّ كفارةٌ وأجرٌ للعبدِ التائبِ إلى الله، الراجع إليه، الراجِي رحمتَه وعفوَه، والذي أقْلعَ عن ذنوبه إقلاعاً لا رجعة بعده، والدليل على ذلك:
(( قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ: أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ))
[مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]
(( أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسي، ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى ))
[أخرجه الطيالسي وفي مسند الشاميين من حديث أبي أمامة ]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.