لا أعرف إن كانت صونيا عامر فاجأتنا بروايتها "صبى عالمة" أم لا – فكان اختيار العنوان مختلف وقد يكون صادم فأن تأخذنا صونيا عامر إلى عالم يعتبر غريباً بالنسبة للغالية الغطمى من المجتمعات العربية .. كلمة عالمة أساسأ ليست معروفة إلا فى مجتمعات وطبقات معينة .. وتطلق كلمة عالمة على الراقصة .. وقد تكون كلمة عالمة وكلمة العوالم أصبحتا أكر انتشارا بعد أن قدمت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد فيلم الراقصة والسياسى مع الفنان صلاح قابيل وكانت الجملة التى قالتها نبيلة عبيد "ربنا يكفيك شر مكر العوالم" من الجمل التى اقتحمت بها عالم العوالم والراقصات، وكذلك ثلاثية نجيب محفوظ ، ثم فيلم الراقصة والطبال لبنبيلة عبيد وأحمد زكى. بدأت صونيا عامر كتابها الأخير "صبى عالمة" قائلة: ضمن قائمة أعمالي الشريرة تندرج هذه الرواية، تنبثق الفكرة من حاجة المرأة الماسة إلى رجل يتفهم حاجاتها النفسية والروحية قبل الحاجات الجسدية. لقد مللت الهم، وسئمت نشر الدعوة للمحبة والتسامح والغفران، أرغب بعمل مختلف لا يشبه نهجي التقويمي. فمذ بدأت الكتابة، وأنا أحاول تخفيف وطأة الأعباء الأنثوية عن كاهلنا نحن إناث الشرق، وتحديداً الشرق الأوسط، ومن خلال رحلتي الأنثوية بالبحث عن هوية تشبهني، تلعثمت بالكثير من الشخصيات الذكورية الشرقية والمستشرقة استتاراً من واقع الجهل والتخلف. وكما في عالم الإناث، ففي عالم الذكور ما يستحق الذكر، وكذلك الاستهجان. في هذا الزمن تزداد مظاهر الأنوثة، رغم كل ما تتعرض له من عنف، فنسبة المخنثين بازدياد ملفت في الشرق الأوسط، وإن عزا البعض السبب في ذلك الى أنواع الطعام المصنعة التي نأكلها، فنحن الإناث نأكل من نفس المصدر، ولكن نسبة الإناث المتحولات الى ذكور أقل من المعاكسة. ترى ما الذي يدفع برجل الى التحول لأنثى (باستثناء الهرمونات)؟ سؤال يستحق البحث. مشكلة رجال هذا الزمن أنهم في حرب دائمة لإثبات رجولتهم الفطرية، والسبب في ذلك مزاحمة المرأة الشرسة لهم في مجال ساحة القتال الفعلية، لقمة العيش أي العمل. حين كان الرجل، رجل البيت، والسيدة، سيدة القصر، أي سيدة المنزل، كانت الأسرة مملكة، أو مستعمرة فاتحها بطل مقدام يدعى سيد المنزل وملكته المتوجة سيدة ذلك المنزل، الأم والزوجة والنائب الأول لذلك الفاتح في غيابه. مهما كان من ظلم قد تعرضن له نساء ذاك الزمن، إلا أنهن تمتعن بحصانة من نوع آخر، ظلع الرجل. اليوم تبدل وضع المرأة ليصبح أكثر رجولة مما انتقص من دور الرجل التقليدي ليصبح بالتالي أكثر أنوثة، مما يقوم به من خدمات أمومية للأطفال بغياب الزوجة بداعي العمل، بداعي البطالة أو المرض، أم بداعي الإتكالية ليس إلا. ففامت صونيا عامر بهذه الكلمات بمواجهة صريجة وقوية بين الرجل والمرأة حتى أنها وصفت هذه المواجهة بحرب دائمة بينهما .. استخدمت صونيا عامر كلمات : حرب – مزاجمة المرأة – الشرسة – لقمة العيش – أنوثة " وكلها كلمات لها دلالات وتحتاج لقراءة متأنية لندخل مع الكاتبة هذا الصراع بين الرجل والمرأة .. تبدأ الكاتبة الجزاء الأول : هناك في الفلاحين، عندنا في الصعيد، لا ترفع النساء أصواتها في وجه الرجال، ولو حدث فإن في ذلك مصيبة، فتقتحم الممنوع وتتحدث عن خصوصية الجياة فى الصعيد – برغم أن صونيا عامر لبنانية الأصل مقيمة فى الكويت لسنوات طويلة – فكيف لها أن تدخل عالم الصعيد – اعتقد ان ذلك قد يكون من خلال متابعتها للمصريين المقيمين فى الكويت .. وتواجه بشجاعة وجرأة ما يحدث فى مجتمعات العمال المجتمعين من كل الدول وتتعرض لما يحدث من موبقات والصراع النفسى لمن يشاهد ويعرف ما يحدث ولا يستطيع المواجهة أو الاعتراض لدرجة أن رفاعى – أحد العمال – يعتبر نفسه كافرا .. ليس لشيء سوى لسكوته عما يراه في العتمة آخر الليل، حين يظن الباقون أنه مسترسلٌ في النوم. ثم تصف لنا الكاتبة تعدد الأزواج فى المجتمعات الأسيوية وتنتقل إلى السجون وما يحدث فيها .. وفى الجزء الثانى تتعرض الكاتبة بجرأة إلى معسكر اللاجئين السوريين وما يحدث فيه وتصف أحاسيس أميمة التى لم تذق طعم النوم منذ شهرين، مذ وطأت قدماها أرض المخيم. لم تقصد النوم تماماً، فهي بالطبع تخلد إليه كل ليلة ربما بعد منتصفه تفكيراً بما حل بهم، كارثة؟ لا تعتقد، لطالما حلمت بيوم يتغير فيه الحال هناك، لم يكن باهراً على حد علمها، لطالما حلمت أن يجد حازم عملاً له يقيه شر الغربة، لم تحب يوماً فكرة الهجرة إلى الخليج، طمحت دائماً ببلد أجنبي، تجد فيه نفسها أولاً، قبل إيجاد القوت. هي خريجة آداب، معلمة لصف الرابع ابتدائي، هكذا كانت لغاية شهرين مضيا. مدرسة القرية احترقت، الحسكة بأكملها احترقت، وإن بقي ما بقي فهو ليس سوى أطلال سوف تبقى في ذاكرتها، تحدث نفسها كأنها لن تعود، هل رغبتها هي عدم العودة؟ أم أن قراءتها لما يجري يشير لها بذلك؟. ترى هل سيحمل التاريخ عنوانا جديدا، سوريي 2014؟ تيمنا بفلسطينيي 48؟ ما المانع؟ مالدوافع؟ ما الفرق؟ كلها أسئلة تدور في رأسها ولها أجوبة جاهزة، كاملة ومفصلة على مقاسها. الجزء الثالث يصل سانديب الهند، وتغسله زوجته بنهر الغانج المقدس، عليه لعنة سانديب، لعنة الخيانة، لكنه سيتطهر منها بالمياه المقدسة وغفران الإله غانغا، هكذا تؤمن زوجته الهندوسية، وإن كانت تلك المياه متسخة، الملاريا لا شان لها بمياه النهر، والحمى التي أصيب بها سانديب لم تكن بداعي التلوث، إنما بداعي الشوق العظيم لسندو، محبوبة القلب البعيدة، التي إكتشف أنه يحبها حباً كبيراً ويشتاقها حد البكاء، ولم يكن ليخطر بباله بأنه يكن لها كل هذه المودة، لم يشعر بزوجته ولا بلطافتها ولا بالمجهود الكبير الذي بذلته مذ وطأت قدماه أرض الوطن، جل ما يبتغيه، رمل وبحر وسندو بقربه، ولكن كيف؟. ليعود وتتصاعد حرارته إثر نوبة فراق واشتياق. قامت شركة النقليات التي كان سانديب يعمل لديها بدفع ثمن تذكرة سفره، كما قامت بإلغاء إقامته، وامتنعت عن دفع تعويضه إذ أنه خالف قوانين الشركة، لا بل خالف القوانين المحلية وخدش الآداب العامة، إن إنهاء خدماته وترحيله بتلك الطريقة المفزعة لم يكن سوى حق مكتسب للشركة عليه، وليس تعسفاً باستخدام حق إنهاء الخدمات. لم يكن في جيب سانديب يوم مقابلة سندو وإلقاء القبض عليه بنصف الجرم المشهود سوى الثقب، مما تتطلب منه الانتظار في المطار إلى حين وصول أبهى زوجته لملاقاته بالمال المطلوب لحجز بطاقة القطار أولاً ومن ثم حافلة ركاب عامة تقلهما إلى البيت، إنها الهند، المساحات شاسعة، والتنقل سفر بحد ذاته. وتصف قسوة الهندوسية على المرأة : فهي بالنهاية امرأة، لا يمكن لأي شيء تقييد قدرتها على التحليل والتفكير السليم، لقد مرت بسانديب بالنهر المقدس، واستطاعت تطهيره من الدنس، وهي بالطبع غفرت له، وإن لم تعامله بالمثل، فهي لم تخنه يوماً ولن تخون، لسبب بسيط جداً، أنها امرأة متدينة، تقية وتخاف ربها، وحين ترغب بممارسة العادة السرية، لن تحتاج لأكثر من أصابعها، الرجال هم على القلب ليس إلا، وما يعنيها هو حال الأربعة، الولد والبنات العازبات الثلاث، ألا يذهبوا بذنب أبيهم. فتعرض الكاتبة لكلمة العادة السرية للمرأة وممارستها يعتبر فى حد ذاته جرأة واقتراب من الممنوع فبرغم حدوث هذا فالحديث عنه ممنوع ومحظور .. نجحت الكاتبة الجريئة فى اقتحام الممنوع والحديث فى أمور يخشى الرجال الاقتراب منها ..