محاولة للنبش في المجموعة الشعرية عناق الجنون للشاعرة بهيجة البقالي القاسمي – المغرب قراءة عبد العزيز حينان عناق الجنون … خاتمة ثلاثية: صراخ الصمت ، أنثى الصمت وعناق الجنون . المجموعة الشعرية :عناق الجنون . مجموعة متكاملة النصوص، مترابطة المعنى . جميعها تخدم هندسة الغرض منها … و تصب في نفس المسار لتبلغ الهدف ذاته و الذي انطلقت الشاعرة من تصور متكامل له . و كما سجلت عن مجموعات شعرية أخرى ، إنها غالبا ما تتمحور حول قصيدة بعينها . تكون هي الأساس أو العماد ، و الباقي ينقسم إلى صنفين : أوتاد ترتبط بالقصيدة العماد و مكملة لها في زوايا متعددة ، و مؤثثات كديكور تجميلي للمجموعة الشعرية أو استكمالا للعدد المراد تضمينه بين دفتيها . بينما النصوص في مجموعة = عناق الجنون = يؤطرها نفس الموضوع ، و تسير بذات النَّفَسِ الذي يعلو و ينخفض حسب وطأة الحالات التي تكون عليها الشاعرة . إنها كرقصة (ڭْنَاوِيَة) تتعدد إيقاعاتها و أزياءها حسب مسار الرقصة و تواليها حِدّة و استرخاء . هو موضوع واحد بظِلال و تشعبات … يؤرق الشاعرة ، يلح عليها . فجعلته مثلثا . ضلعه الأول : صراخ الصمت ، و الضلع الثاني : أنثى الصمت ، أما قاعدته و ثالثة الأثافي فهي : عناق الجنون . هذه القاعدة ، و إن لم يرِدِ الصمت في العنوان ، فإنه تردد في ثنايا النصوص ثمان و ثلاثين مرة بشكل صريح ، أما الإحالات على الصمت فأكثر من هذا الرقم . هذا الموضوع : الصمت . يشكل عند الشاعرة هوسا … هاجسا … ليس مؤرقا ،بل موضوع حياة و تجددها المستمر . حياة تحبل بالبوح الصاخب تارة و بالهمس الهسيس تارة أخرى . الصمت هنا ليس انزواء ، أو استسلاما أو حتى رفضا. و إنما هو موقف وجودي اتخذته الشاعرة عن وعي و بإصرار ……. و قدمته ببساطة دون تعقيدات لغوية أو زركشة . ليصل إلى المعني بالأمر و من خلاله إلى القارئ مباشرة و دون تلكؤ . و من خلال تتبع النصوص وحتى بإقرار ضمني من الشاعرة و من خلال التقسيم و العَنْوَنة نقف على أن الإصدار يتكون من مجموعتين شعريتين في مؤلف واحد . قد يبدو العنوان جملة واحدة ؛ جملة اسمية :عناق مبتدأ و خبره محذوف و هو مبتدأ نكرة تَمّ تعريفه بالإضافة( الجنون ) و قد يكون ( عناق الجنون و الخبر المحذوف ) جملة اسمية خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هذا . و في كلتا الحالتين الخبر المحذوف تفسره النصوص تباعا ….. لعبة العنوان أسميها رقصة الصدمة … أو رقصة الاستفزاز . فالعنوان مفتاح ، و هو من البداية جاذب ، يدفع المتلقي إلى الانخراط في فِعْل الكشف ….. عناق . كلمة بإضاءات مثيرة ، تخضخض دواخل المتلقي أيا كان جنسه ومستوى وعيه و ثقافته و حتى دراسته …. العناق يستفز المخيلة ، و يدفعها دفعا إلى التخيل ، و من تَمّ إلى رسم عوالم تخصه كشخص مفرد يؤول الكلمة لذاته مع التماهي في النصوص …. الجنون الكلمة في حد ذاتها لها وقع الارتداد لدى المتلقي بعد الهزة التي توقعها في ذاته … الجنون هو اللامعهود و اللامتوقع ….. إنه أقصى درجات التحرر … راديكيلية الفِعل الإنساني .. اقصى اليمين أو أقصى اليسار ، لا وسطية في الجنون . هو التمرد الكلي بدءا من الذات وانطلاقا إل كل ما يحيط بهذه الذات . عناق . في الجزء الأول من المجموعة يكتشف القارئ تميز الشاعرة في تجربتها . الشاعرة تعانق ، و تأتي القصائد المعانقَة من طرف الشاعرة كسلسلة مترابطة تبدأ ب : ترنيمة المساء . و تنتهي ب : كيف النسيان . الجنون . في الجزء الثاني من المجموعة ، و هي أطول نسبيا من حيث عدد النصوص . يكتشف القارئ الثورة ، و يلامس حرقة أو لذة هذا الجنون الحارق . و تأتي القصائد المجنونة محملَة بهذا الفِعل الجنوني المنهمر المتوالي و يبدأ ب : كما لعشق . و ينتهي ب : سمفونية الأحلام . هو جنون العشق ، أو عشق الجنون كما عنْونت الشاعرة إحدى فصائدها ، أو كما تتصوره في قصيدة : صراخ الاشتياق ، و قصيدة : بعدنا الطوفان . مع الإشارة أن كل جزء من المجموعة تبدأ بتأطير تؤطرهذا الجزء أو ذاك إضافة إلى العنوان . و في المجمل ، المجموعة الشعرية نصوصها مستفزة من حيث طريقة الكتابة شكلا و لغة و موضوعا . و الاستفزاز فيها فِعل إبداعي يُحسب للشاعرة . استفزاز المتلقي سواء مع أو ضد ، يعد واحدا من أسرار الإبداع …و يتأسس على كتابة غير المتوقع