تعرف على برنامج احتفالية عيد العمال بحضور السيسي    «بحر البقر».. أكبر محطة بالعالم لمعالجة الصرف الزراعى بسيناء    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    شعبة الفاكهة: ارتفاع سعر العنب المطروح بالأسواق لاستيراده بالعملة الأجنبية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    «الإسكان»: بدأنا تنفيذ 64 برجا سكنيا و310 فيلات في «صواري» الإسكندرية    مدبولي: الحكومة مهتمة بتوسيع نطاق الاستثمارات الكورية في محتلف المجالات    تراجع معدل التضخم في كوريا الجنوبية لأقل من 3% لأول مرة منذ 3 أشهر خلال أبريل الماضي    57 نائبا ديمقراطيا ينتفضون ضد بايدن لمنع الهجوم على رفح الفلسطينية    جيش الاحتلال يقصف مسجد القسام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    سفير روسي: اتهامات أمريكا لنا باستخدام أسلحة كيميائية «بغيضة»    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    مودرن فيوتشر في اختبار صعب أمام طلائع الجيش بالدوري    ميدو يصدم قائد الأهلي ويطالب بتسويقه    حالة الطقس اليوم الخميس.. أجواء معتدلة على أغلب الأنحاء    فلاي دبي تعلن تأخير بعض رحلاتها بسبب الحالة الجوية اليوم الخميس    مصرع طالب صدمته سيارة مسرعه أثناء عودته من الامتحان ببورسعيد    تحرير 11 محضرًا تموينيًا لأصحاب المحال التجارية والمخابز المخالفة ببلطيم    أصعب مشهد أثناء تصوير فيلم السرب.. أحمد السقا يروي التفاصيل    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    «أرواح في المدينة» تعيد اكتشاف قاهرة نجيب محفوظ في مركز الإبداع ب«الأوبرا»    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشّيُوعيّة ُ في بوليوود
نشر في شموس يوم 09 - 02 - 2017


بقلم هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق/ الدنمارك)
(فقط من أجلي امرأة واحدة خُلقت على أرض موكام ) ….( أنا الشّيوعيّ المسلم.. محي الدين.. قتلني أبي الشّيخ الدينيّ الورع بطعنةِ سكّين ، لأنّني أحببتُ الهندوسية.. كانشانا.. حتّى الموت).
الشيوعيّ في الحبّ لا يعرفُ الأديان ، يستطيعُ أن يُحبّ المرأة اليافلية والطاوية و الويكا جنية و الستيانية والشامانية والهيسبانية و المانوية والسيخية و المغارية و كلّ امرأةٍ ضمن الديانات الطبيعية والتوحيدية والشرقية وأساطير الميثولوجيا القديمة، أو ما يُسمّى بديانات اليد اليسارية من بينها التنين الأحمر والشيطانية ،و حتى لو جاءت المرأةُ من كوكبٍ آخرٍ وليس لها دينُّ أو لغةُّ تذكر. ولذلك (محي الدين) الشيوعيّ الهنديّ المسلم استطاع أن يفني روحه ويتماهى في حبّه مع الهندوسية ( كانشانا) في فيلم ( محي الدين حقيقتك).
(محي الدين حقيقتك) فيلمٌ هنديّ من تأليف وإخراج ( آر. أس. فيمال) يتحدّثُ عن عائلة مُسلمة لديها ابن شيوعيّ ( محي الدين) قام بتمثيل الدّور الممثل الشاب (بريث سوكوماران) ومحي الدين هذا يقعُ في حبّ فتاة من عائلة هندوسية ( كانشانا) وهي الأخرى تُحبّه حبّا هنديّا عظيما مثّلت الدور الباسمة الحزينة ( بارافاتي) .
محي الدين شابّ رياضي يعمل في التنظيمات الشيوعية فيقوم بتوعية الناس عن فقر الهند وكثرة مجاعته، و لديه أباً إقطاعياُ قذرا تلطّخت يداهُ بالجريمة ولا يتوانى عن قتل أيّ شخص حتى لو كان ابنه وهذا ما حصل كما سنبيّنُ لاحقا.
الأبُ شيخُّ دينييٌّ ورعٌ غارقٌ في الدّين الإسلامي وتعاليمه حدّ الطائفية المقيتة التي تجعله يكره صديقه الهندوسي والد (كانشانا) نتيجة الانتماء الديني، فما أقبح الأديان حين تكون مُفرقّة للأحباب والأصدقاء والجيران، وقد مثّل دور أب (محي الدين ) الممثّل (ساي كومار) بلحيته الطويلة كرجلِ دينٍ منافقٍ ودجّال.
الفيلم يتناولُ الحبّ على طريقة النظرة والإبتسامة والموعد واللّقاءات الحميميّة الراقصة مع الغناء الهنديّ العذب بين تلك الأشجار والمروج الهندية الخلاّبة .
الفيلم يتناولُ الحبّ على طريقة الشّاب الذي يُحدّق من خلال النّوافذ ويقفُ عند الجدران مُتّكئاً مُنتظرا قدومها الفيروزيّ المُنعش وهي الجميلة بين زميلاتها وتتفوّقُ عليهنّ قدرة و بهاءاً و ألقاً، ثم الرّقصُ تحت المطر وركوب القطارات الهنديّة المُعبّرة عن الحياة الحقيقيّة في الهند ، ذلك البلد الذي يعجُّ بالسّكان
وأساطيره العجيبة الغريبة ، تلك القطارات التي يشتهرُ بها الهند بحيث لا يمكن أن نرى فيلما هنديّا يخلو منها ، كما المطر الغزير أيضا الذي يسبحُ به العُشاق الذين نراهم في أغلب الأفلام الهنديّة.
بعد أن يكتشف الشّيخ الإقطاعيّ المسلم والد محي الدين بعلاقة إبنه مع (كانشانا) يُحذّرهُ من هذه العلاقة التي تسيءُ لديانته الإسلامية التي تُحرّم الزّواج من الهندوسيّة الكافرة .
عائلة ( كانشانا) الهندوسيّة هي الأخرى تمنعُ ابنتها من التقرّب لمحي الدين بحكم التّقاليد أيضا التي تُحرّمُ زواج الهندوسية من المسلم وهكذا يظلّ الطرفان العاشقان في دوامة عصيبة تجعل حياتهما أقربُ إلى الجحيم ، ويظلّ الدّين سيفاً صارما بتّارا لكلّ من يخرج عن تعاليمه وأصوله.
تظلُّ كنشانا حبيسة البيت مُراقبة من قبل أبيها و أخيها الذي هو لاعب رياضة وصديق حبيبها ، وهكذا تستمرّ في حبسها عشرِ سنوات ، يتزوّجُ إخوتها و أخواتها جميعا وهي تظلّ سجينة بين أربعة جدران ، غريبٌ أمر الحبّ وأمر النّساء إذا ما عشقن وغريبٌ كذلك الرّجل إذا ما عشق. لكنّهما يستمرّان بتبادل
الرّسائل عن طريق الأطفال بدسّ ورقة في أيديهم أو عن طريق خادمة كانشانا أو بطرق أخرى حسب الحاجة والظّرف الذي يسمحُ .
محي الدين يطردهُ والده من البيت بعد اتّهامه بالكفر وتحريض الفقراء عليه وعلى أمثاله من الجشعين. حيث يقومُ بإلقاء خطبة على جمهوره أثناء الإنتخاب ويحثّهم على اختيار رمز المحراث والفلاح والإشتراكية مع رفعه لشعار(الحبّ هو جوهرُ جميع الأشكال في هذه الحياة)،(دعونا نُدمّر الأديان ونجعل الحبّ هو الذي يسودُ البشر) .
ثمّ يُقدّم محي الدين مسرحيّة متنقلة أثناء الإنتخابات تحت عنوان ( الضّوءُ يبحثُ عن المصباح) يقوم هو بتأليفها وتمثيلها وإخراجها… حيث يتناولُ قضيّة الحبّ و يتساءل عن أسئلة وجودية رائعة ( هل الحبّ أصدقُ من الدّين؟).
هذه الدّراما المسرحيّة عن الحبّ تستفزّ ( سيثو) أخ ( كانشانا) وهو الرّياضي وصديقُ محي الدين فيعتقدُ أنّ هذه المسرحيّة ترسمُ الحبّ بين محي الدين وبين أخته ، فيقومُ بمهاجمة محي الدين والإعتداء عليه، فيلقى ضربا مبرحا . ثم يقوم أخوها( سيثو) بمحاولة قتله بمسدّس لكن محي الدين يتغلّبُ عليه
وهذه هي الفنتازيا في أغلب الأفلام ، حيث نرى أنّ البطل هو روحُ الخير في الفيلم وهناك روح الشرّ التي تُحاول قتل الآخرين بذنب أو دون ذنب ، فيتغلّبُ محي الدين على سيثو ويُسيطر على المسدّس ويُصوّب نحو سيثو ، لكنّه الشيوعي المسالم والناشد للحرية والسلام والأمان لبلده ، فيدعه يذهب ويقول له: "أنت صديقي و لا يُمكنني أن أؤذيك"، ويهربُ سيثو هروب الجبناء الأشرار .
يلتقي محي الدين حبيبته كانشانا بصعوبة بالغة وسريّة تامّة ويقول لها ، كنت أعتقد لو كان العالم كلّه ضدنا لكنّ (سيثو) سوف يفهم ويقفُ بجانبنا لكنّني كنتُ مخطئا، فها هو حاول خداعي وقتلي بإستغلاله صداقتنا.
"إذا استطعت أنْ تَخدع إنسانا فهذا لا يَعني أنّه أحمَق ولكن يَعني أنّه وثق بك أكثر مَما تَستحقّ" (تشارلز بوكوفسكي) . فما هذه الطائفية وما هذا الدين الذي يُؤدّي بنشوب العداوة بين الأصدقاء حدّ الخداع ونصب الحيلة والفخاخ و القتل بعيارٍ ناريّ أو خنجر أو سكين .
كانشانا في هذه الأثناء وعلى مرور عشر سنوات يتقدّمُ لها الكثيرون لكنّها ترفضُ وأثناء مجيء أهل العريس ترتدي زيّ الأرملة وكأنّها كانت مُتزوجة من قبل لكي تطرد الضّيوف الذين جاءوا لخطبتها .
وأخيرا يُقرّران الهروب بعيدا عن مدينتهما ( موكام) فيلتقيّان ويرسمان الخطّة التي اتّفقا عليها للهروب وهذا اللّقاء يُصاحبُه كما في أغلب الأفلام الهندية الأغاني والموسيقى الراقصة وعذوبة الكلام والطبيعة الخلابة بمروجها الخضراء.
بعد إنتهاء لقائهما يرجع محي الدين وفي الطريق يقابلُ والده الذي كان ينضحُ حقدا وضغينة على ولده فيخبره محي الدين أنّه سوف يتزوجّها ويهرب بعيدا عن ظلمهم وقسوتهم ، لكن والده يقول له أنت ابن الشيطان .. وسوف لن نسمح لك بتدمير سمعة عائلتنا وديننا..فيدفعه غروره وحقده وبطشه وعنصريّته وتعصّبه الدينيّ القميء إلى غرز الخنجر في بطن ولده… فيفغرُ محي الدين فاهُ لشدّة هول الصّدمة التي لا تُصدّق و لا تُطاقُ.. فهل يُعقل لأبٍ أن يقتل ابنه لكونه يُحبُّ فتاة هندوسية ولكونه شيوعيّ طيب مُسالم ويتّهمه بالكفر والإلحاد؟ ، لا بل يقوم بعد طعنه بالخنجر بركله ركلة قوية تنمُّ عن الحقد
والضغينة والدفاع عن المصالح التي هي أغلى و أثمن من ولده. هذا الإقطاعيّ أراد الدّفاع عن دينه ومصالحه عن طريق قتل ابنه لكي يستمرّ في استغلال الناس و في الجريمة و قتل الآخرين. يدخل محي الدين المستشفى على إعتباره ميتا لكن الأقدار الهندية والصدفة و براعة الطبيب هي التي استطاعت أن تُنقذه.الطعنة كانت طعنة موت مع سبق الإصرار لكن الشيوعيّين عجيب و غريب أمرهم .. بسبعة أرواح .. ينقذه القدر والربّ الذي هو على خلافٍ معه، لأنّ الربّ لا يمكنّ أن يكون مع القاتلين أمثال هذا الأب الذي يقتلُ ولده بدمٍ بارد وبهذه الطريقة البشعة.
محي الدين ينجو من موت مُحقّق بينما الأبُ لم يحاكمه أحد لمنصبه الكبير ومركزه الدينيّ في بلد لا زال حتى اليوم تحكمه الإمارة والقبيلة ،لكنّه يذهب إلى المحكمة ويطلبُ محاكمته كي يُؤكّد على جريمته التي يتفاخرُ بها باعتباره تخلّص من كافرٍ يستحقّ القتل وليس ابنه الذي عاش في كنفه وحَملته زوجته تسعة أشهر في بطنها وهو المُثقّفُ والمتعلّم لا المجرمُ ولا البلطجيّ ولا الفاشلُ في الحياة ، ليس له جريرة سوى أنّه شيوعيّ مُسلم عشق فتاة هندوسية ، جريمته هي الحبّ فقط. والدة محي الدين تترك زوجها القاتل الذي
تسبّب في ثكلها وحزنها وألمها وتأخذ محي الدين معها لكي يعيشا سوية ويتركا الأب القاتل وحيدا لايتأسى من فعل جريمته الشنعاء .
وفي المحاكمة التي يشهدها جميع أهالي موكام ، يصدرُ القاضي أمرا بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار لوالد محي الدين . لكنّ المحكمة تتفاجأ بإعتراف محي الدين الماثل أمامها وهو يُسقطُ التّهمة الموجّهة لأبيه الماثل في قفص الاتّهام ويقول بأنّ الأب لم يطعنه بالخنجر بل هو الذي سقط على جذع شجرة حادّة النّصل وحصل الذي حصل . وبهذا ينذهلُ الحضور والقاضي وكلّ فرقة المحكمة المتّفقة على إدانة والد محي الدين ، وينذهل الأب ويكاد لايصدق كيف لولده الذي تلقّى منه طعنة الخنجر أن يكون بكلّ هذه الرّحمة والعطف والحنان وهو الولد العاق بنظره والكافر والشيوعيّ المُلحد ،كيف تعلّم هذا الولد كلّ هذه الأخلاق والرحمة وهو الذي لم يعترف بكل ماتقوله الأديان المقيته بينما هو الرّجل المسلم والمؤمن بتعاليم الله أن يسوقه ضميره لأن يقتل فلذة كبده بهذه الطريقة البشعة ؟ تفاجأ الأبُ كيف استطاع الربّ أن يقنعه بقتل إبنه الذي أنجبه من ضلعه وربّاه وسهر الليالي عليه وأنفق المال الكثير في تربيّته ، كيف لأبٍ مُؤمن أن يكون بكلّ هذه القسوة وعدم الرّحمة وكيف لولد صغير ملحد
يحمل كلّ هذا الحبّ بداخله لأبيه وأهله وناسه وشعبه. يُذهل الأب وسط إدلاء القاضي ببراءة الأب من التّهمة المُوجّهة إليه ويأمرُ بإخلاء سبيله .
يخرجُ الأبُ من المحكمة وهو ينظرُ إلى وجه ابنه فيلقاه باسما سموحا غافرا، راحما ،معتذرا ومطيعا لا يستطيع أن يكون ولداً عاقّا بل كان على طريقة ( ولا تقل لهما أفّ و لا تنهرهُما) ، يخرج الأب وسط ذهول المحكمة و من فيها من هذا الإبن المقدام الشجاع والبار الذي غفر لأبيه فعلته الشنيعة والشاذة ، إذ لم نسمع إلاّ قليلاً أنّ والدا يقتل إبنه حتى وإن كان الوالد مريضا نفسياً أو مجرما شاذا. ينذهل الوالد الديني الورع المؤمن بالله ورسوله ويتيقّن من أنّه كان يكلّم ولده بلغة النّسور والأسود بينما ولده الشيوعيّ كان يكلّمه بلغة الحمام .
يخرج الوالد من المحكمة مطعونا متأسّفا حزينا مخذولاً جبانا حقيرا وضئيلاً ومكروها من الجميع ، يخرج ويمرّ على زوجته في بيتها طالبا منها الرّجوع إليه هي وابنها محي الدين كي يسكنا معه من جديد . يذهب الوالد للبيت متوجّعا مخنوقا و ينطرح لكي ينام على أنغام أغنية جميلة ( نامي يا أميرتي … نامي جيدا .. أنا أكرّسُ نفسي من أجلك ) ويغمضُ عينيه.
(فقط من أجلي امرأة واحدة خُلقت على أرض موكام ) ….( أنا الشّيوعيّ المسلم.. محي الدين.. قتلني أبي الشّيخ الدينيّ الورع بطعنةِ سكّين ، لأنّني أحببتُ الهندوسية.. كانشانا.. حتّى الموت).
الشيوعيّ في الحبّ لا يعرفُ الأديان ، يستطيعُ أن يُحبّ المرأة اليافلية والطاوية و الويكا جنية و الستيانية والشامانية والهيسبانية و المانوية والسيخية و المغارية و كلّ امرأةٍ ضمن الديانات الطبيعية والتوحيدية والشرقية وأساطير الميثولوجيا القديمة، أو ما يُسمّى بديانات اليد اليسارية من بينها التنين الأحمر والشيطانية ،و حتى لو جاءت المرأةُ من كوكبٍ آخرٍ وليس لها دينُّ أو لغةُّ تذكر. ولذلك (محي الدين) الشيوعيّ الهنديّ المسلم استطاع أن يفني روحه ويتماهى في حبّه مع الهندوسية ( كانشانا) في فيلم ( محي الدين حقيقتك).
(محي الدين حقيقتك) فيلمٌ هنديّ من تأليف وإخراج ( آر. أس. فيمال) يتحدّثُ عن عائلة مُسلمة لديها ابن شيوعيّ ( محي الدين) قام بتمثيل الدّور الممثل الشاب (بريث سوكوماران) ومحي الدين هذا يقعُ في حبّ فتاة من عائلة هندوسية ( كانشانا) وهي الأخرى تُحبّه حبّا هنديّا عظيما مثّلت الدور الباسمة الحزينة ( بارافاتي) .
محي الدين شابّ رياضي يعمل في التنظيمات الشيوعية فيقوم بتوعية الناس عن فقر الهند وكثرة مجاعته، و لديه أباً إقطاعياُ قذرا تلطّخت يداهُ بالجريمة ولا يتوانى عن قتل أيّ شخص حتى لو كان ابنه وهذا ما حصل كما سنبيّنُ لاحقا.
الأبُ شيخُّ دينييٌّ ورعٌ غارقٌ في الدّين الإسلامي وتعاليمه حدّ الطائفية المقيتة التي تجعله يكره صديقه الهندوسي والد (كانشانا) نتيجة الانتماء الديني، فما أقبح الأديان حين تكون مُفرقّة للأحباب والأصدقاء والجيران، وقد مثّل دور أب (محي الدين ) الممثّل (ساي كومار) بلحيته الطويلة كرجلِ دينٍ منافقٍ ودجّال.
الفيلم يتناولُ الحبّ على طريقة النظرة والإبتسامة والموعد واللّقاءات الحميميّة الراقصة مع الغناء الهنديّ العذب بين تلك الأشجار والمروج الهندية الخلاّبة .
الفيلم يتناولُ الحبّ على طريقة الشّاب الذي يُحدّق من خلال النّوافذ ويقفُ عند الجدران مُتّكئاً مُنتظرا قدومها الفيروزيّ المُنعش وهي الجميلة بين زميلاتها وتتفوّقُ عليهنّ قدرة و بهاءاً و ألقاً، ثم الرّقصُ تحت المطر وركوب القطارات الهنديّة المُعبّرة عن الحياة الحقيقيّة في الهند ، ذلك البلد الذي يعجُّ بالسّكان
وأساطيره العجيبة الغريبة ، تلك القطارات التي يشتهرُ بها الهند بحيث لا يمكن أن نرى فيلما هنديّا يخلو منها ، كما المطر الغزير أيضا الذي يسبحُ به العُشاق الذين نراهم في أغلب الأفلام الهنديّة.
بعد أن يكتشف الشّيخ الإقطاعيّ المسلم والد محي الدين بعلاقة إبنه مع (كانشانا) يُحذّرهُ من هذه العلاقة التي تسيءُ لديانته الإسلامية التي تُحرّم الزّواج من الهندوسيّة الكافرة .
عائلة ( كانشانا) الهندوسيّة هي الأخرى تمنعُ ابنتها من التقرّب لمحي الدين بحكم التّقاليد أيضا التي تُحرّمُ زواج الهندوسية من المسلم وهكذا يظلّ الطرفان العاشقان في دوامة عصيبة تجعل حياتهما أقربُ إلى الجحيم ، ويظلّ الدّين سيفاً صارما بتّارا لكلّ من يخرج عن تعاليمه وأصوله.
تظلُّ كنشانا حبيسة البيت مُراقبة من قبل أبيها و أخيها الذي هو لاعب رياضة وصديق حبيبها ، وهكذا تستمرّ في حبسها عشرِ سنوات ، يتزوّجُ إخوتها و أخواتها جميعا وهي تظلّ سجينة بين أربعة جدران ، غريبٌ أمر الحبّ وأمر النّساء إذا ما عشقن وغريبٌ كذلك الرّجل إذا ما عشق. لكنّهما يستمرّان بتبادل
الرّسائل عن طريق الأطفال بدسّ ورقة في أيديهم أو عن طريق خادمة كانشانا أو بطرق أخرى حسب الحاجة والظّرف الذي يسمحُ .
محي الدين يطردهُ والده من البيت بعد اتّهامه بالكفر وتحريض الفقراء عليه وعلى أمثاله من الجشعين. حيث يقومُ بإلقاء خطبة على جمهوره أثناء الإنتخاب ويحثّهم على اختيار رمز المحراث والفلاح والإشتراكية مع رفعه لشعار(الحبّ هو جوهرُ جميع الأشكال في هذه الحياة)،(دعونا نُدمّر الأديان ونجعل الحبّ هو الذي يسودُ البشر) .
ثمّ يُقدّم محي الدين مسرحيّة متنقلة أثناء الإنتخابات تحت عنوان ( الضّوءُ يبحثُ عن المصباح) يقوم هو بتأليفها وتمثيلها وإخراجها… حيث يتناولُ قضيّة الحبّ و يتساءل عن أسئلة وجودية رائعة ( هل الحبّ أصدقُ من الدّين؟).
هذه الدّراما المسرحيّة عن الحبّ تستفزّ ( سيثو) أخ ( كانشانا) وهو الرّياضي وصديقُ محي الدين فيعتقدُ أنّ هذه المسرحيّة ترسمُ الحبّ بين محي الدين وبين أخته ، فيقومُ بمهاجمة محي الدين والإعتداء عليه، فيلقى ضربا مبرحا . ثم يقوم أخوها( سيثو) بمحاولة قتله بمسدّس لكن محي الدين يتغلّبُ عليه
وهذه هي الفنتازيا في أغلب الأفلام ، حيث نرى أنّ البطل هو روحُ الخير في الفيلم وهناك روح الشرّ التي تُحاول قتل الآخرين بذنب أو دون ذنب ، فيتغلّبُ محي الدين على سيثو ويُسيطر على المسدّس ويُصوّب نحو سيثو ، لكنّه الشيوعي المسالم والناشد للحرية والسلام والأمان لبلده ، فيدعه يذهب ويقول له: "أنت صديقي و لا يُمكنني أن أؤذيك"، ويهربُ سيثو هروب الجبناء الأشرار .
يلتقي محي الدين حبيبته كانشانا بصعوبة بالغة وسريّة تامّة ويقول لها ، كنت أعتقد لو كان العالم كلّه ضدنا لكنّ (سيثو) سوف يفهم ويقفُ بجانبنا لكنّني كنتُ مخطئا، فها هو حاول خداعي وقتلي بإستغلاله صداقتنا.
"إذا استطعت أنْ تَخدع إنسانا فهذا لا يَعني أنّه أحمَق ولكن يَعني أنّه وثق بك أكثر مَما تَستحقّ" (تشارلز بوكوفسكي) . فما هذه الطائفية وما هذا الدين الذي يُؤدّي بنشوب العداوة بين الأصدقاء حدّ الخداع ونصب الحيلة والفخاخ و القتل بعيارٍ ناريّ أو خنجر أو سكين .
كانشانا في هذه الأثناء وعلى مرور عشر سنوات يتقدّمُ لها الكثيرون لكنّها ترفضُ وأثناء مجيء أهل العريس ترتدي زيّ الأرملة وكأنّها كانت مُتزوجة من قبل لكي تطرد الضّيوف الذين جاءوا لخطبتها .
وأخيرا يُقرّران الهروب بعيدا عن مدينتهما ( موكام) فيلتقيّان ويرسمان الخطّة التي اتّفقا عليها للهروب وهذا اللّقاء يُصاحبُه كما في أغلب الأفلام الهندية الأغاني والموسيقى الراقصة وعذوبة الكلام والطبيعة الخلابة بمروجها الخضراء.
بعد إنتهاء لقائهما يرجع محي الدين وفي الطريق يقابلُ والده الذي كان ينضحُ حقدا وضغينة على ولده فيخبره محي الدين أنّه سوف يتزوجّها ويهرب بعيدا عن ظلمهم وقسوتهم ، لكن والده يقول له أنت ابن الشيطان .. وسوف لن نسمح لك بتدمير سمعة عائلتنا وديننا..فيدفعه غروره وحقده وبطشه وعنصريّته وتعصّبه الدينيّ القميء إلى غرز الخنجر في بطن ولده… فيفغرُ محي الدين فاهُ لشدّة هول الصّدمة التي لا تُصدّق و لا تُطاقُ.. فهل يُعقل لأبٍ أن يقتل ابنه لكونه يُحبُّ فتاة هندوسية ولكونه شيوعيّ طيب مُسالم ويتّهمه بالكفر والإلحاد؟ ، لا بل يقوم بعد طعنه بالخنجر بركله ركلة قوية تنمُّ عن الحقد
والضغينة والدفاع عن المصالح التي هي أغلى و أثمن من ولده. هذا الإقطاعيّ أراد الدّفاع عن دينه ومصالحه عن طريق قتل ابنه لكي يستمرّ في استغلال الناس و في الجريمة و قتل الآخرين. يدخل محي الدين المستشفى على إعتباره ميتا لكن الأقدار الهندية والصدفة و براعة الطبيب هي التي استطاعت أن تُنقذه.الطعنة كانت طعنة موت مع سبق الإصرار لكن الشيوعيّين عجيب و غريب أمرهم .. بسبعة أرواح .. ينقذه القدر والربّ الذي هو على خلافٍ معه، لأنّ الربّ لا يمكنّ أن يكون مع القاتلين أمثال هذا الأب الذي يقتلُ ولده بدمٍ بارد وبهذه الطريقة البشعة.
محي الدين ينجو من موت مُحقّق بينما الأبُ لم يحاكمه أحد لمنصبه الكبير ومركزه الدينيّ في بلد لا زال حتى اليوم تحكمه الإمارة والقبيلة ،لكنّه يذهب إلى المحكمة ويطلبُ محاكمته كي يُؤكّد على جريمته التي يتفاخرُ بها باعتباره تخلّص من كافرٍ يستحقّ القتل وليس ابنه الذي عاش في كنفه وحَملته زوجته تسعة أشهر في بطنها وهو المُثقّفُ والمتعلّم لا المجرمُ ولا البلطجيّ ولا الفاشلُ في الحياة ، ليس له جريرة سوى أنّه شيوعيّ مُسلم عشق فتاة هندوسية ، جريمته هي الحبّ فقط. والدة محي الدين تترك زوجها القاتل الذي
تسبّب في ثكلها وحزنها وألمها وتأخذ محي الدين معها لكي يعيشا سوية ويتركا الأب القاتل وحيدا لايتأسى من فعل جريمته الشنعاء .
وفي المحاكمة التي يشهدها جميع أهالي موكام ، يصدرُ القاضي أمرا بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار لوالد محي الدين . لكنّ المحكمة تتفاجأ بإعتراف محي الدين الماثل أمامها وهو يُسقطُ التّهمة الموجّهة لأبيه الماثل في قفص الاتّهام ويقول بأنّ الأب لم يطعنه بالخنجر بل هو الذي سقط على جذع شجرة حادّة النّصل وحصل الذي حصل . وبهذا ينذهلُ الحضور والقاضي وكلّ فرقة المحكمة المتّفقة على إدانة والد محي الدين ، وينذهل الأب ويكاد لايصدق كيف لولده الذي تلقّى منه طعنة الخنجر أن يكون بكلّ هذه الرّحمة والعطف والحنان وهو الولد العاق بنظره والكافر والشيوعيّ المُلحد ،كيف تعلّم هذا الولد كلّ هذه الأخلاق والرحمة وهو الذي لم يعترف بكل ماتقوله الأديان المقيته بينما هو الرّجل المسلم والمؤمن بتعاليم الله أن يسوقه ضميره لأن يقتل فلذة كبده بهذه الطريقة البشعة ؟ تفاجأ الأبُ كيف استطاع الربّ أن يقنعه بقتل إبنه الذي أنجبه من ضلعه وربّاه وسهر الليالي عليه وأنفق المال الكثير في تربيّته ، كيف لأبٍ مُؤمن أن يكون بكلّ هذه القسوة وعدم الرّحمة وكيف لولد صغير ملحد
يحمل كلّ هذا الحبّ بداخله لأبيه وأهله وناسه وشعبه. يُذهل الأب وسط إدلاء القاضي ببراءة الأب من التّهمة المُوجّهة إليه ويأمرُ بإخلاء سبيله .
يخرجُ الأبُ من المحكمة وهو ينظرُ إلى وجه ابنه فيلقاه باسما سموحا غافرا، راحما ،معتذرا ومطيعا لا يستطيع أن يكون ولداً عاقّا بل كان على طريقة ( ولا تقل لهما أفّ و لا تنهرهُما) ، يخرج الأب وسط ذهول المحكمة و من فيها من هذا الإبن المقدام الشجاع والبار الذي غفر لأبيه فعلته الشنيعة والشاذة ، إذ لم نسمع إلاّ قليلاً أنّ والدا يقتل إبنه حتى وإن كان الوالد مريضا نفسياً أو مجرما شاذا. ينذهل الوالد الديني الورع المؤمن بالله ورسوله ويتيقّن من أنّه كان يكلّم ولده بلغة النّسور والأسود بينما ولده الشيوعيّ كان يكلّمه بلغة الحمام .
يخرج الوالد من المحكمة مطعونا متأسّفا حزينا مخذولاً جبانا حقيرا وضئيلاً ومكروها من الجميع ، يخرج ويمرّ على زوجته في بيتها طالبا منها الرّجوع إليه هي وابنها محي الدين كي يسكنا معه من جديد . يذهب الوالد للبيت متوجّعا مخنوقا و ينطرح لكي ينام على أنغام أغنية جميلة ( نامي يا أميرتي … نامي جيدا .. أنا أكرّسُ نفسي من أجلك ) ويغمضُ عينيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.