خرج رواد السينما تلك الليلة وهم يمتدحون الفيلم؛ الإخراج والموسيقي وفوقهما القدرات التمثيلية الهائلة للممثل الهندي شاروخ خان، والممثلة الهندية كاجول، والمواقف العديدة في أحداث الفيلم التي جسدت أرقي وأرق المشاعر الإنسانية بين الناس في أمريكا بغض النظر عن انتمائهم العرقي والديني أومن أي بلد جاء كل منهم، الفيلم هو (اسمي خان) للمخرج الهندي كاران جوهر. بطل الفيلم هندي مسلم ينتمي إلي عائلة فقيرة، ومصاب بداء التوحد، إذ إنه لا يستطيع التواصل مع الآخرين في المجتمع الهندي ، ويقوم بحركات غريبة بوجهه وجسده مع بعض الاهتمامات الأخري التي مكنته من امتهان إصلاح الأجهزة والسيارات، وتولت أمه تربيته وتلقينه مباديء الحياة وطقوس العبادة، علي أساس أنه مصاب بالتخلف العقلي، في الوقت نفسه الذي ربت فيه أخاه العاقل علي المبادئ ذاتها ولكن كان تقبله لها مختلفا عن خان المصاب بالتوحد كي تتضح لنا صورة مغايرة عن أخوين مسلمين، وذهب الأخ إلي أمريكا بعد حصوله علي منحة في إحدي جامعاتها. تدور أحداث الفيلم قبل وبعد ماحدث في الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا، وتناولت التغير الذي طرأ علي تعامل المجتمع الأمريكي مع المسلمين، فالنساء المحجبات يتعرضن للهجوم ونزع حجابهن ومنهن من اضطرت لخلعه، وبارت أسواق التجار المسلمين، وحتي الأطفال لم يسلموا من هجوم أقرانهم والاعتداء عليهم بالضرب والإهانة وحتي القتل. أحب بطل الفيلم المسلم سيدة هندوسية وابنها، وتزوجها وعاش ثلاثتهم حياة سعيدة ملأي بالحب برغم إصابة خان بالتوحد، وغيّرت الأم اسمها واسم ابنها وحملا اسم خان المسلم، وراح الولد ضحية للعنف العنصري حين ضربه مجموعة من الشباب لأنه يحمل اسم زوج أمه المسلم برغم أنه هندوسي، حزنت الأم والأب لموت سمير الطفل البريء، وقرر خان بناء علي رغبة زوجته التوجه إلي الرئيس الأمريكي كان بوش آنذاك ليقول له جملة واحدة : أنا اسمي خان ولست إرهابيا. وفي رحلته للقاء الرئيس الأمريكي تعرض خان للعديد من المواقف الصعبة من جهاز الأمن الأمريكي ومن غيره، وأقلعت الطائرة بدونه لاحتجازه في المطار للاشتباه في كونه إرهابيا، فاضطر لركوب الحافلة التي ساقته إلي إحدي القري الفقيرة في ولاية جورجيا حيث تعرف إلي أهلها السود المسيحيين وأحبهم وأحبوه، وفي أحد المساجد التقي بطبيب مسلم كان يحدث رفاقه عما يفعل الإسرائيليون بالفلسطينيين وما يفعله الجنود الأمريكيون من قتلهم المسلمين في العراق وأفغانستان، ويحثهم علي الجهاد في سبيل الله ومقاومة الظلم الواقع علي المسلمين في شتي بقاع الأرض، فأبلغ خان عنهم لأنه اعتقد أن ما ينوون فعله يخالف ما ربته عليه أمه من مبادئ التفريق بين الخير والشر، فاعتبرهم أشرارا، وقبضت عليهم أجهزة الأمن بتهمة التخطيط لاغتيال الرئيس الأمريكي، وكانت هذه إحدي المكرمات التي حسبت لخان وأدت إلي الإفراج عنه. وتتابعت أحداث الفيلم لتنتهي النهاية السعيدة بعودة زوجته إليه بعد أن عرفت قاتلي ابنها، ولقائهما الرئيس باراك أوباما، حيث أبلغه الرسالة أن اسمه خان وهو ليس إرهابيا. وفكرة الفيلم توضح بجلاء نوع الإسلام الذي يريده حكام أمريكا، وما يجب أن يتصف به الإنسان المسلم ليُقبل في المجتمع الأمريكي ويندمج فيه، فهم ينكرون أن الإسلام الذي ندين به دعا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ولايزال يدعو لما يطبقونه بالفعل من الديمقراطية، وقبول الآخرين، وحرية الاعتقاد، والتواد والتراحم بين كل أفراد المجتمع بغض النظر عن دينهم أو لون بشرتهم أو انتمائهم العرقي، وهو ما تطبقه المجتمعات الأمريكية والأوربية المتقدمة دون أن يعترفوا أنه هو الإسلام بعينه، فقيم الديمقراطية والحرية والمساواة والتكافل الاجتماعي هي قيم إسلامية أصيلة. أما الإنسان المسلم فهم يريدونه أن يكون كالمصاب بالتوحد، محدود التفكير، أي يأتي من بلده مهاجرا إلي أمريكا وليس في رأسه من معتقدات دينه إلا ما يمكنه من التعامل مع المجتمع الأمريكي، وهذا مكمن ذكاء مؤلف قصة (اسمي خان)، فلم يقترح أن يكون المسلم معتوها أو مختل العقل؛ بل جعله مصابا بالتوحد، وهو بالضبط ما يريده المجتمع الأمريكي، أما الطبيب الذي كان يتحدث في قضايا المسلمين فقد وصم هو وصحبه بالإرهاب، فهو يمثل ما لا يريده ذلك المجتمع، ولا يرغب في وجوده، لأنه ببساطة. قادر علي التفكير.. إن كل من تسول له نفسه التفكير في قضايا المسلمين تكال له الاتهامات بشتي أنواعها لكي يرعوي ويعود إلي صوابه ويكف عن التفكير فيما يقلق إسرائيل وحليفتها أمريكا ويقض منامهما. الحقيقة أن الفيلم قد استدر مشاعرنا جميعا كمشاهدين ولكن فكرته هي نقع السم في العسل، لنتناوله نحن مرغمين، فنقتنع بمرآي العسل وطعمه كونهما يمثلان تفتح المجتمع الأمريكي وقبوله للآخرين علي اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم وأجناسهم، أما السم فهو الفكرة المتوارية خلف الأحداث عن صورة المسلم المقبول في المجتمع الأمريكي، وهي فكرة مشكوك فيها، فقد قتل الطفل الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر بيد من يمثلون المستقبل، وكان جُل خطيئته أنه يحمل اسما مسلما.والله من وراء القصد.