مادونا عسكر/ لبنان – النّصّ: يناوشني اللّيل: "في قلبي لكِ كلمة" يهمس في أذني الشّعر: "حان أوانُ الغزل" أختلسُ غفلةً من زمنٍ هجيع وأفرُّ إلى سجدة! (فريدة بن رمضان) – لا يكون الشّعر شعراً إلّا إذا كان دعوة للاكتشاف والتّوغّل في هيكليّة الحسّ الإنسانيّ وانصهاراً بعوالم الجمال غير المدرك بالعين المجرّدة، وإنّما بالعين الثّالثة، عين البصيرة المنفتحة على الإلهام. وإن ارتعش القارئ واعترته الدّهشة أمام نصّ شعريّ واستعان بالصّمت للتّعبير عن معاينة الجمال، فكأنّه يقرّ أنّ للشّاعر سلطة على تجسيد الجمال في كلمة، من جهة. ومن جهة أخرى يحيا الشّاعر تجربة الجمال مفهوماً تجريديّاً يعلو فوق المادّة والحواس. ينازل اللّيل شاعرتنا، ويغريها أو يغويها بكلمة، إلّا أنّها تترفّع وترتقي إلى ما هو أعظم من كلمة اللّيل، كلمة الشّعر. لعلّ الشّاعرة أرادت اللّيل رمزاً للتّأمّل والخلوة مع الذّات، أسندت إليه البوح (في قلبي لكِ كلمة)، ثمّ حوّلت إصغاءها إلى كلمة الشّعر، لتنتقل من الأرض إلى السّماء. وبهذا تتدرّج الحالة التّأمّليّة تصاعديّاً لتبلغ العلوّ. بين اللّيل والشّاعرة كلمة، فإن قبلتها بقيت عند مستوى الحالة الأرضيّة. وبينها وبين الشّعر كلمة/ خطوة، فارتأت التّأمّل وما بعده الّذي سيقودها إلى الخضوع للشّعر (يهمس في أذني الشّعر: "حان أوانُ الغزل")، لتستحيل الشّاعرة صاحبة القرار، القادرة على تحويل مسار الكلمة. (أختلسُ غفلةً/ من زمن هجيع). ويأتي الخضوع هنا في إطار الإصغاء، لا الاستسلام غير الإرادي لقوةّ خارجيّة. فيتّخذ معنى الانتماء للحالة الّتي أرادتها الشّاعرة ذروة الشّعر، أي الالتحام بالعالم الإلهيّ. (وأفرُّ إلى سجدة). إنّها قدرة الشّاعرة على التّسلّط على الزّمن، تنتزع منه اللّحظة لترتفع إلى عالم الإلهيّات. وإن دلّت السّجدة على أمر، فهي تعلن انخطاف الشّاعرة الإراديّ الحرّ إلى الله، ما يشير إليه الفعل (أفرُّ). وهنا يتضّح للقارئ معالم الكون الّذي تنتمي إليه الشّاعرة، عالم الشّعر، الدّرب إلى العالم العلويّ. منه تنطلق وإليه تصبو، تتفلّت من الزّمن لتحيا اللّحظة الحاضرة المتحرّرة في حضرة الشّعر. كثّفت الشّاعرة الصّورة الشّعريّة راسمة إيّاها في إطار ذاتيّ، كشف عن خفايا عمقها، أو بمعنى أصحّ عن الحالة الّتي تسيطر على الشّاعر قبل الكتابة وبعدها. فالشّاعرة انطلقت من الأرض إلى السّماء فكريّاً وروحيّاً، كتَبتها القصيدة وهي في حالة سجود.