تراجع سعر الذهب في مصر بقيمة 30 جنيهاً    رئيس الوزراء يؤكد التزام الحكومة بدعم استثمارات «شل» ودفع مستحقات الشركاء الأجانب    الرئيس السيسي يوجه نداءً عالمياً لإنهاء الحرب في غزة    عضو بالكنيست الإسرائيلي يدعو إلى احتلال كامل قطاع غزة    المجر تصفه بالسيئ.. اتفاق تجاري أوروبي أمريكي تنتقده بعض دول التكتل    فرنسا: مصرع 3 أشخاص وفقدان شخصين جراء حريق بدار إيواء أصحاب قدرات خاصة    الصحة: زيادة ملحوظة في أعداد الأطباء المتقدمين لبرامج الدراسات العليا    نصائح مهمة من "الصحة" لتجنب الإجهاد وضربات الشمس في الموجة الحارة    «الأعلى للإعلام» يُلزم 3 مواقع بسداد غرامات مالية بسبب مخالفة «الضوابط والمعايير والأكواد»    السيسي يوجه بتعزيز قدرات الأئمة وتأهيل كوادر متميزة قادرة على مواجهة التحديات    توجيهات رئاسية بمواصلة التنسيق مع الجهات المعنية لتعزيز قدرات الأئمة وتأهيل الكوادر    موسكو تبدأ رحلات مباشرة إلى كوريا الشمالية وسط تراجع الخيارات أمام السياح الروس    النائبة نجلاء العسيلي: مصر درع فلسطين الإنساني والسياسي.. والرئيس السيسي يقود ملحمة تاريخية لدعم غزة    موعد إعلان النصر السعودي عن صفقة جواو فيليكس    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    ضبط 593 مخالفة تموينية فى سوهاج خلال أسبوع ومصادرة سلع مجهولة المصدر    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    خريطة معامل تنسيق المرحلة الأولى الإلكتروني بالجامعات 2025    كمال حسنين: كلمة الرئيس السيسى كانت "كشف حقائق" ومصر أكبر داعم لفلسطين    لأول مرة في تاريخها.. الشبكة الكهربائية الموحدة تسجل أعلى حمل في مصر بقدرة 39،400 ميجاوات    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    بعد تخطيها 2 مليون مشاهدة.. شمس الكويتية تكشف كواليس أغنيتها الجديدة "طز"    بدء تنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات على مناطق في جنوب وشمال قطاع غزة    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    تفاصيل حسابات التوفير من بنك القاهرة.. مزايا تأمينية وعوائد مجزية بالجنيه والدولار    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    غانا تسجل أول حالة وفاة بفيروس جدري القردة    لعلاج مشاكل الحموضة وصحة الأمعاء.. اتبع هذه النصائح    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    أوقاف شمال سيناء تشارك في ندوة توعوية بعنوان: "معًا بالوعي نحميها"    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    فرقة الآلات الشعبية وكورال السويس يتألقان في رابع أيام "صيف السويس"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    توفير السيولة وخلق كوادر شابة مفتاح نهوض شركات المقاولات التابعة للقابضة للتشييد    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    حصيلة حادث المنيا ترتفع.. وفاة أحد مرافقي مدير أمن الوادي الجديد (صور)    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    ثروت سويلم: ضوابط صارمة لتجنب الهتافات المسيئة أو كسر الكراسي في الإستادات (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجسر – قصة قصيرة
نشر في شموس يوم 10 - 01 - 2017

كان يبني جسورًا من الثقة بيني وبينه. في كل يوم كان يثبت لي أنه رجلٌ لم يُصب بسعار الخيانة، لم يعرف الخداع والمراوغة طريقًا له، لم يطرق الكذب يومًا باب عقله.
لم يخطر في بالي الغدر، لم تنتابني قط نوبات شكٍ أو غيرة عمياء أو مُبصرة. كأنه يحمل في دمه مصلاً ضد أمراض الرجولة، الأزلية منها والحديثة. لا يبالي إن كنت امرأة كاملة أو نصف كاملة، إن كنت أشبه في الجمال بطلاته المفضلات أو أتمتع بشىء من جينات سلالاتهم.
كانت الجسور تقوى وترتفع، تمتد بين مدينتين لا يصل شىءٌ بينهما سوى تلك الجسور.
خانني الحب وضعف وخارت قواه أمام هذا الشعور الذي ينبعث من داخل النفس، ولا يفرضه طرف على طرف آخر.
أشياء لا تُشترى ولا تُبتز بها.
ظلت الجسور معلقة نراقبها معًا كل يوم. ظننت أنها لا يمكن أن تُقهر. لا يمكن أن تتصدع أو تنهار.
نسيت أنها لم تُختبر بعد، لم تطأ عليها قدم. لم يمر بها الناس يحملون الورود ولا عشاق يعلقون عليها أقفال الحب ويلقون بمفاتيحها بعيدًا؛ كي لا يتفرقوا أبدًا.
ضمانة أغفلتني الحذر، خدرت إحساسي ضد أي هزات وزلازل أنثوية.
كنت أستمتع وهو يخلع علي عتبات قلبي نزواته واحدة بعد الأخرى دون خجل. يسرد أمامي كبواته وسقطاته، وجسور الثقة تمتد بيني وبينه.
وبعد ما كان وبعد أن سقطت في قارورة العسل، أتزود منها بجرعات من حب وثقة، صممت أذناي عن أصوات الخطوات على هذا الجسر وقرعها على ألواحها الخشبية.
كانت السعادة حولي في كل مكان تلاحق خطواتي كالسماء من فوقي، أتنفسها كأنها لي وحدي لا يشاركني فيها أحد.
لا أخاف الصديقات المقربات أو البعيدات، أو حتي الغريبات.
كم كنت أستمع لأحاديث الخيانة. لحظات التنافر الجسدي والتي ما من نشوة خُلقت، يمكنها أن تُشعل رغبة الذوبان في جسد آخر، وأشعر بزهوٍ أنني أمتلك رجلاً حقيقيًا يحمل من صفات تلك الكلمة أخلاقًا تفتقر أحاديث الأخريات مفرداتها.
لكن… خانته نظراته، وطاردته كبواته، ولاحقه ماضيه الذي لم يُشفَ منه تمامًا. وظهرت أعراض انسحابه بكل شراسة.
لم أكن أعلم أنه تخلى عن ماضيه ونزواته السابقة، لكنه لم يتخلَ عن عاداته في اقتناء اكثر من إمرآة. وأن النساء بالنسبة له كزجاجات العِطر لكل واحدة وقتها وموسمها ومكانها المناسب.
مفاجأتي كانت من نفسي أكثر منه، لم أتخيل أن أكون إمرآة غبية ومخدوعة، لا تعرف عن حبيبها أكثر مما يقول، وأن تأتينِ شهادة غبائي الأنثوية من صديقاتي. لا أبالغ إذا قُلت أن يوم بعد يوم كنت أسمع عنه حديثًا ورواية؛ يوم أسمع ويوم أخر استوعب ما قيل لي واستعد لسماع الجديد.
حاولت أن ابرر تِلك الأمور بحجَج هشة، خُورٌّ. لكن لم كل هذا لم يجعلني مُنَعمة البال وهادئة.
حاولت أن أمد بمحازاة جسور الماضي جسورًا أخرى من الإنكار والتغافل والتسامح، لكنها لم تستطع أن تصل بيني وبينه، لم تهدِني إليه. لم تمنع الغريبات من حمل أنوثتهم وغرائزهم، من التجول في المدنية التي أهداني إياها يومًا ما، والعبث بمعالمها وطرقها التي ظننت يومًا أنها لي، خُلقت لي.
الغيرة كانت تأكلني وتلتهمني، كما تلتهم النار الورق. ولم يبقَ منها سوى رمادٍ يتطاير أمام عيني في كل مكان. فأبكي وأبكي، عَلَني أطهر عيني منها.
كيف تكون المرأة عادلة وهي تدين الرجل بالخيانة؟ هل قلبها؟ إحساسها؟ أم عقلها؟ أم بنظراتها التي تتوه في مغارات عينيه وتبحث عن بر الأمان وهي تدور في دوامات نظراته غير المألوفة، التي تحكي أكثر بكثير مما قد يحكيه لسانه…
ماذا إذًا عن الحب؟! ألم يكن ذات يومٍ هو السبب في أن تتجرد من ملابسها وتكتفي بذراعيه غطاءً؟ كيف إذًا في ميثاق الحب أن يتركها دون غطاء ويبحث عن أخريات تلتف حول أجسادهن ذراعاه ويتركها تواجه صقيع المشاعر بلا غطاء؟
أين أنت من كل هذا أيها العقل؟! ألم تكن أنت حارس القلب الشخصي؟! ألا يحتاج الحب بعض المنطق؟! إذا لم يكن في البداية مجردًا من المنطق.
نعم! حقا! في كل الأحيان نحتاج للعقل، فهو السلاح ودليل الخيانة والألم. هو البرهان الذي يعزز الإحساس. ومن هنا يأتي القرار.
لا قرار دون عقل ولا إحساس دون قلب، لابد أن يتشاركا حتي لا يأتي يومٌ ويتنازعا بكل ضراوة ويلقي كل منهم العتب على الآخر.
وفي لحظة صدق، لحظة حقيقة، واجهت الجسر. قررت اختباره، أن أعبر من خلاله إليه. وحلمت به يقف على طرفه الآخر يفتح ذراعيه بكل شوق، بفيض من الحب. تعانقني عيناه قبل أن أقترب منه.
خطوت أول خطوة، والثانية والثالثة، خطوات صغيرة مرتعشة. بدأت الألواح الخشبية تهتز تحت أقدامي تتراقص. تختل. خطواتي تتعثر. طيور البحر تحوم فوقي، تأتي وتذهب. تشرد من أسرابها، وكأنها تنبهني. تحذرني. تذكرني. إن سقطت لا يمكنني أن أطير مثلهم.
فجأة، وقبل أن أرى كم كانت الحبال ضعيفة وواهنة، بدأت أوصالها تتقطع. تمسكت بكل قوة بالخيوط الرفيعة المتبقية، أحاول بكل جهد أن أصل الطرفين بعضهم ببعض. أصوات الطيور تعلو. والأمواج المتلاطمة تعتلج. الهاوية سحيقة.
كيف سأصل إليه؟ هل سيتبقى مني شىءٌ؟ هل أعود من حيث أتيت؟ أم أكرر المحاولة؟
لكن، أنا لا أريد أن أسقط. أريد أن أنجو بنفسي. أن أعود لنفسي، أُطهر ثوبي الأبيض من دنس خيانته، ولا أسمح لها أن تلطخني بالاستسلام.
حطمت الجسر. تعلقت بطرفه غير المُعتم النظيف. تمسكت به جيدًا. تأرجحت يمينًا ويسارًا ليحملني سالمة أو مدنفة ومعتلة، لذاتي، لروحي الضائعة في الطرف الآخر، حتي وإن تحطمت أظافري وأنا أتشبث بالجدار. وتألمت ساقاي وأنا أحاول الصعود بقوة وإصرار لأصل إلى مكاني، إلى بر أماني، إلى صفاء روحي ونقاء سريرتي.
إنه الجسر الذي بناه وحطمته بنفسي قبل أن يتحطم ويلقي بي في حفرة غامضة ليس لها قرار، لا نجاة منها ولا ملاذ فيها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.