ابتدأ الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور أنس عطية الفقي خطبة الجمعة التي ألقاها من فوق منبر مسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر 9 ديسمبر 2016م بالقول: في شهر ربيع الأول الذي ولد فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نتذكر جميعاً قول القائل: ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء الروح والملأ الملائك حوله *** للدين والدنيا به بشرا والعرش يزهو والحظيرة تزدهي *** والمنتهى والسدرة العصماء يوم يتيه على الزمان صباحه *** ومساؤه بمحمد وضاء فاللهم صلي وسلم وبارك عليه، فميلاده كان ميلاد الهدى والرحمة والبركة. وأشار د. أنس الفقي إلى أن الله اصطفى عبده محمداً ليكون رحمة للعالمين، وجعله منّا وفينا (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) التوبة: 128 129. يشعر بنا، وتُعرض عليه صلاتنا عليه، والعلاقة لم تنقطع برسول الله صلى الله عليه وسلم.. نقول في كل صلاة في جلسة التشهد والتحيّات: "السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين..". ولقد نظم القاضي أبو بكر ابن شبرين: ألا يا محب المصطفى زد صبابة *** وضمخ لسان الذكر منك بطيبه ولا تعبأن بالمبطلين فإنما *** علامة حب الله حب حبيبه وقال الشيخ الرئيس أبو الحسن ابن الجياب: فمن يعمر الأوقات طرا بذكره *** فليس نصيب في الهدى كنصيبه ومن كان عنه معرضا طول ذكره *** فكيف يرجيه شفيع ذنوبه وناداه جبريل الأمين عليه السلام وقال له: الحق يُقرئك السلام ويقول لك يا محمد إن شئت أن يجعل لك امر أمتك لفعل، قال: لا يا جبريل مولاي أرحم بأمتي مني.. فقال له الله على لسان جبريل: إذن فلن يخزيك الله فيهم ابداً. وأضاف الداعية الدكتور أنس عطية الفقي: في قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله)، أي بالقدوة والصلاح والصالحين، لذلك نقول في "التحيات" مثنين بالسلام عليه: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين). والاقتداء برسول الله يكون في الأقوال والأفعال والأحوال، قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". ولن ترث حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا معيته إلا بالحب الصادق، وقد جاءه الرجل يقول له: يا رسول الله ما بال الرجل يُحب القوم ولمّا يلحق بهم؟ فقال له رسول الله: يُحشر المرء مع من أحب. ذلك أن المحبة قطب تدور عليه الخيرات، ومحلها داخل القلب، والقلب المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن بكل ما جاء به ويُصّدق، ويحاول الاقتراب من الإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم فيتأسى به ويرضى برضاه ويسخط بسخطه. ومن هنا جاء الأمر بالصلاة والسلام عليه، لأن صلاتنا عليه هي سبيل الوصول إلى محبته ونيل بركته، قال تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". وهل يحتاج رسول الله منا الدعاء والصلاة وقد أغناه الله وأرضاه ومدحه وزكاه؟ إنه صلى الله عليه وسلم ليس في حاجة إلى دعائنا، ولكن صلاتنا عليه هي التي ترفع درجاتنا عند الله، والدرجات والرفعة عند الله لا تنقضي، قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليّ واحدة صلى الله بها عليه عشراً". والصلاة على رسول الله من الأعمال المقبولة التي لا ترد على صاحبها لأنها يتحقق فيها الإخلاص والدعاء بظهر الغيب فهو حريّ بالإستجابة، ولذلك كان من المستحب أن تبدأ دُعاءك بالصلاة على رسول الله وتختمه بالصلاة على رسول الله والله أكرم أن يرد دعاءً بين صلاتين مقبولتين بإذن الله. وباب الدخول على الله هو باب محبة رسول الله، وما وصل وليّ من الأولياء إلا من باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وراودته الجبال الشّمّ من ذهب *** عن نفسه فأراها أيّما شمم والمحبة تستلزم الطاعة، وإنها لطاعة محبة، وطاعة المحبة ليست في حاجة إلى قهر، وكما ورد في الحديث: "نعم العبد صهيب لو لم يخش الله لم يعصه". ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار". ولنعلم أن صحبة الصالحين تقّرب العبد من مولاه، ولذلك قال أنس: "ما نفضنا أيدينا من تراب رسول الله حتى شعرنا بالنقص في قلوبنا". هكذا تكون بركة صحبة رسول الله ومحبته، أما من يكرهه والعياذ بالله فإن الله يبتره ويجعله نسياً منسيا، مصداقاً لقوله تعالى: "إن شانئك هو الأبتر".