ايها الناس فلتعلموا ان هذه القرصة كلفتني الف دينار" .. الشدة المستنصرية.. .. من أشهر المجاعات التي تعرضت لها مصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف ، و قد حدثت هذه الفاجعة أيام الخليفة المستنصر الفاطمي الذي حكم مصر حوالي ستين عاماً (1035 – 1094 م). و سميت الشدة المستنصرية و استمرت حوالي سبعة أعوام . يقول المؤرخون عن الشدة المستنصرية انها أشد المجاعات التي حدثت بمصر منذ أيام يوسف عليه السلام، فقد أكل الناس بعضهم بعضاً، و أكلوا الدواب و الكلاب، و قيل أن رغيف الخبز بيع بخمسين ديناراً و بيع الكلب بخمسة دنانير. كما روي أن الأحباش كانوا يتربصون بالنساء في الطرقات و يخطفوهن و يقتلوهن و يأكلوا لحمهن. و مما روي المؤرخون عن مدي القحط و المجاعة التي استبدت بالناس أن الخليفة المستنصر نفسه باع كل ما يملك في القصر، حتي بيع من المتاع ثمانون ألف ثوب، و عشرون ألف درع، و عشرون ألف سيف محلي، حتي الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان. و لم يبق له إلا حصيرة يجلس عليها و بغلة يركبها و غلام واحد يخدمه. و يتحدث المقريزي عن تلك الفترة البائسة و يروي هذه الحادثة : " كان هناك سيدة غنية من نساء القاهرة، ألمها صياح أطفالها الصغار وهم يبكون من الجوع فلجأت إلى شكمجية حليها وأخذت تقلب ما فيها من مجوهرات ومصوغات ثم تتحسر لأنها تمتلك ثروة طائلة ولا تستطيع شراء رغيف واحد .اختارت السيده عقداً ثميناً من اللؤلؤ تزيد قيمته على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة والفسطاط فلا تجد من يشتريه. وأخيراً استطاعت أن تقنع أحد التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق, واستأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس إلى بيتها، ولكن لم تكد تخطو بضع خطوات حتى هاجمتها جحافل الجياع، فاغتصبوا الدقيق، وعندئذ لم تجد مفراً من أن تزاحمهم حتى اختطفت لنفسها حفنة من الدقيق وحزنت لما حدث من الجماهير الجائعة. عكفت السيده على عجن حفنة الدقيق وصنعت منها أقراصاً صغيرة وخبزتها ثم أخفتها فى طيات ثوبها وانطلقت إلى الشارع ووقفت على مصطبة ثم أخرجت قرصاً وصاحت : الجوع الجوع. الخبز الخبز : أيها الناس. فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار. يا أهل القاهرة .. إدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه ، وأعاد عليهم بركات حسن نظره ". و عندما رأي المستنصر ما آل إليه الحال من فساد و فتن و القحط و الجوع و هلاك الناس، و وجد نفسه وحيداً لا يملك من المال ما يصلح به الأحوال، و لا يجد من القوة ما يضرب بها علي يد المفسدين، عندما رأي ذلك، أرسل إلي والي عكا بدر الجمالي، و كان مشهوراً بالحزم و القسوة و حسن التدبير، يستنجد به، و وعده أن يوليه علي وزارة مصر إن هو قطع رؤوس الفتن و أعاد الأمن و الأمان. فجاء بدر الجمالي إلي مصر و معه جنده من الأرمن، و دخل القاهرة و نجح في وضع حد للفوضي و الجرائم و الفتن، فتخلص من كل رؤوس الفساد و الفتن في مذبحة الجمالية، و أعاد السيطرة علي الحكومة و أعاد سلطة القانون للبلاد، و صار لقبه أمير الجيوش بدر الجمالي، و إليه ينسب حي الجمالية بالقاهرة . حفظ الله مصرنا و وقانا شر الاهوال و المجاعات .