سيف الجزيري يقترب من الرحيل عن الزمالك    في مواجهة الرسوم الأمريكية.. رئيس وزراء الهند يدعو إلى "الاكتفاء الذاتي"    ليفربول وسيتي يسابقان الزمن.. 10 صفقات على وشك الحسم في الدوري الإنجليزي    الصفقة الخامسة.. ميلان يضم مدافع يونج بويز السويسري    أزمة سد النهضة وحرب غزة تتصدران رسائل الرئيس السيسي الأسبوعية    دعم محلي وخارجي يدفع الجنيه المصري لأعلى مستوى في 12 شهراً    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    الإسماعيلية تواصل تطوير البنية التحتية للطرق لخدمة المواطنين    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    بالإنفوجراف.. طريقة التقديم على الإسكان البديل عن الإيجارات القديمة    انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد المرابعين بكفر الشيخ    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات المفاجئة في باكستان والهند إلى أكثر من 200 قتيل    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    المتحدث العسري باسم القوات المسلحة يكشف الجهود المصرية في إدخال المساعدات إلى غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    محافظ المنيا يفتتح مسجد العبور ويؤدي صلاة الجمعة وسط الأهالي    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    القبض على تيك توكر جديدة لنشرها فيديوهات منافية للآداب العامة    برفقتهم 11 طفلا.. «مافيا التسول» في قبضة الأمن    متى تنتهي موجة الحر في مصر؟.. الأرصاد الجوية تجيب    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    مصرع شخص وإصابة 20 آخرون بحادث تصادم بطريق مطروح الإسكندرية    بدعم ومساندة وزير الثقافة.. مهرجان القلعة 33 على شاشة الحياة    سلاف فواخرجي تشيد ببيان فناني مصر ضد التصريحات بشأن ما يسمى إسرائيل الكبرى    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    الصور الاولى من كواليس فيلم سفاح التجمع ل أحمد الفيشاوي    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    رانيا فريد شوقي تحتفل بعيد ميلاد الفنانة هدى سلطان    تضم 17 مؤشرًا، الصحة تطلق منظومة متطورة لقياس الأداء وتعزيز جودة الخدمات    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    الكوكي: طوينا صفحة الطلائع.. ونحذر من الاسترخاء بعد الانتصارات    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    شريف العريان: نسير بخطوات ثابتة نحو قمة العالم استعدادًا لأولمبياد 2028    نجاح جراحة دقيقة لطفلة تعاني من العظام الزجاجية وكسر بالفخذ بسوهاج    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    8 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    فوائد البصل، يحارب العدوى والسرطان والفيروسات والشيخوخة    «الصبر والمثابرة».. مفتاح تحقيق الأحلام وتجاوز العقبات    سلطة المانجو والأفوكادو بصوص الليمون.. مزيج صيفي منعش وصحي    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    رئيس الأوبرا: نقل فعاليات مهرجان القلعة تليفزيونيا يبرز مكانته كأحد أهم المحافل الدولية    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    أجمل رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف مكتوبة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين.. «إجازه مولد النبي كام يوم؟»    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق/الدنمارك)
نشر في شموس يوم 03 - 10 - 2016


يحيى السماوي ، حين يرتدي ثوبَهُ المائي
قبل هذه القراءة كتبتُ أكثر من ستين صفحةٍ و لم أستطع أن أوفيّ الشّاعر حقه ، إنّه الشّاعر الذي يستحقّ التّمجيد في مناسبةٍ أو بدونها ، إنّه الشاعر يحيى السّماوي ، له خمسة و عشرين ديوانا حتى الآن ، و آخرها ( ثوب من الماء لجسد من الجمر ) الذي أنشد فيه الكثير من الغزليات التي تليق بالجنس اللطيف وعنصر الخصب منذ سيدوري وعشتار (إفروديت) حتى ليلى و بثينة و نزولا إلى أنثى الريل و حمد ، و نزولا إلى أبسط امرأة تمرّ في شوارع مُدننا العراقية أو مدن هذا العالم الفسيح . نحنُ أسرى حتما حين ندخل الأروقة السماوية بكل ما تحتويه من معمار شعري و هندسة
كلمات و شعشعة حروف و لغة تنتمي أساساً إلى أبيها المسمّى مدرّس اللغة العربية في إعدادية السماوة. شاعر يستأهل أن نقول عليه تلك المقولة التي قالها الجواهري ( كلّما حُدثتُ عن نجمٍ بدا حدثتني النفسُ أنْ ذاك أنا!) و عليه نقول من نياط قلوبنا أنّنا فرحون حين تمّ تكريمه بشاعر العمودية في محفلٍ كبير في أستراليا. شاعرُّ دائما ما يحتفى به في المحافل و المناسبات و آخرها في السماوة حيث غنّى لأبطال العراق الميامين و على رأسهم سلام عادل و حسن سريع . إنّه الشاعر الذي أعطى المرأة حقّها مثلما فعلها قبله شاعر العرب نزار قباني ، إنّه الشاعر الذي ارتدى ثوبه المائي ، كي يطفئ ما في شرارتها نتيجة الصبابة الحامية من حبها الذي وصل إلى الذروة ، أو نستطيع القول هو الشاعر الناري الذي يريد أن يطفئ ناره بثوبها المائي ، جدلية مترابطة رائعة يخلقها الشاعر و الفيلسوف في آن واحد . أو إنّه الشاعر الذي ارتدى (رداء زورو) كي يصلح ذات البين ، كي يُحقّق العدالة بسيف بصيرته و كلمته . إنّه الشاعر الحكيم الذي جاء كي يصلح الرتق الذي ينشرخ بين الأصدقاء في ظرفٍ قاسٍ فرضه الزمن الأغبر ، و هذه بالذات يتميّز بها الشّاعر الكبير يحيى ، لما له من حنكة و صبر عاليين سنُبيّنها لاحقا أدناه من هذه الدراسة المستفيضة بحقّ شاعرنا الأكبر يحيى و ما حصل له مع بعض الأصدقاء من سوء فهمٍ يتعلّق بالأدب حصرا . في هذه الدراسة سأُركّز على العلاقة الحميميّة التي تربط الشاعر يحيى بعنصر الخصب ، بآلهة الخصب ، و من ثمّ نتطرق إلى ما هو أحبُّ إلى قلب الشاعر و هو الوطن ثم الجانب الإنساني و الروابط و الأواصر التي تؤسّس إلى صنع علاقة متينة وفائية خالصة بين بني البشر . لنر ما قاله في شذرةٍ رائعة وهي من مئات الشذرات التي قالها بحق هذه الأنثى الرقيقة التي نشتهيها أيّما اشتهاء في حلنا و ترحالنا ، باعتبارها النصف الثاني الذي يُكمّل دورتنا في الحبّ، لنقرأ ما قاله بحقّها :
أنتِ لستِ شمساً … وأنا لستُ وردةَ عبّاد الشمس … فلماذا لا يتجهُ قلبي إلآ نحوكِ
وهل يُمكن لنا أن نُدير حركة اتجاه بندول الساعة أو التحكم في نبضاتها ، إنّها الحركة الآلية التي يتبعها الرجل اتجاه آلهة الخصب , مثل تلك الحركة لأعضاء الإخصاب لكلا الطرفين في بدايات الخلق حينما تمّ تعشيقهما لأول مرّة دون إدراك الطرفين ، و كيف تمّ إدراك التقبيل , أو التمسيد باليدين ، أو لثم نهديها الطريين ، و كيف تمّ الولوج في بوابة أفخاذها ، من علّم من ؟ . أسئلة لا نستطيع الإجابة عليها من عقولنا ، غير أنّنا ندرك ذلك في الخدر الذي يصيبنا كلما اقتربنا من أذيال ثيابهن المعطرة أو غير المعطرة . أسئلة طرحها الفلم الإيطالي الشهير للممثلة التي دوختنا في ذلك الزمن الرومانسي ( صوفيا لورين ) والممثل الوسيم مارشيللو ماستروياني و فلمهما الرائع ( زهرة عباد الشمس) , و الذي يتكلم عن مصائرنا و كيف ندير رؤوسنا مثلما تريد تلك المصائر، فلمُّ يحكي عن حبيبين في الحرب العالمية الثانية و كيف افترقا و ما بمستطاعهم أن يكونوا غير زهرة عباد التي تعشق الشمس ، لكن النثر هنا يختلف ، إذ لم يصيّر الشاعر يحيى نفسه كزهرة عباد و لا هي كالشمس ، فبمستطاعه أن يكون مثل ( فلورنتينو أريثا) الذي بلغ السبعين و لم يعشق غير ( فرمينيا داثا) في رائعة ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) , لم ينبض قلبه بسواها و لم يشف حتى ذاق عسيلتها في لُجّة البحر و في الباخرة المبحرة بهما لوحدهما ، و هما في عمر الشيخوخة ، ثمّ قال مرددا مع نفسه ( اليوم قد شفيت) . الشاعر يحيى ينقلنا إلى متاهات شهريار و كيف كانت الملوك تستطيب
معها كشهرزاد ، منذ ذلك الوقت السحيق ، و النساء هي الشغل الشاغل ، هي صانعة الرواية و الحكاية التي إذا ما بدأت لا تنتهي ، حتى نعاسنا و نومنا مرغمين متعبين ، لنستأنس أدناه بما قاله الشاعر يحيى الشهريار : لو لم تكوني شهرزادي أكنتُ سأعرف أني شهريارك؟ تمدّدي على عرشِ سريرك لأقصّ عليك باللثم حكاياتِ ألفِ قبلةٍ وقبلة والتفاحةِ الحلال التي أعادتني الى الجنة و ماذا يقصّ عليها بعدُ أكثر من ذلك ، لقد صيّر اللثم كلام ، و ربي هنا تكمنُ عبقرية الشاعر ، العبقرية معرفة فطرية لا يلجأ فيها العبقري إلى استخدام القواعد المشاعة ، لأنّها عكّاز يحتاج إليها الأعرج بالضرورة و هي عائق للسليم الجسم ، وقد ألقى بها هوميروس بعيدا . ماذا يقول لها حين تنام على الحرير ، مسترخية تماما في خدرها ، مشمّرة ساعدها الأيمن فوق حافة السرير الفردوسي الأبيض ، مائلة برقبتها بحياء تامّ و كأنها تريد أن تقول له ، كفاك يا شهريار من كلّ هذا التنويم المغناطيسي فأنا نمتُ مع الخدر الكلماتي الذي أسمعه منك . ( صحيحُّ من قال… أنّ المرأة تعشق بأذنها) ، ها هي تستمع إلى كل هذا الشّجن الشعري المسطّر و المضاف مع اللثم ، إنه يزفّ لها كلماته اللثمية و كأنه فراشة ملونة تريد أن تقضم بزغاب جلدها الناعم فنراها مُدغدغة تماما و لا يسعها سوى أن تقول يا شهرياري تصبح على ألف خير . يبقى الشاعر يحيى مشتتا لا يمكن له الاستقرار حتى يستنجد بشهدها ،
فيجعله حبرا لا ينتهي في مداده ، أو حتى يستطيب عصفوره في عشها الدافئ والرطيب ، لنر ّ هذه الروائع في السطور التالية من ( رذاذ) :
رذاذ ……. وحدُهُ مِدادُ محبرتِك يُغوي غزالَ قلمي بالركضِ في مراعي السطور * رجولتي أعلنتِ الإمساكَ عن المائدة حتى تفطرَ بخبز أنوثتك ! لا تخافي حرائقي … نيراني ناعمةٌ كندى زهرةِ اللوز ودخاني بخور ! * وحدُها حمامةُ أنوثتِك القادرةُ على تدجين صقر فحولتي ! * نخلتُكِ رسالتي وما من معجِزةٍ لي غيرُ جنوني … سأتسلّقها قُبلةً قُبلة ! *
بكِ صرتُ شعباً من العشاق في مملكتي الممتدةِ من عصفوري حتى عُشِّك !
الحياة على خافقها لا يمكن أن تستمر بدونها ، إنّها الرذاذ المتطاير من رضابها على عطشي كي لا تذبل شفاهي ، إنّها النار التي أحيا بها ، بل هي النار الوحيدة التي تكون بردا وسلاما على نبوءتي ، كي أكون رغيفا يحيا به كل من سار على طريق امرؤ القيس . منذ طقوس معبد إيزيس هناك فوق و هناك تحت و لكن الحداثة جعلت تبادل الأدوار بين الفوقية و التحتيه ، فأنا أهطل بفحولتي على كلّ رياض واديها كي تخصب . منذ أن تعوّد آدم أن يزرع المتسلقات فلابدّ له أن يناطح قلب النخيل بالتسلق ، أن يكون كناري الحبّ الذي يمضي باللحن مع كلّ نشوةٍ تسري في العروق أثناء التقبيل من مفرق الرأس حتى القدمين ، مع كلّ تأوهٍ وعرقٍ يتصبّب أثناء أداء المهمة الروحية التي ليس لها بداية أو نهاية ، تلك التي يتطلّب لها أن يدخل عصفورنا إلى عشها الرطيب كي تتمّ أجمل طقوس الحبّ التي تشهد التّنهيد و الحب العميق ، و هكذا نبني آمالنا تمهيدا للقاءٍ آخرٍ يجمعنا في الخفاء كي ندرك مدى السعادة التي سرعان ما تطير من جوانحنا على أملٍ أن تعود في المرة القادمة ، مثلما كان يفعلها تولستوي مع حبيبة عمره التي أنجبت له ثلاثة عشرة من الصبية و البنات ، حيث كانا في كلّ مرةٍ يلعبان لعبة الحبّ الخرافي ، لعبة القوقأة و دوران الديك ، ّ المملكة التولستوية الممتدة من حمائم آنا كارنينا حتى السلام الذي عشعش فوق قبره لغاية اليوم . تبقى المرأة بنظر الشاعر هي الجسد الجمر الثوب المائي الذي يطفئ تلك النار أو بالعكس ، حيث سطّر لنا الشاعر أجمل الألحان في آخرِ ديوانٍ له ( ثوب من الماء لجسدٍ من الجمر ) ، إذ نستشفّ من خلاله ، من أنّه منذ الأزل هناك متلازمتين ، نهدُّ لوزي و فمُّ يُلثمان ،
فبشفاه طفولتي أمتصّ ، و بفمّ صباي أصرخ و أخطّ على السطور بما لا ينضب ، مثلما قال الشاعر أدناه بصدد ذلك في نصّ (غواية ص65) من ديوانه الموسوم أعلاه :
ياملاكي اسمحي لي لحظةً واحدةَ أصبحُ شيطاناً لأحتالَ على ثغركِ في نصبِ شراكي فإزعلي منّي لأسترضيكِ باللثم وأستجديكِ كأساً من زفيرٍ و شميماً من شذاكِ الشاعر يحيى من النوع الذي يكنّ إحتراما عظيما للحبّ ، الحبّ المرادف في ما نعنيه للمرأة ، هي في صباحاته ، و لياليه ، هي المرسى ، هي الميلاد الجديد ،هي الملاك الذي تغنّى به المطرب الراحل ناظم الغزالي حين يصدح بصوته الرنان ( أي شئٍ بالعيد أهدي إليكِ يا ملاكي) ، فما أروع شاعرنا يحيى في بدايته الغنائية الرائعة في هذا النصّ الواضح غنجا و دلالا و ترافة لا يمكن أن توصف . لنبحر ما في ديوانه أعلاه من نص ( قاب فردوس لا أدنى) بما يتفّق و كلامنا هذا :
مادامَ زورقُ مقلتي في نهركِ الضوئي يرسو فالصبحُ
والليلُ عرسُ
المرأة بالنسبة للشاعر يحيى تعني الكثير و الكثير ، سواء في الصّبابة و الوجد ، أم في إنسانيتها و أمومتها ، بمستطاعه أن يجنّد نفسه لها لو أراد أن يُكرّس الروح البوحيّة لها و لها فقط على غرار نزار قباني فإنّه آهلُّ لها ، لكنه لديه المشروع الأكبر و هو حبّ الوطن الذي يعلى و لا يُعلى عليه . و مهما توقّف عنها في لحظة من الزمن ، يستدير استدارة كاملة لها ، لما فيها من العنصر الرئيسي لقلبهِ الشاعر ، لأنها مركز الاستقطاب المدادي في البوح كما يُبيّن لنا في هذه الفلقة الساحرة أدناه من نفس الديوان : إن يكن عقدكِ والأقراطُ والمنديلُ مني فأن دفء سريري ومدادي ورحيقُ اللذة البيضاءِ منكِ
العلاقة بين المرأة و الرجل على مرّ التأريخ هي علاقة أواصرية إنجابية لا يمكن لها الفكاك على الإطلاق ، و دائما هناك من يهبُ الهدايا و العطايا و هناك من يأخذ ، الرجل يعطي و يهبُ و هي التي تستأنس بهذه الهدايا و تحتفظ بها على مر التأريخ باعتبارها وسام حبٍّ بينها و بين الحبيب الفارس ، حتى لو كانت المرأة ملكة و الرجل ملك ، تبقى المعادلة هي ذاتها ، الملك يعطي وهي الملكة التي تفرح بعطاياه . عقدها و أساورها و خواتمها الفضية و الذهبية و كلّ ما يُعلّقُ في الأعناق من لؤلؤٍ و مرجان هي منه ، لكن بوحه و حرارة السرير الحريري يستمدّه منها و ينعم به بينها و في خضم أحضانها . هي هذه المعادلة التي لم تتغيّر أبدا ، هي الراسخة
في سماء الوجود و الأرض أينما حلّ الشاعر ، لنقرأ ما يقوله في هذه الشّذرات : أنا وطن أنت عاصمته ! …… سأقشرك مثل برتقالة لأحصي مسامات جسدك بالقبلات …….. حين قبلت عينيك جاءتني الفراشات تستجدي مني بقايا الكحل العالق بشفتي ! يمكن للمرء أيضا أن يجيب الشاعر فيقول ، أنا بيت و أنت غرفتي ، سأقطفك مثل تفاحة البساتين التي تكون لي وحدي , وحدي أنا من يلمسك ، و حين أقبّل شفتيك ، تجيئني النحلة تبحثُ عن بقايا الشهد العسلي .
يعطينا الشاعر يحيى الكثير من شواهده على احترامه للمرأة و حبه و هيامه بها ، إنه المدافع عنها في أحلك الظروف ، إنه يحبها على غرار الشاعر نزار قباني حين يقول (لم أحبكِ كشخص فقط ، بل أحببتكِ كوطن لا أريد الانتماء لغيره ) ، لا كما نسمع عنه في بعض البلدان التي تحتقر المرأة و تجعلها في المستويات المتدنية ، حيث نقرأ في كتاب مملكة غرف النوم لمحمد الباز والذي يتطرق إلى الانحراف الجنسي و الديني في بلاد العرب و بالأخص في السعودية ، و ما هي نظرتهم للمرأة فيقول : (طريق المرأة إلى الجنة وأنهارها وعسلها و فاكهتها الدانية ، يمرّ بالسرير و ينتهي بالسرير) .
(المرأة خطيئة تمشي على قدمين في السعودية .. من كتاب مملكة غرف النوم لمحمد الباز). و هناك الروائية السعودية الرائعة وردة عبد الملك التي تنقل لنا عن الأساليب التي يتم من خلالها استغلال المرأة و تخويفها كي تظلّ مطيعة في كلّ أوقاتها حتى لو كان الأمر على حسابها و مستقبل حياتها ، حيث تتطرّق الروائية إلى (سارة ) بطلة روايتها و في جانب من الحوارات حيث سارة تزهق من حياتها و زوجها الذي لا يحترمها ، فتأتيها أحدهنّ فتقول لها احترام الرجل بكل أفعاله السيئة هو الطريق إلى الجنة ،( فمن يحتمل النار يا سارة ) .. و بهذا تذعن سارة لهذه الأقاويل التي تُشكّل لها رعبا رهيبا لا يُطاق . أين نحن من ذاك فيما لو قرأنا للشاعر يحيى السماوي و مدى تبجيله للحبّ و للمرأة ، حتى يصف لنا صبره و احتماله للملمات بهذا الصّدد فيقول :
يا مُبْطِلاً حتى وُضُوئي: كُنْ لِحَصْدي موسِما فأعادَ وضعَ نِقابهِ كيداً… وقالَ مُتمْتِما: صبراً على عطشِ الهوى إنْ كنتَ حقاً مُغرَما فالماءُ أعذبُ ما يكونُ: إذا استبَدَّ بكَ الظما!
أنا أتذكر في أيام القادسية المغبرة ، كنا في أحلك ظروفها لا نرى غير أنفسنا و الآخرين من العساكر الذين لا يتغيرون على مرّ سنوات طويلة، أشهر نقضيها بدون رؤيا أيّ عباءة أنثى كي نشمّ عطرها ، أشهر و نحن مع التكثيف الجنسي بأمتياز ، أحيانا مشاهد النوم تحت البطانيات تثير السخرية. جنود نائمون و ما هم بنائمين .. بل تتحرّك أيديهم و هي تقبض على ذلك اللايكل المسكين الذي لم ير غير مقابض الأيدي المتسخة من
رمال الصحراء و الثكنات ، في خضم كلّ هذه المأساوية المعتمة .. كان لي صديق مهندس من الحلة كنا نسميه (حسن بلميطة) ..تسمية جنسية خالصة تتعلّق بخيارته . كان يقول من شدة ظمأه إلى زوجته ..حين يحصل على مكرمة الإجازة ، يقول أطرق الباب وأنا فاتحُّ أزرار بنطلوني الخاكي ، تظهر زوجتي ، أقبلها و تقبلني ، ومن الباب إلى خدرها ، حيث يتم ارواء عطشي ، هكذا هو صبر العراقي ، و هكذا هو الإرواء ولكن أيّ صبر ، إنه الجنون أو الخبل الذي يختلف عن الآخرين ، (عراقي هواه و ميزة فينا الهوى خبلُ/ يدب العشق فينا في المهود/ و تبدأُ الرسلُ) و رغم ذلك ، قالوا … إنّ بحور الصبر بعيدة المنال . يحيى السماوي لا يمكن أن يبعده شيء عن الوطن سوى الحبيبة أو الأمّ أو البنت أو الأخت ، إنّهنّ الحبّ و الغزل الصادح في أوراقه ، كما بيّنا أعلاه ، إنّهن المنار و الفنار في حياة الشاعر ، إنهنّ الطريق المؤدي إلى أروقة الوطن العزيز عبير قلب الشاعر مهما ارتحل ، إنّهن المستوطنات هناك في وطنه الأم ، إنّهن الفكرة التي لا يمكن لها أن تُزال من رأسه مهما تلقّى من عقاب أو مضايقة أو مداهمة من قبل أجهزة الأمن أو البوليس السرّي ، لنشهد على شاعرنا و ما يقوله بصدد ذلك :
سعادة الرَّقيب : أنت تمتلكُ المقصَّ القادرَ على قصِّ الورقةِ من كتابي … ولكن : من أين لك بالمقصِّ القادر على قصِّ الفكرة من رأسي ؟
حين يمطر شاعرنا مطرا كونيا ، يمتد إلى خرائط العالم ، إلى السماء التي تلفّ تحتها هذه الأرض المترامية ، يمطر علينا فسلفة ما أوتي بها إلا ّالقلائل و الذين نالوا من الشهرة جعلتهم حتى اليوم منارا و نبراسا يهتدي بها
البشر على مرّ الأزمنة. الشاعر يحيى يقترب هنا مع ما قاله الشهير العظيم الشاعر التشيكي ( فرانس كافكا) في مقولته ( لا أحد يحمل فكرتك في رأسك سواك أنت ) ، و هناك نصب تذكاري رأيته في براغ يُجسّد هذه المقولة الرائعة ، حيث يزوره الملايين من السّواح كلّ عام ، حيث نرى في النصب كيف أن الرأس فارغُّ ، و يحملُ شخصا بأكمله . هذه المقولة التي كتبها الشاعر فرانس كافكا هي عبارة عن سطرٍ جعلت منه شاعرا مخلدا في سماء العبقرية و العظمة . و ها إنّي أرى ما قاله الشاعر يحيى بهذه الكلمات القصيرة الكثيفة التي لو انفجرت لتناثرت في الأصقاع حبّا و ثورية و حماسا و تفكيرا ينشطر إلى ما لا نهاية ، كلمات مضغوطة تحمل الكثير من المعاني السامية التي يجب أن تُؤطّر في أرشيفنا العربي و العراقي . كل ما يكتبه الشاعر هو بمثابة إسفين يُدقّ في أرض هذا الوطن الجريح ، لنقرأ ما قاله الشاعر في شذرته الرائعة (مسمار) :
على ماذا يتقاتلُ الأباطرةُ الصغار ؟ حيتانُ المُحتلِّ لم تتركْ من سمكةِ الوطن إلآ الزعانف … وديناصوراته لم تترك من الحقل إلآ التِّبن !
هي حرب بين عجوزين أصلعين من أجل مشط , أما المحتل فهو كحال البرجوازي القذر في تلك الأيام إذا ما كان له جارا فقيرا , يأكل السمكة جميعها ثم يدق الباب على جاره المسكين لاعتبارات ( عليكم بسابع جار ) أو الجار ثم الجار ثم الجار ، فيعطيه عظام السمكة للمصمصة ، و هذا المسكين ليس لديه سوى أن يقول ( حمدا لله) ، و هذه الأساليب إنسانية في قشورها لكنها تساهم في إذلال الإنسان أيّما إذلال ، و لذلك حينما وصلنا إلى بلدان التحضر وجدنا أنفسنا نعيش على المساعدات التي نأخذها من بنك الحائط ، و هذه في حدّ ذاتها وجدوها لحفظ كرامة الإنسان .
أمّا الديناصورات يحتاج لهم ضباطا أحرار مثلما فعلها عبد الناصر ( و هذه تحتسب له من الأعمال المجيدة) الضباط الأحرار قاموا بتقنين ممتلكات كل الأثرياء و إتباعها إلى الدولة , و مثلما حصل في روسيا وحسب ما قرأناه في الرواية الخالدة ( الدون الهادئ لشولوخوف) و كيف كان يتصرف البلشفيون في مصادرة ما يعطيه البيدر و توزيعه عادلاً بين الإقطاعي و الفلاح. لا بدّ و أن يأتي هذا اليوم . مازال الشاعر يحيى رمزنا العالي بروحه الطيبة الوفية الصادقة ، المسامحة، المجاملة ، الصداحة ، الرقيقة ، المقدامة ، المصالحة ، البعيدة عن التوتر ، البعيدة عن المناكفة ، البعيدة عن الشجار ، إنه المسالم ، إنه المناضل ، الرونق و الأنيق ، ما أحلاه في منفاه ، ما أجمله و هو يقرأ لسلام عادل و حسن سريع في السماوة ، ما أروعه حين ينشر الروح المصداقية الخالدة فيما بين الأحبة ، ها هو يكتب نصا إعتذاريا إلى أصدقائه عقب حصول سوء فهم في مجريات الأدب والشعر و ما يتعلّق بحرية الرأي ، و الإفصاح الذي يختلف من شاعرٍ إلى آخر حول بعض الشخصيات العراقية التي صنفها البعض بكونها مجرمة بينما صنفها البعض الآخر غير ذلك ، لنقرأ بتمعن ما قاله الشاعر ذو القلب الفسيح بهذا المنظور العميق :
( إعتذار متأخّر )
" إلى الصديق الشاعر هاتف بشبوش : درءاً لشهقة دخان ، و إلى الصديق الشاعر الفنان ماجد مطرود لتقصيري غير المتعمد في تأخري عن تهنئته بنجاح العملية الجراحية في الفقرات سائلا الله أن ينسج له بيد لطفه ثوب عافية لا يبلى ، و إلى كلّ صديق قد أقصّر معه يوما بحسن نية !
ثقيلةُّ حقيبتي .. لا قدرة ُّ لظهري على حملها عساني أخففُ من ثقلها باعتذاري .. *** أعتذرُ : للشهداء الذين لم أشارك في تشييعهم … // للجهاد من أدعيائه … // للمرضى الذين لم أدعُ لهم بالشفاء… // للبستان الذي سرقتُ من نخلتهِ رطباً ولم أكن جائعاً // للرصيف الذي اتسخ بأعقاب سجائري … // لأيدي الجلادين التي تَورَّمَتْ من صفعي … // للغد من مشاركتي بانتخاب القادة الإماء والساسة اللصوص … // للعاشقِ الذي استهنتُ بدموعه … // وأعتذر أيضا :
لحقيبة عمري التي أثقلتها بحماقات الأمس ! يردّ الشاعر (هاتف بشبوش) كاتب هذا المقال فيقول :
في روايات أفلام الويسترن ( الكاوبوي الأمريكي) ، أغلب الأحيان نرى الروائي يميل أن يكون البطل في غاية النبل ، في رواية جميلة كتبها صديق الشاعر الأمريكي الشهير ( والت وايتمان ) يحضرني اسمه الآن ، هذه الرواية مثلت الى فيلم في غاية الإثارة أيام كنا صغار ونلهو بالمسدسات التي نصنعها من عظام فك الشاة ، و حينما نرمي مثلما وصفها الروائي ( زيد الشهيد ) نطلق صوت من أفواهنا ( كيو ، كيو ، كيو ) ,هذا الفيلم مثلهُ عمالقة السينما آنذاك ( كيرك دوغلاص الذي اشتهر برائعة سبارتكوس ، و أنتوني كوين الذي اشتهر برائعة زوربا اليوناني) ، الاثنان أصدقاء بل تربطهم الحميمية المطلقة التي لا يشوبها شائبة ، أجبرتهم الظروف على أن يتبارزا وجها لوجه , أحدهم شهير برميته السديدة في الجبهة والآخر شهير برميته السديدة في القلب وكلا الطرفين رميتهما واحدة لا تثنى فتلقي الطرف الآخر صريعا لا محال ( مثل قوس إبن الكُسعي) ، وكنت أتذكر أنني دخلت الفيلم أكثر من مرة لكي أرى ذلك المشهد البطولي والتضحية التي لا توصف في سبيل الصداقة و الأخوة ، يخرج الاثنان صباحا في الوقت المحدد و المكان المحدد وبقية الناس تنظر إليهما من خلف نوافذ بيوتهم ، ربما هي العادات آنذاك تساق هكذا ( و لهذا نحن في الصغر إذا ما أردنا أن نتشاجر مع أحد نقول له ، إذا أنت شجاع انتظرني خلف سكة القطار ) . المهم خرج البطلان و تقابلا وجها لوجه ، و بعد النظر بين الطرفين و التحديق لكليهما ، و الإصرار في المضي قدما للقتل و قلوبنا تخفق نحن المشاهدين إلى هكذا مشهدٍ مثيرٍ آنذاك ، و على حين غفلةٍ ينطلق الرصاص من كليهما ، وقع
الاثنان فتصورنا أنهما ماتا و ينتهي الفلم ، لكن تبيّن أن أحدهما حشى مسدسه بطلقٍ خلّب كي يعطي الفرصة لصديقه أن يقتله ، و الآخر تعمد في رميته إلى ما فوق جبهة صديقه بكثير ، و هكذا بقي البطلان على نبضيهما. رواية تصف لنا التضحية في اللحظات الحرجة و المواقف النبيلة التي يسجلها التأريخ في سبيل إعلاء كلمة السلام و المحبة بين الأخوة . بينما في روائع الإلياذة و الأوديسة هي كثيرة مثل هكذا تضحيات ، و منها رواية( المجالد) التي تكلم عنها المبدع الناقد ( حسين سرمك ) ، مبارزة تتم بين سجين بطلٍ و ملكٍ من ملوك الإمبراطورية الرومانية ، الملك يطعن السجين بخنجرٍ و هو في السجن قبل المبارزة بساعة كي يظهر ضعيفا أمام الناس المحتشدين فيستطيع التغلب عليه ، و تبدأ المبارزة و تنتهي بفوز البطل السجين و موت الملك دون أن تعرف الحشود بفعلة الملك الجبانة . أو المثال الأقرب لنا هو الكونت مونت كريستو وصديقه الذي غدر به ( مونديغو) من أجل قلب الجميلة مرسيدس . أو بوشكين حين مات مبارزا من أجل حبيبته ، ثم يستمر الشاعر(هاتف بشبوش) مخاطبا يحيى السماوي صديقه الأعز ورمزه الأكبر في سماء الأخلاق والشعر والنضال فيقول:
ياصديقي لا أنا و لا أنت تستطيعُ زهورُ عبّادنا أنْ تستديرَ نحو الظلام أنها مجبولةُّ من الشمس لا أنا و لا أنت من ملوكِ الإلياذة و الأوديسة بل كلانا
هو السجينُ المطعونُ بخنجرِ الخونة لا أنا و لا أنت من يتصارعُ من أجلِ حسناءْ بل أنا وأنت نتبادلُ الأدوارَ بين دوغلاص وأنتوني بل أنا وأنت بوشكين الذي ماتَ حباَ وفداء ماقلناه أعلاه يستدرجنا إلى موضوعة في غاية الأهمية ، هو أنّ الشاعر يحيى تنطبق عليه مقولة أنطون تشيخوف( كلما زاد نقاء المرء ، زادت تعاسته) ، و لكثرة تجاربه في الحياة جعلته يقول في إحدى محاوراته التي رواها لي ، أنّ له قلب حمار ( حاشاه طبعا) لكثرة تحمله للمرض الذي رافقه كثيراً في مسيرة حياته الحافلة بالعطاء ، و أحيانا يكون جليس الفراش دون أن يعطي خبرا لأصدقائه كي يكونوا عُودهُ ، لكي يبقَ مع الأنين وحده ، و حتى لا يتألّم أصدقاؤه معه أثناء المواساة . إنّه الشاعر الذي أصبح صديقا إلى اللّوعات و الشطحات التي تأتي من هنا و هناك ، أو تأتي من أناس غدروا به دون أن يُفكّر يوما أنّه سيلقى منهم كل هذا الغدر و الخيانة ، إنّهم كانوا أصدقاء حميمين ، و لكن سبق السيف العذل ، و لذلك الشاعر أوصى لنفسه أن تكون حذرة و لو بعض الشيء ، فالحذر هو من صفات الشجاع ، و لذلك بيّن لنا الشاعر يحيى بخصوص ذلك في ديوانه الأخير ( ثوب من الماء، لجسدٍ من الجمر ) في هذه الشّذرة الرائعة :
بعضُ الخرافِ أشرّ من بعض الضباع فليس عجبا أنّ عصفوراً يخبئ تحت برقعِ ريشهِ ظفراً وناب لا غبار على الشاعر حين أطلق الحذر ، فهو التلميذ و هو المعلم ، و هو ( الذي لم يعد في قلبه مكان لرصاصة جديدة ….محمود درويش) . فلا يسعني في نهاية دراستي هذه أن أقول طوبى لروحك التي ارتدت ثوبها المائي كي تطفئ ما في النفوس من لظى أشرارها ، ثم راحت تُفتّش عن كونفوسيوش العظيم وهو يقول ( لا زلتُ لا أفهمُ شيئا من الحياة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.