عندما نتحدّث عن بولس الرّسول، لسنا بصدد الحديث عن شخصيّة أسطوريّة، أو خلقها الفكر الدّينيّ من عدم ليؤكّد قوّة الله. وإنّما بولس شخص حقيقيّ انتقل من الظّلمة إلى النّور، من الموت إلى الحياة. حياة بولس موثّقة بكلّ ما حملته من خبرات سلبيّة كانت أم إيجابيّة. وتاريخ المضّطهِد لكنيسة الرّب، وارتداده وانطلاقه نحو السّلوك بالمسيح موثّق كذلك. بالتّالي، محاكاتنا لهذه الشّخصيّة حقيقيّة وثابتة ولا تحتمل الشّكّ، والتوغّل في تركيبتها قبل اللقاء بالمسيح وبعده، توغّل في ما يشبه كلّ واحد منّا. لم يكن شاول يتعب من التربّص للمسيحيّين المعتبرين كافرين بالنّسبة له والمخالفين للشّريعة. ووظّف كلّ طاقاته وإمكانيّاته لملاحقتهم وقتلهم بل إبادتهم. هذه الشّخصيّة العنيفة، المنغلقة على ذاتها، المتشبّثة بفكرها الدّيني حدّ العمى، وتعطّل الفكر، وموت القلب، تشير إلى نبذ الصّورة الإلهيّة ولو عن غير وعيٍ وقصد، تبريراً للدّفاع عن الشّريعة. "أمّا شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرّب، فتقدّم إلى رئيس الكهنة. وطلب منه رسائل إلى دمشق، إلى الجماعات، حتى إذا وجد أناساً من الطّريق، رجالاً أو نساء، يسوقهم موثقين إلى أورشليم." (أع 2،1:9). أمعن شاول في الولوج في جانبه المظلم وتمادى في عنفه، وتجاوز كلّ حدود، وبسوط كبريائه جلد كلّ من تسوّل له نفسه التّبشير بالمسيح. واللّافت أنّ الّذين تشتتوا استمرّوا بالتّبشير بالكلمة (أع 4:8). ما لم يقرأه شاول، ولم يفهمه. لم يفهم أن لا أحد مهما بلغ من قوّة وبطش يقوى على نور الحقيقة. أسرته الشّريعة وقتله الحرف، قسّت قلبه الكبرياء واستحوذ على نفسه الغرور. ولمّا بلغت قسوة كبريائه ذروتها كان لا بدّ أن يسقط على الأرض، ويلتحم بالتّراب حتّى يتبيّن حدوده.