زمن الصّليب " حاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح" (3) ( غلاطية 14:6) تكمن قوّة كبيرة في كلمة ( حاشا) الّتي يستهلّ بها القدّيس بولس افتخاره بصليب يسوع المسيح. لقد تخلّى بولس عن كلّ مجهود، وفكر، وعلم، ومعرفة، واختار أن يفتخر ويعتزّ بصليب المسيح فقط. يقابل هذه الآية قول آخر للرّسول بولس في ( فيليبي 8:3): " أحسب كلّ شيء خسارة من أجل الرّبح الأعظم، وهو معرفة المسيح يسوع ربّي. من أجله خسرت كلّ شيء وحسبت كلّ شيء نفاية لأربح المسيح". يؤكّد بولس الرّسول في هاتين الآيتين أنّ المعرفة العظمى هي يسوع المسيح الّتي منها تُستمدّ كلّ معرفة. وإذا تبيّن الإنسان المعرفة العظمى فما الدّاعي للافتخار بمعرفة أقلّ قيمة وتقديراً؟ لكنّ الرّسول بولس يشدّد على افتخاره بصليب المسيح لأنّه عاين بقوّة إيمانه أهمّيّة الصّليب ونبع الحبّ والغفران المتدفق منه. لم يكن بولسَ عند الصّليب، ولم يشاهد المسيح يتألّم، لكنّه عاين مجد الله في اللّحظة الّتي انتقل من " شاوول" إلى " بولس رسول الأمم". كما وعى حقيقة الصّليب المحيي، بمعنى أصحّ حقيقة الحبّ الإلهيّ الكامن بالمصلوب. يفتخر الرّسول بالحبّ الغامر المنسكب في صميم العالم، ذلك الحبّ الّذي عاينه في المسيح المصلوب، والّذي لم يعرّف عنه أيّ تعبير علمي أو وصيّة في الشّريعة أو عاطفة إنسانيّة أو معرفة تحليليّة. هذا الحبّ الفائق التّصوّر ترسّخ في قلب بولس، وعاينه حقيقة مطلقة وبات بالنّسبة له مدعاة للافتخار. " حاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح"، لأنّه لولا الصّليب ما أبصرنا حبّ الله.