كلما استعدت ذكريات الماضي اكتشف أننا على الرغم من دوران عجلة الزمن وسيرها إلى الأمام بسرعة البرق إلا أن بني البشر يسيرون عكس عقارب الساعة، يتقهقرون إلى الخلف، ومع أنه من البديهي والمفترض أن الإنسان يتطور بتطور العلم والتكنولوجيا التي هي من صنع يديه ونتاج عقله وفكره، إلا أننا إذا أمعنا النظر في أخلاقياته وسلوكياته فسنجد أنها تتراجع وكأنه يمحو من ذاكرته عن عمد كل ما يجعله إنساناً متحضراً، ويستبدلها بأخلاقيات وسلوكيات أخرى تخلق منه كائناً شرساً يسير بين أقرانه من بني البشر متباهياً بقوته الجسدية مهتماً بانتفاخ عضلات جسده، حتى انكمش عقله، وتحول إلى مجرد دمية بلهاء تتخذ من النماذج السيئة القدوة وتقلدها تقليداً أعمى. أين نحن الآن من زمن الخمسينات والستينات؟ أين نحن من زمن نشأ وتربى على احترام الكبير وقدسية بيت العائلة (البيت الكبير) كما كانوا يطلقون عليه؟ أين نحن من زمن كان فيه الرجل مهما علا قدره وكبر سنه ينحني على يدي أبيه وأمه يقبلهما إجلالاً واحتراماً لهما؟ أين نحن من زمن كانت فيه الأنثى كائناً حراً على الرغم من قيود العادات والتقاليد، ترتدي ما تريد، وتخرج مثلما تريد، وبكامل حريتها من دون أي مضايقات ولا تحرشات؟ أين نحن من التمسك بالدين وتعاليمه، والذي اختزل حالياً في نمط معين من اللباس، من ارتداه أصبح مسلماً متديناً، ومن لم يفعل أصبح زنديقاً لدى البعض .. عجباً لهذا الزمن. لقد فقدنا بمرور الأيام والأعوام أشياء كثيرة كانت تمنحنا الإحساس بالسعادة، وتعطي لكل مناسبة تمر بنا مذاقاً خاصاً، فقدنا الإحساس بالفرحة وروعة الصحبة وبهجة الأعياد ولم الشمل، فقدنا المحبة والكلمة الطيبة والابتسامة العفوية الصادرة من القلب، فقدنا التماسك والالتفاف على مائدة طعام واحدة، وللأسف أصبحنا نعاني من التفكك والانهيار الأخلاقي والعلل النفسية. لم تحتفظ الأعياد ببهجتها، وما كان يسعدنا ونحن في عمر الطفولة لم يعد يسعد من هم في هذا العمر حالياً، فقد كنا آخر جيل يعلم جيداً مقولة إن القناعة كنز لا يفنى، ولهذا كان هذا الجيل يشعر بالسعادة في الأعياد ويفرح بمجرد حصوله على هدية بسيطة من أبويه كفستان للصبايا أو بدلة للأولاد، لدرجة أنه كان يحتضنها أثناء نومه منتظراً بلهفة بزوغ فجر أول أيام العيد حتى يرتديها ويسعد بها .. فما السبب في اضمحلال هذا الشعور؟ العيب فينا وليس في الزمن .. فالعيد كما هو فرحة وبهجة لم يتغير، وما زال هكذا في عيون أطفالنا .. ولكن نفوسنا هي التي تغيرت .. تعكرت بعدما أصبحت لغة العنف والتجريح وعدم التسامح هي اللغة السائدة بيننا .. بعدما تناسينا الحب والود والترابط واستبدلنا بها حب النفس والأنانية والحقد والغل والحسد .. نحتاج إلى إعادة النظر في أسلوب حياتنا وطريقة تعاملنا مع الآخرين حتى تكون حياتنا أكثر تنظيماً ويسراً وبهجة، وحتى نشعر بفرحة العيد، ونستعيد أجمل لحظات في حياتنا حينما كان الصفاء عنواننا.