الاستاذ العظيم الدكتور مصطفى سويف في ذمة الله، تاريخ عريض مع العلم والبحث والترفع ووضوح الهدف والرؤية حتى أصبح من أعظم قامات علماء النفس على مستوى العالم كله. من جيل الرواد العظام الذين نحتوا الصخر في واقع شديد التخلف وتمكن بعد معارك فكرية ضارية، ومعارك شخصية في سلخ دراسة علم النفس عن قسم الفلسفة ويستقل علم النفس ليصبح علما قائما بذاته في قسم علم النفس الحالي في جامعة القاهرة. كان للرجل طموحات عظيمة لهذا العلم المثير للجدل في مصر حتى الآن! وتأكيد علمنته وقابلية استخدام تطبيقاته في تطوير الانسان المصري مثلما حدث في الولاياتالمتحدةالامريكية ودول اوربا بعد الحروب العالمية الأولى والثانية، لكن الواقع المصري شديد البؤس والتخلف، انتهج الرجل المنحى السلوكي فكرا وتطبيقا، اصبح يمكن ترجمة سلوكيات الانسان في جداول رياضية واحصاءات، وتم التوسع في الدراسة المعملية لدراسة سلوك الانسان وحواسه، وإتضح وجود طموح قوي لدى الرجل لنقل قسم على النفس من كلية الآداب الى كلية العلوم، أو انشاء معهد علمي مستقل بدراسة العلوم النفسية التي تطور البحث فيها على يده في مصر تطورا يوازي التطور الحاصل في الولاياتالمتحدة والمماكة المتحدة، كان طموح الرجل عريض، لكن التخلف والفساد وغيرة الزملاء من التخصصات الأخرى كانت أبشع في محاربة الرجل الخلوق الذي دأب على العمل الشاق والجاد في صمت. إنكسر طموح الرجل لكن ارادته لم تنكسر أبدا، ظل يحارب من أجل تأكيد إن تطبيقات علم النفس الحديث ضرورية من أجل تطوير وتحديث بلد ينمو ويحاول أن يجد له مكان بين الدول الحديثة. لكنه فشل رغم كل ذلك في رزع هوية مؤكدة للاخصائي النفسي الاكلينيكي في ردهات مؤسسات الدولة المعنية. فالفساد عظيم، والعقول متحجرة عصية على الدوران والتفكير ومواكبة انماط التفكير الحديثة. والغيرة وحسد الآخرين غير المبرر كان أعظم من قدرته ومن علمه ومن علاقاته حتى بعد ان تولى منصب وكيل وزارة الصحة. فالرجل عالم وباحث في المقام الأول لم يهيئه القدر لخوض معارك بدائية لكنها فرضت عليه وأفشلت مشروعه. انصرف الرجل الى مشاريعه البحثية وتلامذته لعل أحدهم يكون قادرا على استكمال ما عجز عنه في معركة تأكيد هوية الاخصائي النفسي، حقق الرجل وتلامذته الريادة في مصر وربما في العالم من خلال ثلاثة مناحي. المنحى الأول منحى بحوث الابداع والعمليات الابداعية في مختلف الفنون، وقدمت تقارير ورسائل للماجيستير والدكتوراة في هذا المنحى شديدة التميز والتفرد وعميقة الخبرة والخصوصية. والمنحى الثاني متعلق ببحوث المخدرات في مصر من خلال التعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية التي استمرت لسنوات طويلة وأجيال متعاقبة، وتم خلالها تقديم تقارير علمية مدهشة عن سلوكيات التعاطي في مصر ومتعلقات هذا السلوك، وتصنف هذه التقارير العلمية الدقيقة كأعظم البحوث التي قدمت عن الإدمان في العالم اجمع وفق المنظمات الدولية المعنية. والمنحى الثالث تعلق بالبحوث الالكلينكية والدور المميز لتطبيقات علم النفس الحديث أو علم النفس الاكلينيكي في تشخيص وتأهيل وعلاج المرضى النفسيين. هذا المنحى قدم للدراسين والباحثين والمهتمين في المجال رؤية علمية جادة للمرض النفسي أو مشكلات الاطفال بالاضافة الى زملة المقاييس النفسية الخاصة بالتقييم الاكلينيكي وكذلك استراتيجيات العلاج النفسي السلوكي/المعرفي التي تفيد المرضى جنبا الى جنب مع العلاج الدوائي بواسطة الطبيب النفسي المتخصص. ولم يكن الاستاذ العظيم الدكتور مصطفى سويف معاديا للتحليل النفسي بقدر ما كان لديه الكثير من الانتقادات التي تتعلق بالفروض التي يطرحها وامكانية تحققها بواسطة المنهج العلمي وكذلك المحاذير من إمكانيات تعميم هذه الفروض. والرجل لم يكن ابدا متصلب الفكر لأنه كان عالما عظيما جدا، بل كان مرنا بدرجة كافية لتغيير وجهته الذهنية وخاصة ماحدث معه فيما يتعلق بايمانه المطلق بان السلوك الانساني هو المصدر الوحيد لمعرفتنا بالانسان لاننا نستطيع تقييمه، حيث تحدث لاحقا عن الشعور، والخبرات الشعورية واللاشعور. الاستاذ الدكتور سويف طراز نادر من الاساتذة على مستوى العالم، كان موجودا بيننا وكنا نباهي به العالم، ترفع عن كل شيى سوى العلم، ترفع عن الاضواء، المناصب، المال، المعارك البدائية، وحتى همزات وغمزات بعض تلامذته غير المخلصين والآن يرقد في سلام في ذمة الله، قلترقد في سلام استاذي الكبير، تستحق ان ينعيك العالم كله لأنك من كبار علماء النفس ومن جيل العظماء في هذا المجال الذي تطوله النظرة الدونية الجاهلة في بلادنا حتى الآن بسبب تخلفنا الشديد.