"تراث معاصر" عنوان المعرض الذي تقيمه قاعة بيكاسو للفنون بالزمالك في الفترة من 29 مايو الجاري، وحتى 29 يونيو القادم، ليتزامن مع شهر رمضان الكريم، وهو ما جعل موضوعه يرتبط بالإستلهام من التراث الإسلامي في مجالاته المختلفة، وكذلك الخط العربي بإعتباره عنصر رئيس في الحضارة الإسلامية، ويأتي المعرض الذي يضم إبداعات فناناً تشكيلياً، ليشمل كافة مجالات الفن التشكيلي من تصوير ونحت وخزف وزجاج وحلي و باتيك وسجاد، ولعل ذلك ما يؤكد على تعدد فنون الإسلام، وكونها خامة طيعة للتعاطي والتلقي معها، بعد الفحص والدرس، لتقديم أعمال فنية معاصرة تحمل ىصالة الماضي. ويقول الفنان عمر النجديالمشارك بالمعرض في مجال التصوير، إنه يؤمن بارتباط الازل والابد، البداية والنهاية، وتتجلى تلك العلاقة في رسمه اللوحات ذات الخط الواحد، فيضع القلم على مسطح التصوير ويبدأ تكوين الموضوع كله والقلم لم يبتعد عن السطح المرسوم إلى ان ينتهي بتوقيعه على اللوحة، فتمثل البداية – الازل – إلى نهاية العمل – الابد – في خط مستمر، وان ذلك مرتبط بفكر فلسفي له ابعاد روحية استمدها من خلال قراءاته في التصوف والقرآن الكريم، بالاضافة إلى استنباط الزخارف الخيامية من البيئة الشعبية. أما الخزافة سلوى رشديفتوضح ان ما جذبها إلى الخزف الاسلامي هو خطوطه الخارجية المرنة والقوية في آن واحد، وكذلك الوانه المختلفة تبعا لتقنية صنعه، خاصة خزف البريق المعدني، الذي تخصصت فيه، بتقنيته المعروفة بالتدخين، وانها ما زالت تعمل عليه وتستقبل نتائجه، التي تعلمتها من الفنان الصدر في الكلية وفي مشغله بالفسطاط وبيته، كما انها لا تنتج لاي معرض قبل ان تقوم بالبحث والعودة إلى التراث وزيارة المتحف الاسلامي عدة مرات حتى تضع خطتها في العمل وتبدأ التصميمات بعد دراستها للالوان والتقنيات في الخزف الاسلامي. ويوضح الفنان حسن الأعصرأن الكتابات والحروف العربية تم توظيفها في تشكيلات رائعة الجمال من قبل الفنان المسلم، وإنه أثناء وجوده في إيطاليا منذ عام 1970 بدأ العمل على تلك الرموز الخاصة بالخط العربي، وأبدع أعمالاً كثيرة في التصوير والحفر، لقيت الإستحسان الكبير من الفنانين والجمهور الإيطالي، موضحاًأنه إذا كان قد بدأ الإستفادة من الفن الإسلامي، والتجريب على تشكيلات من الحروف العربية ، فلم يكن في مخيلته البحث عن معنى مقروء لتلك الحروف، وإنما بإعتبارها موتيفات في شكل تجريدي بتنغيمات وألوان مختلفة، ولكنها قريبة من ألوان التراث الإسلامي، وربما هذا ما جعل الإيطاليين يتمعنون في تلك الأشكال الموجودة في أعماله الفنية المستمدة من الحرف العربي، خاصة أن هناك فناناً إيطالياً شهيراًإسمه "كابو جروسي" إستخدم أشكالاً قريبة من الموتيفات الإسلامية، وقام بتجربة تشكيلية كاملة عليها بعد إعادة تشكيلها وتنظيمها، ووضع القيم الرياضية على تلك الأعمال فلقي إبداعه الكثير من التقدير والإعجاب، ولذلك عندما شاهدوا أعماله القائمة على البناء الجمالي للحرف العربي، وجدوا رؤية تشكيلية مختلفة في أعمال تجريدية تستلهم نفس التراث الإسلامي، في تكوينات مغايرة. فيما يشير الخزاف سمير الجنديأن أساس بحثه هو ايحاء الشكل بما يتناسب مع تغطيته بالزخرف، وربما يُتهم خطأ الفن الاسلامي بكثرة الزخرف، لكنه ثراء جمالي لاهتمام الفنان المسلم بتغطية الشكل بالكامل بالزخارف، ولذلك قيل ان الزخرف الاسلامي يعتبر زائدا، وانه مع اخذ ابسط الزخارف الاسلامية للايحاء بالروح الاسلامية التي تدخل ضمن استلهام الفنان الباحث عن التراثية الحديثة، مؤكدا ان الفن الاسلامي لا يمكن ان يموت وسيستمر في الاشكال الحديثة والمعاصرة. وقال الحفار عوض الشيمي الموجود حالياً بالمملكة الأردنية انه حاول منذ البدايات لتجاربه الفنية الاستفادة بكل ما هو اسلامي، سواء لوحات لفنانين مثل بهزاد أو الواسطي، أو اشكال المساجد والزخارف المرتبطة بهذه الفترة، وذلك من خلال تنمية المخزون البصري المتحفي، الذي عن طريقه تحدث عملية الابداع من دون ان تكون طريقة لنقل اشكال بعينها، حيث ان الفنون الاسلامية لها قواعدها المميزة والخاصة بها، ولا يمكن تكرارها لانها حالة خاصة بمرحلة معينة. ومن جانبها ثالت المصورة أمال عبدالعظيمأن الخط العربي بماله من دلالة تراثية دينية وتاريخية عبر العصور، واحتلاله مكانة رفيعة في مجال الفن التشكيلي اصبح احد الخيارات الهامة، ومدخلا رئيس امام الفنان العربي المعاصر لتأكيد الهوية الحضارية علي المستوي القومي والعربي لما يتميز به من سمات بارزة، وقيم خالدة علي مر الزمن تحتضن جذور الابداع للحضارة العربية والاسلامية، كما انها وجدت في الحروف العربية طاقات تعبيرية، اضافة إلي المرونة والطواعية في التشكيل بها، وهو ما حث الفنانين عبر العصور على استثمار هذه المجالات وتوظيفها في الاعمال الفنية. وأكد المصور محمد حجيأنه إذا كان الفن الاسلامي يتعامل مع الحرفة فان كل الفنون بها تلك الحرفة، وهو امر لا يقلل من فنيتها او قيمها الجمالية، فالفنون الاوروبية كلها فيها فكرة المنافسة التي اوجدتها اجادة الحرفة الفنية اضافة إلى الابتكار، وفي النهاية يستطيع الفنان السيطرة على العمل جملة، وان تعاطفه مع الرسوم الموجودة في الكتب وارتباطه بهذا النوع من الثقافة الفنية كان بحكم عمله في المجال الصحفي، حيث ان المطبوعة او المخطوطة التي ترسم وتخط على الورق منذ القدم يسهل تداولها، ولذلك كان اهتمامه برسوم الكتب في العصور الاسلامية مثل مقامات الحريري للواسطي وكليلة ودمنة، وكذلك الف ليلة وليلة التي بحث عنها حتى في رسوم الاوروبيين، وتلك الرسوم جميعا، وتحديدا الجزء العربي الاسلامي منها الذي يخلط الزمان بالمكان، والزمان بالزمان، والمكان بالمكان. فيما رأي الفنان محمد زينهمأن الفنان المسلم راعى حقوق البيئة، فحينما بنى القبة في مصر، نفذها بطريقة صناعية تتفق مع الفن المصري بتدعيمها بالخشب والبناء فوقه بقوالب الطين وعمل فيها فتحات من أسفل في فتحة الزور لتجديد الهواء في الجو المصري الحار، ولكنه عند البناء في أوزباكستان أو أذربيجان الباردة المناخ، بنى القبة على النظام الأوروبي الذي شيد عليه دير آيا صوفيا، وقلد تلك القباب، مع تغيير عناصر الزخرفة، وعدم وجود الفتحات، وكذلك الخامات المستخدمة، حيث تجد أنه في المغرب إستخدموا الطينات المحروقة المزججة أكثر من مصر، وفي مصر إشتغلوا بالخشب ونقره أكثر منهم، وفي إيران إشتغلوا بالفسيفساء، مما يدل على أن العامل البيئي أثر على طريقة البناء والتصميم المعماري، بما يتناسب مع الفن الإسلامي لتدخل ضمن المنظومة الفنية العامة للمكان. وتوضح الفنانة نعيمة الشيشينيأنها نتيجة لبحثها في الفن الإسلامي توصلت إلى عدم وجود التحريم مطلقاً في الدين الإسلامي، وبدأت البحث في المدارس الفنية الإسلامية، فالمدرسة العربية حتى القرن ال13 كانت تحمل كل التأثيرات التي قبلها من بيزنطية وغيرها، وإنها درست مقومات كل مدرسة وإختارت فناناً واحداًأو مخطوطة، رغم أنها كانت محدودة العدد كونها يدوية، وتناولت من المدرسة العربية يحيى محمود الواسطي، ومع القرن ال14 ظهرت المدرسة الفارسية، التي كان لها 3 مدارس او أساليب فنية، على فترات زمنية مختلفة، إبتدءا من جنكيز خان، وتأثيراتهم حينما دخلوا الإسلام، وتعرضت لنماذج من أعمال الفنانين في تلك المدرسة أمثال بهزاد، ثم بحثت في أعمال المدرسة التركية خلال القرن ال15، أما القرن ال16 فقد شهد المدرسة الهندية، ثم المدرسة الفارسية في القرن ال 17 حيث الصفويين الشيعة، بعد أن كانت المدارس السابقة عليهم للفنانين المسلمين السنيين. ونشأ مفهوم الفنانة ريم وجدي من خلال الفن الإسلامي عن التبسيط الزخرفي، وما إستخدمته من أسلوب ومنهج في كيفية إستخدام اللون، وأن الاشكال والألوان إعتمدت على التآلف والتباين داخل النظام التصويري، وتوزيعها وفقا للضروريات الداخلية للرسم الوصفي التعبيري، فإمتلأ الفراغ في صفحات الكتاب المرسوم بمناطق من المساحات اللونية، وامتلأ فراغ آخر منها بالأشكال الزخرفية الهندسية والنباتية، محققة بذلك نوعاً من التوازن في كثافة الشكل المرسوم، وكانت الزخارف النباتية مصدر إلهام يجمع بين التجريد المطلق والتكوين المتحرر من كل أثر في الطبيعة. وكان الفنان الراحل حسين الجبالي المعروضة أعماله بالمعرض يقول: الخط أحد العناصر الرئيسية في التراث الإسلامي، وبحكم كوني دارساً للخط العربي في مدرسة تحسين الخطوط، أعرف خبايا وأبعاد الخط جيداً، بالإضافة إلى أنه يعطيني أبعاداً وقيماً جمالية ولهذا أبحث في عنصر الخط كقيمة جمالية غير مباشرة داخل اللوحة، ولا يعنيني أن يكون مقروءاً، ومع ذلك يحاول المتلقي قراءة الخط في العمل الفني. كما كان رائد الخزف المصري الفنان سعيد الصدر يرىأن تقاليد الخزاف جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي للأمة، وإننا في زماننا هذا نواجه أزمة كبرى في الإلهام الفني المستمد من التقاليد والتراث، وتبعا لذلك فنحن في حاجة ماسة إلى ثقافة موحدة تنبثق منها تقاليد جديدة تتميز بالآصالة الحقيقية العربية الطابع، وهذا يتطلب جهازاً سليما يقوي على هضم مبادىء الجمال التي تنبعث من الخصائص الإنسانية. ويوضح الفنان محمد يوسف أن الحروف العربية مبهرة لما بها من قابلية وطواعية لإيجاد تكوينات جديدة تُثري العمل الفني، حتى أنه رغب في تعلم قواعد الخط العربي، حيث كان يضع حروف مغايرة عن شكلها الأصلي، بدون قاعدة، وأن الخط العربي يستخدم كمفردة جمالية ذات دلالة لإثراء العمل الفني، حيث يشكل الخط العربي أحياناً عنصراً أساسياً في العمل، بينما يكون في أعمال أخرى عنصراً إضافياً مكملاً كما في المنمنمات الفارسية والعربية ل"بهزاد" و"الواسطي". وعن لوحاته الخطية أشار الفنانعلى دسوقيإلى أنه على غير عادة الفنانين الذين إستمدوا الأشكال والقواعد المتوارثة من فنون الخط العربي في الكتابات القديمة، إستفادوا في تلك الأعمال من مثير مختلف تماماً، ومرتبط أيضاً بطفولته ونشأته في حي الأزهر، حيث كانت تنتشر الطرق الصوفية التي تكون دائماً مصاحبة بعلامات وأعلام خاصة بها ومكتوب عليها إسم كل طريقة، فأخذ تلك النوعية من الخطوط الحرة وشكلها في آيات كاملة أو البسملة وبعض أسماء الله الحسنى، موضحاًأنها تجربة تستمر معه ثم تنقطع إلى أن يأتي مثير ما، ويبعثها مرة أخرى مثل لوحته "يارحمن" حيث كان قد شاهد تلك الكلمة معلقة خلف فنان أميركي، أقام في المغرب بعد إسلامه، فأعجبته وأعطته رغبة على تنفيذها على قطعة نسيج بشكل تلقائي، وكذلك لوحاته عن رمضان مثل "أهلاً رمضان ورمضان جانا". ويؤكد الفنان مصطفى الفقيأن فناني الغرب إستفادوا من تلك العلاقات الهندسية في إنتاج مدارس فنية جديدة، فقد بدأ الفن التكعيبي على أساس مستمد من المثلث والمربع في الفن الإسلامي، كما أن الفن الإسلامي من أروع وأشمل الفنون ترجمة للتجريد، مع إحتفاظه بشكل جديد للواقع، فهو فن قائم بذاته خاص بالظروف والتقاليد والعادات الإسلامية التي نبعت من الفكر الديني، وكان لذلك تأثير كبير في جعل الفنان المسلم يبذل الجهد والوقت لتكوين كوكبة من العلاقات الزخرفية في عمل متكامل له أصوله وجذوره، وله قواعده التي فرضت على هذا الفن أن يبقى بشكل معين وخاص يخالف أي فن من الفنون التي ظهرت في العالم كله، حيث لم يكن للفن الإسلامي روافد من الفن المصري القديم أو القبطي ليحتفظ لنفسه بقيمة خاصة. ويؤكد أيضاً الفنان وليد أنسيأن التراث هو ألف باء الفنون، ولا يجب أن يبدأ الفنان إنتاج أعماله الفنية دون أن يرى جيداً تراثه الثقافي والفني الذي يشكل المدخلات الأساسية في تكوينه الفني، حتى يستطيع أن يخرج تلك المدخلات بعد أن يشكلها و يعطيها رؤيته الخاصة، أما دون ذلك فسيكون إنتاجه منقوصاً ولن يستمر إلا فترة وجيزة، ويعتقد أنه ليس هناك ما هو أهم من التراث الإسلامى للإستفادة منه. وتحت عنوان "العلاقة بين الكتابات العربية المجردة والأشكال العضوية " ناقش الفنان بدرالدين عوض رسالته لنيل الدكتوراه في عام 1996، وكانت بمثابة البداية الحقيقية لرحلته مع الخط العربي المجرد وتطويره وتطويعه برؤيته الخاصة، وأقام بعدها عدة معارض من لوحات تعتمد على الخط بإيحاء من بعض الأشعار للفيتوري، وطاهر أبوفاشا وما قبل وبعد مرحلة التصوف عند رابعة العدوية، ومنها أعمال معرض كامل لجزء من قصيدة " الوصية " لبدر شاكر السياب، والتي كتبها وهو على فراش الموت، وتحدث فيها عن الفراش الأبيض، والسائل الأصفر الذي يدخل جسده، وندائه لإبنه، وكانت تلك ضمن قصائد أخرى للسياب أو كما لقبوه " شاعر الموت". ويريد الفنان مجدي عبدالعزيزأن يؤكد من خلال لوحاته أن يقول أن الفن الإسلامي ليس مجرد زخارف قديمة،بل هو فن بذاته، ويعتبره فن التجريد الأول، حيث أن أول من جرد أشكال الطبيعة ببلاغة شديدة كان الفنان المسلم، وأن ذلك يعود إلى العقيدة الإسلامية، وما فيها من جوانب روحية، وإنه دائماً ما يبحث في الشوارع والأزقة والمساجد والعمارة القديمة، ليجد المادة الخصبة للوحاته، والتي يتمنى أن يؤكد فيها العلاقة بين الآصالة والمعاصرة. أما الفنان محمد الطحان فقال: الفن الإسلامي يحتوي على ثراء لا منتهي، وأن ذلك الموروث المختزن منذ سنوات بعيدة يتداعى على ذاكرته، فيدفعه ليعيشه مرة أخرى في قالب ومزاج متعدد الأهداف والإتجاهات، فترة ينبهر بالأهلة والقباب، وأخرى بالإنسان في أحزانه في السرادقات أو أفراحه وأعياده. ومن جانبها تؤكد الفنانة ميسون قطب أن التراث الإسلامى غني بالقيم الفنية والجمالية الهامة التي تعد مصدراً خصباً للإستلهام وتثقيف الفنان،وإثقال رؤيته وفكره وتدعيم خبراته، ولذلك يعد التعرض لهذا المجال بالدراسة والرؤية المتعمقة من المواضيع الجوهرية الهامة لكل فنان لمنحه القدرة على إستكشاف العناصر الفنية القديمة لبناء فناً معاصراً برؤية متعمقة وفاحصة، بما يمكنه من صياغة وتوظيف العناصر الفنية بأسلوب سليم. ويُشير الفنان سامي رافعأن هناك فترة فى حياة الفنان يجتر فيها نوع معين من الأشكال سبق أن تم تخزينه فى ذاكرته البصرية، وأن ذلك وضح في تناوله للوحات اسماء الله الحسنى في لوحات لا تزيذ مساحتها عن 80× 80 سم، والتي إشتغل عليها ما يقرب من 7 أشهر، وترك نفسه للخط العربي تبعاًلإنفعالاته التيأوجدت حلولاً تشكيلية بعد عمل الكثير من الرسوم التحضيرية الملونة فكانت بمثابة الولادة الجديدة للخط . أما النحات صلاح عبدالرحمنفيوضح أن هناك عناصر تؤكد الصبغة الإسلامية إمتازت بها فنون الحضارة الإسلامية دون غيرها، مثل التكوينات التيأفادت فناني الغرب فيإنتاج المدرسة السوريالية كأن يرسم الفنان المسلم طائراًأو أسداًأوفهداً ذا رأساً آدمياً، ويقوم بالربط بينهم فياسلوب تشكيلي مختلف بالنقش على الأحجار من الأعمدة والجداريات أو في تكوينات الجص المركبة على المبنى داخلياًأوخارجياً، غير تلك التيأنتجها مستخدماً الألوان المستمدة من الطبيعة والفنان عبدالمنعم معوض يُرجع أساس الأشكال الهندسية التي يخرج منها المثلث والمستطيل والنجمة والدائرةوالمكعب إلى المربع، وفلسفياً، هو أساس الكون ومركز الكرة الأرضية،مدللاً بأن الكعبة المشرفةقائمة على شكل مربع، وأن التعامل مع المربع يفرز أشكالاً متنوعة ورائعة في الوقت ذاته،ومهما ظل الفنانون يرسمونه سيبقى هذا الشكل الروحاني غير متناه، ولن يكف عن تقديمالجديد دائماً، مما جعله يقوم بتحليل المربع في لوحاته بأوضاع وأشكال مختلفة، لإكسابها عنصر الحركة اللانهائية. ويقول الفنان حسن عبدالفتاح إنه حينما زار المتحف الإسلامي، بعد إنضمامه إلى مجلس إدارته، أُصيب بصدمة، حين شاهد الأبواب التي يتجاوز طول الواحد منها4 أمتار، وبها تشكيلات محفورة ومطعمة بالمعدن، في تقنية وإبداع يمكن أن نطلق عليه تصنيفياً، فناً حديثاً أو معاصراً، بل أن ما يطلق عليه الآن في العالم "الفن المفاهيمي" يتجسد في أعمال تحمل بعداً زمنياً يبلغ أكثر من 13 قرناً، مما يؤكد على سبق الفنان المسلم بإعتبار أن هذا الفن المفاهيمي المعاصر ما هو إلا عملاً كلاسيكياًإسلامياً وهو ما يعد إكتشاف جديد لقدرة الفن الإسلامي على السبق والتخيل. وتوضح الفنانة زينب الدمرداش أن الخط العربي ينطوي بطبيعته الداخلية على نزعة زخرفية، وتبعاً لتعريف كاندنيسكي وبول كليه، ومن قبلهم الفلاسفة العرب والمسلمون هو عنصر هندسي وتشكيلي عُرف أنه حركة للنقطة في إتجاه ما، كما أن الشيخ محيي الدين ابن عربي أوضح دلالات الحروف العربية من الناحية التشكيلية والصوتية والمعنوية أو الرمزية، ووضع أحكاماً خاصة لذلك، معتبراًأن الحرف شكل هندسي يستقيم على أساس أن النقطة هي بداية الحرف وإنتهائه. ويشرح الفنان صالح رضاأن مفهوم الدين الإسلامي عند تنزيله لم يكن منصباًأو محدداً لفئة بعينها، وإنما شمل كل الفئات في العالم، ومن هنا بدأت فكرة التغيير الذي ليس له حدود ولا يدخل فيإطار إنغلاقي، حيث أنهذا يكسر المفهوم الديني الذي هو مبني على أساس الإبداعية النفسية، أو الإبداع الفكري لشىء يتفق عليه الناس. ويؤكد الفنان أحمد عبدالكريمأن الدين الإسلامي دين علم وعمل، حيث نجد أن بعض مشاهير العرب المسلمين قد قدموا علومهم من خلال المنهج التجريبي كال "الحسن بن الهيثم" منشىء علم الضوء والبصريات، و"البيروني" واضع جدول الثقل النوعي للمعادن، و"ابن النفيس" مكتشف الدورة الدموية، كما أبتكر المسلمون رقم "صفر" وهذبوا كتابة الأرقام، حتى أن "برونوفسكي" في كتابه "إرتقاء الإنسان" قال أن الأعداد الرومانية غير أنيقة إذا ما قورنت بالأعداد العربية، كما أنه أشار أيضا في دراسة له، أن تصميمات الأشكال الهندسية الإسلامية بالغة البساطة، مما جعلت الفنان وعالم الرياضيات شخصا واحداً في الحضارة الإسلامية، فقد إستعان الفنان بالأفكار المثالية لكل من "أفلاطون" و"فيثاغورث" في الإستناد إلى وجود قواعد أساسية في بناء الأشكال الهندسية. تراث معاصر يبقى الأسم دالً على حاله، يحمل مضمون يعلمه الجميع، ويهتم به البعض عشقاً، ويلامسه بعضاً آخر دراسة، ويصطدم به، بعض البعض كموقف عارض، داخل الأسرة عند حصره في صورته المصغرة "الميراث" . ويعنينا هنا الإرث العام كفعل ثقافي وفني من متروكات الراحلين في مجالات الفنون المختلفة، أو ما نسميه على ماضيه "حضارة" ننظر إليها بإعتبارها عمل من ننتمي إليهم من الأجداد، نتعجب من الصنع في دقته، والحذق في فكرته، نقتبس وننقل، عن وعي أحياناً، وبإستسهال في أخرى، نجتزء منه على قديمه، لنضعه في إطار حداثي أو معاصر فقط، فيعطينا صفة الآصالة في حكاياتنا المرسلة وسط التجمعات.. نأخذه حاصلاً مكتملاً من الغرب، دون أن نعمل فيه أسس البحث والدرس، فيخرج منتجاً هجيناً، خليط الشكل والمشاعر، فيسقط في يدنا؛ نستعمله بإبهار كفعل حضاري غربي عالمي، دون الرجوع إلى مصدره وأصله، الذي هو لنا ولكنه بيننا مهيناً ولايكاد يُبيين. "إن لنا تراث لم يعط لأمة غيرنا" هكذا نقول دائماً في جلساتنا وإعلامنا حينما نتفاعل مع حضاراتنا المختلفة، على مستوى الكبر والشيفونية، ولم نتوقف مع أنفسنا لرجع الصورة، ودراسة ما وصلنا إليه في علاقتنا بميراثنا الفني، ونتراجع تحت وطأة وسطوة فكرة العالمية، دون أن نرتبط بمحليتنا، ولم تنفعنا بين الفينة والأخرى إجتهاد المحاولات منذ الثلاثينات وتشكل جماعة الخيال، لمحاولة البحث عن صيغة قومية في أعمالنا في التصوير والنحت، أو دعوة سبعينية لإيجاد فناً قومياً عروبياً؛ في إستلهام من الحرف العربي، إستمرت لدى البعض، وفاجأها الموت لدى آخرين. وكان لزاماً أن نطرق على ذاكرة أحد مُتبقيات تراثنا الإسلامي، ونأتي بفنانين مجيدين، حاولوا منذ فترات متقطعة، متصلة، البحث والتلقي من عناصره المختلفة، أكثرهم بدأ علاقته بالتراث من خلال الدراسة البحثية الأكاديمية في رسائلهم العلمية، وإستمر معهم شكلاً وفي المضمون، وباقين لهم تجارب فنية جاءت إما إعجاباً بالمنتج الأصلي المتروك لنا من السلف، أو الإعجاب بما توصل إليه فنانون آخرون من خلال الإستلهام الفاهم لمعطيات التراث الإسلامي دون النقل المباشر أو التقليد. فكان هذا الزَحمْ الفني على إختلاف مجالاته ( تصوير، نحت، حلي، زجاج، حفر، باتيك، خزف) للإشارة إلى كيفية التعاطي مع التراث الإسلامي ودراسته أو تبجيل تلك التجارب وإبراز دور أصحابها في التمسك بقيمة ما بين أيدينا من إرث فخيم، ينبهر به العالم ويطأطأ رأسه أمامه، وليبقى تراثنا فينا ما حيينا. مجدي عثمان