استمرار توافد المصريين بميلانو للإدلاء بأصواتهم في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات النواب    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    محافظ المنيا: تنفيذ 3199 مشروعا ب192 قرية في المرحلة الأولى من حياة كريمة    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    أوكرانيا: مشاورات في الأيام المقبلة حول خطوات إنهاء الحرب الروسية    وزير الخارجية يؤكد لنظيره النيجيرى أهمية وقف إطلاق النار وإطلاق عملية سياسية شاملة تحفظ وحدة السودان    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    قرقاش يدعو لوقف حرب السودان فورا ومحاسبة طرفي النزاع    يلا شووووت بث مباشر YouTube... مشاهدة مباراة الهلال والفتح في دوري روشن السعودي | شاهد البث دون تقطيع أو تشفير    مدرب الزمالك: شيكو بانزا أرسل لنا شهادة وفاة شقيقه    ماريسكا يعلن تشكيل تشيلسي أمام بيرنلي في البريميرليج    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    غدا أولى جلسات المتهم بقتل مهندس كرموز ب7 رصاصات في الإسكندرية    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    أبرز 6 مواصفات للسيارة الحضارية بديل «التوك توك» في الجيزة    هل من أحد بالخارج.. أفضل عرض في الدورة 11 لمهرجان الحرية المسرحي السكندري    موعد عرض الحلقة الرابعة من برنامج دولة التلاوة على قنوات المتحدة    الحكم على مها الصغير في قضية سرقة اللوحات 27 ديسمبر    «بوابة أخبار اليوم» تكشف القائمة الكاملة لمسلسلات رمضان 2026    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    الرعاية الصحية: الوعي أساس إنقاذ الحياة.. وبرنامج ترشيد المضادات مشروع وطني استراتيجي    وزير الصحة يفتتح تطوير أقسام الطوارئ والعيادات الخارجية بمستشفى المطرية التعليمي    موعد مباراة بايرن ميونخ وفرايبورج بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    عاشور: "إيراسموس" ركيزة أساسية لتطوير وتدويل التعليم العالي في مصر    محافظ أسيوط يشهد انطلاق حملة التوعية بمقاومة مضادات الميكروبات    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    بنات الباشا تجربة سينمائية جريئة غير مكتملة!    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    فريق قادرون باختلاف يتألق على مسرح وزارة الشباب والرياضة في أسيوط    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    وزارة الصناعة: تخصيص 100 قطعة أرض لمشروعات صناعية جديدة في 16 محافظة    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    بالأسماء.. إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل بالبحيرة    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    ارتفاع محدود ب 10 جنيهات.. تحديث سعر الذهب اليوم فى مستهل التعاملات    وصفات من مكونات طبيعية لتنظيف القولون في المنزل    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صباحكم أجمل/ الحصن نجمة الصبح
نشر في شموس يوم 02 - 04 - 2016

هي الحصن لم أَكل ولم أَمل وأنا أجولها برفقة مضيفيني الرائعين الأخ محمد الحتاملة (أبو حسين) وابنته الفنانة التشكيلية رنا حتاملة، وإن كنت أخشى أني أتعبهم كثيراً في التجوال والمشي، فأنا اعتدت أن أجول على قدميّ مناطق بأكملها بدون تعب في الجبال والوديان والخرائب والبلدات، حاملاً حقيبتي الصغيرة وعدستي وقلمي على عاتقي الستيني، وباحثاً في وطني عن وطن.
بيوت كثيرة رأيتها في بلدة الحصن ما زال بعضها قائماً وإن تهدمت الأغلبية، ولفت نظري بيت ما زال الدرج الذي يعلوه قوساً حجرياً قائماً متحدياً غوائل الزمان وعبث العابثين، وإن تهدم البيت، والذي يشير إلى أنه كان بيتاً لأحد من عِلّية القوم ببقايا تصميمه وبقايا الدرج، وواضح أن هذا البيت كان له مبنى علوي (عِلّية) ما يشير إلى وضع اجتماعي أو اقتصادي لمن كان يمتلكه، واتجهنا من هناك إلى متنزه القناطر السياحي، وهو بالأصل كان مطحنة للقمح (بابور طحين) كما اعتاد الناس على تسمية مطاحن القمح التي دخلتها المكننة في الأردن وفلسطين، وضمن مشروع سياحي جميل، والمفترض أن يكون نقطة جذب سياحية لمن يرغب بزيارة الحصن. كان متنزه القناطر مصمماً بشكل تراثي جميل، فالخارج محاط بالأعمدة التي تشابه الأعمدة الرومانية بتيجانها ومدخله كما بوابات الرومان مرتفع يعلوه القوس الحجري وقائم على الأعمدة، وواضح أن الفنان المعماري الذي صممه مازج ذاكرة التاريخ في المنطقة بالفكرة، ففي الداخل وفي كل نمط البناء، نجد التمازج الحضاري الجميل، ولفت نظري مبنى مرتفع وكأنه قلعة تمازج التاريخ بالحديث واستخدمت لها النوافذ الخشبية التي عرفت في مصر، والمطعم بجوار المسبح أخذ بتصميمه طابع الكهوف التي توجد بها الأعمدة الهابطة بفعل تمازج المياه مع الكلس، وفي زوايا مختلفة من المساحة الواسعة كانت هناك بعض القطع التراثية وإن كانت قليلة، وإضافة إلى نمط الأعمدة والأقواس والقناطر التي سادت التصميم، كان هناك استخدام للحجارة القديمة في البناء، ويا ليت البناء بأكمله اعتمد على هذه الحجارة وهي متوفرة بكثرة في الحصن بحكم البيوت المهدمة بفعل الزمان أو هجر الإنسان، وجلسنا لنرتاح قليلاً، واحتسينا القهوة قبل أن نغادر وإن سررت بهذا الجمال والإبداع والفكرة الرائعة والاستثمار الجميل، إلا أني تمنيت أيضاً لو كان تصميم المقاعد والطاولات مستمداً من التراث من خلال استخدام الخشب كي لا يكون نشازاً مع التصميم العام، وأعجبتني جداً الساحة الداخلية للمنتجع بسعتها وإمكانية استغلالها بندوات واحتفالات وعروض سينما.
من المتنزه السياحي كانت وجهتنا نحو بيت تراثي كان يعود إلى (عقله باشا) وهو من علية القوم، ومن تصميم بوابته الخارجية يشعر المشاهد بوضع صاحبه ومالكه الأصلي الاجتماعي فالبوابة مرتفعة وكبيرة تسمح للفارس أن يدخل على ظهر جواده لساحة البيت، وساحة البيت واسعة وواضح انه كان على أطرافها إسطبل خيل، والأبواب القديمة الخشبية التراثية تعلوها الأقواس، وفي وسط القوس حجر منقوش بإشارات تشير لمرتبة اجتماعية لصاحب المكان، إضافة إلى وجود النوافذ التي تعلوها الأقواس وسعة البيت وامتداد مساحته، وهو كما باقي البيوت التراثية في الحصن مسقوف بواسطة العوارض المعدنية، وليس العقود المتصالبة أو نصف البرميلية.
ومن هذا البيت القريب من البركة الرومانية اتجهت للبركة التي تعتبر مركزاً متوسطاً في البلدة وعلى بعد مسافة قصيرة من تل الحصن التاريخي، وهذه البركة كانت تجمع مياه الأمطار منذ العهد الروماني، وكما اعتاد الرومان ففي كل المناطق التي احتلوها وأقاموا بها كانوا يحفرون البرك وينشئون أنظمة للري والقنوات، وهذا شاهدته في العديد من المناطق في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، فالماء كان ولم يزل وسيبقى عصب الحياة، وتمتاز بركة الحصن بمساحتها واتساعها وموقعها، ولكن أثناء زيارتي وجدت أن هناك تقصيراً من البلدية بها، فهي تحتاج إلى تنظيف وإزالة الأتربة المتراكمة والقمامة والنباتات التي نمت على حوافها، لتصبح مزاراً سياحياً وقبلة للزائرين وأبناء البلدة.
وعودة إلى تاريخ الحصن، تشير الأبحاث والتنقيبات الأثرية أنه في فترة الفرعون تحتمس الرابع في العهد البرونزي المتأخر برزت أهمية خاصة لتل الحصن، ففي الدور الأول لهذا العصر كانت للتل أهمية وتواصل مع الحكم الفرعوني، وفي الدور الثاني لهذا العصر ورد في مكتبة تل العمارنة وهي عاصمة الفراعنة في تلك المرحلة، ألواح طينية توثق مراسلات ملوك مصر بغيرهم من الملوك في الدول الأخرى وفيها ما يشير لدور الحصن والأردن، وفي المرحلة الثالثة كانت الحصن مطمعاً للأسرة المصرية التاسعة عشر بسبب شهرتها وغناها بالحبوب والزيتون والعنب وخصوبة أرضها.
بالقرب من موقع البركة كنت أتأمل مدخل مبنى كان يحمل اسم رواق الحصن الفني، وهو من البيوت التراثية أيضاً وبوابته مرتفعة وواسعة وجميلة، وإن تغير الباب إلى بوابة معدنية يعلوها القوس الحجري، إلا أن العارضة الخشبية بين القوس وأعمدة البوابة الجانبية ما زالت موجودة، وبداخل الحديقة وعلى الرصيف ما زالت الأشجار خضراء تشهد على الاهتمام بالبيت، لنتجه بعدها إلى بيت (أسعد معمر) وهو بيت تراثي قديم مهجور وواضح من طبيعة الحجارة أنه بني على أكثر من مرحلة، والبناء الأحدث منه يتميز بالأقواس للأبواب والنوافذ، وتصميم النوافذ طولية واسعة، وكما نظام تلك البيوت التراثية فالغرف تصطف بجوار بعضها، وأمامها ساحة واسعة والبناء يعتمد على الحجر، وساحة البيت الأمامية (المصطبة) مبلطة ببلاط جميل لم نعد نجده هذه الأيام، بينما البيت الأصلي وهو الأقدم فنمط البناء تقليدي جدا ونوافذه مربعة ما يشير إلى أكثر من مرحلة بالبناء وكل مرحلة لها ظروفها الاقتصادية الخاصة بها.
من هذا الصرح السياحي الجميل جلنا عدة مناطق في البلدة تحتوي بقايا للبيوت التراثية، بعضها ما زال مستخدماً بغض النظر إن كان من يسكنها من أهل البلدة أم من العمالة الوافدة، كما سمعت اللهجات خلال تجوالي والترحيب من بعض من هم في هذه البيوت، وبعضها أطلال مهدمة أو خَرِبة تروي بصمت حكايات من مروا منها، متجهين نحو المسجد القديم في الحصن، وهو من أقدم مساجد الحصن مبنيّ من الحجارة على نظام أبنية الحصن التراثية، وله مئذنة جميلة واضح أنها ألحقت بالبناء في فترة لاحقة، ومساحته واسعة وله جمال متميز، وفيه شعرت بعبق الروح وهي تحيا لحظات متميزة في محراب من إيمان وجمال، وبجوار المسجد مباشرة مقر مكتب أوقاف لواء بني عبيد، وحسبما أفادني الموظفون الذين التقيتهم أن هذا المكتب هو المشرف على 105 مساجد، ولكني لاحظت أنه مكتب مكون من غرفة واحدة قديمة وشعرت أنها آيلة للسقوط، فالرطوبة تأكل جدرانها وسقفها، وبالتالي لا تصلح مقراً لمكتب عليه هذه المسئولية، فآمل لفتة من وزارة الأوقاف والجهات المختصة لإيجاد مكتب مناسب حفاظا على الموظفين ودورهم المتميز.
من المسجد القديم اتجهنا إلى متحف الحصن للتراث الشعبي على بعد خطوات من المسجد، وقد انتظرنا بعض من وقت حتى تمكن مضيفي (أبو حسين) من إحضار من يفتح المتحف لنا، ما أثار بذهني تساؤل بعد أن وجدت متحف أديب عباسي مغلقاً، وأجد متحف الحصن مغلقاً أيضا، فهل المتاحف التي تروي حكايات المكان تكون مغلقة؟! وماذا يفعل زائر قاصد للحصن وهو آت من مسافات بعيدة لزيارة الحصن حين يجد متاحفها مغلقة؟!
المتحف يضم كميات جيدة من تراث الحصن حتى أني شعرت حين دخلته بأرواح الأجداد والجدات تروي لنا حكايات وحكايات، فالمتحف يحتوي حسبما سمعت ما يزيد عن ثلاثة آلاف قطعة، ورغم مساحته الصغيرة إلا أني شعرت أني أركب مركبة الزمان وأجول في تاريخ الحصن، فالكثير من القطع المعروضة أذكرها في طفولتي، أو رأيت مثلها في بعض المتاحف التراثية في الأردن وفلسطين، ومن الصعب تعداد أسماء كل القطع التي رأيتها والتي لم تتوقف عدستي عن تصويرها، لكني سعدت وأنا أرى لوح دراسة القمح وأرى الشواعيب والغرابيل والكرابيل ومناجل الحصاد، وعود الحراثة وهاونات الدق والجواريش الحجرية ومحامص القهوة والمهابيش، والجرار الفخارية سواء جرار الماء أو العسل أو السمن البلدي، ووسائل الإنارة من (لمبات الجاز) و(لوكس أبو شنبر) والفوانيس والشمعدانات إضافة إلى الألبسة التراثية، وهذا ما سيكون له استكمال في الحلقة القادمة، فتراث الحصن يحتاج لاهتمام أكبر.
هي رام الله بنسماتها الباردة في هذا الصباح وأنا استعد للسفر لمعانقة عمَّان الهوى والأردن الجميل، فأبعث برسائل التهنئة بمناسبة يوم المرأة للماجدات والنشميات، واستمع لفيروز تشدو: (وفَدت تطالبني بشعر لدنة، سمراء لوحها الملام وذوبا، من أي أهل أنت؟ قالت من الأولى، رفضوا ولم تغمد بكفهم الشبا،فعرفتها وعرفت نشأة أمة ضُربت على شرف فطابت مضربا).
فأهمس: صباحك أجمل رام الله.. صباحك أجمل أردن العزم والهوى.. صباحك أجمل الحصن الجميلة، وصباح أجمل لكل نساء وطننا الماجدات وأمهات الشهداء والأسيرات الصامدات، ومعاً سنواصل التجوال في حكايات الحصن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.