35 مترشحًا يتقدمون لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في اليوم الثاني لتلقي الأوراق    مصدر بالتعليم: لا استثناء من شرط اللياقة والكشف الطبي في مسابقة تعيين معلمي الحصة    حزب العدل يحذر من تعثّر وحدات التغويز والانهيار الهيكلي في إنتاج الغاز: أوقع خسائر ب600 مليون دولار    خريطة أماكن ومدة ضعف مياه الشرب عن مدينة الفشن ببني سويف    أسعار شرائح الكهرباء بنهاية العام المالي 2024/25    موعد صرف مرتبات شهر يوليو 2025.. اعرف هتقبض كام بعد الزيادة الجديدة؟    مواقع الوحدات وكيفية التقديم على الطرح الثاني من مبادرة «سكن لكل المصريين 7»    الرئيس الروسي يدعو دول مجموعة البريكس لاستخدام العملات الوطنية    وزير خارجية إيران يبحث مع نظيره الفرنسي هجوم إسرائيل وأمريكا على طهران    عبد الناصر محمد: متفرغ كليًا للزمالك    اتحاد جدة يستعد لمعسكره الإسباني    تفاصيل اقتراب الزمالك من ضم لاعب البنك الأهلي    منتخب مصر للهوكي يتعادل مع عمان في ثاني مباريات البطولة الدولية الودية    لتنفيذ أعمال الصيانة.. تحويلات مرورية جديدة بالطريق الدائري الإقليمي    أم مصابة بشلل نصفي وأبناء قتلة.. جريمة تقشعر لها الأبدان في إمبابة    وفاء عامر: صورة لعادل إمام تهزم ملايين "التريندات".. المحبة الحقيقية لا تُشترى    تجهيز مركز طب أسرة الزهراء بمدينة طور سيناء استعدادا لبدء التشغيل    معتز وائل يتوج بذهبية نهائي كأس العالم للخماسي    وظائف جديدة في محافظة القاهرة (الشروط والمستندات)    «دي دي»: 20% من السائقين تقل أعمارهم عن 25 عامًا    بسبب خلافات بينهم.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل نجلي عمه في الشرقية    فيضانات تكساس الأمريكية تكشف عن قصور في هيئة الأرصاد الجوية    «المسلماني» يلتقي المايسترو سليم سحاب ويعلن رعاية مشروع «الثقافة لاكتشاف المواهب الموسيقية»    بعد مشوار طويل من النجاح.. أحمد إبراهيم يشارك الهضبة نجاح ألبوم ابتدينا    «الجوزاء أسئلته مزعجة».. 4 أبراج تحب التدخل في حياة الآخرين    أسماء المتقدمين لمنصب عميد كليتي العلوم والطب البيطري جامعة أسوان    أمين الفتوى: 6 حالات توجب الغُسل على المرأة.. 3 منها مشتركة مع الرجل و3 تختص بها النساء    مع فرار مئات السوريين.. الذخائر غير المنفجرة تزيد مخاطر حرائق اللاذقية    لخفض ضغط الدم- 8 أطعمة تناولها كل أسبوع    البحيرة.. فحص 587 طفلا ضمن مبادرة أطفال أصحاء بقرى كفر الدوار    هل يجوز الخروج من المنزل على جنابة؟.. أمينة الفتوى تجيب    نيرة أنور: البطولة العربية لسيدات السلة بداية قوية للأفروباسكت    بايرن ميونيخ يعلن رسميًا إصابة موسيالا بكسر في الكاحل وغيابه لفترة طويلة    وزير المالية: نمو الإيرادات الضريبية بنحو 35% دون فرض أعباء جديدة    هبة عبد الغني تنعى والدتها بكلمات مؤثرة: "حبيبتي وأمي وبنتي وصاحبتي مشيت"    محمد السيد الشاذلى: القضية الفلسطينية ستظل هي قضيتنا الأولى    الأرصاد: غدًا طقس شديد الحرارة رطب والعظمى بالقاهرة 37    دعاء السفر.. اللهم احفظنى فى سفرى وارزقنى السلامة    مرورا ببنها.. جدول مواعيد القطارات من الإسماعيلية إلى القاهرة اليوم الأحد 6 يوليو    موعد تشغيل مونوريل شرق النيل من العاصمة لمدينة نصر    طائرة خفيفة تجوب سماء الساحل الشمالي بعبارة "شكرًا شيكابالا".. فيديو    بعد امتلاء البحيرة، باحث بالشأن الإفريقي يكشف: إثيوبيا تملأ خرانا جديدا مع سد النهضة    كورتوا يدافع عن دوناروما أمام انتقادات التسبب في إصابة لموسيالا    محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من تطوير كورنيش شربين على النيل    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب بولاية نيوجيرسي    ما موقف طالب الثانوية العامة المتخلف عن موعد أداء اختبارات القدرات 2025؟    إعدام 13 طن أغذية فاسدة خلال حملات رقابية مكثفة بالمنيا    رفع قيمة وثيقة التأمين من الحوادث للمصريين بالخارج إلى 250 ألف جنيه    19 مرشحًا لانتخابات مجلس الشيوخ يخضعون للكشف الطبي في أسيوط    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعي مصري    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالدقهلية    البحوث الإسلامية يطلق سلسلة الأطفال المرئية (أخلاقنا الجميلة) لتعزيز الوعي القيمي والتربوي    أحدث ظهور ل«هالة الشلقاني» زوجة الزعيم عادل إمام    «المصري للتأمين» يكشف دوره في دعم السلامة المرورية    الصحة تنظم برنامجا تدريبيا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة الأطباء    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    7 صور لمحمد مجدي أفشة في المصيف مع ابنه    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا والقرآن
نشر في شموس يوم 10 - 03 - 2016


لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على حبيب قلوبنا ، على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و أهلاً ومرحباً بكم معنا على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، نرحب بكم ونرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم شيخنا و أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أكرمكم الله وجزاكم عنا خير الجزاء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
((مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقرآن كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ , وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقرآن ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ , وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقرآن مَثَلُ الرَّيْحَانةِ ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ , وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقرآن كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ]
من هذا الحديث النبوي العظيم – وكل قوله وفعله وإقراره وصفاته عظيمة صلى الله عليه وسلم – حلقتنا لهذا اليوم : أنا والقرآن ، ما هي العلاقة التي ينبغي أن تربط المسلم بكتاب ربه ، بدستوره القرآن الكريم ؟
العلاقة التي تربط المسلم بالقرآن الكريم :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
بادئ ذي بدء ؛ القرآن كون ناطق ، و الكون قرآن صامت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي . أنا أستنبط من هذا النص أن العلاقة بين القرآن والعلم علاقة متينة ، وعلاقة ترابطية ، بمعنى أن القرآن كلام الله ، وأن الكون خلقه ، وأن الحوادث أفعال الله ، والله عز وجل يقول :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة الجاثية : 6]
آيات كونية الكون ، آيات تكوينية الأفعال ، آيات قرآنية الكلام ، هي قنوات ثلاث كلها سالكة بمعرفة الله ، وأصل الدين معرفة الله ، إنك أن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته ، وإن عرفت الله ولم تعرف أمره كيف تطيعه وتعبده ؟ أما إن عرفت أمره ولم تعرفه فتتفنن في معصيته ، هذه حقائق مسلم بها ، أنا أكاد أضع يدي على مشكلة المسلمين الأولى الإيمان بالشرع موجود ، الحلال والحرام ، والخير والشر ، والواجب والفريضة ، والسنة المؤكدة وغير المؤكدة والمباح ، الأمور الفقهية التعبدية بين يدي الناس ، أين المشكلة ؟ النقطة الدقيقة الدقيقة أن وعود الله بالنصر غير محققة الآن .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
نحن لسنا مستخلفين ، الحقيقة المرة وهي عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
الدين غير ممكن الآن بالعكس يواجه حرباً عالمية ثالثة ، كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة :
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[ سورة النور: 55 ]
نحن لسنا آمنين ، لسنا مستخلفين ، لسنا ممكنين ، ولسنا آمنين ، آخر الآية كلمة واحدة :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
[ سورة النور: 55 ]
فإذا أخلّ الطرف الآخر وهم البشر بما كلفوا به من عبادة الله عز وجل فالله في حلّ من وعوده الثلاثة ، إذاً :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[ سورة النور: 55 ]
فلذلك هذا القرآن كلام ، هذا القرآن لا نقطف ثماره إذا قرأناه ، ولا إذا فهمنا معانيه، ولا إذا تزينا به ، تضع المرأة المصحف على صدرها ، ويضع الرجل آية الكرسي في صدر البيت ، هذه أشياء جيدة لكن لا تقدم ولا تؤخر ، لا بد من أن نطبقه :
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))
[ الترمذي عن صهيب ]
المذيع:
دكتور ما المقصود بذلك ؟
الدكتور راتب :
أي إذا إنسان يأكل الربا ، الربا محرم بالقرآن ، معنى ذلك لم يؤمن بالقرآن الإيمان الذي يحمله على طاعته .
المذيع:
دكتور كل بني آدم خطاء .
تطبيق أوامر الله في القرآن الكريم لقطف ثماره :
الدكتور راتب :
خطأ عن خطأ يختلف ، المؤمن يخطئ خطأ غير مقصود ، حينما يعلم أن الربا محرم ، بل هو محرم أشدّ التحريم ، لأنه لا يوجد معصية في القرآن كله توعد الله مرتكبها بالحرب إلا الربا :
﴿ فَإن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
[ سورة البقرة: 279 ]
الإنسان عندما – لا سمح الله ولا قدر – يشرب الخمر يؤذي نفسه فقط ، فإن زنى يؤذي معه امرأة ، فأن أكل الربا انظر المشكلة أنك حينما تضع للزمن ثمناً والأساس الزمن ليس له ثمن ، فإذا وضعنا للزمن ثمناً تجمعت الأموال بأيد قليلة وحرمت منها الكثرة الكثيرة ، قال تعالى :
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾
[ سورة الحشر: 7]
حينما يتداول المال بين الأغنياء ، أنت عندما تأخذ قرضاً ربوياً تضيف الفائدة على رأس المال فيرتفع سعره ، فكلما ارتفع السعر ضاقت مساحة المنتفعين بهذه المادة ، هذه الطريقة تقلب المجتمع إلى مجتمعين ، مليون لا يملكون واحداً ، وواحداً يملك مليوناً ، عندما يكون هناك تفاوت طبقي كبير جداً ، تنشأ الأحقاد والثورات وأعمال العنف ، والعنف لا يلد إلا العنف ، لو تتبعنا هذا الأمر نجد أن المعصية تؤذي صاحبها فقط أحياناً تؤذي معه واحداً ، أما هناك معصية تسبب تجمعاً للأموال بأيد قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، قال تعالى :
﴿ فَإن لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 279 ]
هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً لدى أخوتي المستمعين .
المذيع:
وهذا الفهم الاجتماعي الاقتصادي كله يستنبط من الفهم الشرعي للآية ؟
الدكتور راتب :
طبعاً إله مشرع هو الخبير وحده ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
علاقة أي سبب بالنتيجة علاقة علميّة :
الحقيقة هناك فكرة دقيقة قليلاً ، لو أن إنساناً ساكناً في بيت ، والبيت له بابان ، أعطى الأب أمراً أن يستخدم أحد البابين والثاني ممنوع استخدامه ، ومن يخالف يعاقب ، فإذا دخل أحد أبنائه من الباب الآخر الذي نهى عنه الأب تلقى ضرباً من أبيه ، لكن لا يوجد علاقة علمية بين ضرب الولد وبين دخوله من باب من الأساس صمم للدخول ، لكن من منعه ؟ الأب، هذا منع وضعي ، لكن أي إنسان يضع يده على مدفأة مشتعلة تحترق يده ، فالعلاقة بين احتراق اليد وبين وضعها على المدفأة علاقة علمية ، أنا حينما أؤمن أن أي أمر أمرنا به فالعلاقة بين فعله وبين النتائج علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، وأي أمر نهينا عنه فالعلاقة بينه وبين النتائج علاقة علمية ، هذا الدين علم ، هذا الأمر الإلهي لو نفذ قطف الناس ثماره ، بل أقول لك كلمة أخرى : لو جاء إنسان ملحد وطبق كل أوامر الدين يقطف ثماره في الدنيا ، لأن إيجابيات الغرب بالأصل إسلامية ، لأن الغرب يعبد الدولار من دون الله ، مصلحته أن يكون صادقاً في البيع والشراء ومتقناً ، كل هذه تعاليم شرعية ، لذلك دقق : العمل العبادي يتفق مع العمل الذكي في النتائج يختلفان في البواعث ، لو فرضنا معملاً له مدير عام ، هذا المدير يحمل أعلى شهادة في إدارة الأعمال ، وراقبناه شهراً مراقبة دقيقة ، يوضع في صدره جهاز تسجيل كل أوامره ونواهيه وكل أحواله مسجلة ، هذا الشريط يفرغ ، يحذف التكرار ، من خلال تسجيل شهر نعرف هذا المدير ؛ مواقفه ، انفعالاته ، صبره ، حكمته ، نعرفها كلها ، لو جئنا بإنسان مؤمن نتفاجأ مفاجأة جديدة أن النتائج متطابقة ، العمل الذكي يتفق مع العمل العبادي .
المذيع:
دكتور هذا الإنسان يحمل شهادة إدارة ، والمؤمن لا علاقة له بالإدارة .
الدكتور راتب :
هذه الشهادة تقتضي أن تحاسب العمال محاسبة عادلة ، أن تكافئ المحسن ، أن تعاقب المسيء هذه كلها أوامر دينية ، هو الدين واحد ، نحن عملنا تقسيمات مفتعلة ، العمل الذكي يلتقي مع العمل العبادي في النتائج .
المذيع:
دكتور كلهم يحثون على الأمانة ..
الدكتور راتب :
الأمانة ، والاستقامة ، وإتقان العمل يختلفان في البواعث ، لذلك المؤمن عندما يدير عملاً باعثه أخروي ، باعثه إرضاء الله ، يقطف ثمار طاعته لله في الدنيا والآخرة معاً ، أما غير المؤمن فيقطف ثمار التزامه بمبادئ إدارة العمل في الدنيا فقط .
المذيع:
بما يعرف بالسنن الكونية ، كثير ما نسمع عبارات أن القرآن دستور ما المقصود بذلك دكتور ؟
وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه :
الدكتور راتب :
الإنسان أعقد آلة في الكون قطعاً ، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، انطلاقاً من حرصك اللامحدود على سلامتك وسعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع وهو الله ، دعك من موضوع الدين ؛ اشتريت جهاز كومبيوتر لتحليل الدم ، هذا الجهاز ثمنه مئات الملايين ، تضع نقطة دم يعطيك اثني عشر تحليلاً فوراً ، لسبب أو لآخر التعليمات لم ترسل لك ، لو استخدمته من دون تعليمات عطبته وخسرت ثمنه ، و لو لم تستخدمه جمّدت ثمنه ، التعليمات أليست أهم من الجهاز ؟ اسمع قوله تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقرآن * خَلَقَ الْإنسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَان ﴾
[ سورة الرحمن : 1-4]
أيعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق ؟ ليس لها معنى ، قال العلماء : هذا الترتيب رتبي لا ترتيب زمني ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه ، تقديم رتبي لا تقديم زمني :
﴿ عَلَّمَ الْقرآن * خَلَقَ الْإنسَان ﴾
[ سورة الرحمن : 2-3]
لا معنى لوجوده من دون منهج ، الله أودع فيه الشهوات ، والشهوة عمياء ، والشهوة ممكن أن تتحرك بها مئة وثمانين درجة ، الإله سمح لك بمئة درجة ، هذا في النساء ، في كسب المال ، في كل شيء ، أنت معك حرية مئة وثمانون درجة بكل شيء ، والشرع سمح لك بمئة ، هذا الموضوع تسعون ، هذا مئة وعشرون ، هناك أشياء مسموح بها ، عندك مباح ، عندك سنة غير مؤكدة ، سنة مؤكدة ، عندك واجب ، عندك فرض ، عندك مكروه تنزيهاً ، مكروه تحريماً ، حرام ، أي شيء في الأرض تعتبره عشرة أحكام ، بين حرمة قطعية ، بين كراهة تحريمية ، كراهة تنزيهية ، بين مباح ، بين سنة ، سنة مؤكدة ، واجب ، فرض ، أنت لأنك أعقد آلة في الكون سلامتك تهمك ، سلامتك باتباع تعليمات الصانع ، انطلاقك من حرصك اللامتناهي على سلامتك وسعادتك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، فالإنسان في الأصل السبعة مليارات ومئتا مليون في الأرض ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامته وسعادته واستمراره . سلامته باتباع تعليمات الصانع بالاستقامة ، الاستقامة تؤدي إلى السلامة ، أما رقيه فبعمله الصالح ، العمل الصالح إيجابي ؛ أديت من مالك ، من وقتك ، من علمك ، من جاهك، من خبرتك ، عطاء ، الاستقامة ترك ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما غششت ، كلها ماءات ، الترك استقامة والعطاء عمل صالح ، وهما متكاملان ، والعلماء قالوا : إن ورد أحدهما يعني الآخر ، فإن وردا معاً افترقا .
إذا قلت : الاستقامة تعني العمل الصالح ، قلت : العمل الصالح يعني الاستقامة، إذا قلت : الاستقامة والعمل الصالح ، الاستقامة ترك والعمل الصالح عطاء ، فما لم يعلم الإنسان أن هذا الخالق العظيم هو الخبير بحياتنا ، الخبير بسعادتنا ، بسبب شقائنا ، فهو لا يفقه شيئاً ، لذلك :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
فالإنسان عندما ينطلق لطاعة الله عز وجل ينطلق من عقل واع ، ينطلق من نفس طيبة ، والثمار لا تعد ولا تحصى .
المذيع:
دكتور ربنا أرسل للأمم من قبلنا أنبياء وكتباً ورسالات لتخبرهم ما هو خير الدنيا والآخرة ، وحينما شاء الله عز وجل أن تكون معجزة القرآن خاتمة للرسل ، وبالتالي هي صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامة ، هل نستطيع اليوم أن نطبق القرآن بكل تفاصيله على كل الأقوام و كل الأماكن والأزمنة ؟
منهج خالق الأكوان صالح لكل زمان و مكان :
الدكتور راتب :
لا يمكن لمنهج خالق الأكوان ألا يكون صالحاً لكل مكان وزمان ، إله :
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
هو الخبير الوحيد ، شرعه يمكن أن يطبق في أي مكان وزمان ، عندك أشياء فرضاً استنشاق الهواء فرض ، شرب الماء فرض ، تناول الطعام فرض ، أما إذا كان هناك فاكهة نادرة مثلاً أفوكادو ، فريز ممكن ألا تأكلها ولا تموت ، هناك أشياء فرض ، أشياء واجب، أشياء سنة مؤكدة ، سنة غير مؤكدة ، ثم المباح ، أنا ألبس كنزة ، لونها زيتي بدل الرمادي ، هذه لا علاقة لها بالدين ألوان ، أذواق ، هناك أشياء معتم عليها رحمة بنا ، وكلما تدخلنا فيها تضيق الدائرة علينا ، حينما أسأل وأسأل تضيق الدائرة ، إذا الله عز وجل سكت عنه الأصل أن نسكت عنه ، اذبحوا بقرة ، ما لونها ؟ ما ؟ ما ؟ ضيقوا ، صار ثمنها لا يكفي وزنها ذهباً ، هذا درس لنا ، كل شيء جاء عن الأقوام الأخرى درس بليغ لنا ، شيء الله حدده تحدده ، شيء مفروض فرض ، شيء أقل من فرض واجب ، هناك شيء أقل من واجب سنة مؤكدة ، أقل من سنة مؤكدة مباح ، شيء مكروه كراهة تنزيهية ، ثم كراهة تحريمية ، ثم حرام ، فأنت بطولتك أن تتحرك وفق هذا المنهج .
المذيع:
وهذا تستمد أحكامه من كتاب الله .
الدكتور راتب :
أبداً ومن سنة رسول الله .
المذيع:
دكتور هل نستطيع أن نطبق القرآن كاملاً في هذا الزمان ؟
الآيات في القرآن الكريم قطعية الدلالة أو ظنية الدلالة :
الدكتور راتب :
طبعاً ، القرآن الذي فيه تغير أعطاك حكماً ظنياً ليس قطعياً ، مثلاً إذا قلت لك أعط فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم ، هذه قطعية الدلالة ليس عليها خلاف ، هذه الآية قطعية الدلالة، لا يختلف عليها اثنان في الأرض ، إذا قلت لك : أعط فلاناً ألف درهم ونصفه ، الهاء على من تعود ؟ لك أن تعيدها على الدرهم ، أي أعطه ألفاً ونصف درهم ، ولك أن تعيدها على الألف أي أعطه ألفاً وخمسمئة ، هذه الآيات الاحتمالية رحمة بنا ، هناك آيات قطعية الدلالة .
المذيع:
دكتور نأخذ مثالاً من كتاب الله للآيات التي لا تتبدل .
الدكتور راتب :
﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾
[ سورة البقرة: 184]
ما تحدد نوع السفر ، هناك سفر مطلق :
﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾
[ سورة البقرة: 184]
لو سافرت من دمشق إلى بيروت عشر دقائق لك أن تفطر ، حتى لا يكون هناك اختلاف ، أو منازعة ، ما أعطى صفة أعطى حكماً قطعياً ، سفر فقط ، عظمة الشرع يا سيدي يفعله كل إنسان براحته ، مثلاً :
﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ﴾
[ سورة البقرة: 185]
أي مرض تستطيع أن تفطر ، هناك إنسان المسافة قصيرة في السفر ولا يوجد مشقة يقدر ألا يفطر :
﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 184]
عندنا حدود وعندنا فرص وعندنا نصيحة من الله ، حد وفرصة ونصيحة .
المذيع:
دكتور بإمكاننا أن نطبق القرآن منهجاً كاملاً في حياتنا اليوم لماذا لا نطبقه اليوم؟
أسباب عدم تطبيق منهج القرآن في حياتنا بشكل كامل :
الدكتور راتب :
السبب لأننا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر ، أنت في بلد معين تأتيك ورقة من جهة قوية جداً : تعال غداً الساعة العاشرة ، بلد معين تأتيك ورقة من دائرة البريد : تعال غداً تسلم رسالة مسجلة قد لا تذهب ، الأمر من الآمر ، إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته ، أنا أضع يدي على المشكلة الأولى في العالم الإسلامي ، الأمر بين أيدينا درسناه في الابتدائي والإعدادي والمتوسط والجامعة ، لكن معرفة الله تحتاج إلى تفكر ، لذلك هناك علم بخلقه ، هذا اختصاص الجامعات في الأرض ؛ علوم ، فيزياء ، كيمياء ، طب ، هندسة ، فلك ، رياضيات ، وهناك علم بأمره كليات الشريعة في العالم الإسلامي ، الأمر ، والواجب ، وأحكام الزواج ، والطلاق ، أحكام الشراء ، مليون حكم فقهي ، وهناك علم به ، علم بخلقه اختصاص الجامعات في الأرض ، وعلم بأمره اختصاص كليات الشريعة ، وعلم به ، قال : العلم بخلقه ما ثمن هذا العلم ؟ المدارسة أن تنتسب لجامعة ، هناك أستاذ و سبورة ومرجع – كتاب – وامتحان ، حضور الدرس، والانتباه للمدرس ، والمراجعة ، والدراسة العميقة ، وأداء امتحان ، وأخذ شهادة ، هذه اسمها كلها مدارسة ، العلم بخلقه سببه المدارسة ، والعلم بأمره مدارسة أيضاً ، الفرائض والواجبات وأحكام الطلاق والزواج إلى آخره ، أما العلم به فيحتاج إلى مجاهدة ، جاهد تشاهد .
أنواع الجهاد :
أن تعرف الله يجب أن تطيعه ، وأن تؤثره على من سواه ، العلم به هذا أرقى علم يحتاج إلى مجاهدة ، جهاد النفس والهوى ، وجهاد النفس والهوى مستويات ، أول مستوى جهاد النفس والهوى ، أعلى منه الجهاد البنائي ، تتقن عملك كي تبنى الأمة ، وأعلى منه الجهاد الدعوي :
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
[ سورة الفرقان: 52 ]
وهناك الجهاد القتالي بعد ذلك ، أما نحن فمشكلتنا تقول : جهاد لا ينطلق الذهن إلا إلى الجهاد القتالي ، جهاد النفس والهوى هو الأصل ، هو الأساسي كالتعليم الأساسي ، المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة .
المذيع:
دكتور من أراد أن يصل إلى الجهاد القتالي عليه أن يبدأ بهذا الجهاد ، يجاهد نفسه .
الدكتور راتب :
جهاد النفس والهوى هذا الجهاد الأساسي ، كالتعليم الأساسي ، أو البناء على الهيكل ، هذا الهيكل البنائي تتقن عملك حتى لا نأتي بخبراء ، عندك مهندس ، لماذا تعطي الخبير مئة ضعف عن الوطني ؟ معه خبرات عالية جداً ، الجهاد البنائي إتقان عملك .
المذيع:
الجهاد الثالث بالدعوة ؟
الدكتور راتب :
بالدعوة :
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
[ سورة الفرقان: 52 ]
وأساساً إذا لم يكن هناك جهاد دعوي لا يوجد جهاد بالقتال ، البلد أسلم انتهى .
المذيع:
أما إذا تعرض للاحتلال فهذه الثلاثة تؤهله للجهاد القتالي .
الدكتور راتب :
القتالي رابع شيء ، أساسي ، بنائي ، دعوي ، قتالي ، و آخر شيء الجهاد الإلكتروني ، وهذا موجود ، هناك مواقع ضد الإسلام ، بطولتك أن ترد عليها .
المذيع:
العلاقة التي يفترض أن تربط المسلم بالقرآن ، هل يفترض أن يكون معظم وقتنا مع القرآن في قراءته أم في حفظه أم في تفسيره أم في تطبيقه ؟ بماذا تنصحنا دكتور ؟
تدبر القرآن و تطبيقه :
الدكتور راتب :
أولاً : أن نعيش مع القرآن في تلاوته ، وفي تطبيقه ، وصف الله المؤمنين :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾
[ سورة البقرة: 121 ]
ماذا تعني الآية الكريمة حق تلاوته ؟ أي أن نقرأه تلاوة صحيحة لا خطأ فيها ، ثانياً تعني إن أمكن أن نقرأه قراءة مجودة – إدغام وإقلاب وإظهار ومدود – هذه الأفضل، وتعني التلاوة الصحيحة أن نفهمه ، وتعني في النهاية أن نطبقه ، فلذلك لو أن طبيباً أعطى مريضاً وصفة ، هذا المريض يقرأ اللغة الأجنبية فقرأها قراءة صحيحة ثم وضعها في إطار أنيق ووضعها في صدر البيت ومتع ناظريه بها ، كل هذه الأعمال لا قيمة لها ما لم يشرب الدواء ، فالقرآن شفاء ، والشفاء يعني أن هناك مرضاً ، هذا القرآن ممكن أن نحفظه بشكل رائع جداً ، و لكن هذا لا يكفي ، ممكن أن نجوده بشكل رائع جداً و لكن هذا لا يكفي ، يسمونها بالمنطق شرط لازم غير كاف ، يجب أن تقرأه قراءة صحيحة ، أن تقرأه قراءة مجودة لا يكفي ، أن تفهمه لا يكفي ، أن تطبقه ، هذا هو التدبر في بعض الآراء ، ليدبروا آياته ..
المذيع:
دكتور ما الفرق بين مصطلحات : قراءة القرآن ، تدبر القرآن ، تلاوة القرآن ؟
من طبق كتاب الله قطف ثماره في الدنيا قبل الآخرة :
الدكتور راتب :
الحقيقة أنا لي اجتهاد خاص بالتدبر ، أن تضع نفسك وتقول : أين أنا من هذه الآية ؟
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 261 ]
إذا كان هناك إنسان لا ينفق إطلاقاً ، وضع نفسه أمام الآية فإذا به لا ينفق ، وهذه حقيقة مرة ، هذه بطولة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا ﴾
[ سورة الأنفال: 2]
أنت إذا قرأت أوصاف المؤمنين ينبغي أن تقف عندها ، أين أنا من هذه الآية ؟ هل تنطبق عليّ أوصاف المؤمنين ؟ أو هل تنطبق – لا سمح الله ولا قدر – عليّ أوصاف المنافقين ؟
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
[ سورة النساء : 142]
المنافق يذكر الله لكن ذكره لله قليل ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾
[ سورة الأحزاب: 41 ]
ضع تحت كثيراً أربعة خطوط ، الأمر لا أن تذكره فقط أن تذكره ذكراً كثيراً ، لذلك قالوا :
(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))
[الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ]
(( وبرئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))
[ورد في الأثر]
لذلك البطولة هذا الكتاب وضع لسعادتنا في الدنيا والآخرة ، و لا يوجد إنسان يطبقه إلا و يقطف ثماره بالدنيا قبل الآخرة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
[ سورة الرحمن: 46]
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .
المذيع:
تلاوة القرآن تلاوة تدبر هي المرحلة الكبيرة فيتبعها بعد ذلك بالتطبيق وهو سرّ وجود القرآن ، ماذا عن علاقة المسلم بالقرآن حفظاً ، هل نحن مطالبون بحفظ القرآن الكريم ؟
قيمة الإنسان بما في جوفه من القرآن :
الدكتور راتب :
والله لا يوجد نصوص قطعية الدلالة ، لكن قيمة الإنسان بما في جوفه من القرآن أي ما يحفظه ، لكن الأساس التطبيق ، وأجر ما يحفظ له أجر قطعاً ، لكن أنا أريد ألا نكتفي بالحفظ فقط ، الاكتفاء بالحفظ فقط لا يقدم ولا يؤخر ، سألوا أحد أكبر الأئمة أن فلاناً حفظ كتاب الأم للشافعي ، فقال : زادت نسخة ، إذا اكتفينا بالحفظ فقط زادت نسخة ، القرآن منهج ، يسمونه باللغة المعاصرة : منهج تفاعلي ، التفاعل معه أن تطبقه .
المذيع:
دكتور ما رأيكم في النسخ المترجمة من القرآن الكريم إلى لغات العالم الإنكليزية ؟ العبرية ؟ الصينية ؟
إعجاز القرآن لا يمكن أن ينقل إلى لغة أجنبية :
الدكتور راتب :
أنا أعدها شيئاً جيداً إيجابياً ، لكن التأكيد أن إعجاز القرآن لا يمكن أن ينقل إلى لغة أجنبية ، مثلاً :
﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾
[ سورة البقرة:187]
اقرأ الترجمة ، المرأة بنطال للرجل ، والرجل بنطال للمرأة ، ليست معقولة إطلاقاً، لذلك الترجمات القرآنية للغات الأجنبية هناك ترجمة حرفية وهناك المعنى الذي يؤخذ من هذه الآية ، أكثر الكتب المترجمة غير الترجمة الحرفية في معنى الآية .
المذيع:
هناك بعض ترجمات القرآن بلغة الإشارة هل تصل كل معاني القرآن إلى أولئك بهذه الطرق أم حينها يخرج عن العربية ؟
الدكتور راتب :
يصل بعضها ، لكن مرة زارني مندوب شركة هولندي قال لي : نحن كيف الله يحاسبنا لا نفهم العربية ؟ هو يتكلم معي باللغة الإنكليزية ، أنت لغتك يابانية كيف تعلمت اللغة الإنكليزية ؟ للتجارة ، فإذا كان الدين يحتل مرتبة كبيرة عندك فتعلم العربية من أجله ، لذلك قال سيدنا عمر : "تعلم العربية فإنها من الدين ". من أجل تجارة طارئة ، من أجل كسب وكالات تتعلم اللغة الأجنبية ، وتخاطب الشركات بها ، من أجل الدنيا ، من أجل حياة أبدية سرمدية ألا ينبغي أن تتعلم العربية ؟ تعلم العربية فإنها من الدين .
المذيع:
دكتور قراءة القرآن الكريم من خلال الوسائل الحديثة عبر الجوالات وتطبيقاتها هل هي بكامل أجرها كمن يقرأ من المصحف الورقي ؟
أفضل الأمور القراءة من المصحف :
الدكتور راتب :
أنا أرى أن القراءة من مصحف أقوى شيء ، لكن لها أجوراً متنوعة ، راكب سيارتك تسمع القرآن لا يوجد مشكلة كبيرة .
المذيع:
تقرأ القرآن من جوالك ولا تقرأه من المصحف الورقي ؟
الدكتور راتب :
ممكن من الجوال لا يوجد مشكلة .
المذيع:
ماذا عن سماع القرآن هل الأولى للمسلم أن يقضي وقته في سماع القرآن أو أن يقرأه ؟
ارتباط سماع القرآن أو تلاوته بالظروف المحيطة به :
الدكتور راتب :
إذا كان في مكان لا يستطيع قراءة القرآن يقود مركبته يسمعه ، في سفرة طويلة ، حتى في الطائرة هناك اختيار .
المذيع:
الورد اليومي هل يجعله سماعاً ؟
الدكتور راتب :
هو يقرأ .
المذيع:
دكتور الأصل أن يقرأ القرآن بصوت مرتفع ولا يقرأه في نفسه ؟
قراءة القرآن بصوت معتدل :
الدكتور راتب :
﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾
[ سورة الإسراء:110]
يؤخذ من هذه الآية الاعتدال ، لو كان الصوت مرتفعاً كثيراً وآذى من حوله ، هذا غير لائق ، أما إذا كان الصوت معتدلاً فلابأس ، أما في عيونه فيضعف الأجر كثيراً .
المذيع:
ماذا لو يكون للمسلم ورد يومي من القرآن الكريم ، هل هو ملزم به ؟ هل يصبح فريضة ؟
الدكتور راتب :
أنا أتمنى أن يكون هذا عند الناس جميعاً ، خمس صفحات في اليوم لا يوجد مشكلة .
المذيع:
دكتور بعض الناس يجعل الورد متوزعاً ، بعد كل فريضة يقرأ صفحتين .
الدكتور راتب :
ممكن ، العبرة أن تقرأ القرآن .
المذيع:
دكتور هل الأصل أن نسير في ختمة نبدأ من الفاتحة حتى جزء عم ؟
الإنسان مخير في قراءة السور في القرآن الكريم :
الدكتور راتب :
أنت مخير ، أحياناً أشخاص يقرؤون في الصلاة في السنن من القرآن أمامهم ، عندما لا يكون حافظاً بل كل آياته : والعصر ، لم يعد للآية معنى مع التكرار المستمر ، أما إذا كان هناك قراءة من مصحف بعضهم أجازها بالسنن والوتر وبعضهم سمح بها ، على كل أنت إذا وقفت بين يدي الله وقرأت صفحة من كتاب الله حينما قلت له في الفاتحة : اهدنا الصراط المستقيم ، الرد الإلهي :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الزمر: 53 ]
هذا الصراط المستقيم الذي طلبته من الله ، فعند الركوع سمعاً وطاعة يا رب ، وعند السجود يا رب اعنِّ ، لذلك أنت في الركوع تؤكد خضوعك لمنهج الله وعند السجود تستمد قدرتك على طاعة الله من الله .
المذيع:
سؤال وصل إلينا : لو كان الإسلام حافظاً للقرآن ويحافظ على الصلوات الخمس هل هذا يحميه من الكبائر ؟
الابتعاد عن الكبائر شيء متعلق باختيار الإنسان :
الدكتور راتب :
هذا شيء متعلق باختيار الإنسان ، إذا كان حفظه أدى إلى ملكة يملكها وليس خشية يعيشها ، هناك خشية وهناك ملكة ، سيدي يوجد علماء أجانب ليسوا مسلمين أساساً ألّفوا كتباً عميقة جداً في القرآن ، هذا اختصاص لا بد من إيمان ، إيمان باله واحداً موجوداً كاملاً . والقرآن كلامه فإذا انطلق الإنسان من إيمان بالله عميق ، القرآن له معنى كبير جداً .
المذيع:
من لم يستشعر بعظمة القرآن والخشوع حينما يقرؤه ؟
استشعار عظمة القرآن و الخشوع فيه :
الدكتور راتب :
النبي قال : "جددوا إيمانكم " بالعمل الصالح ، أولاً : هناك توبة ، لو كان هناك مخالفات ولو بدت لنا صغيرة ، تركب في طريق عرضه يقدر بستين متراً ، هذا المثل أنا وضعته ، عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق ، الآن ما هي الصغيرة ؟ حرف المقود سنتمتراً واحداً يميناً لو استمر هذا الانحراف لكان في الوادي ، ما هي الكبيرة ؟ حرف المقود تسعين درجة ، فالنص الدقيق جداً :
(( لا صغيرة مع الإصرار..))
[الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]
الصغيرة إذا أصررت عليها انقلبت إلى كبيرة إلى الوادي .
(( ..ولا كبيرة مع استغفار ))
[الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]
حرفته تسعون درجة وأرجعته .
المذيع:
نريد أن نختم هذا اللقاء بدعاء لعلها ساعة استجابة .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم احفظ هذا البلد ، واحفظ أهله ، واحفظ استقراره ، ومتعهم بما وهبتهم يا رب العالمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، يا أرحم الراحمين .
وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين ، نصل معكم إلى ختام حلقتنا مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، وكان حديثنا فيها تحت عنوان : "أنا والقرآن " نور الله قلبكم بالإيمان .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، والسلام عليكم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.