ڤودافون مصر: التحول الرقمي خفّض زمن الانتظار 32% ووسّع خدمات التأمين الصحي الشامل ل6 محافظات    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 13-11-2025 بالصاغة بعد ارتفاعه الكبير ( تحديث رسمي)    وزير الطيران: تحرير النقل الجوي الإفريقي يدعم التجارة والسياحة ويجذب الاستثمارات    الدفاع الروسية: تحطم طائرة من طراز سو-30 فى كاريليا ومصرع طاقمها    خبير: رون ديرمر أحد مهندسي اتفاقات إبراهام.. جيش اسرائيل مرهق للغاية    دار الإفتاء الفلسطينية تدين إحراق مستوطنين لمسجد في سلفيت    الرئيس الأوكراني زيلينسكي يزور اليونان الأحد المقبل    الصين ترفض بيان مجموعة السبع بسبب «التحريفات والتدخلات»    منافس مصر.. زيمبابوي تخسر بثلاثية أمام الجزائر    نائب محافظ الأقصر والسكرتير المساعد يزوران مصابي حادث طريق إسنا الصحراوي الغربي    بتهمة التزوير.. المشدد 10 سنوات لثلاثة محامين وعاطل بالإسكندرية    مصرع طفلتين فى انهيار منزل من الطوب اللبن بقنا    احتفاء بفيلم «ضايل عنا عرض» في عرضه الأول.. وصفي الدين محمود يعلن توجيه دخل الفيلم لإنشاء سيرك غزة الحر    جواهر تعود لجمهورها بأغنية مفاجأة.. «فارس أحلامي» | شاهد    دعاء الرعد والبرق وقت المطر.. كلمات تفتح أبواب الرحمة    إسلام عفيفى يكتب: نتنياهو.. الخروج الأمريكى الآمن    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض ضرائب على الطرود الصغيرة المستوردة بدءًا من مطلع 2026    مصطفى بكري: «البرلمان الجاي لازم يكون عين الشعب وسيفه مش صدى صوت للحكومة»    الأمين العام لحزب الجبهة: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية مصدر فخر    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    إسعاد يونس: أتمنى استضافة عادل إمام وعبلة كامل وإنعام سالوسة «لكنهم يرفضون الظهور إعلاميا»    كرة يد - تألق الخماسي المصري بفوز باريس سان جيرمان وفيزبريم في أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مزامير عبّاس داخل حسن ومساحات الألم اليوميّ
نشر في شموس يوم 08 - 02 - 2016


[email protected]
لا نستطيع أن ندخل إلى عوالم المجموعة القصصيّة" مزامير يوميّة" للأديب العراقيّ عبّاس داخل حسن إلاّ من مساحة الإنسانيّة الطاغيّة المثقلة بحياة تعجّ بتفاصيل الألم والعجز والخيبة والانكسارات،وتمتح من ذاكرة تفيض بالحسرة على أزمان مسروقة ووطن منهوب على أيدي اللّصوص،والتفجّع من دروب ملعونة سرقته من وطنه وشعبه وذكرياته،كما سرقت الأزمان الجميلة من وطنه العراق،ولفظته هناك بعيداً في منافي الأرض حيث البرد والحزن والوحدة والحنين إلى وطن بعيد وأزمان لا تعود.
أخال أنّ عبّاس داخل حسن قد اختار المزامير لتكون جزءاً من عنوان مجموعته كي يكسر متوقع القداسة المتوهّم من الاسم،إذ إنّه يصدمنا من واقع دنس،وأفعال نجسة،بدل أن نعيش في جو مأمول من الطّهر والنّقاء،وهو يأخذ من تكراريّة الفعل المزموري- إن جاز التّعبير- كي يحيلنا إلى تراكميّة واستمراريّة أثر هذه التّرنيمات اليوميّة التي تمثّل مقطعاً واحداّ لا غير من الحياة،وهو مقطع خيبة الألم وانكسار الرّوح وألم القلب.فهذه المزامير تتكرّر جبراً في حياتنا لصالح شيء واحد لا غير،وهو خرطنا قهراً وقسراً في ألمنا وإكراهاتنا وعوالمنا المستلبة.
وقد بدأ عباس داخل حسن المزامير بعزف ترنيمات حزنه،واستدعاء مفردات ذاكرته بما فيها من أشخاص وأماكن وأفعال،وهي جميعها ترتبط مباشرة أو ترميزاً بوطنه العراق الذي
يعيش فيه،وإن يعيش في مكان بعيد عنه.وهو ينطلق من ذاكرة المكان والزّمان التي تحتلّ وجدانه لينقلنا بسرعة إلى أحزان وطنه ومعاناة شعبه،وهو يقدّم قصصه في هذه المجموعة لاعباً على مفردة الوطن الإنسان والإنسان الوطن،فعندما يتحّدث عن نفسه،فهو يروي قصص الوطن الحزين،وعندما يتحدّث عن الوطن الحزين،فهو يعني بذلك كلّ إنسان في وطنه.
هو يراوح في مجوعته بين القصّة القصيرة جدّاً والقصّة الومضة،ويطعّم فسيفساء هذا العمل بأحجار فنيّة مختلفة لبناء فضاءه السّرديّ المفتوح على تأويلات كثيرة ومساحات شاسعة منهكة من التوقّعات؛فهو يستدعي المفارقة محركاً للحدث،وشكلاً للقفلة السّرديّة،كما أنّه ينطلق من توظيف الموروث السّرديّ في قصصه،وهذا الموروث السّرديّ قد يكون وليد التّاريخ،أو من شذرات القصّ الشّعبيّ أو من فتات التّراث القصصيّ العربيّ،ويجعل من القفلة القصصيّة نقطة مركزيّة لفهم القصّة واكتمال ذروتها،وتفكيك رموزها ورؤاها،كما يستسلم لتيار تداعي الذّكريات والحوار الدّاخليّ المختزل والإغراق في البوح الذي يكون على حساب حجم الحدث في بعض القصص،وهو مدفوع إلى ذلك بقوّة الانفعال الشّخصّيّ وظلال المعاناة الذّاتيّة ومحصّلة خبراته الإنسانيّة.إلى جانب أنّه يستعير الشّكل المتوالد في القصص الموروثة المنبثقة من قصّة أمّ أو محوريّة،ليجعل هذا النّمط السّرديّ المتوالد هو تفريعات على حدث واحد وفكرة جامعة،بما يمكن أن نسميّه بوحدة الموضوع في بعض القصص المتوالدة في هذه المجموعة القصصيّة.
وأيّاً كان المعمار الشّكليّ للسّرد في هذه القصّة،فإنّه ينطلق جميعاً من فلسفة الإضاءة على بعض الوجع،في حين المقصود هو الألم كلّه،ولذلك عندما يقتطف عباس داخل حسن فرعاً من الألم،فهو يومئ بكلّ تأكيد إلى الشّجرة كلّها،وبذلك هو يتوقّف عن مواقف صغيرة في مساحات حرفيّة قليلة،ولكنّه يترك لنا أن نخمّن بحدسنا الخاصّ وبتجاربنا ومعارفنا وخبراتنا وثقافاتنا إلى أيّ مدى
يمكن أن نسقط هذه القصص على واقعنا،وإلى أيّ حدّ نعيش في ظلّها.
وإن فرض سؤال متوقّع نفسه علينا،وألحّ بمعرفة أسباب اختزال العام في الخاصّ والكلّ في البعض في هذه المجموعة القصصيّة،فقد تكون الإجابة متمثّلة بصراحة ووضوح في أنّ الألم والوجع والحزن أكبر وأعظم من أن يُحاط بها في سرد ما مهما بلغ وتغوّل وشمل،ولذلك جاء الاختزال في القصص على حساب الحجم لا على حساب الفكرة أو التّأويل أو الرّؤى أو المرامي.
ومن هذه الخاصّية بالذّات نستطيع أن ندرك أنّ هذه المجموعة القصصيّة هي تجربة إنسانيّة عامّة حتى وإن لبست لبوس الشّخصيّ والخاصّ والمحدّد في بعض المواضع،فهي تحمل فلسفة تجاوز الألم الشّخصيّ بافتراض أنّ الآخر يتألّم كذلك،وأن تأوّه الإنسان الواحد،هو تأوّه للبشريّة جمعاء بمعنى ما.وبذلك نستطيع أن نفهم مغزى الحكمة في هذه المجموعة،فهي مثقلة بثمار الحكمة في جلّ مواضعها،فعبّاس يلتقط الثمرة،ويضعها في حجر المتلقّي،ويترك له أن يتذوّقها على مهل،ومن يفوته أن يحزر الطَّعم،وأن يميّز الحكمة،وأن يستخلص الفكرة،فهو عندئذٍ لا يستحقّ هبة السّرد،ولا جدوى من قراءته للمجموعة سوى تحقيق متعة آنيّة محتملة الحدوث،أمّا المغزى الحقيقيّ من القصص فلا يدركه إلاّ من وعى الألم،وجرّب الحزن،وقرأ هذه المجموعة بقلبه ووعيه وضميره ووجدانه؛فهذه مجموعة قصصيّة تصلح لأن تكون صرخة إنسانيّة وتأوه قلب في إزاء مشهد إنسانيّ مؤلم،وليست حقلاً سرديّاً يقطف المتعة،ويبغي التّسلية وتزجية الوقت،أو أرضاً حالمة هانئة يقصدها المترفون المتخفّفون من الألم والمعاناة والقهر والكبت.
لي أن أزعم أنّ الأديب عبّاس داخل الإنسانيّة باذخ الحضور الإنسانيّ،ألمحي الضّمير،وافر الألم،ولولا هذا الثّالوث الاشتراطيّ لحالته الإبداعيّة في هذه المجموعة القصصيّة لما كانت بهذا الجمال،وهذه الحساسيّة والرّقة والألمحيّة والقدرة على التقاط أصغر المواقف الإنسانيّة للوقوف على بوابة التّجربة الإنسانيّة
بتجلياتها جميعاً؛فهو يملك بامتياز حالة مفرطة من الحساسيّة والقدرة على الالتقاط التي تجعله مرشّحاً أكثر من غيره للألم والحنين والتوّجع والانكسار والحياة حبيس ذكرياته،وهذه الحالة هي من تملّكه قدرة استثنائيّة على بناء قصّه من شذرات الألم ومن تشظّي الوجع.وذلك دون أن يسقط في فخّ الذّاتيّة،ودون أن يغفل الإنسانيّة جمعاء في درسه الخاصّ عنها عبر ذاته.
لي أن أعلن صراحة وبثقة كاملة أنّني أعيش حالة انسجام لذيذ مع هذه المجموعة القصصيّة التي لا نستطيع أن نقرأها دون التّوافر على رصيد إنسانيّ ووجدانيّ يسمح لنا بأن ندخل إلى جوّانياتها،ونتماهى مع دواخلها،ونحيل خاصّها إلى عامّ،وعامّها إلى خاصّ،إنّها لعبة الاختفاء في الذّات،والضّياع في الخارج،وبينهما يسكن الأجمل المفقود،وهو الفرح والسّعادة والخير،وعبّاس داخل حسن يصمّم على أن يحلم بالأجمل،وأن يلعن القبح حتى يتجلّى الجمال وافراً أمامه في عالم أرحب للبشريّة بعيداً عن تطاحنها وقبحها ومآلاتها المأساويّة،وحتى يتحقّق الحلم،ويرحل القبح،يظلّ عبّاس في رحلة مع الكلمة والقصّ إلى أن ينتصر الرّفض على الألم،ويقبر الفرح الحزن والانكسار.
" مزامير يوميّة"هي إحالة إلى جمعيّة التّجربة الإنسانيّة بكلّ ما فيها من خصوصيّة الفرديّة،هي حالة معيشة يحياها الكثيرون،وهي وجع يوميّ يكابده المكابدون،وهي وثيقة تجريم بحقّ كلّ من أساء إلى الأوطان،وخان ضميره،وضيّع إنسانيته وهويته،إنّها باختصار يوميّات إنسان وافر الألم والبؤس وخيبات الأمل في هذا الكوكب الذي يعجّ بالألم والقبح وترّهات الصدف وتحالفات الشّر.هي -باختصار شديد- حلمنا الباقي الأثير بأن تأتي السّعادة مهما طال انتظارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.