" ألا تعلمون أنّنا حين تعمّدنا لنتّحد بالمسيح يسوع تعمّدنا لنموت معه، فدفنّا معه بالمعموديّة وشاركناه في موته، حتّى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضاً في حياة جديدة؟ فإذا كنّا اتّحدنا به في موت يشبه موته، فكذلك نتّحد به في قيامته." ( رومة 5،3:6). تبدأ حياة المسيحيّ بالموت، على عكس المسار البشريّ الّذي يحيا في هذا العالم منتظراً الموت كنهاية حتميّة. فالموت كحقيقة واقعيّة لا يتجلّى في نهاية الحياة البشريّة، وإنّما يتلاشى منذ البدء في اللّحظة الّتي يتحرّر فيها الإنسان من عتيقه ويلبس المسيح ويصير خلقاً جديداً. في سرّ المعموديّة تنكشف لنا ملامح الموت الزّائل مع عتيقنا، وترتسم أمامنا الحياة المعدّة لنا بيسوع المسيح. وبالتّالي فكلّ من اعتمد مات عن الإنسان العتيق وقام إلى الحياة. ما يوضح قول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل رومة: " ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتحد بالمسيح يسوع تعمدنا لنموت معه". فالاتّحاد بالمسيح هو اتّحاد واقعيّ وحقيقيّ بالحياة، فكيف للمتّحد بالحياة أن يغلبه الموت، وينهي قيمته الوجوديّة؟. ولمّا كان قبول سرّ العماد المقدّس اتّحاداً بالمسيح يسوع، أصبحت المسيحيّة الحالة بل الرّتبة الّتي تنقل الإنسان من الموت إلى الحياة بفعل إراديّ حرّ، فتتجلّى أمامنا الحياة الأبديّة الحاضرة فينا. فما نحياه في هذا العالم ليس سوى قشرة تتلاشى وتمّحي، وأمّا الحياة الحقيقيّة فهي الحياة الكامنة في عمق أعماقنا الإنسانيّة، يسوع المسيح الحيّ. يشرح القدّيس يوحنا الذّهبيّ الفم هذه الحياة الّتي ندخلها بسرّ العماد المقدّس إذ يقول: " في العماد يتحقّق عربون ميثاقنا مع الله: الموت والدّفن والقيامة والحياة. يحدث هذا كلّه دفعة واحدة. عندما نغطس برؤوسنا في الماء يدفن الإنسان العتيق كما في القبر من أسفل، يغطس بكماله إلى الأبد. وإذ نقيم رؤوسنا من جديد يقوم فينا الإنسان الجديد عوض العتيق. كما يسهل علينا أن نغطس برؤوسنا ونقيمها ثانية، هكذا يسهل على الله أن يدفن الإنسان القديم ويظهر الجديد. هذا يحدث ثلاث دفعات لكي تعلموا أن ما يتمّ إنّما هو بقوة الآب والابن والروح القدس. ولئلّا تظنّوا أنّ ما أقوله هو على سبيل الحدس اسمعوا ما يقوله بولس: " دفنّا معه بالمعموديّة للموت"، وأيضًا "إنساننا العتيق قد صلب معه"، "متّحدين معه بشبه موته".(رو 6: 4-3). نموت للأبد عن إنساننا العتيق لنحيا إلى الأبد بيسوع المسيح. ومن هنا نفهم بوضوح أنّ الحياة الأبديّة حركة ديناميكيّة، وليست حالة جامدة أو غامضة مبهمة، وإلّا ما سميّت حياة. كذلك نخشع أمام عظمة من أحبّنا أوّلاً، فتصاغر واتّخذ صورتنا ليسموَ بنا إلى مجده. " والآن لماذا تتوانى؟ قم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب. ( أعمال 26:22).