p style=\"text-align: justify;\"لكلّ منّا خبرته مع الموت، ولا يحاول الكتاب المقدّس أن يحوّل أنظارنا عنه بإغراقنا بأحلام خادعة. إنّما نراه في أيّ مرحلة من مراحله يواجه خبرة الموت بوضوح، كموت الأعزّاء وما يجرّه بعد إتمام مراسم الوداع من حزن عميق كما نرى في (تك 50/1-2) حيث يبكي يوسف أباه يعقوب ويقوم بكلّ المراسيم الّتي تليق بدفنه. كما يجب على الإنسان أن يستعدّ لمواجهة الموت كما يذكر المزمور (89/49)، \" أيحيا الإنسان ولا يرى الموت؟. p style=\"text-align: justify;\" هذه الفكرة لا تخلو من المرارة والألم، وأمام هذه النّهاية، نشعر بأنّنا سنفقد كلّ شيء، ونحن متمسّكون بأهلنا وأحبّائنا وكلّ خيراتنا، وهذا طبيعيّ. فنحن أمام رحيل تام عن كلّ ما حولنا من أهل وأحبّاء وأملاك ... p style=\"text-align: justify;\" وعندما نفقد من نحبّ، نتألّم ونتوجّع ونذرف الدّموع، لأنّنا سنشتاق إليهم، فلن نراهم بعد الآن، وهذا أيضاً طبيعيّ . فيسوع بكى لعازر، وحزن لموته. ( ولمَّا رأى يَسوعُ مريم تَبكي ويَبكي مَعَها اليَهودُ الّذينَ رافَقوها، تَوَجَّعَت نَفسُهُ واضطرَبَ، وقالَ: أينَ دَفَنتُموهُ؟ . قالوا: \" تعالَ، يا سيِّدُ، واَنظُرْ\". وبكى يَسوعُ (يو 11/ 33-35). تألّم يسوع لموت لعازر، واضطرب، وبكى، لكنّه وقف عند باب القبر حيث لعازر منذ أربعة أيّام، وقفة رجاء وثقة كاملة بأنّ الإنسان أقوى من الموت، لأنّ إلهنا إله أحياء لا أموات. بالمقابل يسوع لم يردّ الموت عن لعازر ولكنّه أتى لينتشله من أحشاء الموت، من ظلمة القبر. ونلاحظ في الآية التّالية استغراب النّاس من عدم مبادرة يسوع في ردّ الموت عن لعازر: ( لكِنَّ بَعضَهُم قالوا: هذا الّذي فتَحَ عَينَي الأعمَى، أما كانَ يَقدِرُ أنْ يَرُدَّ الموتَ عَنْ لِعازَرَ؟ (يو 11/37). إلهنا الحيّ يأتي إلينا قبل أن نذهب إليه، وينادينا بصوت يدوّي فيه كلّ الحبّ، ليخرجنا من القبر إلى الحياة، كما نادى: لعازر: أخرج!! p style=\"text-align: justify;\" في الإيمان المسيحي، الموت هو سرّ الحياة، الحياة الحقيقيّة مع الله، ولقد نالها الإنسان بقيامة المسيح الّذي غلب الموت. ( أنا هو القيامة. من آمن بي وإن مات فسيحيا ) ( يوحنا 11/25). ولم يعد الموت عقبة أمام الإنسان أو نهاية له وإنّما أصبح عتبة نحو الحياة. p style=\"text-align: justify;\" وقد نتساءل ما معنى أنّنا نقوم في حين أنّه في الواقع تنتهي حياتنا على الأرض ويدفن جسدنا في التّراب؟ لا بدّ أن تنتهي حياتنا في هذا العالم، بمعنى أصحّ حياة اللّحم والدّم، وإنّما شخص الإنسان يبقى أبداً. ولو أردنا أن نعطي مثالاً يقرّب لنا استمراريّة حياتنا، يمكننا أن نفهم ذلك من خلال رؤيتنا لأشخاص فقدوا أعضاء من جسدهم. فبفقدان الإنسان ليده على سبيل المثال، يبقى حاضراً وموجوداً، وبالتّالي فقداننا للّحم والدّم لا يفني حضورنا الشّخصيّ. نقرأ في ( يو-13-1 ) \"وكانَ يَسوعُ يَعرِفُ، قَبلَ عيدِ الفِصحِ، أنَّ ساعتَهُ جاءَت ليَنتَقِلَ مِنْ هذا العالَمِ إلى الآبِ، وهوَ الّذي أحبَّ أخِصَّاءَهُ الّذينَ هُم في العالَمِ، أحبَّهُم مُنتَهى الحُبِّ \". لم يقل كاتب الإنجيل، جاءت ساعة موت يسوع، بل ساعة الانتقال إلى الآب. ويرتبط مجيء السّاعة بفعل حبّ لا متناه. هي ساعة لقاء حقيقيّ بين الحبيب والمحبوب الإلهي من خلال اتّحاد كامل وتام به، اتّحاد الحبّ وانصهار الحبيب بحبيبه. p style=\"text-align: justify;\" كذلك نقرأ في ( يو-12/23-24): فأجابَهُما يَسوعُ: جاءَتِ السّاعةُ التي فيها يتَمَجَّدُ اَبنُ الإنسانِ. الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم: إنْ كانَتِ الحَبَّةُ مِنَ الحِنطَةِ لا تقَعُ في الأرضِ وتَموتُ، تَبقى وَحدَها. ساعة الموت هي السّاعة الّتي يتمجّد فيها الإنسان إذ إنّه يعاين الرّبّ وجهاً لوجه، ويسكن قلبه أبداً. لقد أدرك بولس العظيم معنى أنّ الموت هو للحياة! فالحياة عندي هي المسيح، والموت ربح لي. (فيليبي (1/21). الحياة هي المسيح، فخارج المسيح أنا ميت، وأريد الموت حبّاً به. لم يعد الموت نهاية، بل معاينة للرّبّ وجهاً لوجه، وحياة حقيقيّة ملؤها الفرح والسّلام. محور حياة بولس الرّسول، بل حياته هي المسيح، ويتلهّف ليصبح معه وفيه. (فيليبي1/23-24) وأنا في حيرة بين أمرين: أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح، وهذا هو الأفضل، ولكن بقائي بينكم أشد ضرورة لكم. - وفي كور5/8 - فنحن إذا واثقون، ونفضل أن نغترب عن هذا الجسد لنقيم مع الرب. لهفة الحبيب للقاء حبيبه، لأنّ بعده عن العين مؤلم وإن كان حاضراً في القلب والنّفس والفكر. إنّه شوق ما بعده شوق، وكلّ أبائنا القدّيسين عاشوا هذا الشّوق نحو الحبيب، وتاقوا إلى لحظة اللّقاء به. لقاء حبّ حميم حيث يصبح الشّخصان شخصاً واحداً (اثبتوا فيّ وأنا فيكم). p style=\"text-align: justify;\" الموت ولادة للحياة الأبديّة، وأبديّة لا تعني عتيدة، فلم نعطَ النّعمة لزمن آتٍ لا نعرفه. بل أعطينا لنولد من جديد، وهي تختلف عن مفهوم الحياة الطّويلة في هذا العالم. ولا نعني حياة جامدة فالحياة الجامدة، تعني مائتة، إذ إنّ الحياة حيويّة وحركة، هي ديناميكيّة بدون حدود وفرح يتحرّك منذ الأزل وإلى الأبد. هي ما لم تبصره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يدركه عقل، عالم المجد الّذي يستحيل وصفه. p style=\"text-align: justify;\" إنّي على عجل لأكون مع المسيح ، يقول بولس الرّسول. ( أكون مع )، هذا هو حلم الحبّ، رجاء المنفيّين، ونفاذ صبر الخطّيبَيْن، فرح العودة العميق. لكن هذا يتطلّب أن نكون مأخوذين بالحبّ أو بالصّداقة الكبرى. كان بولس يتحرّق بانتظار أن يكون مع المسيح، لأنّه مأخوذ به، ويريد أن يكون دائماً مع الرّبّ، دائماً. ممّ نخاف إذن، ولم الاتّشاح بالسّواد، ولم الغضب؟ فالموت لحظة اللقاء بوجه المحبوب. تماماً كما تتألّم الأمّ أثناء الولادة، ولكنّها فرحة ومغتبطة لأنّها سترى وجه ولدها. هكذا يكون ألمنا لحظة الموت، فرحاً بلقاء وجه من أحبّنا أوّلاً ومن أحبّنا حتّى بذل الذّات ليهبنا الحياة. p style=\"text-align: justify;\" الموت ساعة المجد وساعة اللّقاء بالسّيد الحبيب. لا نموت أبداً بل ننتقل إلى حضن الآب، لنحيا في فرح ما بعده فرح في العائلة الإلهيّة. كاتب الأيقونة: أيمن نعمة/ سوريا