رئيس «الشيوخ»: المجلس قدم 17 دراسة أثر تشريعي ساهمت في كشف أوجه القصور بالتشريعات    4 توصيات للجنة العامة ب"النواب" حول اعتراض الرئيس على قانون الإجراءات الجنائية    «الشيوخ» يوافق على استقالة 14 عضوا لرغبتهم الترشح في انتخابات مجلس النواب    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    المستشار ناصر رضا عبدالقادر أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الدولة    سباق مبكر على مقاعد النواب فى الأقصر .. السوشيال ميديا تشعل المنافسة    اليورو يواصل التراجع بمنتصف التعاملات اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 أمام الجنيه    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    الرقابة المالية: 773 مليار جنيه قيمة التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة لها بنهاية يوليو 2025    قناة السويس 2025.. عبور 661 سفينة إضافية وتقدم 3 مراكز عالميًا وزيادة الطاقة الاستيعابية ب8 سفن    الجيش الإسرائيلى ينفى دخول سفن "أسطول الصمود" للمياه الإقليمية قبالة غزة    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    4 إصابات جراء هجوم بسكين خارج كنيس يهودى شمال مانشستر    زيلينسكي يحذر أوروبا: روسيا قادرة على انتهاك المجال الجوي «في أي مكان»    فى ذروة موسم الحصاد.. الإغلاق الحكومى يعمق أزمات المزارعين الأمريكيين    من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟    الأهلي يطمئن على جاهزية الشحات للمشاركة أمام كهرباء الإسماعيلية    أحمد حمدى يقترب من المشاركة مع الزمالك فى غياب السعيد    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلى مع المدرب الأجنبى    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    الداخلية تطيح بعصابة مخدرات ظهرت فى مقطع على مواقع التواصل الاجتماعى    "سحر باللبن".. مشادة سيدة و"سلفتها" تنتهى بضبطهما بعد تهديدات بأعمال الدجل    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    كشف غموض العثور على جثة رضيع داخل كيس قمامة بأحد شوارع شبرا الخيمة    الثقافة والإسكان تتعاون فى إضاءة البرج الأيقوني..وفرحت مصر – 6 أكتوبر    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    بعد انفصال 4 سنوات.. ليلى عبداللطيف تتوقع عودة ياسمين صبري ل أحمد أبوهشيمة    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    الاستجابة ل3307 استغاثات خلال 3 أشهر.. مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    أسماء الأدوية المسحوبة من السوق.. أبرزها مستحضرات تجميل وخافض حرارة    الكشف والعلاج مجانًا.. جامعة بنها تواصل فعاليات مبادرة «لمسة وفاء» لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(أزمة النقد الادبي العربي الأسباب والمظاهر والحلول)
نشر في شموس يوم 29 - 08 - 2015


الفصل الاول : وظيفة النقد
وظيفة النقد الادبي اجمالا معاينة النص ، و يعني ذلك تحليله و بيان مواطن الفنية و الابداع فيه ، يقول سعد القصاب (يفترض النقد الفني ضرورته، بوصفه خطاباً وممارسة كتابية تواكب مغامرات الخبرة التجريبية للفنان، و بدائيتها في العمل الفني محاولة منه في إيضاح أو اكتشاف بعدها التعبيري الدال، كي يجعلنا نفهم ما نشاهد من انجازات تحفل بكل ما هو ابداعي وجمالي. من هنا تتأتى أهميته كإجراء ثقافي يقيم علاقة تعقبيه تتوسط المنجز الفني والمتلقي لاستيضاح هذه الممارسة الخلاقة.) (سعد القصاب 2014). الا انه قد اختلف النظر الى وظيفة النقد على التفصيل ، و ان تلك العناصر الاجمالية كيف يتعامل معها تفصيلا و كيف يتم تطبيق ذلك ، فنتج عن ذلك اتجاهان رئيسيان في النقد :
اولا : الاتجاه الواقعي : و الذي يرى ان الادب ظاهرة اجتماعية وان العلاقة وثيقة بين الادب و المجتمع ، و يرى ان الادب انعكاس لمحيطه اضافة الى وظيفته الاخلاقية تجاه المجتمع ، و من اشكاله الحديثة النقد الثقافي .و الذي يجابه بإشكالات جدية . يقول ابراهيم السعافين ( فالدعوة الى نقض اليد من النقد الجمالي و ايلاء الاهتمام الى صور معينة يهتم بها الناس تحت مسميات مختلفة من مثل فلكلور و لعبة كرة القدم و وسائل الاتصال و اصطلح بعضهم تسميتها النقد الثقافي ليست واقعية و لا حقيقية و الاجدر ان نفكر في حالة الابداع و المبدعين و نتحدث بصراحة عن الواقع و نحلل الازمة بدل الهروب منها الى تصورات ذهنية تفاقم المشكلة بدل ان تحلها (ابراهيم السعافين 2011))
الثاني : الاتجاه الجمالي : و الذي يرى ان الادب عمل متفرد ، فيهتم بطبيعة الادب وان رسالته فيه ، و الاهتمام ببناء النص و خصائصه و التركيز على الجمالية التركيبية ، و من اشكاله الحديثة النقد الالسني .
وهناك اشكال اخرى من النقد الا انها في النهاية تعود الى احد الاتجاهين ، و يمكن ببساطة تمييز كون الناقد المعين من اي اتجاه منهما ، الواقعي الاجتماعي ام الجمالي الشكلي . و من المؤكد ان كل منهج لا يسلم بهكذا تمييز بل انه يدعي اشتماله على التكامل فالنقد الاجتماعي يدعي تشخيصه للأنظمة الجمالية و النقد الجمالي يدعي تشخيصه للأنظمة الفكرية ، لكن في الحقيقة كلنا صار يعرف مواطن القصور الظاهر في هذين المنهجين ، لذلك حصلت حالة من الحرج في النقد التطبيقي بعد التطور الكبير في مفهوم الادب و دخول عملية التلقي و القراءة كجزء تكميلي لعملية الابداع ، و تنازل النص عن عرشه ، و التي كشفت ان كلا من الاتجاهين لا يقترب من الحقيقة التي ينبغي الاذعان اليها .
الفصل الثاني : اسس النقد
لا ريب في تميز الكتابة النقدية عن غيرها ، و اجمالا يمكن القول ان المعارف الانسانية تنقسم الى ظاهرية و تحليلية ، تعمد المعارف التحليلية الى اعطاء تفسيرات ممكنة للظواهر ، النقد الادبي ينتمي الى مجموعة المعارف التحليلية ، لذلك فهو الى العلوم اقرب وان كان الجدل قائما في علمية النقد و فنيته ، و على الاول لا بد ان تتسم اللغة النقدية بأعلى درجات التقريرية و الانضباط و الدقة ، و مطالبة العرف و الوجدان بذلك من الواضحات ، و هذا دليل عرفي على علمية النقد .
اهم تلك الاسس التي تبنى عليها عملية النقد ما يلي :
اولا : التخصصية
النقد الادبي عملية تخصصية ، لذلك لا بد ان تتوفر في ممارسها المقومات اللازمة ، و ما عدا ذلك لا تكون سوى مجرد تذوق انطباعي من مثقف او اقحام علمي من خبير في علوم انسانية اخرى .
و المشكلة الكبيرة انه لا يوجد منهج دراسي منعزل بكتب اكاديمية متخصصة بالنقد ، يقول اسكندر نعمة ( ان الاصول النقدية شيء لا يمكن تعلمه لافتقاره الى القواعد و الاصول الثابتة المطلقة اي ان الناقد الدارس لا يدرس النقد في كتاب ككل العلوم الاخرى فيتعمق في البحث حتى يصبح ناقدا لان النقد عملية ذوقية في القسم الاكبر من ساحتها فمن امتلك ناصية هذه الموهبة المترافقة بالذوق الفني يستطيع ان يثقف نفسه في بطون الكتب و بحور التجربة فتصقل موهبته و يتنامى ذوقه الفني( اسكندر نعمة 2008 ) . و هذا ما فتح الباب واسعا امام المختصين بعلوم اللغة في تبني الجانب الاكاديمي من التعليم النقدي ، مع ان منهجية النقد تختلف كليا عن مناهج علم اللغة .في الجهة الاخرى نجد استفحال الكتابة الانطباعية ، المعتمدة على الاوصاف الشعرية و الجمالية الفضفاضة البعيدة عن التشخيص لعدم الاختصاص بالمرة . يقول ازراج عمر ( السائد عندنا في الغالب هو النقد الصحفي المتسرع الذي لا يتجاوز اطر النقد الانطباعي الذي يقوم به الصحفيون الذين ليسوا اصلا بالنقاد ) ( ازراج عمر 2014 ) .
ثانيا : الموضوعية و الحيادية
و من الواضح ان من دون الموضوعية لا يمكن تحقيق تشخيصات صحيحة . و مما يرجع الى الموضوعية الحيادية و عدم تجهيز الاحكام المسبقة و عدم الشخصنة ، و ايضا الابتعاد عن المحاباة و المجاملة ، فان ذلك كله خلاف وظيفة النقد و الغرض الذي كان من اجله .
ثالثا : سعة الاطلاع
اعتبر في الناقد على ان يكون واسع الاطلاع ، و لا يقصد بذلك ان يكون موسوعيا ثقافيا ، بل المقصود ان يكون قادرا على تحديد مواطن الاصالة و المعاصرة و بنية النصوص . فان النقد في جوهره عملية بحث و التطوير مهمة جدا لكل باحث ، و لا بد من ان يكون على معرفة تامة بالمنجز الادبي ، لان من الاحكام الرئيسية و الانظمة التحليلية ما يحتاج الى مرجعيات و مقارنات لا تكاد تكتمل دون الاطلاع المناسب .
ان فكرة الأصالة تأتي من وجوب الاتصال بالسياق الثقافي المنبثق منه العمل النقدي ، و اما المعاصرة فمن فكرة ان النقد عملية انسانية تكون الحركة في مجالها كوحدة واحدة . و من الواضح انه مع حصول ميل في الرؤية فان هذه المكونات ستصبح مناهج متناحرة لا تلتقي ، فيصطدم المواكب بالمحافظ ، الا ان هذا من الوهم ، اذ ليست المقومات الثقافية و الفكرية مصدرا للتحزب و التعصب و انما هي ادوات و مكونات للناقد ، و كلاهما ضروري لشخصيته الموضوعية ، اذ لا يمكن للناقد غير الاصيل ان يبني لأنه بلا جذور و لا يمكن للناقد غير المعاصر ان يعطي لأنه بلا ابواب ، فالأول كالمعلق و الثاني كالمحبوس و كلاهما يشتركان في عامل العزلة .
الفصل الثالث : ازمة النقد
المقام الاول : مظاهر ازمة النقد
* ازمة المصطلح النقدي
من الظاهر جدا وجود ازمة في المصطلح النقدي ، و الى ذلك اشار مختصون يقول وجيه فانوس ( ليس ثمة من لا يعترف بوجود ازمة مصطلح نقدي عربي معاصر ) (وجيه فانوس 2012)
و عزي الامر الى ظاهرة الانكباب على النتاج الغربي دون تروي او استيعاب ، و عدم وجود مرجعية موحدة لترجمة المصطلحات ، يقول الطاهر الهمامي : أوقعت النقول الفردية التي واجه بها النقّاد العرب هجوم المدارس النقدية الحديثة وترسانتها الاصطلاحية في إخلالات جمّة كان من نتائجها فقدان المعرفة المنقولة لنجاعتها الإجرائية وهي تدخل فضاء اللغة العربية – الى ان يقول – وتصحب هذه الفوضى الترجمية لمفردات الحقل النقدي الشعري إخلالات عديدة من شأنها أن تزيد الوضع سوءاً، مردها إلى قصور في تدقيق معنى المفردة المنقولة )( الطاهر الهامي 2012) .
* التقليد و التبعية و الاستنساخ
لقد وردت في كلمات المختصين في الادب و نقده كلمات جهورية في هذا المعنى كالتبعية و التقليد و الاستنساخ ، يرى سيد البحراوي : ان الممارسة العربية الراهنة لا تزيد عن الجمع و التلفيق و التقميش من النظريات التي تظهر في الغرب ثم تختفي ليقوم لنقاد العرب بتلقفها بعد ان تكون حلت محلها نظريات اخرى( سيد البحراوي (1993) ) . و في الواقع ان كل ذلك له اسباب مفهومة فما هو الا نتاج ركود الواقع الفكري و الفلسفي العام في المجتمعات العربية . فكان من الظاهر ان الارتماء في احضان النظريات الغربية و اجترارها مآل ذلك الواقع .
ان التبعية و التقليد و الاستنساخ مظاهر في غاية الضعف الثقافي ، و لا يمكن قبول تبريرات وحدة الانسانية و العولمة و القرية الواحدة ، فان الهوية غير الخصوصية ، و الاستنساخ و التبعية ليس فقط ضد الخصوصية لكي يقال ذلك ، وانما هي خلاف الهوية و تمييع للوجود ، لذلك كل ما يتصور من انجاز مرتقب في هكذا سلوك تبعي فانه لا يثمر من جهة انه محو للهوية و اخلال بالوجود ، حيث انه يفتقر الى الانسجام و التناغم من البيئة الثقافية العربية . يقول فخري صالح ( لقد انسحب النقد العربي من المشهد الثقافي العام لأسباب عديدة اهمها انفصاله عن سياق نتاجه السياسي و الاجتماعي الذي يفترض انه طالع منه ) ( فخري صالح 2013 )
عدم الموضوعية و عدم الحيادية
بسبب عوامل كثيرة و أهمها عدم الاختصاصية و عدم الجدية ، و كذلك الاهمال الواعي او اللاواعي للثقافة ، فان ظاهرة تضاؤل نوعية الاحكام النقدية صارت امرا مستشريا حتى ان الامر بلغ حد فقدان الثقة ، فصارت تتدخل في الاحكام النقدية عوامل كثرة ان لم تكن شخصية فهي فكرية و غير ذلك .
ان عدم الموضوعية و الحيادية هو من اهم العوامل التي تسبب تأخر النقد ، بل و العملية الابداعية عموما ، لأنه يحرف البوصلة عن نقاط التطور الحقيقة و يتجه بالفكر الى وجهة غير مناسبة تتسم بالزيف و الوهم . و لا يصح ابدا التقليل من هذه الظاهرة لان التحرر من سلطة النقد ليس امرا سهلا كما يتصور ، لان النقد في حقيقته وجها من وجوه الثقافة و الفكر العام و الذي لا يمكن اجراء عملية تخاطب فيه الا ضمن تلك النقاط الفكرية و الثقافية .
* الضعف في معاينة الابداع و تقييمه
لقد اشير كثيرا الى عجز المنهج الشكلي الحديث و على راسه النقد الالسني عن تكوين احكام قيمية للنصوص ، فصار النقد مجرد بيان لأنظمة لغوية و وصف لعلاقات بنائية تتساوى النصوص فيها ، يقول ابراهيم السعافين ( ان النقد الالسني على جدته و اهميته لم يستطع ان يفيد النقاد و الدارسين العرب كثيرا في معاينة النص بقدر ما مهد السبيل امام بلاغة شكلية جديد و حسبنا ان نتذكر كتابا هو خطاب الحكاية لجيرار جينيت الذي فيه تصنيف ذكي وجهد كبير و لكنه اورثنا هما ثقيلا بما قدمه من تصنيفات شكلية لا تفرق بين نص و اخر مهما كان البون بينهما واسعا ( ابراهيم السعافين 2011)) .وهذه احدى الاشكاليات ، بل الحقائق التي ادت الى قناعة راسخة بقصور تلك المناهج عن معاينة الاعمال الادبية .
من ابرز الحقائق التي تؤشر الى عدم وضوح انجاز نقدي هو ما صاحب العملية الابداعية من عزلة متأثرة بالتبشير النقدي نحو لغة النخبة ،و التي سرقت من عمر الادب عقودا ، و جعلت العمل الابداعي يقطن في قلاع عاجية عالية ، و كوكبا اخر بعيدا عن الواقع ، كما هو حال الكتابة النقدية البعيدة عن ادوات الفهم الثقافية التي ربما تطال القارئ المميز ايضا ، حتى صار ادب نخبة النخبة ، و تحققت عزلة مطبقة من جهتي العمل الفني و مفسره النقدي يقول شاكر النابلسي في (عزوف القارئ عن قراءة الدراسات النقدية التي اصبحت قاصرة على النخبة المنتخبة)(. لقد كان أمام النقد العربي فرصة كبيرة لتربية أجيال من الشباب على علم وفن النقد الأدبي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، مما كان سيثري الحياة الثقافية العربية بشكل كبير. ولكن إغراق النقد الأدبي بالأيديولوجيا، وانتهاج لغة ملتوية عسيرة، أو كما قال طه حسين (يوناني لا يُقرأ) جعل القراء عازفين عن قراءة النقد الذي أصبح جزء كبير منه طلاسم أشبه بمعادلات الكيمياء والفيزياء والرياضيات. )( شاكري النابلسي 2007)
المقام الثاني اسباب ازمة النقد
انعدام المشروع الثقافي العربي
كثيرا ما يعزى الخلل الظاهر في النقد الادبي الى غياب مشروع عربي ثقافي ، يقول ازراج عمر ( لا احد يمكنه ان ينكر وجود ازمة عميقة في حياتنا الثقافية و الفكرية على نحو عام و تتمثل بعض صور هذه الازمة في ندرة محاولات بناء نظرية ادبية عربية حديثة متميزة و متفردة و مؤسسة على الفكر الفلسفي و على النظريات المستجدة في المجالات العملية .( ازراج عمر 2014 )
ان الكسل العقلي و الخمول الفكري في المجتمعات العربية ، ربما يرجع الى الشعور بعدم الجدوى في التأمل الفكري و التحليل العقلي ، مما ادى الى عزوف واعي او غير واعي عن الابداع الفكري ، مع تخيل ان ذلك اما نوع من الترف الفكري او انه اخلال بالعقيدة . كما انه يرجع في جزء منه الى قصور في المؤسسة الثقافية نفسها ، و الى خلل في مناهج التعليم كما سنبين .
يرافق كل ذلك خلل واضح في المؤسسة الثقافية العربية من حيث بناء شخصية ثقافية عربية يستمد منها المفاهيم التي تنطلق منها الافكار البناءة ، فمن المفترض في خضم هذا التطور الهائل في نظام الاتصال و المعلومات و العولمة الثقافية و الرقمية ، ان يكون هناك حركة موازية و مناسبة في ابراز الهوية العربية تطبيقيا ، و تحقيق مشاركة فاعلة و حضور معرفي و فكري ، و وجه عربي لمراكز ثقافية عالمية ، و لا ريب ان ذلك لا يكون الا بمعونة المؤسسة الثقافية الكبرى المدعومة بشكل لا محدود . كما ان المؤسسة النقدية مطالبة ايضا بتطوير وسائلها استجابة للواقع الجديد و الثقافة الرقمية المتسارعة في النمو ، حتى ان نبيل عبد الرحمان المحيش يعتبر أن وظيفة النقد تجاه الأدب الرقمي العربي -الذي تطور نتيجة لتطور الاتصال- واجب حضاري بامتياز، وأن على الناقد الأدبي الرقمي أن يتوفر على عدة جديدة استجابة لمكونات بنية النص الرقمي.
* انعدام التخصص النقدي
رغم ان النقد الادبي علم قائم بذاته واضح الموضوع و المسائل ، و له مبادئه التصورية و التصديقية الناضجة ، الا انه يعاني من عدم وضوح الاختصاصية الاكاديمية ، بل حتى المدرسية ، فليس من شيء سوى القدرات الفردية التي تمكن من تحقيق المقدرة النقدية للموهوبين . و ربما يعزى ذلك ايضا الى الاختلافات الموجودة في البيئة النقدية التي لم تتمكن من تحقيق هيكلية معرفية مشتركة بخصوص النقد و ما يتعلق به من كيانات و مفاهيم ، و تطبيق ذلك بشكل كتب و مراجع موحدة للنقد تكون الاساس لكل طالب يسلك هذا الطريق ، و يكون التطوير و الترقي بعد تلك المرحلة .
* حساسية الكاتب
لقد اشير كثيرا الى ان انعدام توفر الحرية الكافية للناقد ، و انه كان من الاسباب المهمة في ازمة النقد الادبي ، و ليس فقط مختص بالجو الاجتماعي السائد ، بل ايضا قد يكون بسبب الكتاب الذي لا يتقبلون النقد و يتميزن بحساسية مفرطة ، و اعتبار ان النقد موجه اليهم و ليس عملية تقويمية ، و كل هذا مفهوم في ظل الغياب الكبير للمعاير و الاهداف و الرؤية .
* الخلل في التعليم الاكاديمي
لقد اشار كثير من المختصين ان المؤسسة التعليمية تعاني من خلل كبير في اعداد الطلبة ، بحيث ان الطالب في الدراسة يكون مجرد متلقي لاتفاعلي يغذى المعلومات من دون حراك فكري . يقول شاكر النابلسي في معرض حديثه عن اسباب ازمة النقد الادبي ان منها (سوء مناهج التعليم العربية التقليدية التي تنصب في الدرجة الأولى على التركيز على التلقين والحفظ وتدريس المناهج الموميائية، لا على الخلق والابتكار. وضعف أو خلو هذه المناهج من المواد الفنية كالرسم والموسيقا والنحت والغناء ونظم الشعر وكتابة القصة والخطابة وخلاف ذلك من المواد الفنية التي تنمّي حس الطالب الفني والجمالي وتثقّف حواسه، وتجعل منه ذائقة قابلة لقراءة الأعمال الابداعية وممارسة النقد الفني والأدبي الأولي، وهو ما زال على مقاعد الدراسة المتوسطة أو الثانوية. ونتيجة لذلك أصبحت المدارس والجامعات تقذف كل عام إلى الشارع العربي بآلاف الطلبة الخريجين الذين لا يجيدون قراءة نص ابداعي قراءة نقدية جمالية متذوقة، كما لا يجيدون انتاج الابداع أو انتاج النقد المبدع )( شاكر النابلسي 2012)
الفصل الرابع : الحلول
اولا : التخصص النقدي
ليس النقد عملية تذوق فقط ، و لا حكم انطباعي بسيط ، كما انه ليس بحثا لغويا ،بل هو منهج موضوعي ، له اسسه و مقوماته و موضوعه المتميز ، لذلك لا بد من التخصص في هذا المجال ، كما انه يكون ضروريا انشاء معاهد و مدارس خاصة بالنقد الادبي و دراسات عليا ايضا ، و كذلك الاتجاه نحو اكاديمية النقد و نقد النقد ، بدل ان يكون النقد الادبي موزعا بين اختصاصات لغوية بحتة او اختصاصات ادبية عامة .
ثانيا : وجه عالمي للثقافة العربية
ان العولمة الثقافية حقيقة لا يصح التغاضي عنها ، نتجت عن حركة سياسية و اجتماعية عالمية ممنهجة ، فصار البحث عن اسواق جديدة للسلعة طريقا للعبث بثقافات الشعوب و تلاعبا بمصير الانسان ، و لقد كان لذلك تأثيره على حركة النقد كتأثير على الثقافة عموما ، يقول فخري صالح ( ان النظرية الادبية و الممارسة النقدية هما عادة انتاج للعلاقات السياسية و الاجتماعية ، لقد كان انسحاب النظرية و النقد في العالم خلال نصف القرن الاخير نوعا من التعليق الصامت على التوجهات السياسية و الاجتماعية التي تلغي الانسان و تؤله السلعة بوصفه الصنم الجديد الذي تتعبد له البشرية .) (فخري صالح 2013) . فالتأثير في الغير صار سمة للعصر ، لذلك لا ينفع ابدا التمترس خلف الخصوصية و الاحتماء بالتراث تجاه الافكار الوافدة ، بل لا بد من امتلاك زمام المبادرة و الاتجاه نحو وجه عالمي للثقافة العربية ، يكون مؤثرا في الغير ، و على اقل تقدير يفقد الغير قدرته على افتاح العقل العربي .
ثالثا : نظرية نقد عربية عالمية
من الظاهر ان الفشل الذريع الذي عانته النظريات المنقولة الينا من الغرب صار حقيقة راسخة ، يقول فخري صالح ( ان هذه التيارات النظرية لا تتجذر في الواقع الثقافي الوافدة اليه فإنها تظل مجرد ايقونات ثقافية تهم النخب دون ان تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية التي يمثل الادب بالنسبة اليها بل الفنون عموما تدخلا سياسيا و اجتماعيا و انخراطا كيانيا في الحياة العامة ( فخري صالح 2013) . و بدل ترامي اطراف اللوم ، لا بد من العمل على التحرر من تلك السلطة . طبعا لا بد من الاقرار بوجود فارق حضاري بيننا و بين الغرب و انهم اقدر فكريا و فلسفيا ، الا ان ذلك لا يعني اعلان التبعية ، بل ان هناك معارف مشتركة انسانية حقيقة ممكن الاستعانة بها في الاسراع في بناء النظرية العربية المنبثقة من رحم هذه الارض و المترجمة لحقائق أناسها و افكارهم .
و ربما يكون المدخل الحقيقي نحو نظرية نقد عربي هو الاقتناع بان النقد الادبي علم و ليس فنا ، فيعامل كالعلوم الاخرى من حيث التسليم بالحقائق و البناء عليها و المناقشة و التجريب و اللغة التقريرية ، و عدم قبول الاجتهادات الفردية من دون ادلة معتبرة داعمة . و لا ريب ان الاستقراء هو احد اهم الامور التي تعطي للنظرية مصداقية و تحكم بواقعية المعامل الثقافي او الادبي المشار اليه ، فلا تبقى العناصر الادبية و النقدية مجرد ممكنات بل واحيانا مجرد ادعاءات لا ثقة بها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.