ترجمة الأدب عملية مرهقة تحتاج إلى مقاتلين ومصر ولادة بالمبدعين حوار: عبد الرحمن هاشم في البدء كان التنبؤ من مدرسة اللغة العربية في المرحلة الإعدادية، التي سألته ذات يوم إن كانت له صلة قرابة بالإذاعية الأديبة سلوى حجازي، فأخبرها أنه مجرد تشابه أسماء، فقالت له: تكون يوما ما شاعرا مثلها. إنه الشاعر والمترجم حسن حجازي حسن، الشرقاوي المولد والنشأة والإقامة، الذي عمل بالتدريس عقب حصوله على ليسانس الآداب والتربية تخصص لغة انجليزية عام 1982م من كلية التربية، جامعة الزقازيق. وهو عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو جمعية المترجمين واللغويين المصريين بالقاهرة، وعضو نادي الأدب بالشرقية، التقيناه لنقف على مشواره الأدبي الطويل وما أنتجه خلاله مستهدفاً في كل ما أبدعه إرضاء ربه، ورفعة وطنه، والارتقاء ببنيه.. فإلى نص الحوار: بداية نود التعرف عليك وحدثنا متى وكيف اكتشفت ذاتك الأدبية ؟ بعد دخولي المرحلة الجامعية ودراسة الأدب الإنجليزي شعرا ونقدا ومسرحا ورواية بالتوازي مع دراسة الرواية العربية وقراءة قصة زينب لهيكل وقصص يوسف أدريس وشعر جبران والعديد من الروائع التي تأثرت بها علاوة على التراث المترجم من الأدب العالمي للعربية من شتى الآداب فكنت مداوما على القراءة إلى حد الإدمان وتتلمذت على أسلوب صلاح عبد الصبور شعرا ومسرحا، ولم أترك له مؤلفاً إلا وقرأته وكانت الظروف مهيئة للقراءة وكان الإهتمام كبيرا بالثقافة من كتاب، ومسرح، وسينما. وأول مجموعة شعرية نشرتها كانت بعنوان "عندما غاب القمر "، جمعت فيها أبداع البدايات، وأذكر أنني تقدمت بقصيدتين منها في مسابقة الجامعة وحصلت قصيدتي نبوءة القمر على المركز الأول وتسلمت مظروفاً فيه ثلاثون جنيها وشهادة تقدير. نبؤة القمر ! ينبئني القمرُ بأنكِ مت ِ يومَ نسيت ِ ميعادي الأول يومَ قتلت ِ الذكرى بينَ دفاترِ الأنتظار يومَ هتكت ِ عِرضَ الحب بعدما خنت ِ هذا القلب وتدثرت ِ بلون ِ الصمت وتناسيت ِ عهود الحب . *** ينبئني القمرُ بأنكِ متِ يومَ قبعت ُ وحيداً أنظر يومَ سألت ُ الدربَ الأخضر والعشاقُ أثنين اثنين والأشواق ُ تهز ُ الصدر والكلمات ُ هنا بلا صوت احدث ُ نفسي بأنك ِ عدت ِ أصبر ُ نفسي بالأحلام ِ بالأوهامِ وبالتذكارْ لكنكِ خنت ِ وليتكِ عدت ِ مع الإعتذار فثارت روحي ونسيت ُ جرحي الدامي وإذا الحقد ُ أعماني يهزُ نبضَ وجداني يزعزع َ فيَّ إيماني بأنك ِ أنت ِ قدري بأنك ِ أنت ِ عصياني يقولُ إليك َ بالشوق ِ والسغب ِ ودعها ترتوي الهجر َ تهيم ُ وتعرف ُ الذكرى فإن عدت ِ مع النهار تلتحفينَ الصمت والقلب ُ تضنيه ُ سحبَ الأنتظار : أقول ُ ماتت ذكراك ِ يوم َ نسيت ِ ميعادي الأول يوم َ هتكت ِ ع رضَ الحب بعدما خنت ِ هذا القلب بعدَ الهجر وبعدَ الصد بعدما مات َ منا الحب عودي قد ماتَ القلب عودي قد ماتَ الحب !! *** سئمَ العصفور ُ طولَ الأنتظار سئمَ توالي الليل ِ عليهِ والنهار سئم َ الدنيا سئم َ الحب سئمَكِ أنت ِ ومات َ النبضْ فعودي لدنيا الهجر عودي لدنيا الصمت فالقلب ُ تاه َ منهُ الوجد ودعيني وحدي ينبئني القمر ُ بأنك ِ مت ِ يحاورني وأحاوره يكذبني وأكذبه يجادلني وأجادله فإن عدت ِ فُضَت مجالسُ الجدل ورُفِعَت جلسة ُ المنطق فيضيع ُ القلب ُ فى بحور ِ العشق ويتوه ُ العقل ُ فى حرب ِ الجمال لكني ما زلت ُ وحدي مع القمر يحاورني وأحاوره يكذبني واكذبه يجادلني وأجادله ويكاد ُ يقنعني بأنك ِ مت ِ ..!! بعد التخرج مباشرة جاء تكليفنا للعمل بالتدريس في مدارس مدن القناة خاصة بعد عودة أهلها، وكانت مدينة السويس من نصيبي حيث كنت أنعم بمناظر الغروب والسفن المارة على صفحة القناة وأحيا فترة من أبهى وأجمل لحظات عمري في "حي الغريب " مركز المقاومة الباسلة وأتعرف على "كابتن غزالي "، وأرى قوافل التعمير تزهو وتعلو بعد عودة المهجرين، ومساهمات الأشقاء العرب في الإعمار والتنمية ( مدينة فيصل مدينة زايد مدينة الصباح وغيرها) .. لكن ما تركته تلك الفترة كان له بالغ الأثر في حياتي وكتاباتي وتشكيل وجداني الشعري خاصة والأدبي عامة.. كتبت فيها الكثير من النصوص التي أعتز بها، ومنها نص "بعد العودة" من مجموعة " في انتظار الفجر " : بعد العودة ! زارني الماضي في صوتِ الحبِ الحاني فقطعتُ مئاتِ الأعوامِ إلى الغد فهجرتُ الحلم ونسيتُ الجرحَ المتعطشَ لدماءِ القلب فغصتُ في بحرِ الحب يرفعني الموجُ إلى عينيك إلى الشط كنت ُ عزمتُ أن أطوي السبع بحور لآتيكِ بسرِ الورد المؤتلقِ الحسنْ لآتيكِ باللؤلؤلةِ الأم لتزينَ أجملَ نحر تحرسُ أغلى الثمرات إن عمَ الليل أو غدرَ الشط كنت ُ عزمتُ أن آتيكِ بالأقمار السبعة المزروعةِ وردْ أن آتيكِ ببقراتِ " يوسف" الِسمان لترعى حقولَ الحنطةِ عندَ الشط لكني أأسفُ يا حبي فعمري أقصر من نَولِ الحلمْ سأزرعُ عمري شجرة تفتقُ أحلى زهرة ترعى أنضرَ صدر تحوطها سنواتِ عمري فتثمرُ أطيبَ ثمرة في بستانِ الصدقْ معذرةً يا حبي فربحي من أولِ رحلة كانَ الصدقْ أيكفي مهراً ؟! ثم أخذتنا رحلة الحياة لنركب قطار الزواج ، وكان السفر للمملكة العربية السعودية الذي دام قرابة الخمس سنوات، ثم عدت لأنشر النصوص القديمة التي عثرت عليها بين أوراقي وكنت قد عزمت على نشرها من قبل فنشرت "في انتظار الفجر"، و "حواء وأنا " طبعة أولى تحوي من النصوص ما يبشر بمرحلة قادمة أقتطف منها هذا النص الراصد لفترة هامة من تاريخنا بعنوان : ما بعد َ قانا !! هنا القاهرة هنا الصمت هنا السكوتْ هنا الملايينُ يبحثون َ عن القوتْ هنا العظمة و الملكوتْ خير ُ اجناد ِ الأرض مَّن ْ علموا الناس َ الصمودْ هنا بيروت اترك ْ منزلك وإلا تموتْ هكذا حكم َ الطاغوتْ هنا بغداد الموت ُ على رؤوس ِ الأشهادْ فلتحكم لغة ُ البارود هنا واشنطن فلتصمت ْ جميع ُ الإذاعات ولتركع كل العواصم وليحيا الشرقُ الأوسط الجديدْ ! وواتتني الفرصة مرة ثانية لنشر " حواء وأنا " في طبعة ثانية حوت الكثير من النصوص الجديدة، فكانت التجربة تتطور وتنضج، وظهرت السياسة والقضايا العربية بجلاء في "حواء وأنا " في طبعتها الثانية، أقتطف منها نصا يظهر تأثري بالشاعر الكبير "أمل دنقل" قلت : ثوبُ الزفافِ أبيض/ لونُ الكفنِ أبيض/ أهناكَ فرقٌ بينَ أبيضٍ وأبيض ؟/ الناسُ في بلدتي ما زالوا / يزورونَ القبور/ ويحرقونَ البخور/ ما زالوا يتبركونَ بالأولياء/ يؤمنونَ بالأسياد/ ويوَفونَ النذور !) واستمرت الرحلة مع العديد من الإصدارات الأخرى مثل : همسات دافئة التي في خاطري 25 يناير ميلاد جديد الربيع على ضفاف النيل رسائل الحنين. ما الذي جمع الشاعر مع المترجم؟ حدث الأمر مصادفة عندما كنت أتصفح قصيدة وقعت في طريقي مصادفة، لشاعر إنجليزي شهير هو "جون كيتس" فخطر ببالي أن أترجمها وأقوم بنقلها للعربية فكانت كما يلي : كفاك َ دمعاً ونحيب بالله يكفي ! فالوردُ سيزهرُ في عامٍ قادم إن كنتَ تدري ؛ كفاك َ بكاءً وعويلا بالله يكفي , فالبراعمُ الصغيرة نائمة في قلبِ الجذرِ الفضي تحلم بربيعٍ وردي , جفف دموعكَ جففها لأنى تعلمتُ فى الجنة شدوَ نغمي الشجي الذى يخففُ حزن الإنسان كفاك دمعاً ونحيبب بالله يكفي , فالوردُ سيزهرُ في عامٍ قادم إن كنتَ تدري ؛ وبعدها نشرت هذه الترجمة على أحد المواقع المتخصصة في الترجمة لاقت استحسانا وقبولا. وهذا شجعني على ترجمة إحدى سونيتات شكسبير الشهيرة وهي : عشيقتي عيناها جميلتان ولكنَ الشمسَ أجمل ; شفتاها في حمرةِ المرجانِ لكنََ المرجان أنضر ; وإن كانَ الثلجُ أبيضاً فهل لونُ صدرها الرمادي أفضل ; وإن كانَ الشَعرُ كأسلاكِِ الحرير أينمو برأسها سلكٌ أسمرْ رأيت ُ الوردَ مبتهجاً .. أحمرا وأبيضا , لكن هل ينمو مثل هذا الورد بخدها ; وأذا كانَ بعضُ العطرِ أطيبا فحينَ تتكلمُ , حبيبتي , ينبعثُ دخانٌ من أنفها . أحبُ سمعاها تتكلم ولكنني أعلم جيدا أن للموسيقى عذوبة أكثر من صوتها ; أقسمُ أنني لم أر ملاكاً على الأرضِ ماشياً; فحين تمشي معشوقتيِ تتعثر فى خطوها . رغم َ ذلكَ , أقسمُ أنَ حبي لها نادر كتلكَ المقارنةِ الظالمةِ لها وكم أكابر . بعدها تيقنت أني لابد وأن أفعل شيئا ما في هذا المجال وبدأت في اختيار ما يروق لي من قصائد من عصور شتى من الشعر الإنجليزي وكان الإصدار الأول في مجال الترجمة " سبعة أعمار للإنسان " من خلال دار الأجيال في الشرقية وقد تضمن الكتاب أكثر من ثلاثين شاعرا من شعراء انجلترا من مختلف العصور مع نماذج من أشعارهم وكانت تجربة أولى غنمت منها وتعلمت الكثير. عودة لسؤالنا : ما الذي جمع الشاعر مع المترجم؟ أيقنت الآن انه لا انفصام بأي صورة من الصور بين الشاعر والمترجم فهما ينبعان من معين واحد ويصبان في نفس المعين ويغترفان من نفس النبع. كنت قد عثرت على قصيدة قصيرة لشاعرة امريكية رائعة هي : أميلي دينكسون من مجموعتها الشعرية " الأبدية والخلود وكانت كما يلي : في خضم هذا البحر العجيب , أبحرُ في سكون , وأنتَ تعرف الشاطيء , تقدم ! أيها الربان ! هيا للأمام ! إلى هناك حيث تنامُ الأمواج ساكنة , و تهدأ العواصف ؟ في الغرب الهاديء الوديع الكثير من الأشرعة واقفة في سكونْ المراسي مثبتة بإحكام , إلى هناك سأقودك أنت ,– ترَجَل , أهبط , أنظر هناك ! الأبدية والخلود ! وأخيراً وجدنا الشاطيء ! كانت المقطوعة القصيرة في حجمها، الرائعة والموحية في مضمونها، الشرارة التي أثارت في وجداني نصا من أقرب النصوص لقلبي والذي خضع لكثير من التأويلات والتحليات والتفسيرات. والنص بعنوان : مسافرٌ إلى الغد ! بينكَ وبينَ الضفةِ الأخرى لم يبق سوى القليل أو أكثر بقليل أو أقل بقليل , بين َ الظلمةِ والنور بين َ خطوطِ اليأس وآمالِ الرجاء , تقدمْ لو عمَ السواد تقدم لو سرقوا من العينِ الضياء , تذكر أنك َ على موعدٍ هناك أصمد لو كُسِرَ المجداف لديك َ الف ُ ذراع ٍ وذراع أصمد لو بَعُدَ الشط أصمد لو تاه الغد أصمد لو تجمعت كل ُ المَرَدة وأعوانُ الشيطان أصمد لو تجمعت ألوانُ الزيف وتجمع كلُ السحرة من عهدِ فرعون الى البنتاجون لا تخف إلق ِ عصاك فيكَ بأسُ موسي نبضُ عيسى نورُ محمد تشبث بالإيمان : " ….. فلا يغرركَ تقلبهم في البلاد " , وتذكر : " إرم ذات ِ العماد " , تقدم لو سرقوا من النورِ الشطآن ولا تنس إنكَ إنسان يسري فيك َ النورُ الأبيض من ملائكة ِ الرحمن تتنفسهُ في بسمة في نسمة في وردة في رفرفةِ فراشة تداعبُ ألوانَ الطيف فلتمسك بالضوء وتتمسك بالطهر يصبح ُ الليل ُ الأسود ُ عندك ظُهر يهديكَ إلى الشط أصمد فالمرسى ليس بعيد تحمل على ظهرك َ همومَ العبيد احلام َ المقهورين المنهزمين البسطاء الغرباء ضحايا الغلاء ضحايا النفط ضحايا القحط العطشى لشربةِ ماء للستر للكِساء أصمد فالشاطيء ليسَ ببعيد ها… قد وصلنا تشبث بالغد بالوعد أثبت يا عبد الله أثبت ثبتكَ الله أنظر للطهر لينابيعِ الخير هناكَ آلافُ الأحرار هناكَ الأطهار هناكَ الأبرار هناكَ الأحبار وأخيراً وصلنا للشط وصلنا للغد وأخيراً أدركنا الخلد وأخيراً وجدنا الله ! فهنا يتداخل ويتناغم المترجم مع الشاعر . والأمثلة كثيرة ومنوعة لتظهر العلاقة واضحة جلية بين الشاعر والمترجم . وانظر هنا كيف ترجمت نص جيمس لي هنت بتصرف يسير مع الإلتزام بالمعنى العام لقصيدته أبو ابن أدهم: أبو بن أدهم رضي اللهُ عنهُ وأرضاه ، استيقظَ ذاتَ ليلةٍ وضوءُ البدرِ يزينُ محياه ، رأى ملاكاً يرفلُ في طهرهِ وفي بهاه يدونُ في صحيفةٍ من ذهبٍ أسماءَ مَن يحبون الله ، فسألَ في خشوعٍ : هل اسمي بينهم ؟ قال الملاكُ : لا وحقِ الله ! قال أبنُ أدهم : اكتبني كإنسانٍ يحبُ إخوانه من عبادِ الله ، انصرفَ الملاكُ وتركَ ابن أدهم غارقاً في صلاته في دموعهِ ، في خشوعهِ ونجواه ، عادَ في الليلةِ التالية والبِشرُ يزينُ سناه ، قالَ أبشر يا ابن أدهم أسمكَ أولُ الأسماء ، فَمَن يحبُ الناسَ يحبهُ الله ! فاغرورقت عيناهُ بالدمعِ وظلَ يسبحُ ويحمدُ ويرددْ: الله الله الله ! وكانت ترجمتي لقصيدة " سبعة أعمار للإنسان" شعر وليام شكسبير كما يلي : العالمُ في معظمِ الأحوال ما هو إلا مسرح كبيرْ ومعظم ُ الرجالِ والنساءِ عليهِ : مجردُ ممثلين , ما بين دخولٍ وخروجٍ بتوقيتٍ معلومْ وعمرٍ مبين , الرجلُ الواحدُ في عمره له عدة ُ أدوار ومراحل قد تمتد لسبعة أعمار الدور الأول كرضيع , يناغي .. يلاغي .. يتفيأ ..يتقيأ .. بين أحضان المربية يلعب يستصرخ منها الحبَ ويطلب الحنان ! ثم الدور الثاني : التلميذ الشاكي الباكي بحقيبة كتبه المدرسية ووجهه الصباحي المشرق يزحف مثل القوقع الكسلان يذهب لمدرسته مرغماً , غضبانْ ! الدور الثالث : يتمثل في دور الحبيبِ الولهان يتنهدُ كالبركان مردداً أغاني الوجدَ والهيامْ متغزلاً في رمش حبيبتهِ وجمالها الفتانْ ويأتي الدور الرابع : في دور الجندي المغوار حامي حمى الأوطان يملأهُ الحماسُ لايخش من بردٍ أو نارْ بلحيةٍ كثيفة مثل النمرِ الجبارْ يغار ُ على شرفِ الأوطانْ , يغار , يبحث عن الشهرةِ الزائفةِ والإعلان حتى لو كانت في مدفع رمضان ! وتأتي المرحلة الخامسة : في الحكمة كالكهانْ ببطنٍ منتفخ ٍ في الحق ِ لبيبٌ كالميزانْ كالديكٍ المشوي سمينٌ عندما ينكبُ عليهِ الخلانْ بعيونٍ حادة تملأها الحكمة ولحية مشذبةِ الأركانْ يحوطها بأغلظِ الإيمانْ مسايراً للعصرِ : عيناً من الأعيانْ ! وهكذا يلعبُ دوره المرسوم دوره المقسوم بإتقان اليوم وعلى مرِ الأزمان وسبحان من خلقَ الإنسانْ لادوار هيأها الرحمنْ فسبحان من لهُ الملكُ وسبحانَ من لهُ المجد والسلطان , اليوم وعلى الدوام ! العمر السادس للإنسان يدخلُ بهِ لشخصية المهرج أو قل البهلوان , بخفته ولباسه الفضفاض وحركاته , بلا اتزان , بنظارة على أنفه وجراب على جانبه , ملأن , ورباط مشدود على ساقه في أتقان , وعالم ممتدٌ رحبٌ أمامه يدفعه للأمام , وساق نحيلة , وصوته الضخم الرجولي , يتحولُ ثانية لصوتٍ حادٍ كالصبيانْ , يصفر في حنجرته يملأ بحدته المكانْ . المشهد الأخير لينهي هذا التاريخ الغريب الحافل بالأحداث للإنسان , هو الطفولة الثانية لمرحلة النسيان أو قل الهذيان , نراه, بلا عينين, بلا قدرة على التذوق , بلا أسنان , كسلانْ , مجردُ من كلِ شيء , بقايا إنسانْ , فسبحانَ الله , مَن لهُ البقاء والدوام والإحسان . أيهما أقرب إلى قلبك الشعر أم الترجمة؟ الشعر والترجمة، لا فرق بينهما، وإن كان الشعر بالطيع أقرب فعندما نكتب، لا شعوريا، نستدعي كل الرصيد من تجارب وخبرات ومواقف وترجمات الكثيرين ليظهر جليا واضحا في النص، وكذلك عندما نقوم بترجمة أي نص، فيطل الشعر برأسه ليتسيد التجربة والموقف ليخرج النص في شكله النهائي أقرب للغة الشعرية وهذا ما لمسته من حرص دكتور "إسلام عيسى" عندما كنا نتعاون ونعمل معا في ترجمة سونيتات جون مليتون التي لم يسبق ترجمتها للعربية، فقد كان حريصا على إظهار وإبراز الموسيقى الشعرية في الترجمة للعربية للشعر، كما ذكر لي من خلال دراسته للتراجم والإسهامات التي قام بها دكتور محمد عناني الذي يحرص دائما على إظهار الموسيقى وأثرها في النص المترجم، وهذا ما أحاول التميز به والعمل على أساسه دائما. جدير بالذكر هنا قام دكتور إسلام عيسى بعمل دراسة خاصة عن كتابي "أغنيات على ضفاف النيل" تناول ثلاثة قصائد من الشعراء الذين تناولوا نهر النيل كبقية الشعراء الذين تضمنهم الكتاب و لكن من وجهة نظر رومانسية , وهي دراسة قيمة جديرة بالتأمل والتقدير والشكر . حال الترجمة عموما الآن يرثى لها فما موقع ترجمة الشعر إلى الإنجليزية ؟ بلا شك هناك جهود يتم بذلها من قبل المؤسسات الحكومية لكنها ليست بالزخم ولا الكم ولا الموضوعات السابقة، لكنني بمبادرة خاصة مني قمت بتلك المهمة على قدر ما أستطيع فالترجمة للإنجليزية مغامرة تحتاج لوقت وصبر وجهد وممارسة مستمرة ونفسا طويلا، والترجمة الأدبية شعرا أو قصة تكون الصعوبة أكبر وبدرجة تشبه المغامرة، بعكس الترجمة للعربية حيث لغتنا الأم، الغنية بالمرادفات والرصيد الكبير الذي يسمح بنقل الترجمة والتجربة، بل روحها وروح النص، دون صعوبة كبيرة . والأعمال التي قمت بترجمتها للإنجليزية من العربية تتنوع بين الشعر، أكثره من قصيدة النثر ، والقليل من الشعر العمودي وبعضا من الشعر العامي، والكثير من القصص القصيرة، للكثير من المبدعين من شتى بقاع العالم العربي الرحيب ومن ذلك: – شهقة عطر : مجموعة شعرية ترجمة للإنجليزية . أسماء صقر القاسمي. الإمارات – تحت شمس دافئة : مجموعة قصصية . إبراهيم درغوثي/ تونس . للإنجليزية . – نزف من تحت الرمال /قصص قصيرة جدا للقاص السعودي حسن البطران / . للإنجليزية . – همسات من الجانب الآخر / بالتعاون مع د/أسماء غريب وصحيفة نوستالجيا الإلكترونية / صادر عن دار النشر الرقمية الإيطالية كليبسيدرا . لمجموعة من الشعراء العرب . للإنجليزية . نشر الكتروني. – إنفلونزا النحل : مجموعة قصصية / القصة الشاعرة . ترجمة للإنجليزية . محمد الشحات محمد . لم يتم نشرها بعد . – ملف من الإبداع القصصي الخاص بالأستاذ عادل جلال , للإنجليزية . – سيدة الأشجار : مجموعة شعرية لدكتور مدحت الجيار ترجمة للإنجليزية , قام بالمراجعة دكتور إسلام عيسى . لم يتم طباعتها بعد . وقد ضم كتابي " إبداعات من الشرق والغرب" أربعين مبدعاً وبه ترجمات متعددة من العربية للإنجليزية والعكس. الأعمال التي ترجمتها هل وجدت صدى وقبولا في الخارج وعلى مواقع الانترنت؟ نعم والحمد لله فالمشروع المشترك الذي قمنا فيه بالتعاون مع الدكتورة أسماء غريب الذي صدر عن دار النشر الرقمية الإيطالية كليبسيدرا، الترجمة الإيطالية والانجليزية للديوان الرقمي العربي الموسوم ب "همسات من البحر الآخر" تجربة جديدة خضناها للتعريف بالأدب العربي و شعراءه المعاصرين والمنحدرين من مختلف بقاع العالم العربي ، من المغرب، إلى العراق وفلسطين ومصر . و يضم الديوان بين دفتيه 15 قصيدة تم اختيارها من بين نصوص عدة نشرتها المجلة الإلكترونية "نوستالجيا" وتبنتها كمشروع خاص سهرت على تسييره وتدبيره رئيسة تحرير المجلة ذاتها، الشاعرة المغربية أسماء غريب مترجمة النصوص إلى اللغة الإيطالية والعبد الفقير مترجما الديوان إلى اللغة الإنجليزية. والديوان هو في مجمله مجموعة من الشهادات عبر من خلالها الشعراء عن آراء وأحاسيس مختلفة تجاه الحياة والموت، تجاه الحرب والحب في أسمى تجلياته الروحية المقدسة. أما القصائد فتحكمها بشكل عام روح قوية تحركها قيم عالية وأخلاق سامية، ينادي بها الشعراء ويتحد معهم فيها القراء وعشاق الكلمة النقية الهادفة، فهم من خلال أبياتهم يرسمون للناس، للعقول و للقلوب طريق الكلمات والأفكار التي لا يستطيعون التعبير عنها عبر أسلوب مشبع بطاقة روحية عظمى هدفها الصعود بالإنسان إلى أرقى المراتب والدرجات. وهنا أعرض قصيدتي : هنا الدويقة التي حظيت باهتمام كبير من النقاد. هنا الدويقة (الغوث الغوث) أنادي من اعتاب الموت أنادي من خلف الأبواب من تحت الأنقاض يخنقي الصوت انادي يقتلنى الصمت أنادي عبر المحمول عبر المأمول من الأمس لليوم للغد تعدد النداء بالعامية بالهيروغليفية بالعربية بأى لغة ثورية انهزامية انكشارية فوضوية تقدمية من أعماق الحلم عبر رياح الظلم عبر نيران الألم يذبحني الندم أكتب بالدم بسنين القهر "أس أو أس " "S.O.S " من تحت الأنقاض من فوق التراب من قلب العتمة من جوف الظلمة أنادى بعزم الصوت يهزمني الموت هل من مجيب ؟ هل من مجيب ؟ **** باسم موسى باسم عيسى ومحمد , باسم الله الأمجد الواحد المتفرد القوي الجبار الخالق الباريء المتعال هل مجيب ؟ يهزمني الموت .. يهزمنى الموت .. تحت أنقاض الدويقة* ! **** " إن كان بكَ غضب ٌ عليَّ فلا أبالى .. ." إلى من تكلنى ؟ إلى من تكلنى ؟ يا عدالة السماء ألم يًكَفِر "سيزيف" بعد عن كلِ خطاياه ؟ ! **** اليوم يوم الشهداء يوم الفداء يوم الأرض يوم العِرض العاشر من رمضان هنا الدويقة تعانق الشهداء توحدت الدماء ما زالت رافعة ً للعلم فوق التبة الطاهرة على ضفةِ القناة تحيِي الوطن تجدد العهد ُ تحققُ الوعد من قلب العشوائيات من الأقصى لدار فور من بغداد من الضفة للضفة عبر الصمت بُح الصوت تخذش روحي الكاميرات وزيف الكلمات ..! **** اليوم يوم الوفاء هل من مجيب نداء .. لمنظمة الأمم للجامعة العربية للجان الثورية للمجالس المحلية المركزية ننادى هل من مجيب أس أو أس !!! **** عفواً قد نَفُذَ الرصيد من الهواء من الوفاء من شربة ماء ! **** فوق القناة من " حي الغريب " تعانقت الأرواح أرواح الشهداء حاملة معها الصباح تحرك ركب الشهداء في مواكب النور سالت الدموع في عز الظهر في قطرت من عبير تساقطت الدموع مرطبة جبين جنديٍ شاب مغبر الثياب صائم في عز القيظ مكافحاً الصخر مبتلعاً سواد الأمس متذكراً والده الشهيد "عبد الحميد " * في العاشر من رمضان قدم روحه فداء تعانقت الأرواح فوق الدويقة يفتت الصخر وبيده طوق أبيض للنجاة بلونِ الطهر ! استدراك : رسالة من تحت الأنقاض من سكان المقابر من سكان العشوائيات من سكان العراء من أصحاب المخيمات من الضبعة من دير ياسين من قبر الجندى المجهول من كربلاء من مسرى الرسول عبر أنحاء الوطن لمن ماتوا بلا كفن وتلحفوا السماء : هل من عبور جديد إلى فجرٍ جديد نحو الغد يمسح عنا العار ويغسلُ دمع الشهداء ؟ ! وفي مجال القصة الشاعرة، أسهمت بترجمة الكثير من هذا الفن القصصي الجديد، وقمت بنشرها عبر الشبكة العنكبوتية كما قمت بترجمة المجموعة الكاملة لرائد القصة الشاعرة محمد الشحات محمد : "إنفلونزا النحل " والتي من المزمع نشرها بعون الله ضمن فعاليات المؤتمر السادس للقصة الشاعرة هذا العام. يقول البعض بصعوبة ترجمة الشعر وأن الترجمة لن تكون مثل الأصل.. كيف تحديت هذا القول وأصررت على الترجمة؟ – نعم المقولة صحيحة بدرجة كبيرة، فنجاح الترجمة تعتمد أولا على الموهبة الشعرية خاصة والدراية والمعرفة الخاصة باللغتين المترجم منها وإليها .. فالترجمة الإبداعية كالإبداع نفسه، تحتاج للصبر والأناة والمراجعة والتنقيح والبحث عن المفردة المناسبة لتناسب وتلائم روح النص والجو النفسي السائد والغالب، وهو ما أحاول تحقيقه والوصول إليه بإذن الله. هل ندمت على شيء قد خطته يداك؟ لم أكتب إلا ما آمنت به، ومع هذا فقد ندمت على كتابة أو نشر بعضا مما كتبته، لكن عزائي أنني لحظة كتابته ونشره ربما يكون انفعالي صادقاً. وأقرب ما كتبته لقلبي قصيدة " التي في خاطري " ، وقد تناولها ابراهيم حمزة بدراسة قيمة أسماها " لعبة التناص في شعر حسن حجازي" ، أما الدراسة النقدية التي أعتز بها دائماً فهي دراسة د. أسماء الغريب المغربية المقيمة بإيطاليا وهي بعنوان " عندما ينتصر الشعر " : وفي هذا السياق أعرض نصاً من نصوص "همسات دافئة "وهو من أرق ما كتبت: " عُد يا قمر " عُد يا قمر فالقلبُ من لهيب الشوق ِ أضناهُ السهر وفصولُ البوح ِ ما عادت لنا ببشريات الوصل ِ تزف ُ لنا خبر عُدْ يا قمر يا رفيق َ العشاق يا سميرَ الأشواق فقد سئمنا العيش َ فى سراديبِ الحُفر فقد سئمنا الركضَ خلفَ أسوارِ المنايا حولَ شطآن ِ الفِكَر سئمنا الليالى لما عادت بغيرِ حبيب ٍ ينيرُ لنا سُويعات العمر أعترف بأنَ الحبَ كذوب كالثلج عندَ طلوع الشمس ِ يذوب كالمهرِ الجامح لا يهدأ إلا فيثور كعيدان ِ القمحِ الشاحب ِ فى الأرض ِ البور كسحابةِ صيف لا تمطرُ أبداً تحجبُ عنا النور كالزلزال كالبركان كالقرصان يسرقُ منا الأحلام يبدد ُ دفءَ الأيام يقتلُ سحرَ الأنغام نصيرُ أنغاماً منزوعة الوتر فعُد يا قمر بأى شكل بأى لون وأعد لنا ليالى السمر . كيف ترى مستقبل ترجمة الأدب والشعر بصفة خاصة؟ ترجمة الأدب عملية مرهقة وعملة نادرة، تحتاج إلى مهارات معينة في الأدوات أهمها الثقافة والخبرة والتجربة، والمثابرة علاوة على وجود دعم حقيقي ورعاية من المؤسسات الحكومية بصدق وتفان وحب في سبيل بناء دولة حديثة متقدمة تقدر دور الكلمة وتعي ماهية الثقافة في مواجهة الفكر المغال والمتطرف ومن فضل الله اقتحمت هذا المجال أقصد الترجمة بصورة ذاتية وتحد نابع من داخلي وباعث ذاتي إيماني بأهمية الترجمة.. ولا أنكر جهد أساتذتي في تربية الزقازيق الذين قاموا بالتدريس لنا في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية بخاصة وجميع الأقسام بعامة، فقد شربنا منهم الأدب الإنجليزي في سهولة ويسر من شعر ورواية ونقد ومسرح ونقد ومقال ومحادثة وترجمة. وترجمة الأدب بعامة والشعر بخاصة تحتاج لحب وهواية . تحتاج لمقاتلين من طراز فريد، ومصر ولادة وبها الكثير من هؤلاء المبدعين . هل ترجمت من اللغات الأخرى إلى العربية؟ نريد أمثلة؟ اقتصر دوري على الترجمة من الإنجليزية فقط حيث كانت لغة الدراسة الخاصة بي وبعملي بالتدريس، وحسبي دور المتخصص الذي أجيده . من هم أساتذتك الذين تدين بالفضل لهم في الشعر وفي الترجمة؟ في الشعر، كل شاعر قرأت له وتأثرت به فهو أستاذي، لأنني قد تأثرت بالكثير من الشعراء من عصور مختلفة وثقافات متعددة، فمن الصعب حصر تلك القامات في شاعر أو أكثر، لكن لا أنكر أنني تأثرت كثيرا بدراستي للشعر والمسرح الإنجليزي. أما في مجال الترجمة فهو جهد ذاتي.. وأتأثر في الحقيقة بكل كتاب أو قصة أو مجموعة شعرية تم ترجمتها للعربية والقائمة طويلة . نصائحك لشباب المترجمين؟ القراءة .. ومزيد من القراءة، المثابرة، الإستخدام الأمثل لأدوات المترجم، الشبكة العنكبوتية والموسوعات، الإجادة والصبر والجرأة، ويفوز باللذاتِ كل مترجم! ما الجديد في مجال الترجمة والشعر لديك ؟ الجديد في الشعر هو أنني أحاول جمع ما كتبته قبيل 30/ 6 /2013 ، الذي كان تعبيرا وإرهاصا لتلك الفترة في مجموعة شعرية جديدة وهو ما أعكف عليه الآن وبعون الله يرى النور قريبا بعنوان " الثلاثون من يونيو … وعودة الروح ". أما في مجال الترجمة، فقد انتهيت بحمد الله من ترجمة رائعة جديدة لم يسبق ترجمتها للغة العربية بتكليف من أ/ رفعت سلام ليتم نشرها بعون الله قريبا ضمن سلسلة المائة كتاب في بداية الخطة القادمة التي من المنتظر وضعها قريبا، وأنا هنا أوجه جزبل الشكر والتقدير على ثقته الكبيرة في إسناد ترجمة تلك الرائعة لأقوم بترجمتها للعربية وهي رواية : – حياة وآراء السيد تريسترام شاندي المحترم : بقلم لورانس ستيرن . التي لم يسبق ترجمتها للعربية رغم ترجمتها لمعظم لغات العالم . هل من كلمة أخيرة في نهاية الحوار ؟ في الحقية هي كلمات موزونة أوجهها لمصر فأقول: كذبَ "هيرودت" عندما قال : مصر هبةُ النيل ! فمصرُ هبةُ النيلِ والمصريينْ ! فكم من أمةٍ مرَ عليها النيلُ نساها الزمنْ وطوتها السنينْ ! فمصر بها خيرُ أجنادِ الأرضْ في رباط ٍ إلى يومِ الدينْ ! ولقناة السويس أقول: مجرى القناة تلونَ من دمي , دُفِنَ فيها عمي وأبي , من حاولَ المساسَ بها قبلَ أن نقطعَ لسانهُ سنقطعُ يده , لن نركع أبداً أو ننحني , مصرُ أولاً هي الوالدُ وما ولدْ أفديها بكلِ غالٍ أفديها بروحي ودمي ! وللغد أقول: عينٌ على الغدْ , وعينٌ على السدْ , بالملايين , وقلوبٌ يدفعها الحنينْ ' توجهَ أفرادُ الشعبْ بكلِ ثقة ٍ وكلِ عزمْ ليضعوا مصرَ على الدربْ , يأخذوا بيدها بكل عطفٍ وكلِ حُبْ في هذا اليوم وفي هذا الظرفِ الصعبْ *** ولأنهُ فقيرْ توجهَ للبنكْ , وأشترى شهادة للقناة , للحياة , ووضعَ قُبلة حانية على جبينِ مصرْ , وأقسمَ بالله لو بَقيت لحظة من عُمر سيفتدي مصرَ بكل قطرةٍ من دمْ وتبقى مصرُ عزيزة ً, كريمة ً , هذا العصرْ وكلُ عصرْ . ولكل يد تبني أقول: يدٌ تبني ويدٌ على الزنادْ يدٌ تزرع ويدٌ تزودُ عن البلاد, آيادٍ طاهرة بالإيمان عامرة في سبيلِ الله تسعى وبالحقِ ظاهرة ' تُقدمُ الشهداءَ بعدَ الشهداءْ ' في سبيلها تَهونُ الدنيا وتُبذلُ الأنفسُ ويحلو في سبيلِ مصر الفِداءْ . تلك هي مصرْ بلدُ الأوفياءْ مهبطُ ُ الأنبياءْ مهدُ الأتقياءْ زينةُ الدنيا وحبيبةُ السماءْ في رحلتها المباركة تخوضُ المعركة بعزمٍ وصبرْ دوما في عِزةٍ ودوما في نصرْ تلك هي مصرْ وهذا شعبُ مصرْ يدٌ تبني ويدٌ على الزنادْ تسهرُ في سبيلِ الله تباركها الأرضُ وترضى عنها السماءْ . في سبيلِ مصر يعلو النداءْ ويحلو الفِداءْ يدٌ على الزنادْ ويدٌ تعلو بالبناءْ بقلوبٍ مؤمنة وعيونٍ دامعة للهِ راجية ترنو للسماءْ بالمحبةِ والدعاءْ لتبقى مصرَ أرضاً للسماحةِ أرضاً للكرامة ِ أرضا للمحبةِ والفِداءْ فعيشي يا مصرُ يا بهجةَ الدنيا وحبيبةَ السماءْ ترفرفُ راياتكِ في عزةٍ وإباءْ . ولشعب مصر أقول: هذا الشعبْ هو الرقمُ الصعبْ . كانَ ولم يزلْ يبهرُ العالمَ ويقهرُ الصعبْ لا يهتمُ بشرقٍ أو بغربْ دوماً بيدهِ الحَلُ والربط ْ . حققَ المحالْ وحطمَ الأغلالْ وعادَ للحياة بخطىً ثابتة على الدربْ . يُؤمر فيُطاعْ حكيم ُ الزمان ْ وخليفة ُ اللهِ على وجهِ الأرضْ . تلك هي مصرْ وهذا شعبُ مصرْ هبة ُ السماء واختيارُ الربْ . مَن راهن َ عليهِ نالَ المنى وقهرَ المستحيلَ ووضعَ خطاهُ على الدرب . تلكَ هي مصرْ تقهرُ المحالْ وتحققُ الآمالْ بخطىً ثابتة نحو الغد ْ . وأخيراً أقول: عرفت المحروسة ُ دربها , وأضاءت شموعُ الغد أرضها , بصفحة ٍ بيضاء صححت مسارها , نزلَ الشعبُ الميدانَ مطالباً بحقها , فلبى جند ُ مصرَ ندائها , فَفَتحت للأماني العِذابِ قلبها , وأدرَكَت بأنَ رحمةَ ربكَ تسكنُ أرضها , تحفظ ُ ثراها وتُعْلي شأنها , وعلى دربِ المجدِ تبدأ خطوها , فتنفضُ غبارَ الأمسِ لتُحَققَ عِزها , بارك الله ُ ربي في مصرَ وفي جندها . ولا أنسى أن أوجه جزيل الشكر والتقدير لشموس نيوز وهيئة تحريرها الموقرة لإجراء هذا الحوار المطول معي راجيا التقدم والرقي والمستقبل الأفضل.