ولأن المرأة النوبية لم تأخذ حظها من التعليم في النوبة الغريقة وحتي اللاتي تعلمن كانت نهاية المطاف عند الصف السادس الابتدائي وذلك لوجود ثلاث مدارس اعدادية فقط في النوبة الغريقة علي مساحة 400 كيلو متر تقريبا وبالتالي لم يكن الاهالي يفضلون ارسالهن الي قري بعيدة وتدبير أماكن لإيوائهن حيث الداخلية كانت مخصصة للأولاد فقط .. وكانت زوجة خالي إبراهيم إمام رحمهما الله تملك ثقافة عالية نتيجة حبها للقراءة والاطلاع سواءا كانت كتبا أو صحفا حيث كان يرد إلينا من القاهرةوالاسكندرية صحف الأسبوع بالكامل .. وكان خطها مثل خط الرجال جميل وكذلك أسلوبها وكانت تساعدني في المذاكرة وكانت كاتمة أسرار بعض نساء القرية حيث كانت تقرأ لهن الخطابات التي ترد لهن من ذويهن وتقوم بعمل الترجمة من العربية إلي النوبية وكذلك من النوبية إلي العربية عند الردود . وكن يجلسن معها في ركن من منزلنا وكما الصبية في اي زمان واي مكان حيث حب الاستطلاع تحايلت التقرب منهن كي اسمع ولكن جدتي نهرتني بعنف وبعد سنوات سألتها مرة عن فحوي الخطابات التي كانت تكتبها لهن لذويهم فقالت لي لو كنت كتبت بعض ما يملين عليها من البعض منهن لساهمت في خراب بيوت ولكنني كنت اتلطف في الأسلوب بحيث لا أحدث شرخا في العلاقات الزوجية أو العائلية … ويبدو أن كتابة الخطابات في وقت من الأوقات كانت بأجر حيث تغني الفنان محمد وردي (كريلوغ فافايومونتان kerelogh fa faymonttan) اي معاتبا حبيبته انها متعلمه ولن تكتب خطاباتها بأجر فلم التأخير …. وقد كان يوم الثلاثاء يتحول إلي يوم سعيد إذا وصل أحد من الأهل قادما من القاهرة أو الاسكندرية وطبعا كنا نعلم قبل وصوله بأسبوع تقريبا بواسطة برقية وبالتالي القرية كلها كانت تذهب حيث ترسو الباخرة ليكونوا في استقبال القادم بعد غربة لأن السفر إلي بحري كان يعتبر غربة وتغني الشعراء كثيرا ويبدو أن المسئولين في مصر استفادوا من هذا الشعور حينما حرموا النوبيين المقيمين خارج بلاد النوبة الغريقة من حقهم الشرعي في البيت والأرض حيث اعتبروهم مغتربين.. وهل يغترب الإنسان داخل وطنه….