بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) الحمدلله: يؤكد الله سبحانه وتعالى وبصيغة الجمع- وهي صيغة تدل على عظمة الله تعالى وقدرته – ان الله تعالى انزل القران الكريم في ليلة القدر وهي ليلة مباركة. باركها الله تعالى بنزول القران الكريم فيها . وباركها بأن جعلها احدى ليالي شهر رمضان المبار ك وباركه لأجلها فجعله مباركا لانها احدى لياليه . وباركها بأن فضلها على كل ليالي شهر رمضان وكل ليالي الاشهر والسنين فجعلها خير من الف شهر . وباركها ان جعلها يفرق فيها كل امر حكيم كما ورد في سورة الدخان قال تعالى : ( حم والكتاب المبين0 انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين 0 فيها يفرق كل امر حكيم 0) – وفيها تكتب ارزاق العباد وآجالهم وامور اخرى ذكرها علماء التفسير وقد سميت ليلة القدر بمعنى ليلة الشرف والعظمة او ليلة التقدير تقدر فيها الامور المستقلبية للحياة الدنيا وللخلق قيل ان امور كل سنة من السنين القادمة تقدر في هذه الليلة المباركة. وروي ان شخصا من بني اسرائيل حمل سلاحه للجهاد في سبيل الله الف شهر وذكر ذلك لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فتعجب من ذلك وتمنى مثل ذلك الاجر لأمته فقال: ( يارب جعلت امتي اقصر الامم اعمارا واقلهم اعمالا… -) فاعطاه الله تعالى ليلة القدر له ولأمته فهي عطية الله تعالى خالصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم باقية فيهم الى يوم القيامة . ومن فضائلها ان عبادة الله تعالى فيها او اي عمل خير فيها يعمله المؤمن في هذه الليلة المباركة هو خير من الف شهر في سواها . قيل انزل الله تعالى فيها القران الكريم من اللوح المحفوظ في السماء السابعة الى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في هذه الليلة المباركة (ليلة القدر ) ثم انزله جبريل عليه السلام آيات آيات منجما على قلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من يوم مبعثه الى يوم وفاته فهي ليلة شريفة ازدانت بشرفها ليالي رمضا ن وبوركت وانها ليلة تتنقل بين الليالي في رمضان فقد تكون في اوله وقد تكون في اخره . وحكمة انبهامها كي يرغب الناس في احياء ليالي رمضان فكلها مباركة ولليلة القدر خصوصية عالية وقدر شريف . وفي المصحف الشريف ( وما ادراك ما ليلة القدر ؟؟ ليلة القدر خيرمن الف شهر ) فهو بيان لفضلها وشرفها . وفيها ينزل الملك جبريل ( الروح ) وكذلك الملائكة الموكلون والمامورون باذن الله وامره بالنزول لتعظيم امر هذه الليلة وبركات الله تعالى النازلة فيها الى اهل الارض منذ غروب الشمس حتى مطلع الفجر غايتها تعميم السلام والسلامة فيها لكل من اسلم بالله تعالى ومن رغب في احيائها . وقد ذكر علماء الحديث ورجا ل الصحاح ومنهم احمد والبخاري ومسلم والترمذي رضي الله عنهم نقلا عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان وانها في وتر) – وبهذا الحديث الشريف عرّف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لامته موقع ووقت هذه الليلة وسهل عليهم البحث عنها فقد حصر وقتها في خمس ليال من ليالي رمضان فقط أي تكون في العشرة الاواخر من رمضان وفي ليلة مفردة العدد اي في ليلة 21 او 23 او 25 و27 او 29 من رمضان وبهذا حسم امر وجودها في احدى هذه الليالي الخمس وليلة القدر في ابهام من هذه الليالي وفي هذا ترغيب للمسلمين في احياء هذه الليالي رمضان في سبيل الظفر بها لان عبادتها خير من الف شهر أي ما يعادل ثلاث وثمانين سنة فمن ظفر فيها مرة واحدة في عمره فاحسن عبادته فيها واحسن قيامها وصيامها واحياها بالعبادة الحقة واجهد نفسه فيها خير له من عبادة العمر كله . وليالي رمضان كلها مباركة فهنيئا لمن يحيها في العبادة والطاعة لله تعالى . ونقل صاحب الطريقة الطحاوية في كتاب ( حواشي الدر المختار) عن بعض علماء الشافعية ان افضل الليالي ليلة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم ليلة القدر ثم ليلة الاسراء والمعراج ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان ثم ليلة العيد . وهذه كلها ليال فاضلة فيتوكل المؤمنون على احيائها وكسب ثوابها الجزيل من الله تعالى . والله تعالى اعلم اللهم اجعلنا ممن يحظى بهذه المباركة فيحيها بصلاة وتلاوة وذكر ثم يصوم نهارها ( وهو اصلا فرض صيام) سينعم الله عليه بخيرها ويغمره بفضلها . اللهم وانعم علينا وعلى المؤمنين وكافة المسلمين من امة محمد صلى الله عليه وسلم وارزقنا مافيها من اجر وثواب . انك انت الرحمن الرحيم د. فالح الحجية الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز 12 رمضان المبارك 1436 8- تموز 2015