عُرف علي بن ابي طالب بقوته و بشدّته وبراعته في الحرب و القتال منذ طفولته وصباه وحتى وفاته فقد شب على المبارزة والقتال وابلى بلاءا حسنا في كل المعارك التي خاضها في صباه وشبابه مع النبي صلى الله عليه وسلم واذكر من ذلك مبارزته للبطل العربي (عمرو بن ود العامري) والذي كانت العرب تعده بالف فارس يوم معركة الخندق فارداه قتيلا . لاحظ قوله : إِنَّ المَنِيَّة َ شَرْبَة ٌ مَوْرُوْدَة ٌ لا تجزعن وشد للترحيل إنَّ ابنَ آمِنَة َ النبيَّ محمّدا رجلٌ صدوقٌ قال عن جبريلِ أَرخِ الزِّمَامَ ولا تخفْ من عائقٍ فاللُه يُرْدِيهم عَنِ التنكيلِ
إني بربي واثق وبأحمد و وسبيله متلاحق بسبيلي فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وكان موضع ثقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم و أحد كتاب الوحي وأحد وأهم وزرائه وسفرائه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه الكثير من الاحاديث منها :
(اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه. عليٌّ مني وأنا من عليٍّ أنت أخي في الدنيا والآخرة من آذى عليّاً فقد آذاني من أحب عليّاً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب اللّه ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض اللّه )
ولهذا لا يوجد في الاسلام رجل مسلم اكتمل اسلامه الا احب عليا وال بيته وهم ال بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم فمحبته متممة لايمانه واسلامه .
تزوج علي بن ابي طالب بعد وفاة زوجته فاطمة الزهراء بعدد من الزوجات اذكر منهن : خولة بنت جعفر بن قيس والصهباء ام حبيبة بنت ربيعة بن بحر التغلبي وفاطمة بنت ابي العاص بن الربيع و ليلى بنت مسعود التميمي وفاطمة بنت حزام بن خالد الكلابي و محياة بنت امرئ القيس واسماء بنت مسعود الخثعمي و ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي
اختلف المؤرخون في عدد أولاده وقد ذكر في بعض الرويات انه انجب \25 وقيل \33 ولدا واذكر منهم: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة والعباس ومحمد وجعفر وعبد الله وعثمان وعمر ومحمد بن الحنفية ويحيى . ومن البنات زيبنب و ام هانئ وميمونة وجمانة ونفيسة .
بويع علي بن ابي طالب بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان في عام\35 هجرية وبهذا يكون الخليفة الرابع من الخلفاء الر اشدين وفي خلافته وقعت ثلاث معارك مهمة قادها بنفسه : الاولى معركة الجمل: وهي المعركة التي اشتركت فيها ام المؤمنين (عائشة بنت ابي بكر الصديق ) وسببها انها و بعض أكابر الصحابة طالبوا عليا القبض على قتلة (عثمان بن عفان ) الا انه آثر التريث ولم يتعجل في الأمر فاغاض هذا عائشة ومعها جمع كبير في مقدمتهم طلحة والزبير فقاتلت علياً في وقعة الجمل سنة \36ه وكانت الغلبة لعلي بن ابي طالب في هذه المعركة وقد بلغ عدد القتلى من الفريقين نحو عشرة الاف قتيل .
اما المعركة الاخرى فهي معركة ( صفين) وسببها ان الخليفة علي بن ابي طالب قرر بعد توليه الخلافة عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام الا أن معاوية رفض ذلك و امتنع عن مبايعته بالخلافة وطالب بتسليم قتلة عثمان ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته وحقن دماء المسلمين ولكنهم رفضوا فقرر السير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة وعدم الخروج على جماعة المسلمين والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات في \1 صفر عام\ 37 هجرية .
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده أمر جيشه برفع المصاحف على ألسنة الرماح وقد أدرك الخليفة ان في هذا الامر خدعة فحذّر جنده منها وأمرهم بالاستمرار في القتال الا ان فريقا من جيشه اثر الموافقة ووقف القتال وقبول التحكيم بينما رفض هذا الامر فريق آخر من جنده .
وفي رمضان من عام\ 37 هجرية اجتمع (عمر بن العاص) ممثلا عن معاوية وأهل الشام و( أبو موسى الأشعري) ممثلا عن علي وأهل العراق واتفقا على أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام وعادت قوات الطرفين الى دمشق والى الكوفة وانفض القتال . وقيل انه قتل من المسلمين من الفريقين في هذه المعركة \ 70 سبعين الف مقاتل فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية وكانت نتيجة التحكيم لصالح (معاوية بن ابي سفيان) .
اما المعركة الا خيرة فهي واقعة النهروان وسببها الخوارج حيث أعلن فريق من جند الخليفة (علي بن ابي طالب ) رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروه اولا على قبوله لذا خرجوا عن طاعته فعرفوا باسم (الخوارج ) وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا فاضطر الخليفة الى محاربتهم فهزمهم في هذه المعركة عام \ 38 هجرية وقضى على معظمهم بينما تمكن بعضهم من النجاة والهرب فأصبحوا منذ ذلك الحين مصدرا لكثير من الفتن والمعتقدات الجديدة في الدولة الاسلامية وقيل انه قتل في هذه المعركة \ الف وثمانمائة مقاتل من المسلمين.
ومن اخباره قال أحمد بن الحارث : خرج مع علي بن أبي طالب رجلٌ من قومي كان مصطلماً فخرجت في أثره وخشيت انقراض أهل بيته فأردت أن أستأذن له من علي فأدركت علياً بالبصرة وقد هزم الناس ودخل البصرة فجئته فقال: مرحباً بك يابن الفقيمة أبدا لك فينا بداءٌ . قلت: والله إن نصرتك لحقٌ وإني لعلى ما عهدت أحب العزلة ثم ذاكرته أمر ابن عمي ذلك فلم يبعد عنه فكنت آتيه أتحدث إليه. فركب يوماً يطوف وركبت معه فإني لأسير إلى جانبه إذ مررنا بقبر طلحة فنظر إليه نظراً شديداً ثم أقبل علي فقال: – أمسى والله أبو محمد بهذا المكان غريباً ثم تمثل: وما تدري وإن أزمعت أمراً بأي الأرض يدركك المقيل والله إني لأكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب. قال: فوقع العراقيون يشتمون طلحة وسكت علي وسكتُ حتى إذا فرغوا أقبل علي عليَّ فقال: – إيه يابن الفقيمة والله إنه وإن قالوا ما سمعت لكما قال أخو جعفي: فتى كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر ثم أردت أن أكلمه بشيءٍ فقلت: – يا أميرالمؤمنين… فقال : وما منعك أن تقول: يا أبا الحسن! فقلت: أبيت. فقال: والله إنها لأحبهما إلي ولولا الحمقى لوددت أني خنقت بحبل حتى أموت قبل أن يفعل عثمان ما فعل وما أعتذر من قيامٍ بحق ولكن العافية مما ترى كانت خيراً.
عاد ا مير المؤمنين علي بن ابي طالب الى الكوفة ليستقر في دار خلافته فيها حيث كان قد نقل دار خلافته من المدينةالمنورة الى الكوفة بعد مبايعته بالخلافة وتوالي الاحداث والحروب لعله يستقر ويتفرغ لشؤون الدولة الا انه قتل . فقد قتله غيلة ( عبد الرحمن بن ملجم المرادي ) حيث تمكن منه وهو في سجوده عند صلاة الفجر وقد امّ الناس بالصلاة في مسجد الكوفة فضربه على راسه بالسيف وذلك فجر يوم السابع عشر من رمضان المبارك فبقي مثخنا بجراحه ثلاثة ايام وفي اليوم الرابع توفي متأثرا بجراحه وهو اليوم الحادي والعشرين من رمضان المبارك في سنة اربعين للهجرة الموافق لعام \ 660 ميلادية وقد ناهز الستين وقيل الثالثة والستين من العمر . وقد اوصى ابنه الحسن بقاتله فقال : ( انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ولا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ( إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور). لان الاسلام حرم التمثيل بجثث الموتى . حفلت سيرة الامام علي بن ابي طالب بما لم تحفل به أي شخصية عربية وعالمية وكتب فيها الكثير الكثير .وفي دراسة سيرة (علي بن أبي طالب ) نلاحظ ان الخلافات في الاراء قد اكتنفت حياته وشخصيته الفذة الى حد القدسية والتأله والعصمة بينما اعتبره اخرون احد رجال الاسلام وابطاله واخرون اعتبروه ما بين بين .كل حسب اهوائه ومعتقده فكتب فيه ما كتب ونحل عليه ما نحل حتى ان الانسان العادي لما يرى كلاما مهما ومتميزا يقول (قال الامام علي ويسنده اليه) وهو منه براء وفقا لما مرت من احداث وامور وسياسات ولا زال الامر كذلك حتى يومنا هذا .
يعتبر علي بن أبي طالب النموذج الاسمى الذي يحتذى به في دينه وأخلاقه وشخصيته وتعاملاته . يتميز بالرجولة والشجاعة والبطولة والبسالة والاخلاق والانسانية والعدل والانصاف ولا عجب في ذلك فقد تربى في بيت النبوة في بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى يديه ونهل منهل العلم والدين والاسلام من القران الكريم والثقافة والبلاغة والبيان وهو فخر بني هاشم بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم و من شأفتهم وابن قريش ومن اسيادهم واكابرهم بشكل أساسي فانعكس ذلك في تربيته و كرمه وزهده وعدله وغيرها من الصفات التي اتصف بها و وردت في كل الكتب والمصادر الإسلامية يقول :. ومحترس من نفسه خوف ذلة تَكُوْنُ عَلَيْهِ حُجَّة ً هِيَ ما هِيا فقلص برديه وأفضى بقلبه إلى البر والتقوى فنال الأمانيا وَجانَبَ أَسْبَابَ السَّفاهَة ِ والخنا عَفافا وَتَنْزِيها فَأَصْبَحَ عالِيا وَصَانَ عَنِ الفَحْشَاءِ نَفْسا كَرِيمَة ً أ أ َبَتْ هِمَّة ً إِلاّ العُلى وَالمَعالِيا تراه إذا ما طاش ذو الجهل والصبى حليماً وقوراً صائن النفس هاديا لَهُ حِلْمُ كَهْلٍ في صَرامَة ِ حازِمٍ وفي العين أن أبصرت أبصرت ساهيا يروق صفاء الماء منه بوجهه فأصبح منه الماء في الوجه صافيا وَمِنْ فَضْلِهِ يَرْعَى ذِماما لجِارِهِ و ويحفظ منه العهد إذ ظل راعيا صبوراً على صرف الليالي ودرئها كَتُوما لأِسْرارِ الضَّمِيرِ مُداريا له همّة ٌ تعلو كل همّة ٍ كما قَدْ عَلاَ البَدْرُ النُّجومَ الدَّرارِيا
اهتم الكثير في الأعمال الفنية والأدبية بعلي بن أبي طالب وتناولت العديد من الكتب الادبية والبحثية في حياته و نشأته وثقافته ونبوغه الادبي والثقافي و في الفصاحة والبلاغة والشعر والخطابة وتتميز خطابته واشعاره وما نسب اليه بالقوة والمتانة والجزالة اللغوية وما يهمنا هنا الشعر الذي نسب لهذه الشخصية الفذة فقد قال الاما م علي بن ابي طالب الشعر كما قاله ابوه ابو طالب بن عبد المطلب ( لاحظ موسوعتي (شعراء العربية ) المجلد الاول ( شعراء جاهليون ) صفحة\179-196) لكن شعره لايرقى الى الطبقة الاولى ولا الثانية كما يقيّمه النقاد ومؤرخو الادب العربي . واختم بهذه القصيدة المنسوبة اليه : النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت أن السعادة فيها ترك ما فيها لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنُه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعُها ودورنا لخراب الدهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنةً حتى سقاها بكأس الموت ساقيها فكم مدائنٍ في الآفاق قد بنيت أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيها فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها لكل نفس وان كانت على وجلٍ من المَنِيَّةِ آمالٌ تقويها المرء يبسطها والدهر يقبضُها والنفس تنشرها والموت يطويها إنما المكارم أخلاقٌ مطهرةٌ الدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل سادسها والبر سابعها والشكر ثامنها والصبر تاسعها واللين باقيها والنفس تعلم أنى لا أصادقها ولست ارشدُ إلا حين اعصيها واعمل لدار ٍغداً رضوانُ خازنها والجار احمد والرحمن ناشيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها والطير تجري على الأغصان عاكفةً تسبحُ الله جهراً في مغانيها من يشتري الدار في الفردوس يعمرها بركعةٍ في ظلام الليل يحييها واخيرا لعلي وفقت ولو بجزء يسير من خلال تناولي هذه الشخصية الاسلامية العربية الفذة العظيمة ولا فخر فهو جدي وجد آبائي فاكون قدمت بعضا من وفاء والله الموفق . امير البيان العربي د.فالح نصيف الحجية الكيلاني