بقلم الناقد المحاضر: د. حسين حمزه- البعنة/ عكا قصة "حياة" للقاص محمد علي سعيد و يمكن اعتبارها من انجح القصص المحلية فنيا ، وهي بالتالي من انجح القصص التي أبدعها القاص ، فأحداث القصة الإطار ، تحدث في مكان مغلق هو بيت الشيخ أخي المختار ، حيث يختبئ فيه التأثر علي المحمود ويحيطه الجنود طالبين من الاستسلام ، وما يجعل هذه القصة تمتاز عن الكثير من القصص المحلية التي اتخذت مثل هذا الحدث إطارا لها ، إن وظيفة الإطار مهمشة ولم تتحول لتطغى على شكل شعارات لتفريغ المشاعر الوطنية والمواقف الأيدلوجية ، كان التركيز على نفسية البطل من الداخل وذلك بتوظيف الحوار الداخلي تقنية يطور الكاتب بها مبنى القصة . لم يعقد الكاتب حوارا نوستالجيا مع تفاصيل المكان في مثل هذه المواقف التي ميزت الكتابة الفلسطينية ، ولم يتحول هذا الحنين إلى فعل المقاومة ومن ثم كان تطور القصة نحو ترسيخ مفهوم الضحية والتضحية في بعدهما الإيديولوجي ، المتمثل في إصرار البطل على المقاومة حتى النهاية ، في استنطاق تفاصيل المكان كمعادل تبعث في الحياة عندما يسيل البطل الشهيد مقدما نفسه قربانا في سبيل قدسية المكان المرسوم في الذاكرة أو الحياة المعيشة ، وبذلك ينزاح مبنى وبين البنيية الذهنية للفئة الاجتماعية . تتعدى رمزية المكان المغلق بيت الشيخ معناها المعرفي ، الحصار ، إلى مفهوم الحرم الذي لا يجوز المساس به لينكسر حاجز الحرم الأكبر \ الحمام الذي دخله علي المحمود وحياة زوجة الشيخ تستحم ، ليختبئ وان كان مفهوم الضرورة ايديولوجية يفرض مثل هذا التصرف إلا أن الدلالات اللغوية التي وظفها الكاتب تنم عن عدة معاني وقد تجعل عملية تحديد موضع المعنى صعبا . تبدأ القصة بجملة يمكن إحالة مولودها في بنيتها النصية إلى نص ليوسف إدريس قي قصة " بيت لحم " عندما يشير إلى جنس بتشبيه الإصبع والخاتم وذلك يجعل النص منذ بدايته ينحا منحى التشعب في دلالته . " أحاط الجنود البيت إحاطة الخاتم بالخنصر " ويتضح كذلك منذ بدايته في هذه الجملة التقريرية ما يمكن أن نطلق عليه "تبئير الحدث" أي : تمركز الأحداث في البؤرة كحزمة من الإشعاعات الدلالية في علاقة القارئ بالنص الذي يسعى أن يفتحه لما اندرج فيه ولما أقصاه المؤلف عنه أيضا ، ومن ثم تصبح عملية استنطاق النص أو فتحه ذات دلالة جسدية تبعث على المتعة مثلما يرى رو لان بارت في النص الجديد . انعكست هذه العلاقة في زاوية السرد حيث وظف الكاتب أسلوب ضمير الغائب ليجعل الراوي أكثر موضوعية في سرده الاحداث من جهة ، وفي تحذيره وجوده والداخلي ، ليس فقط كما يتمثل رمزا نوستالجيا في المكان المغلق بل في اكتشاف ذاته واختلاط شعوره بالالتزام الوطني مع شعوره بالالتزام الوطني مع شعوره الذاتي الانوي . وتختلس النظر إلى حياة وفي نظراتك تتوهج الرغبة شبقية ، وكثيرا ما كانت نظراتك تخترق ثيابها المحتشمة وتنزع عنها ثيابها قطعة قطعة وتستمع برؤيتها عارية ، ويأخذ خيالك الشرقي المجنح والمراهق بعيدا فتضمها وتداعبها و ..." أما المحور الثاني ، في علاقة الراوي بقصة الإطار \ حصار الجنود ، فيزدوج صوت المخاطب ليمتاز عن الآخر فيصبح الخطاب الأول صراع لحظة اكتشاف الذات في حقيقة ما تؤمن به من الالتزام الوطني وفي إيجاد المبرر \ حب البطل لحياة غطاء يتعلل به . " سلم نفسك يا علي المحمود .. سلم تسلم .. لا تحاول المقاومة .. لا تحاول الهروب ... سلم نفسك ... البيت محاصر من كل الجهات " . أما الخطاب الثاني فيطرح وجود الآخر على محور صراع الذات بوضوح تام ، لا يساور البطل شك فيه مثلما عبر عنه في الجملة التي افتتح بها نصه ، وكذلك في تكرار هذه الجملة بلكنة الآخر : " سلم نفسك يا الي المحمود سلم تسلم .. لا تحاول المكاومة .. لا تحاول .. الهرب .. سلم تسلم .. البيت محاصر من كل الجهات " .. إن تكرار الخطاب الاول مرتان بينما تردد الخطاب الثاني مرة واحدة اشارة الى حالة الصراع المضاعفة التي تعيشها الذات مع الذات بالنسبة لصراعها مع الآخر . ونلحظ ان الخطابين يتخذان أسلوب التثليت في بناء السرد في القصة وقد يشير هذا التثليت إلى قداسة الموقف حيث ان موت البطل يعني انتقاله الى دائرة المقدس أو الشهادة؟ يحمل عنوان القصة "حياة" العديد من المعاني والدلالات فلم يعرف الكاتب الكلمة ليكون التنكير زيادة في تشاكل المعنى ، وليردف الاسم الشخصي لحياة زوجة الشيخ . لا يمكن أن تكون هنالك حياة دون ماء لكونه عاملا رئيسيا " وجعلنا من الماء كل شيء حي " في انبعاث الحياة ، وليس صدفة أن يكون مكان انبعاث الحياة في علي المحمود هو الحمام \ مكان الماء ، والمكان الحرم ، عندما ألحّ عليه الشيخ ان يدخل ليصرف نظر الجنود عنه : " لكل شيء يا شيخنا ، رد علي المحمود باستسلام : - لا يمكن أن يمسكوك ادخل إلى الحمام ، حياة مثل أختك ، أسرع أسرع ، لا تقل شيئا أسرع أسرع حياة مثل أختك مثل أختك " . وحياة \ المحبوبة والحياة التي يلجئ إليها علي المحمود تنبعثان من هذه البؤرة المكانية ذلك لان المرأة نعطي الماء ، وتعطي نفسها للماء ، تستسلم للمادة كما ان عملية التطهر تمر عبر الحسد وفي تلك اللحظة ينحل المكان والزمان في اللامتناهي " أي أن الموقف قد تصالب ليكون العري هو قمة الحشمة مثلما كانت الحشمة هي قمة العري ، أي ان فاعلية الذات في تصورها للحدث من حيث تبئيره هي المحرك الأساسي في بلورة الموقف تجاه الموضوع ، وولادة القصة الجديدة يحمل في طياته عملية التذكر عاملا أساسيا في رسم موقف البطل : "ودخلت يا علي إلى الحمام .. وكانت حياة تستحم عارية .. ورغما عنك حانت منك نظرة إليها .. ورايتها في كامل ثيابها المحتشمة . وكان المساء .. وولدت قصة جديدة". إن مثل هذا الانزياح عن قصة الإطار وعدم الوقوف عند الموقف السياسي وتضخيمه لتكون المقاومة أحادية البعد هو ما يميز نص الكاتب محمد علي سعيد ، وبإمكاننا أن نمثل لرأينا هنا في الخطاطة التالية : " العيش = موت = خطر مهدد . أنثى = حياة = حرمان = زواجها من قبل الشيخ إشكالية الموقف : خروج على الحياة = تمرد= مقاومة حصار الرغبات = تمرد الذات = مقاومة إشكالية المكان : البيت حصار = الحمام = حصار = مبعث للحياة – الماء " * د. حسين حمزة: محاضر ورئيس قسم اللغة العربية في كلية إعداد المعلمين في حيفا..