كتبت / جيهان السنباطى الآلاف من قوات الأمن , والعشرات من القناصة على أسطح المنازل فى الشوارع والميادين , لتأمين "مسيرة الوحدة" التى شملت كل أنحاء فرنسا للتنديد بالإرهاب , وبالهجمات المسلحة التى شهدتها فرنسا مؤخراً , تلك المسيرة التى خرج فيها نحو 3.7 مليون فرنسى , وشارك فيها نحو خمسين من زعماء العالم ، كتفاً بكتف مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند , يتصدرهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس وزراء تونس المنتهية ولايته مهدي جمعة، ووزراء خارجية مصر الجزائر والإمارات ولبنان، ومحمد بن حمد آل ثاني ممثل دولة قطر. كل هذا الحشد الدولى من أجل التنديد بمقتل 12 صحفياً من جريدة شارلى إيبدو الفرنسية على يد متطرفين أوروبيين يعتنقون الديانة الإسلامية .... كل هذا الحشد لمواجهة المتطرفين المنحدرين من جذور عربية وكأنهم مخلوقات فضائية تحتاج مواجهتها إلى تضافر الجهود الدولية ... كل هذا الحشد للتأكيد على أن التطرف مرفوض فى البلاد الأوروبية رغم أنه من صنيعة أياديهم ... كل هذا الحشد ليؤكدون كذلك على أن تلك العمليات الإرهابية إنما هى عمليات دولية وليست محلية , وأن تزامنها مع العمليات العسكرية الفرنسية في مالي وفي سوريا وليبيا والعراق ليس هو السبب المباشر في تنفيذ هذه العملية , والتأكيد على أن سياسة فرنسا الدولية فى مكافحة الإرهاب ليست هي الجانية على فرنسا ، وبالتالي فإن الأصوات الداخلية التي تطالب بإعادة النظر في السياسة الخارجية الفرنسية ، وخاصة مسألة التدخل العسكري في العديد من بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط ، هذه الأصوات لا معنى لها ، فالأمر له أبعاد دولية ، وكان سيحدث سواء تدخلت فرنسا عسكرياً في الخارج أم لم تتدخل . كل تلك التخوفات الفرنسية تشير الى أى مدى بلغت حالة الهلع والهيستريا التى أصابة فرنسا عقب حادثة شارلى إيبدو والى أى مدى تتخوف من تتكرار وإتساع دائرة تلك العمليات فى فرنسا ودول أوروبا , وأن يحين موعدهم مع تذوق مرارة الإرهاب وضحاياه ويحصدون مازرعته أياديهم . يذكرنى الموقف الفرنسى بمثل شعبى قديم يقول " ضربنى وبكى , وسبقنى وإشتكى " فكل الأحاديث الفرنسية تعقيباً على ضحايا شارلى إيبدو تشير فقط إلى أنهم ضحايا الواجب ويدفعون ثمن حرية الرأى والفكر والتعبير , ولايجدون فى إهانة الرسول الكريم – صل الله عليه وسلم – من خلال تناوله بالسخرية الكاريكاتيرية أى حرج , بل يؤكدون على أن هذه السخرية إنما هو فن وإبداع , ولايبالون بمدى ماتمثله تلك الرسومات من إستفزاز لمشاعر المسلمين فى العالم كله , وعليه فلاينظرون للأسباب المؤدية الى الحادثة بل ينظرون فقط إلى عدد الضحايا , لا أقلل هنا من مصيبة قتل النفس البشرية ولكن لايمكن أن نعفى هؤلاء القتلى من المسؤلية فمثلما كان القتلة متطروفون فأنا أيضا أرى أن المقتول متطرف ويقع عليه مسؤليه هذا الفعل فالتطرف ليس فقط فى المغالاة فى التدين بل يشمل التطرف فى اهانة كل المقدسات كما كانت تقوم به تلك الجريدة وتعمدها إهانة الرسول الكريم محمد – صل الله عليه وسلم - فهذا هو نتاج الديموقراطية الغير أخلاقية . وإن كان هذا بالفعل هو فن وإبداع فلماذا لايتناولون الديانات الآخرى كالمسيحية واليهودية بالتعليق الكاريكاتيرى الساخر أم أن الكيل بمكيالين سيصبح سمة من سمات الفنانيين المبدعين مثلما يتقنها من قبلهم السياسيين المحترفين .