بقلم الدكتور ياسر منجى يكفيكَ وأنتَ موجودٌ، افتراضياً، في الفيسبوك أن تعطَس عطسة واحدة، واحدة فقط، لتتأكد بالدليل القاطع أن هذا الفضاء العجيب هو أخصَب مجال لإثبات "نظرية التَلَقّي"؛ فكما قلتُ لك، يَكفي أن تعطس عطسةً واحدة، لتجد على الفور عشرات الاستجابات الغريبة، التي يغَنِّي كُلُّ واحدٍ من أصحابها على ليلاه؛ فهذا يظنك تتهكم على عطسةٍ سبق وأن عطَسَها هو منذ سنوات، لِتفاجَأ بأنه أزالَك من قائمة أصدقائه، و(نِزِل فيك شِتِيمة) لمدة أسبوع. وآخَرُ يحسَبُكَ تطلق العطسة كنايةً عن شيءٍ في نفسك، فيسألك (إنبوكس) بِِلزوجة عن معنى العطسة ومغزاها، وعن سببِها، هل هو عائلي؟ أم لمشاكل في العمل؟ أم (تَلقيح) على أحدِهِم؟ وثالثٌ من عشاق الجدَل ومُدمِني السفسطة يبادِرُك بالخلاف والاعتراض، مطالباً إيّاك بالاعتراف أنك قد وقعت في خطأٍ فادحٍ حين عطست، وبأن تشهد له بأنه يجيد العطس أفضل منك، وأن تتعهَّد أمام الملأ أنك (حَرَّمت تعطس). ثم يتصدى لك رابعٌ مِمَّن يظنون في أنفسهم (الفَكاكة والفتاكة)، فيعلق على عطستك بالألغاز والأحاجي، محاولاً إثبات أنه (فاهم الفولَة)، وأنه قادر على التحدث بالرموز والتلاعُب بالشفرات. وخامسٌ يريد استدراجَك إلى أشياء لا علاقة لك بها، وإقحامك في تفاهاتٍ تخُصُّه وحده، فيبادرك بتعليقٍ كارِثِيٍّ قائلاً: "آآآآه، إنتَ لازم تقصد فلان، أنا برضُه كنت متأكد إن رأيك فيه إنه حرامي غسيل". ثم تأتي إحداهُن من محترِفات الاصطياد في الماء العَكِر، لتعلق على العطسة بأشكال قلوب وغَمَزات ووجوه تُقَبِّل الهواء، لترُدّ عليها أخرى من صاحباتها على صفحتك قائلة: "أيوة بقى يا سوسو يا جامدة"، مع الكثير مِن "بوهؤ بوهؤ بوهؤ" و"ههههه" و"هئ هئ هئ". ولابد أن تتوقع واحداً من مهاويس الكلام في السياسة، يبادرك مفسراً العطسة بتعليق من نوع: "فعلاً، عندك حق، الله يرحمه "السلطان عبد الحميد"، بس بَرضُه "أتاتورك" كان كاريزما شديدة". وبالطبع لن يفوتك الاستمتاع مع ضحايا البارانويا؛ لتجد أحدهم وقد كتب على حسابه بعد دقيقة من عطستك: "حسبي الله ونِعم الوكيل، ربنا ينتقم من كل اللي بيعطسوا عَلَيّا". ثم ينقض على رأسك أحدُ أولئك الصامتين، الذين لا يتفاعلون معك (بِتَعريفة) منذ أن أضافك، فضلاً عن كَونِكما لا تتقابَلان أساساً، فيرسل لك رسالة مِن عينة: "واااااااحشنيييييي، باشا كبير طول عُمرَك ومنَوَّر الفيس. إممممم، الواد ابني "جريشة" لسة مخلَّص جيش، وأمُّه نِفسَها تفرح بيه قبل ما تموت، ما ينفعش سعادتك تشوف له أي عطسة بعد الضُهر؟". وبعيداً عن كل هؤلاء الظاهرين، يقبعُ أخطرهُم؛ ذلك الذي لا تشعر به أبداً، ذلك الذي يظل كامِناً، لابِداً، (سُهُنِّاً)، مكتفياً بأخذ لقطة print-screen لشاشتك، وإرسال صورتها في رسالة إلى أحد المُهتَزّين مِن فاقِدي الثقة في أنفسهم، مع تعليقٍ مِن قبيل: "شايف حضرتك؟ بيعطَس، والعطسة شكلها رايحة ناحية حضرتك، يعني عاوز يقول إن حضرتَك ما تساويش بَصَلة. جالَك كلامي حضرتك؟". عزيزي مستخدم هذا الفضاء الاتصالي التَعِس، ألَم أَقُل لك إنه أخصَب مجال لإثبات "نظرية التَلَقّي"؟ ها أنت الآن ترى بنفسك العشرات مِمَّن يُجَسِّدون هذه النظرية على الفيسبوك تجسيداً، على نحوٍ يجعل مِن "جادامير" و"ياوس" و"آيزر" مجموعة مِن الهواة، ويُثبت أن "آلان بافيو" مجرد (صَبي عَجَلاتي). عزيزي مستخدم هذا الفضاء الاتصالي التَعِس، حاول ألّا تعطس، فكَم مِن عطسةٍ أطلَقَت سراحَ نُزَلاءٍ بالعباسيّة. أما إذاً كنت مُصِرَّاً، فعلى مسؤوليتك، واستعد لارتداء (كاسارولّة) على رأسك.